ما هي الطرق التي تساعدك على تناول طعامك بوعي واطمئنان؟

الأكل الحدسي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الخوفُ من وجبات الغداء غير الصحي يُفسد علينا متعة الجلوس حول مائدة الطعام في كثير من الأحيان. كيف يُمكنك التصالح مع طبق مأكولاتك؟ من خلال الأكل الحدسي والإصغاء إلى جوعك، وغرائزك، وحواسك بكل بساطة.

  • فقدان الغريزة، فقدان المراجع
  • أعد اكتشاف أحاسيس الطعام
  • ترويض الجوع
  • 10 نصائح لإعادة اكتشاف متعة الأكل

الشعور بفمك يسيل باللعاب، وبراعم التذوق ترتجف، وسماع صوت جوعك قبل أن تجلس على المائدة. أن تكتشف الأذواق المختلفة وتستمتع بها؛ تتلذذ بعد التهام بضع قضمات… ذلك هو المقصود بتناول طعامك بكل وعي واطمئنان. إنه الإصغاء إلى أحاسيسك، والثقة في جسدك، والسماح لغريزتك بالتعبير عن نفسها، بدءاً من المقبلات، إلى وجبة الحلوى الأخيرة، مع طرد الأفكار الطفيلية التي تفسد عليك متعتك… إنها وصفة بسيطة مثلها مثل طبق اليوم الاعتيادي؛ وصفة من المفروض أن تحثنا الفطرة السليمة جميعاً على اتباعها.

ومع ذلك! أصبح تناول الطعام امتحاناً شاقاً حقيقياً بالنسبة للكثيرين في عصرنا هذا. بمجرد أن ندخل المطبخ، تغمرنا سلسلة التساؤلات: أي وجبة أحضّر اليوم؟ كيف؟ ما نوع الصلصة؟ وعندما نقابل المواقد، تبدأ الرغبات المتناقضة في التصادم، في خضم أصوات الأواني والمقالي المتزاحمة. “تنافر النظام الغذائي”، وفقاً لمخترع هذا المصطلح؛ عالم الاجتماع كلود فيشلر، مؤلف كتاب “الإنسان الأكول: الذوق، الطبخ، والجسد”، (L’Homnivore : le goût, la cuisine et le corps)؛ بفعل إغراقنا تحت سيل من التنبيهات الغذائية التي تزرع في نفوسنا الشكوك، ونتيجة معاناتنا من دكتاتورية النحافة وتهديدنا بقوانين الكمال الغذائي؛ لم نعد نعرف إلى أي “نظام صحي” نولي أمرنا. وبعد السأم الذي حل بنا من هذه الحرب المفروضة على أجسادنا، أصبحنا نتردد في خيارنا، متأرجحين بين الانغماس في فوضى الطعام أو على العكس من ذلك؛ حبس أنفسنا في سجن الهوس بالأكل الصحي (الأورثوريكسيا).

فقدان الغريزة، فقدان المراجع

عيادات اختصاصيي التغذية، والأطباء النفسيون، والآن المعالجون بالوسائل الطبيعية حتى… لم يعد المرضى يلجؤون إليهم بالضرورة من أجل إنقاص الوزن؛ ولكن يأتون إليهم لمعرفة كيفية تناول الطعام الصحي. وهؤلاء المتخصصون يؤكدون ذلك: أصبح الإنسان يقضي وقتاً لا يُصدق في التفكير في طعامه، في محاولة منه إلى جعله يتطابق مع معتقداته، وينسجم مع آخر المعرفة العلمية المتوفرة… لكن هذا العصف الذهني، سرعان ما يتعارض مع شهيتنا التي تتضخم كلما أهملناها. ومن فرط التنظير حول الطعام، لم نعد نستمع إلى أجسادنا وعواطفنا، ولم نعد نسمع الإشارات التي يبعثها إلينا إحساسنا بالجوع والشبع. مثل هذا الصمم إزاء هذه الإشارات الحاسمة، كفيل بأن يفتح الباب أمام كل أوجه الإفراط والتجاوزات.

يُذكِر الطبيب والمعالج النفسي جيرارد أبفيلدورفر في مقدمة كتابه الأكل بوعي واطمئنان (Manger en pleine conscience): “عندما تأكل برأسك، يتم ذلك بنوع من الريبة، مع خوف شديد يتمسك بطنك”. يقترح المؤلف جان شوزين بايز؛ طبيب أطفال ومعلم رياضة التأمل زن، طريقةً سهلةً في متناول الجميع، تسمح لنا بإعادة اكتشاف أنواع الجوع التي تحاصرنا، والتخمة، والشبع… ما هي الفكرة الرئيسية التي تقوم عليها هذه الطريقة؟ تتلخص في استشعار فعل الأكل من خلال كل حواسنا. لإعادة اكتشاف المتعة وتجنب الأوتوماتيكية التي تدفعنا باتجاه الأكل غير الصحي، أو زيادة الوزن، يكفي أن نرشد انتباهنا، دون إلقاء أي أحكام على اللحظة الحالية المتمثلة هنا تحديداً في فعل الأكل، تماماً مثلما كُنا أطفالاً صغاراً وكانت لا تزال تربطنا علاقة غريزية بالطعام. لغاية سن الرابعة؛ حسب جان شوزين بايز، يعرف الطفل متى يكون جائعاً ومتى أكل ما يكفيه. وكما يشير إليه الطبيب الاختصاصي؛ والذي يُنَشِط ورش عمل التغذية بكل وعي واطمئنان، في أحد الأديرة في ولاية أوريغون: “الوجبات الغذائية تشكل بالنسبة للأطفال لحظات للتزود، استراحات قصيرة؛ لكنها ضرورية وسط فترات اللعب. في جدول أوقات الطفل، تناول الطعام يمثل شيئاً ثانوياً فحسب”.

لكن الأمور تتعقد مع كِبر الأطفال ونموهم، بحيث لم يعد الطعام بمثابة وقود لهم فحسب؛ بل أصبح يسهم أيضاً في تهدئتهم، وإلهائهم، وإغرائهم، ومكافأتهم؛ بل وحتى معاقبتهم… “عملية التغذية برمّتها أصبحت مصدر انشغال كبير، ونوعاً من الأدوية المتوفرة بحرية، ولا تستلزم وصفةً طبيةً، لتهدئة العديد من الضغوط والقلق، الناتجَين عن أنماط الحياة مفرطة النشاط”، يوّضح الاختصاصي المعالج. العلاقة الصريحة والمباشرة التي كانت تربطنا بوجباتنا الغذائية، أصبحت تشوّش عليها، عادات الأكل التي انتقلت إلينا بواسطة بيئتنا وأقاربنا، إلى أن انتهى الأمر بتحكم العقل وإلزامه بملاحظات من قبيل “عليك أن تكمل أكل طبقك”، “عليك أن تتناول اثنين على الأقل من منتجات الألبان يومياً” أو “هذا ليس جيداً لصحتك” وغيرها من الأوامر والمخاوف التي أفسدت الحكمة الغذائية التي اكتسبناها بالفطرة، وضيعت علينا متعتنا البريئة.

أعد اكتشاف أحاسيس الطعام

كيف يمكننا اكتشافها بشكل ملموس؟ أولاً؛ تناول كميات طعام أقل وبنوعية أفضل، يُلخِص المختصون. يرى الكثير منهم علامات التصالح مع أطباقنا الغذائية تلوح في الأفق، والمفارقة هنا أننا ندين بهذا التحسن والتعافي، لتراكم فضائح غذائية على مدى الثلاثين عاماً الماضية، من جنون البقر إلى لازانيا الخيول. بعد التعبير عن سخطنا وارتيابنا، نريد الآن ما هو جيد في أطباقنا، في مطابخنا. أصبحنا نولي أهميةً أكبر لجودة المنتجات ومكان إنتاجها وموسميتها. تستمر المنتجات العضوية في الانتشار والرواج، ومثلما هو سائد في أوقات الأزمات، أصبحنا أيضاً “نأكل محلياً” بحكم الضرورة، مع تفضيل اقتناء المنتجات المحلية. ثمة خبرٌ سارٌ آخر، جِد مناسب للصحة ولكوكبنا، إننا الآن نستهلك لحوماً أقل مما كنا عليه في الماضي. وأصبحنا نطبخ لأنفسنا في مناسبات أكثر، مثلما يشهد على ذلك نجاح كتب الطبخ ومدونات الطعام والبرامج التلفزيونية.

من نافلة القول حسب المتخصصين؛ لا شيء يضاهي أن تشمر عن ذراعيك لاستعادة أحاسيس الطعام وإعادة اكتشاف متعة الجلوس حول المائدة. ثمة علامة أخرى تدل على تصالحنا مع الوجبات الغذائية: صدور إدانة رسمية من قبل الوكالة الوطنية للأمن الصحي (Anses) موّجهة إلى الحميات الغذائية المتبعة لغرض فقدان الوزن، نظراً لما تنطوي عليه من مخاطر. بالنظر إلى ما تتضمنه من واجبات و”محظورات”؛ تجبرنا هذه الأنظمة الغذائية على ضبط أنفسنا باستمرار، حتى لو اقتضى الأمر حرماننا من رغباتنا واحتياجاتنا ودفعنا إلى تجاوزات خطيرة.

ترويض الجوع

هل معنى ذلك أن نطلق العنان لرغباتنا في الطعام؟ يخبرنا الخبراء أن “الشخص الوحيد الذي يعرف ما تحتاج إليه هو أنتَ”. إذا استمعت إلى رغباتك واستطعت التوقف عندما لم تعد تشعر بالجوع، فقد تحقق هدف تنظيم الوزن، وهذا ما ترومه فكرة “الأكل الحدسي”؛ وهي حركة عالمية تدعو إلى استعادة الأحاسيس الغذائية (حركة اشتهرت بفضل إيفلين تريبول وإليز ريش؛ مؤلفا كتاب “الأكل الحدسي: برنامج ثوري ناجح” (Intuitive Eating : A Revolutionary Program That Work))، يمثل “الأكل الحدسي” نظاماً غذائياً لكم من غير حمية، يوصي به الآن بعض المعالجين في فرنسا؛ مثل الطبيب النفسي جيرار أبفيلدورفر وخبير التغذية جان فيليب زيرماتي ومعظم زملائهم من مجموعة التفكير حول البدانة وزيادة الوزن (Gros). الخطوة الأولى: تعلم كيفية التعرف على الجوع الحقيقي. لهذا الغرض؛ يوصي المعالجون بإسقاط وجبة الإفطار من أجل انتظار العلامات الجسدية الأولى: قرقرة البطن التي يستقبلها بعض الناس أحياناً بقلق، على اعتبار أنهم نسوا تماماً ذلك الشعور وما يعنيه. بمجرد ترويض الجوع، يبقى الجزء الصعب هو معرفة لحظة التوقف عندما تأكل ما يكفي. يظل من الصعب تحديد الشعور بالشبع، خاصةً بعدما اعتاد المرء قضاء وقته بين القيود والإكراهات. يحدث هذا الشعور عادةً بعد أكثر من عشرين دقيقة من بدء تناول الطعام. الشعور بفقدان لذة الطعام الذي بدا لنا لذيذاً في بداية الوجبة هو علامة أخرى للتوقف… وفور تلاشي المتعة، لا بد من التوقف عن الأكل، حتى لو اقتضى الأمر تناول وجبة خفيفة في انتظار الوجبة الرئيسية التالية.

أخيراً؛ لإعادة الربط بالمتعة؛ يُنصح بتعبئة جميع حواسك. يطلب المعالجون المختصون، ضمن مجموعة (Gros) العاملة في مجال ترشيد المعنيين بالبدانة وزيادة الوزن، من مرضاهم، الإتيان بأحد أغذيتهم المفضلة، ثم وصف شكله ولونه ولمسه ليشعروا بنسيجه، وإشراك حاسة الشم أيضاً؛ والتي غالباً ما توقظ المشاعر المرتبطة بالطفولة، المشاعر التي رسخت علاقتنا بالطعام. وفي الأخير التذوق: يتم تذوّق الطعام ببطء ولا يُبتلع مباشرة؛ بل يحتفظ به في الفم لمدة عشرين ثانية. الذين يجرون هذا الاختبار يكتشفون لهذه الأغذية العديد من النكهات التي كانوا يجهلونها… “غير أن هذه اليقظة الذهنية ليست بالضرورة في متناول الجميع ولا تجري فقط حول المائدة”، يلاحظ المعالج الطبيعي توماس أوهل. من الصعب أحياناً إخماد حالات التوتر والعواطف السلبية. بالنسبة له من الضروري طرح هذه الأسئلة أثناء الأكل أو عند تناول الوجبات الخفيفة: هل أنا في طور التعافي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا أشعر بالهدوء والسكينة؟ في هذه الحالة، يُنصح بممارسة بعض الأنشطة مثل اليوغا، والتأمل، والتشيغونغ، أو أنواع الرقص التي تحرر التعبير الجسدي: “الأكل بوعي، يقتضي أيضاً اتباع نهج أكثر شموليةً يُحقق التوازن في الحياة. بعبارة أخرى؛ يعيد اكتشاف حقيقة مفقودة يمكن تلخيصها في ثلاث كلمات: تناول الطعام لتعيش”.

10 نصائح لإعادة اكتشاف متعة الأكل

يُجمِع معظم الاختصاصيين المعالجين، حول مجموعة من النصائح البسيطة لإعادة الربط بالأحاسيس الغذائية والتخلص من الأنماط التي تقيدنا.

  • انتظر إلى أن تشعر بالجوع قبل تناولك الطعام.
  • تخلَّ عن نظام الحمية الغذائية، والأهم من ذلك؛ لا تبدأ يومك بالتفكير والتخطيط لتقييد نفسك.
  • اشرب كوباً من الماء قبل الأكل، لأن الجسد قد يفسر العطش على أنه جوع.
  • تناول غداءك في جو هادئ، بدون راديو أو تلفزيون أو حاسوب أو جرائد، ومن حين لآخر؛ بمفردك. بالاستماع إلى أحاسيسك، لن تشعر بالملل!
  • خذ وقتك في الاستمتاع بالنظر والتمعن في وجبتك الغذائية، وشم مكوناتها ثم تذوقها بتمهل.
  • تمهل قدر الإمكان أثناء تناول طعامك، امضغ برفق، ضع الصحون على مائدتك، خذ رشفة…
  • إذا شعرت برغبة جامحة في تناول شيء خفيف خارج الوجبة؛ أجبر نفسك على الجلوس وتناولها ببطء، واستمتع بها. ضعها جانباً بمجرد انتهاء المتعة.
  • سجل على قطعة من الورق ما أكلته وما شعرت به من أحاسيس في تلك اللحظة. من شأن ذلك أن يُمكنك من إدراك ما الذي تبحث عنه لدى تناولك بعض الأطعمة: الراحة، والتهدئة، والإدمان…
  • كن لطيفاً مع نفسك ولا تؤاخذها على إفراطها. انتظر فقط حتى تشعر بالجوع لتناول الوجبة التالية.
  • استمتع بشيء آخر، غير الأكل.

المحتوى محمي !!