هل تصبح العلاجات عن بعد مستقبل الطب النفسي؟

مستقبل الطب النفسي
shutterstock.com/Photographee.eu
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتزايد أعداد الأطباء النفسيين الذين يلجؤون إلى استعمال الإنترنت لتتبع مرضاهم. فهل الجلسات العلاجية عن بعد، عبر كاميرا الويب أو البريد الإلكتروني أو الرسائل القصيرة، فعالة حقاً؟ هل ستكون هي مستقبل الطب النفسي القادم؟ وكيف يمكن استخدامها بطريقة جيدة؟

  1. بين التدريب والعلاج
  2. إطار عمل أكثر مرونة
  3. أهمية الجسد الحقيقي

إذا كتبت “العلاج عبر الهاتف” أو “العلاج عبر سكايب (أو كاميرا الويب)”، ستظهر لك فوراً على الشاشة مئات المواقع المتخصصة، إنها منصات تضم العشرات من المعالجين أو الأطباء النفسيين المستقلين الذين اختاروا العالم الافتراضي. وتبدو للوهلة الأولى مواقع مثل موقع “وينغو” (Wengo) أو موقع “أستشير معالجي النفسي” (Jeconsulteunpsy.com) مثل مراكز تجارية كبرى تبيع العلاجات. ويتم تقييم خدمات هؤلاء المعالجين في هذه المواقع مثلما يتم تقييم الفنادق على موقع “تريب أدفايزر” (TripAdvisor). كما يُشار إلى هؤلاء في بعض الأحيان بأسمائهم الشخصية فقط، مثل العرافين. فتشير نقطة الضوء الملونة إلى أن المعالجة هناء مثلاً متفرغة، أو أن الطبيب النفسي سامر مشغول مع مريض. نقرة واحدة على اسم الشخص الذي نفضله، ربما بسبب تخصصه أو ببساطة لأن وجهه يبدو جذاباً وإنسانياً، ثم تبدأ جلسة الاستشارة، على الرغم من أن كل هؤلاء جميعاً علماء نفس حقيقيون من خريجي الجامعات. ومن المستحيل أن يحتال هؤلاء على المرضى، لأنهم ملزمون بإظهار الرقم المهني الذي يثبت حصولهم على الشهادة الجامعية المتخصصة. كما أن معظمهم يعمل أيضاً في مؤسسات الرعاية أو في عياداتهم الخاصة. وفيما يلي بعض المفاتيح لنفهم جيداً هذه الأنواع المختلفة من الجلسات.

بين التدريب والعلاج

توفّر هذه المنصات الكبيرة النصائح بشكل أساسي وحسن الإنصات، فإنها لديها معنى أكبر من التعريف الحرفي لكلمة علاج. “عملنا يدخل أكثر في إطار التدريب، لكن هذا لا يعني أن هذه الاستشارات ليست علاجية. وإنما فيها قدر من الود والتعاطف”، هذا ما يوضحه المحلل النفسي أوليفييه دوفيل الذي غالباً ما يستخدم تقنية سكايب لمتابعة المرضى أو الإشراف على المحللين النفسيين الذين يعملون من خارج فرنسا. وتساهم طريقة الاستشارات هذه في دمقرطة العلاج النفسي، كما أن المزيد من الأطباء النفسيين الذين يستقبلون مرضاهم في العيادات، بدؤوا هم أيضاً بممارسة العلاج النفسي عن بُعد. فأصبح للكثيرين منهم مواقع خاصة على الإنترنت تقدم زيادة على المعلومات الخاصة بحياتهم المهنية، تفاصيلَ عن “فلسفتهم” العلاجية سواء تعلق الأمر بالتدريب الذي يوفرونه، أو كيفية تصورهم لمسألة العلاج والصحة العقلية. هذه الشفافية تطمئن المرضى لأن الحصول على هذه المعلومات في سياق العلاج التقليدي، يعد أمراً استثنائياً. وتسمح الجلسات عبر الإنترنت لسكان المناطق التي تفتقر لعروض علاجية باستشارة المعالج النفسي دون الاضطرار إلى السفر عشرات الكيلومترات من أجل لقاء لا تتجاوز مدته الزمنية 45 دقيقة. كما أن هذا النوع من الجلسات عن بعد يفتح المجال أمام الأشخاص الذين تمنعهم حالتهم الصحية الجسدية من التنقل. وإذا كان من النادر أن تتجاوز الاستشارات التي تقدمها المنصات المتخصصة 5 أو 6 جلسات في فترة قصيرة، فمن الممكن، من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالمعالج، القيام بعمل أكثر تعمقاً.

إطار عمل أكثر مرونة

لا يسمح الحضور عبر الإنترنت للمعالجين النفسيين بزيادة زبائنهم فقط. إنه أيضاً فرصة لهم لتقييم قدرتهم على العمل في حالات الطوارئ. حالات من قبيل اكتئاب عميق لم يعد يطاق أو أزمة نفسية بسبب الانفصال عن شريك الحياة أو معاناة أمّ لم تعد تطيق بكاء طفلها، وتصرخ على الهاتف بأنها سترميه من النافذة. بالنسبة لفابيان كرمر، الطبيبة والمحللة النفسية المستقلة، فإن العالم الافتراضي هو اختيار لأسلوب حياة. لقد كانت فابيان تسافر كثيراً، وأصبح تقديم الاستشارات في العيادة أمراً معقداً للغاية بالنسبة لها. أما الآن فإنها تلتقي مرضاها في المقهى ذاتها. ثم تكمل معهم جلسات العلاج عن بعد عبر سكايب أو الهاتف أو البريد الإلكتروني. تقول فابيان عن تجربتها “لقد وجدت أن سكايب يوفر شكلاً مختلفاً من أشكال التواصل. كما يمكن للمرضى أيضاً إرسال رسائل نصية لي لإخباري عندما لا يكونون على ما يرام. وأنا أتابع بعضهم عن بعد منذ أربع أو خمس سنوات، بما في ذلك بعض الأزواج. وقبل بضع سنوات، كان العمل عبر سكايب يبدو أقل جدّية، لم يعد الأمر كذلك اليوم. فهو في نهاية المطاف نوع من العمل عن بعد”.

أهمية الجسد الحقيقي

يعتمد العلاج على الكلام. وسواء جرت الجلسة في العيادة أو أمام شاشة فهذا لا يهم. ومع ذلك، فإن العمل الافتراضي يعرف غياب عنصر أساسي. إنه الجسد. يقول فيليب بوريه، المحلل النفسي، الذي يستخدم سكايب فقط مع أولئك الذين لا يستطيع متابعتهم بأسلوب آخر، “من المستحيل بدء عمل علاجي دون مصافحة المريض. من الضروري عقد لقاء مسبق يسمح بالانخراط الشخصي للمعالِج”.

ويشدد أوليفييه دوفيل على أن “الجسد الافتراضي أمام الكاميرا والجسد الحقيقي ليسا نفس الجسد. فالجسد الحقيقي يحمل معه كثافة وألغازاً ما، وهي أمور يصعب على الصورة عكسها. بدون الحضور المادي لجسد المعالِج، هناك أشياء لن تُقال أبداً. مثلما يصبح من المستحيل تحليل رسائل المريض، والطريقة التي يرى بها المريض المعالِج، وما يلقيه عليه من قول، وهي كلها أمور أساسية في العمل العلاجي”. ماذا إذاً؟ الصوت أم الصورة؟ أم الصوت والصورة معاً؟ تقول فابيان كرمر “باستخدام كاميرا الويب، نلاحظ التعابير الدقيقة لوجه المريض، والتوترات التي تشير إلى إحساسٍ يجتاحه، والدمعة التي ستنزل”. ولكن، فيليب بوريه يقلل من أهمية ذلك، لأنه في نظره ليس بالضرورة ميزة للمريض. فحتى لو لم تكن العين الرقمية مثبتة عليه، يمكن للمريض أن يشعر بالتسمّر تحت نظر المعالِج. والخلاصة في نظر بوريه هي أن “الوجود الحقيقي يوفر مزيداً من الحرية، والمزيد من احترام الذات للمريض”، والمرضى هم من يقولون ذلك على حد قوله.

المحتوى محمي !!