قيل الكثير عنها، وليس ذلك بأمر غريب لأن الجميع دون استثناء يسعى إلى بلوغها، فقد ربط بعض العظماء والمفكرين السعادة بإبداعهم وإنجازهم؛ حيث يرى فرانكلين روزفلت أنها: "تكمن في متعة الإنجاز ونشوة المجهود المبدع".
وربطها آخرون بالأخلاق مثل المفكِّر السوري مصطفى السباعي الذي قال: "الأخلاق أولاً ثم العلم والكفاءة، هذا هو مفتاح السعادة". بينما أكد آخرون مثل الأديب والشيخ علي الطنطاوي إنها لا ترتبط بكثرة الأموال والممتلكات، فقال: "ليست السعادة بالأموال ولا القصور ولكن بسعادة القلب".
السعادة حتماً تعني أشياء مختلفة لكل شخص حسب تجاربه الحياتية؛ غير أن بلوغها قد يتطلّب سلوك المسارات نفسها وتبنّي استراتيجيات محدّدة.
إذاً ما تعريفها من منظور علم النفس؟ وما الاستراتيجيات التي حدّدها خبراء الصحة النفسية بناءً على فعاليتها وجدواها في زيادة سعادة الأفراد؟
ما هي السعادة في علم النفس؟
السعادة حالة عاطفية يرغب الجميع في تجربتها، وهناك العديد من التعريفات المختلفة لها في علم النفس؛ لكن التعريف الأكثر شيوعاً هو: "الحالة النفسية أو العاطفية للعافية التي تتميز بالعواطف الإيجابية التي تتراوح بين الرضا والفرح الشديد".
كان السعي وراء السعادة هدفاً للعديد من كتب وفلسفات المساعدة الذاتية، وموضوعاً للبحث العلمي منذ زمن أرسطو على الأقل. وتُستخدم أيضاً كمصطلح شامل لوصف الحالة النفسية والعاطفية للشخص، ويمكن أن تكون لها معانٍ عديدة مختلفة اعتماداً على السياق الذي تُستخدم فيه.
لا يوجد تعريف ثابت للسعادة في علم النفس، فقد عُرّفت بطرق مختلفة من قبل علماء النفس المختلفين بمرور الوقت. تم تطوير التعريفات الأكثر تأثيراً من قبل عالم النفس أبراهام ماسلو (Abraham Maslow) الذي يرى أن سر السعادة الحقيقية يكمن في الوصول إلى قمة هرم الاحتياجات الإنسانية؛ وهي نظرية نفسية قدّمها ماسلو عن هرم الاحتياجات لدى الإنسان، تتضمن قاعدته الحاجات الأساسية مثل الطعام والماء والنوم؛ والتي يجب تلبيتها للوصول إلى الاحتياجات الأعلى في الهرم وعلى رأسها الحاجة إلى تحقيق الذات.
وهناك العديد من العوامل المرتبطة بسعادة الأفراد التي يهتم علماء النفس بدراستها لمساعدتهم على تحقيق أهدافهم المنشودة. كما أن دراسة استجابات الأشخاص التقييمية للعالم قد توفر معلومات لهؤلاء العلماء حول الخصائص الأساسية للطبيعة البشرية؛ ذلك أحد المبادئ الأساسية التي توجه النظرية النفسية بناءً على فكرة أن الكائنات الحية بما فيها الناس والحيوانات لديها الحافز الطبيعي للتعامل مع ما يسبب المتعة وتجنُّب ما يسبب الألم.
كيف يمكن قياس السعادة؟
رغم أنه ليس بالسهل أو البسيط تطوير مقاييس للسعادة، فقد حاول الباحثون تقييمها. ويخبرنا الباحث والمتخصص في فهم وتعزيز السعادة من جامعة كولومبيا البريطانية بكندا مارك هولدر (Mark Holder)، أن العديد من الأشخاص بما فيهم العامة من الناس والأكاديميين أيضاً يشكّكون في إمكانية قياس السعادة، بينما هناك خمس مقاربات علمية حاول من خلالها الباحثون قياس السعادة؛ وهي كالآتي:
- المقاربة البيولوجية: يبحث العلماء من خلالها عن المؤشرات البيولوجية التي تشير إلى مستويات السعادة مثل الهرمونات والناقلات العصبية مثل السيروتونين.
- المقاربة السلوكية: تهدف إلى فحص السلوكيات مثل تكرار الابتسام والضحك ومساعدة الآخرين على فهم السلوكيات المرتبط بالسعادة.
- مقاربة التدابير الضمنية: وتعني تقييم سعادة الأفراد من خلال ردود أفعالهم على المواقف التي تُعرض عليهم؛ حيث يتم الربط بين المصطلحات الإيجابية والسلبية المستخدَمة من قِبلهم بالنفس والآخرين.
- مقاربة الاستناد إلى تقارير أطراف أخرى: أي أن يُطلب إلى أشخاص تقييم سعادة آخرين؛ كأن يُطلب من الآباء والمعلمين تقييم سعادة الأطفال.
- مقاربة التقارير المُبلغ عنها ذاتياً: وهي الطريقة الأكثر شيوعاً لقياس مستويات سعادة الناس من خلال استخدام مقاييس متعددة العناصر أو سؤال واحد مثل: "بالنظر إلى حياتك ككل؛ ما مدى سعادتك؟".
العلامات التي تدل إلى السعادة عند الأشخاص
قد تختلف تصوراتنا للسعادة من شخص لآخر، غير أن خبراء "سايكولوجي توداي" (Psychology Today) يربطونها بوجود هدف ومجموعة قِيم في حياة الأشخاص، فهم يجدون سعادتهم في الأشياء البسيطة كالاستمتاع بفنجان شاي أو الجلوس تحت شجرة.
ويتفق أغلب خبراء الصحة النفسية والباحثين على العلامات التالية كأبرز المؤشرات الخارجية التي تدل إلى تمتع الأشخاص بمستوى سعادة جيد:
- الانفتاح على الأفكار وتعلّم أشياء جديدة.
- الشعور بالامتنان.
- ممارسة الرعاية الذاتية.
- ممارسة التعاطف ومساعدة الغير.
- الاستعداد للضحك والابتسام دون تردد.
- التمتع بعلاقات اجتماعية صحية.
- الرغبة في مشاركة سعادتهم مع الآخرين.
اقرأ أيضاً: كيف نصل إلى السعادة؟
تعرّف إلى 12 من استراتيجيات السعادة التي يوصي بها الخبراء
يرى خبراء الصحة من مركز ديوك لسلامة وجودة الرعاية الصحية (The Duke Center for Healthcare Safety & Quality) أن الطريق إلى السعادة يحتاج في بعض الأحيان إلى أفكار بسيطة. لذلك؛ يقترحون 12 استراتيجية مثبَتة علمياً لتعزيز التفاؤل وتبنّي المرونة الكفيلَين بتحفيز سعادة الأفراد.
1. استشعر الامتنان لكل ما يمنحك السعادة
احتفظ بمذكراتك بشكل دائم من أجل تدوين خواطرك حول كل النعم والأشياء التي تشعر بالامتنان من أجلها، وشارك أفكارك حولها مع شريكك أو صديقك المقرَّب.
2. نَمِّ التفاؤل
يمكنك أن تحتفظ بمذكرة تدوّن فيها أهدافك ونقاط قوتك وضعفك والموارد التي ستساعدك على تحقيقها، مع تحديد الحواجز المعيقة حتى تفكر في حلول لها، وتعزز بذلك مهارة التفاؤل المرن.
3. تجنَّب الإفراط في التفكير والمقارنة الاجتماعية
تخلّص من التفكير الزائد من خلال تخصيص حصص للتأمل؛ كما يمكنك إلهاء نفسك بأنشطة إيجابية أخرى تُجنبك الانشغال بالتفكير واجترار الأفكار والمقارنات.
4. مارس الرّأفَة
حدّد عملاً أو أعمالاً صغيرة تعبّر عن الرأفة واللطف تقوم بها ليوم واحد في الأسبوع من أجل الأشخاص من حولك.
5. غذِّ علاقاتك
يمكن أن ترعى علاقاتك الاجتماعية من خلال تخصيص وقت أسبوعي للقاء مع المقربين أو التخطيط من أجل لمّ شمل عائلي بين الفينة والأخرى دون وجود هواتف ذكية، حتى تعزّز التواصل المتكامل مع أفراد العائلة. كما أن التعبير عن تقديرك للأشخاص في حياتك مهم جدّاً بقدر أهمية تقديم الدعم والمحافظة على الهدوء في المواقف المتوترة.
6. مارس المزيد من الأنشطة التي تضعك في حالة التدفق
يُقصد بالتدفق قدرتك على التحكم في انتباهك وتركيزك على عيش اللحظة الحاضرة، فمن خلال الانفتاح على الأنشطة والتجارب الجديدة تتيح لنفسك خلق تجربة تعلّم مستمرة وتجد مغزىً حتى للمهام الروتينية التي تقوم بها.
7. تمتّع بمباهج الحياة
أن تتعلم كيف تستمتع بالتجارب اليومية العادية يعني أن تكون منفتحاً على رؤية الجمال والتميّز في الذكريات التي جمعتك مع العائلة والأصدقاء، وتدرك المتعة البسيطة التي تأتي مع لحظات الحاضر دون القلق المفرط من ما سيأتي مستقبلاً.
8. التزم بأهدافك
حتى تستطيع الالتزام بأهدافك بشغف؛ عليك أن تقسمها إلى أهداف فرعية وتؤمن بقدرتك على تحقيقها. ويجب أن تتميز الأهداف التي تختارها في حياتك بسِمات مثل الأصالة؛ بمعنى أن تكون أهدافاً تخصّك أنت، والتناغم مع باقي أهدافك لا معاكستها، والمرونة حتى تكون قابلة تتكيّف مع الفرص المتاحة لك.
9. طوِّر استراتيجيات التأقلم
تساعدك استراتيجيات التأقلم على التكيف مع تجارب الألم، لذلك من المهم جدّاً أن تطوّر استراتيجيات تفيدك في التعامل مع هذه التجارب. يُنصح أن تكتب على سبيل المثال لمدة 15 دقيقة يومياً لعدة أيام متتالية، عن تجاربك وتحدياتك الخاصة والدروس التي تعلمتها منها.
10. تعلّم المسامحة
إذا تخيّلت شعورك حين يسامحك الآخرون فستعرف بالتأكيد قيمة الغفران والمسامحة. يمكنك أن تضع نصب عينَيك الشخص أو الأشخاص الذين تلومهم على أمرٍ ما وتحاول أن تستشعر أن تسامحهم تماماً، أو اكتب مسامحتك لهم دون معرفتهم بها.
11. مارس التديّن والروحانية
إن كنت تميل إلى التديّن والروحانية، فاسعَ لإيجاد مغزىً لحياتك من خلال الصلاة والممارسات الروحانية كالتأمل مثلاً.
12. اعتنِ بجسدك
تستطيع أن تعتني بجسدك من خلال التأمل والنشاط البدني والابتسامة المتفائلة.
ختاماً؛ في ظل كل المجهودات التي يبذلها العلماء في تقصّي بواعث السعادة لدى الأشخاص والمعلومات التي يقدمونها، لا يسعنا إلا أن نجرب هذه الاستراتيجيات في جميع جوانب حياتنا الشخصية والعملية، فالسعي نحو تحقيق أكبر قدر من السعادة والرضا حق مشروع للجميع.