تستعد لمقابلة عمل، أو تنتظر نتائج طبية ... نعاني جميعاً من القلق بشكل يومي لأسباب مختلفة. ولكن عندما يصبح هذا القلق مفرطاً دون سبب حقيقي، ويستمر على مدار اليوم مسبباً لصاحبه المعاناة والألم، فغالباً ما يكون ذلك مؤشراً على اضطراب القلق المعمم (GAD). يحدثنا فيما يلي الطبيب النفسي والاختصاصي في اضطرابات الوسواس القهري (OCD) واضطرابات القلق الشديد، أنطوان بيليسولو، عن أعراض اضطراب القلق وكيفية علاجه.
كيف نميز القلق الشديد عن اضطراب القلق المعمم؟
القلق المعمم هو في الواقع شكل حاد من التوتر. يعاني المصابون باضطراب القلق المعمم (GAD) من القلق خلال معظم اليوم ولمدة 6 أشهر متتالية على الأقل، دون أن يكون التوتر الذي يؤدي إلى هذا القلق مبرراً. إن ما يميز اضطراب القلق المعمم عن القلق الشديد هو الاستمرارية وغياب سبب حقيقي للقلق، لأن الأعراض في كلتا الحالتين متشابهة ومرتبطة بالتوتر ونذكر منها: التهيج، واضطرابات النوم، وصعوبة التركيز.
وتختلف شدة القلق من شخص لآخر، إذ يمكن أن يكون شديداً لدى البعض وبسيطاً لدى آخرين، وقد يعتبر البعض هذا القلق والتوتر العصبي والجسدي الذي يصاحبه أمراً "طبيعياً".
ويتجلى تأثير اضطراب القلق المعمم في القلق الشديد، واجترار الأفكار، وفي حالات أخرى تبرز أعراض جسدية أكثر أهمية مثل: التعب، التوتر العضلي، دون وجود أسباب عضوية واضحة. إن القلق المعمم يمثل معاناة حقيقة للمصاب به، يمكن أن تصبح يومية وغير محتملة بالنسبة له.
هل البعض أكثر عرضة من غيرهم للإصابة باضطراب القلق المعمم؟
يجيب أنطوان بيليسولو: " غالباً ما يكون الأشخاص الذين يصابون باضطراب القلق المعمم أكثر استعداداً للتوتر والقلق، ويملكون مزاجاً أكثر حساسية، وميلاً أكبر لأن يكونوا عاطفيين. وغالباً ما يعاني هؤلاء الأشخاص في البداية قلقاً مستمراً يمكن تحمله، يتحول أخيراً لاضطراب القلق المعمم. يعد العمر أيضاً عاملاً مهماً حيث يظهر اضطراب القلق في أغلب الأحيان لدى الأفراد في عمر 40 إلى 45 عاماً. ويمكن تفسير ذلك ببساطة، أننا كلما تقدمنا في العمر ازداد قلقنا بشأن المستقبل، وأصبحت إمكانية السيطرة على التوتر والتعب أكثر صعوبة. أخيراً، تتأثر النساء باضطراب القلق المعمم بمقدار الضعف مقارنة بالرجال، وإحدى الفرضيات المطروحة لتفسير التمثيل الزائد للإناث، تعتبر ذات طبيعة اجتماعية وتعليمية وهي أن الآباء يميلون في كثير من الأحيان إلى ممارسة الضغوط على الصبية، بينما يسمحون للفتيات بإطلاق العنان لعواطفهن. وعند الكبر يجد الرجال طرقاً لتوجيه انفعالاتهم من خلال، على سبيل المثال، تعاطي الكحول، في حين أن انفعالات النساء تتجسد باضطرابات القلق والاكتئاب أو مشاكل الرهاب. ولا يمكن استبعاد وجود عوامل هرمونية وبيولوجية أيضاً، لكنها تظل غير مؤكدة في الوقت الحالي.
اقرأ أيضا: ما هو اضطراب الشراء القهري؟
علاج القلق المعمم
إن العامل الأهم في علاج اضطراب القلق والسيطرة عليه هو التفريق بين مرحلتي المرض. وتتصف المرحلة الأولى بأنها حادة، وهي مرحلة الأزمة. وعادة ما تتجلى في نوبة قلق قوية مصحوبة بالأرق والعصبية. ولابد من استجابة سريعة لنوبة القلق هذه للحد منها، وتعد بعض الأدوية المضادة للقلق من نوع البنزوديازيبين (ليكسوميل، زاناكس، إلخ) فعالة جداً، ويتم وصفها أغلب الأحيان. ومع ذلك قد لا تجدي المعالجة قصيرة المدى نفعاً مع المريض، أو حتى أنها قد تسبب مشاكل، في علاج اضطراب القلق على المدى الطويل.
أحد العوائق الرئيسية لاستخدام البنزوديازيبينات هو التعود، الذي يمكن أن يسبب مشكلة للمريض. لذا يمكن استخدام مضادات القلق الأقل تأثيراً والتي تعمل بنفس الطريقة، وإذا كان بالإمكان السيطرة على الأزمة باستخدام الطرق غير الدوائية فيجب إعطاء الأولوية لها مثل: الاسترخاء، والتأمل، والدعم النفسي، وما إلى ذلك.
بمجرد انتهاء الأزمة الحادة، سنكون أمام احتمالين. إما أن يظل القلق شديداً ولا تزول الأعراض، وفي هذه الحالة، من الممكن إعطاء وصفة مؤقتة من مضادات الاكتئاب من أجل تخفيف القلق والتوتر، ووقف اجترار الأفكار لدى المريض.
أما الاحتمال الآخر فهو أن يشعر الشخص بالتحسن، ويمكنه حينها الانتقال إلى العلاج طويل الأمد القائم على العلاج المعرفي والسلوكي، أو الرياضة أو التأمل مثل اليوجا. إن الأمر الأهم من العلاج هو تعلم كيفية التحكم في التوتر لتغيير عادات نمط الحياة التي أدت إلى اضطراب القلق المعمم، وتنطبق هذه التعليمات على الشخص الذي يُعالَج بمضادات الاكتئاب أيضاَ.