ملخص: الفصام عند الأطفال هو اضطراب نفسي معقّد ومنهك للطفل أو المراهق وذويه. تصاحب الإصابة به مجموعة واسعة من الأعراض مثل الأوهام والسلوك غير المنتظَم؛ حيث يكافح الأطفال المصابون بالفصام في المدرسة والعلاقات الاجتماعية والأنشطة اليومية؛ ما يجعل التدخل والعلاج المبكّر ضروريَّين للأطفال المصابين بهذه الحالة. ويمكن أن تشمل خيارات العلاج الأدوية والاستشارات الأسريّة والخدمات التعليمية المتخصّصة. ومن خلال التوجيه والدعم المناسبَين؛ يمكن للأطفال المصابين بالفصام أن يعيشوا حياة أفضل ويحقّقوا أحلامهم.
يُعتبر الفصام عند الأطفال من الاضطرابات طويلة الأمد التي تستغرق الكثير من الوقت لإيجاد علاجات مناسبة بحسب كل حالة، وهو يغيّر طريقة تفاعل الطفل مع مَن حوله بسبب أفكاره. وقد لا تكون الأعراض ظاهرة على الطفل المصاب بالفصام بشكل واضح، لا سيما في المراحل المبكّرة من الإصابة.
غالباً، تظهر بوادر الفصام في مرحلة المراهقة، أما في مرحلة الطفولة، فمعدل الإصابة به منخفض على نحو كبير، الأمر الذي يلقي الضوء على أهميّة التشخيص الصحيح والفحص المبكّر للطفل لاكتشاف الفصام والبدء في الوقت المناسب في رحلة العلاج والرعاية الطبية.
ما هو فصام الشخصية عند الأطفال؟
فصام الشخصية (Schizophrenia) هو اضطراب نفسي يجعل رؤية الطفل المصاب به للواقع من حوله غير حقيقية، وعادة يكون مصحوباً بالهلاوس والأوهام. ويؤثّر الفصام في سلوك الطفل ومشاعره بحيث تختلف عن السلوكيات والمشاعر الطبيعية، وقد يزداد اضطراب الفصام صعوبة عندما يكون للطفل المصاب أشقاء غير مصابين يتجاهلونه؛ ما قد يجعله أكثر ميلاً إلى العزلة.
يصيب اضطراب فصام الشخصية عند الأطفال الذكور والإناث بشكل متساوٍ، وعادة يخلط الناس بين فصام الشخصية واضطراب آخر هو اضطراب الهوية التفارقي (Dissociative Identity Disorder)؛ لكن هذا الأخير هو الذي يُظهر فيه المصاب أكثر من شخصية في سلوكه.
ما أعراض الفصام عند الأطفال؟
أبرز الأعراض الشائعة لدى الأطفال الذين يعانون من الفصام هي: الانسحاب من المشاركة في أي نشاط جماعي، والخجل والانزواء بعيداً، والتحدّث بشكلٍ متكرّر بشأن أفكار غريبة وغير طبيعية، والتشبّث بالأبوين أكثر والخوف المستمرّ من الغرباء.
وتتفاوت أعراض الفصام من طفل إلى آخر وفق الخبراء من منظمة سيدارز سيناي (Cedars-Sinai) للرعاية الصحية، ويمكن إيجاز أهم هذه الأعراض التي تظهر في مرحلة الطفولة فيما يلي:
- الخلط الدائم بين الواقع ومشاهد الأفلام وبرامج التلفاز.
- كثرة الأوهام والهلاوس وسماع أصوات غير موجودة.
- القلق والتردّد والمزاجية المفرطة.
- عدم القدرة على التعبير.
- الارتباك والشعور بالهياج بشكل متكرّر.
- السلوك غير المنتظم؛ مثل التحديق لوقت طويل في مكان ما، أو التصرّف بخصوصية شديدة في الأماكن العامة.
والجدير بالذكر أن للأعراض الذهانية أكثر من تشخيص، وليس كل طفل يعاني من أيّ عَرَض منها هو بالضرورة مصاب بفصام الشخصية.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يسيء الأبوان تفسير سلوكيات طفلهم الفوضوية أحياناً مثل افتراضه وجود صديق وهمي، ويروا أنها من أعراض الفصام، ولذلك من الضروري استشارة الطبيب المختص عند الشك في أي سلوك غير مألوف يصدر عن الطفل.
وقد يؤدّي الإهمال وعدم الانتظام في العلاج إلى تطوّر أعراض الفصام عند الطفل، فتظهر مضاعفات عديدة مثل محاولات إيذاء النفس. وفي مرحلة المراهقة، قد تصل المضاعفات إلى تعاطي الكحول والمواد المخدّرة، أو حتى الانتحار في بعض الحالات الحادّة.
وتوضّح الخبيرة النفسية دانا المجادبة إنّ أبرز أعراض فصام الطفولة تكون واضحة؛ وتتمثّل في تأخر النطق، أو التأخّر في المشي، أو الحبو بطريقة ملفتة أو القيام بحركات غير طبيعية أو متناسقة، بالإضافة إلى الحديث غير المتناسق، وتُعتبر هذه العلامات أعراضاً تساعد على الاكتشاف المبكّر؛ لكن تفاقمها بعمر 13 سنة يستوجب توجّه الأهل إلى المختص النفسي.
اقرأ أيضاً: اضطراب الوسواس القهري لدى الأطفال
ما الذي يسبّب الإصابة بفصام الأطفال؟
تُعتبر الوراثة من أبرز العوامل التي قد تؤدي إلى الإصابة بالفصام عند الأطفال؛ إذ للجينات دور بارز في التأثير في دماغ الطفل، لا سيما إذا كان في السجل الوراثي للعائلة أكثر من حالة لاضطراب الفصام.
وإذا كان للطفل أقرباء من الدرجة الأولى مصابون بالفصام، تزداد احتمالات إصابته به نحو 20 مرة، أما إذا كان المصابون من عائلته من درجة بعيدة عنه، فحينها تقلّ احتمالات إصابته به.
كما تؤدّي البيئة دوراً مهماً في إصابة الطفل بالفصام، وبخاصة إذا كانت الأسرة تتعرّض بصفة دائمة للضغوط والخلافات العائلية وسوء التغذية؛ إذ تؤثّر هذه العوامل أحياناً في الإصابة باضطراب الفصام.
خيارات العلاج الدوائي والنفسي
يهدف العلاج الدوائي إلى الحدّ من الأعراض والسيطرة عليها بشكل أكبر، ويمكن أن يستغرق تحسّن أعراض الفصام بالعلاج الدوائي عدة أسابيع بحسب تطوّر كل حالة.
ووفقاً لخبراء المكتبة الوطنية الأميركية للطب (NLM)؛ قد يقترح الطبيب المختص عدداً من مضادات الذهان والهلوسة مثل: أريبيبرازول (Aripiprazole)، ولوراسيدون (Lurasidone)، وأولانزابين (Olanzapine)، وكويتيابين (Quetiapine)، وريسبيريدون (Risperidone). وجدير بالذكر إن إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) تعتمد دواء باليبيريدون (Paliperidone) لعلاج الأطفال المصابين الذين تزيد أعمارهم عن 12 سنة.
كما قد يصف الطبيب المعالج أدويةً لتحسين الحالة المزاجية واستقرارها مثل تلك التي تتضمّن الليثيوم (Lithium) وحمض الفالبرويك (Valpropic Acid)، وللمرحلة العمرية الاعتبار الأكبر عند وصف مضادات الذهان من الجيل الأول أو الثاني.
ويجب أخذ الآثار الجانبية لكثيرٍ من أدوية الفصام في الحسبان، لا سيما إذا كان الطفل يتناول أدويةً أخرى في الوقت نفسه. وأحياناً تكون الآثار الجانبية لأدوية الفصام أشدّ حدّةً في المراحل المبكرّة، لذلك يُنصح بمتابعة الأسرة لأيّ جديدٍ يظهر على الطفل المصاب بالفصام ومراجعة الطبيب.
أمّا العلاج النفسي، فهو يساعد على تقليل أعراض الفصام وفقاً لخبراء ويب إم دي (WebMD)؛ إذ من خلاله يستطيع الطفل أن يتعلّم كيف يمكنه التعامل مع أعراض هذا الاضطراب كما أنه ينمّي قدرته على التواصل مع مَن حوله، ويعتمد نجاح العلاج النفسي على دور الأسرة في توفير الدعم لطفلها وتشجيعه على المشاركة في أنشطة جديدة.
وينبغي تضمين العلاج النفسي والدوائي في خطة العلاج للحصول على أفضل نتائج ممكنة. وفي بعض الحالات المستعصية، قد يوصي الأطباء بإلحاق الطفل المصاب بفصام الشخصية بالمستشفى ليلقى رعاية طبية أكبر.
هل يُشفى الطفل المصاب بالفصام؟
يسهم التشخيص المبكّر في بدء علاج الطفل المصاب بالفصام سريعاً، ويعتمد شفاء الطفل على مدى حدّة الأعراض التي ظهرت عليه وصحته العامة وجودة الرعاية الطبية المقدَّمة.
وكلما حصل الطفل على المساعدة والدعم ممَّن حوله من أطباء وأسرة ومجتمع، أصبحت نتيجة العلاج أفضل وازدادت فرصه في الشفاء.
وتجدر الإشارة إلى أن حالات كثيرة من الأطفال الذين تم تشخيصهم فيما قبل بالفصام، قد تعافت وعادت إلى حياتها الطبيعية بعد الانتهاء من البرامج العلاجية المكثّفة. أما بالنسبة إلى الأطفال الذين لا يشفون بالكامل، يمكن للجمع بين العلاج الدوائي والنفسي أن يزيد فرص انخراطهم في المجتمع والتكيّف وتنمية ما لديهم من مهارات ليكونوا أكثر رضا وتصالحاً مع حياتهم.
اقرأ أيضاً: تعرف إلى اضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال
يمكن أن تكون تجربة التعايش مع الفصام عند الأطفال في مرحلة الطفولة صعبة للغاية لكلٍّ من الطفل وأسرته ووترك أثراً كبيراً في حياتهم؛ إلاّ أنّه مع الدعم والتفهّم وخطة العلاج المناسبة، من الممكن أن يعيش الطفل حياة طبيعية وذات معنىً. ومن المهم أن يتذكّر الأهل أن الإصابة بالفصام لا تعني أنه لا يمكن لطفلهم عيش حياة ناجحة؛ إذ من الممكن جدّاً أن يعيش حياةً مليئة بالرضا والسعادة والنجاح.