تنطوي اضطرابات الأكل عند الأطفال والمراهقين على مخاطر صحية كثيرة ويكون لها تأثير مباشر على كل من النمو البدني والنفسي لديهم، كما ترتبط في كثير من الأحيان بأمراض كالسمنة أو النحافة الشديدة، والعديد من الأمراض الأخرى التي تشكِّل مصدر قلق صحي رئيسي.
تتعدد تلك الاضطرابات ما بين اضطراب تناول الطعام الانتقائي، وفقدان الشهية العصبي، والشره المرضي العصبي، ونهم الطعام.
اقرأ أيضاً: ما هي الطرق التي تساعدك على تناول طعامك بوعي واطمئنان؟
الأنواع الشائعة لاضطرابات الأكل عند الأطفال
تتعدد اضطرابات الطعام في أعراضها وكذلك في عوامل خطرها وتأثيرها على الصحة. وفقاً للرابطة الأميركية للطب النفسي، فهي تشمل:
1. اضطراب تناول الطعام الانتقائي (ARFID):
وهو أحد اضطرابات الأكل الشائعة، وكثيراً ما يعاني منه الأطفال الصغار. تشمل أعراض هذا الاضطراب عدم الاهتمام بتناول الطعام أو النفور من بعض الأطعمة بناءً على الملمس أو اللون أو المذاق أو درجة الحرارة أو الرائحة.
أحد أسباب اضطراب تناول الطعام الانتقائي هو الخوف من الإصابة بآلام في المعدة أو القيء أو الشعور الذي يتولّد لدى الطفل إذا مرض بسبب طعام معين إثر تناوله في مرة سابقة، فيحاول الابتعاد عن تناوله مرة أخرى. يمكن أن يؤدي هذا النفور إلى فقدان الوزن ونقص التغذية لدى الأطفال، بالإضافة إلى التأثير على النمو.
2. فقدان الشهية العصبي (Anorexia):
يمكن أن يؤثر فقدان الشهية العصبي على كل من الفتيات والفتيان وعادة ما تتطور تلك الحالة خلال فترة المراهقة. يعتقد الأطفال المصابون بفقدان الشهية أنهم يعانون من زيادة الوزن ويشعرون بأنهم بدناء حتى عندما يكونون نحفاء للغاية؛ ذلك لأنهم يكون لديهم تصوّر غير صحيح عن شكل أجسامهم، لذلك يحاولون الحفاظ على وزن أقل من المتوسط بالنسبة لأعمارهم وطولهم.
قد يمارس الأطفال والمراهقون المصابون بهذا الاضطراب الرياضة بشكل مكثّف، أو تناول الطعام بشراهة ثم التقيء أو استخدام الأدوية المليّنة للتحكم في وزنهم، وكذلك قد يلجؤوا لتجويع أنفسهم أو تناول القليل من الطعام.
قد يكون لهذا الاضطراب أبعاد أكثر من مجرد الأكل أو الوزن؛ قد يكون طريقة غير صحية للتعامل مع المشاكل العاطفية والرغبة في السيطرة، والمعاناة من مشاكل نفسية أخرى مثل اضطرابات المزاج أو القلق.
أشارت دراسة أجراها باحثون من معهد الطب النفسي وعلم النفس والأعصاب بلندن، وإمبريال كوليدج، وجامعات إكستر، وكوينز بلفاست، وبريستول، وليفربول بالمملكة المتحدة، حول تقييم حدوث فقدان الشهية العصبي لدى مجموعة من الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و17 عاماً في المملكة المتحدة وأيرلندا، إلى ارتفاع نسبة انتشار هذا الاضطراب بنسبة كبيرة بين الأطفال والمراهقين. كذلك، فهذا الاضطراب له عواقب صحية خطيرة؛ فالأفراد الذين يعانون من اضطرابات الأكل لديهم معدلات وفيات مرتفعة بشكل ملحوظ.
اقرأ أيضاً: اضطراب فقدان الشهية العصبي
3. الشره المرضي العصبي (Bulimia):
ينخرط الشخص المصاب بهذا النوع من الاضطراب في نوبات من الأكل بكميات كبيرة، غالباً ما يتم الأكل في السر، يتبعه تقيؤ، أو الإفراط في ممارسة الرياضة، مثل الجري على جهاز المشي لساعات.
نظراً لأن معظم المصابين بالشره المرضي العصبي يكونون من ذوي الوزن المتوسط أو الزائد قليلاً، فقد لا يكون واضحاً للآخرين أن هناك شيئاً غير صحيح. غالباً ما يبدأ هذا الاضطراب في أواخر سن المراهقة أو بداية مرحلة البلوغ ويتم تشخيصه في الغالب عند النساء.
قد يعاني الأشخاص المصابون بالشره المرضي من مشاكل نفسية أخرى، بما في ذلك الاكتئاب والقلق. كذلك، قد تشمل الأعراض تغير لون الأسنان أو تلطيخها ، وتورم في الخدين أو منطقة الفك ، وتقلبات متكررة في الوزن، بالإضافة إلى عدم انتظام الدورة الشهرية.
4. اضطراب نهم الطعام (Binge Eating Disorder):
الأشخاص الذين يعانون من اضطراب نهم الطعام يأكلون كميات كبيرة بشكل غير معتاد من الطعام في كثير من الأحيان وفي الخفاء ولكن لا يحاولون التخلص من تلك السعرات الحرارية. قد يشعر الأشخاص المصابون بهذه الحالة بالحرج أو الشعور بالذنب بشأن الإفراط في تناول الطعام، لكن لا يمكنهم التوقف.
يمكن أن يكون هؤلاء الأشخاص من ذوي الوزن المتوسط أو يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، وفي الغالب يكون لهذا الاضطراب بُعد نفسي يتمثّل في صعوبة التعامل مع مشاعر كالغضب والحزن والملل والقلق والتوتر.
في دراسة من الجامعة الأميركية بالشارقة لتقييم الارتباط بين الأكل بشراهة والحالة النفسية ومعدلات مستويات التوتر والأكل العاطفي والشعور بالذنب المرتبط بشكل الجسم والوسواس القهري والاكتئاب لدى 254 شاباً بدولة الإمارات، تم الإبلاغ عن الأكل بنهم معتدل إلى شديد من قبل ثلث المشاركين. أوضحت النتائج أن الإفراط في تناول الطعام قد يستخدمه البعض كاستراتيجية تكيف لتخفيف المشاعر السلبية، بما في ذلك الملل والوحدة.
كذلك، كان كل من الأكل العاطفي والشعور بالذنب المرتبط بشكل الجسم من أكثر العوامل الإيجابية قوة للتنبؤ بنهم الأكل.
علامات مبكرة لاضطرابات الأكل عند الأطفال
يُعد الاكتشاف المبكر والوقاية عاملين أساسيين في علاج اضطرابات الأكل. لذلك، فملاحظة العلامات المبكرة لاضطرابات الأكل أمر مهم حقاً. تشمل تلك العلامات التي غالباً ما تكون غير واضحة:
- الخوف من آلام المعدة.
- النفور من مذاق أو قوام بعض الأطعمة.
- نوبات الغضب.
- التبرز المفرط.
- القلق بشأن صورة الجسد.
قد تتطور تلك العلامات لتشمل الامتناع عن الأكل أو تقليل كميات الطعام، وفقدان الوزن وترقق الشعر ونمو شعر ناعم على الجسم، بالإضافة إلى تأخر البلوغ ومشكلات الجهاز الهضمي كالإمساك، وكذلك تقلب المزاج والشعور بالإعياء والقلق.
أسباب اضطرابات الأكل
لا يزال السبب الدقيق لاضطرابات الأكل غير معروف، لكن هناك عدداً من العوامل التي قد تزيد من فرصة إصابة الشخص باضطرابات الأكل. بحسب دراسة من جامعة مينيسوتا بأميركا؛ يمكن أن تكون اضطرابات الأكل وراثية؛ لذلك إذا كان أحد الوالدين أو الأشقاء أو أحد أقارب الطفل مصاباً باضطراب في الأكل، فمن المرجح أن يُصاب به الطفل.
كذلك، فالأطفال الذين يعانون من الاكتئاب والقلق وأمراض نفسية أخرى قد يكونون أيضاً في خطر متزايد.
علاج اضطرابات الأكل عند الأطفال
كلما تم تشخيص هذه الاضطرابات مبكراً، كان من المرجح أن تكون نتائج العلاج أفضل. بحسب الرابطة الأميركية للطب النفسي؛ تتطلب اضطرابات الأكل، بسبب تعقيدها، خطة علاج شاملة تتضمن الرعاية الطبية والمراقبة والتدخلات النفسية والاجتماعية والاستشارات الغذائية، بالإضافة إلى الأدوية في بعض الأحيان.
يستدعي العلاج ثلاث مراحل رئيسية:
- استعادة الوزن الصحي في ظل اتباع نظام غذائي شديد.
- علاج الاضطرابات النفسية مثل تشوه صورة الجسد وتدني احترام الذات واضطرابات القلق والتقلّبات المزاجية.
- إعادة التأهيل على المدى الطويل أو الشفاء التام، والتشجيع على ممارسة التمارين الرياضية الصحية دون إفراط.
اقرأ أيضاً: أفضل الحميات الغذائية
كن داعماً لطفلك
غالباً لا يعرف أو يعترف الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل بأنهم مرضى. نتيجة لذلك، يقاومون بشدة الحصول على العلاج والاستمرار فيه. لذلك، يمكن لأفراد الأسرة أو غيرهم من الأفراد الموثوق بهم أن يساعدوا في ضمان حصول الشخص المصاب باضطراب الأكل على الرعاية وإعادة التأهيل اللازمين.
إذا كنت تعتقد أن طفلك يعاني من أحد "اضطرابات الأكل"، فيجب أن تتحدث معه بشأن ذلك الأمر بهدوء وبطريقة مباشرة واجعله يشعر أنك ستكون داعماً له وستساعده، واطلب منه أن يخبرك كيف يبدو الأمر بالنسبة له.
العلاج يستغرق وقتاً وجهداً، لذلك يجب أن تكون صبوراً خلال الخطة العلاجية التي سيضعها فريق الرعاية للحصول على المساعدة التي يحتاجها طفلك. من المهم أيضاً أن تحافظ على علاقة قوية وإيجابية مع طفلك عن طريق تخصيص الوقت للاستماع والتحدث والقيام بأشياء يستمتع بها كلاكما.
أيضاً، قد يكون التأكيد على أن البقاء بصحة جيدة بدلاً من الوصول لوزن معين وتشجيع السلوكيات الصحيّة هو مفتاح العلاج.
وأخيراً، حاول أن تركز على أسلوب حياة صحي؛ فذلك سيشجّع كل فرد في عائلتك على أن يكون نشطاً وأن يتّبع نظاماً غذائياً صحياً متنوعاً.