كشفت دراسة بحثية حديثة أجراها المعهد النرويجي للصحة العامة (Norwegian Institute of Public Health) ونشرتها مجلة الحدود في الطب النفسي (Frontiers in Psychiatry) في مارس/آذار 2025 أن زيادة وقت استخدام الشاشة ساعة واحدة قبل الذهاب إلى النوم يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بأعراض الأرق بنسبة 59% وانخفاض مدة النوم بمقدار 24 دقيقة، فكيف تحظى بنوم جيد بعيداً عن الشاشات؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
كيف يؤثر استخدام الشاشات قبل النوم في تدهوره؟
تهدف الدراسة البحثية السابق ذكرها إلى استكشاف العلاقة بين استخدام الشاشات في السرير وجودة النوم، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، استطلعت الدراسة آراء أكثر من 45,000 طالب جامعي في النرويج تتراوح أعمارهم بين 18 و28 عاماً، وسُئل المشاركون عن عاداتهم في استخدام الشاشات قبل النوم، بما فيها مدة الاستخدام والأنشطة التي اختاروها، وقد أجاب الطلاب أنهم يقضون وقتهم في مشاهدة الأفلام أو التصفح أو الدراسة أو الاستماع إلى المحتوى الصوتي.
بعد ذلك قاس الباحثون أثر تلك الأنشطة في متوسط وقت النوم والاستيقاظ، والنعاس في أثناء النهار، والنوم المتقطع، واستمرار هذه الأعراض ثلاثة أشهر أو أكثر.
وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن زيادة وقت استخدام الشاشة ساعة قبل الخلود إلى النوم يؤدي إلى الإصابة بأعراض الأرق بنسبة 59% وانخفاض مدة النوم بمقدار 24 دقيقة، علماً أن هذه النتائج لم تختلف بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو التطبيقات الأخرى على الهاتف، ما يعني أن استخدام الشاشات بكافة أنشطتها يسبب اضطرابات النوم ويؤثر سلباً في جودته، ويمكن القول أن هذا التأثير السلبي يرجع إلى إزاحة الوقت وليس التحفيز العاطفي أو نوع المحتوى، بمعنى أن وقت الشاشات يُزاحم الوقت الخاص بالنوم.
وأكدت المؤلفة الرئيسة للدراسة، غونهيلد جونسن هيتلاند (Gunnhild Johnsen Hjetland) إن مشاكل النوم شديدة الارتباط بحياة الطلاب بسبب تزايد استخدامهم الشاشات في السرير، ما يوقع آثار سلبية كبرى على حياتهم الأكاديمية وصحتهم النفسية، وتضيف هيتلاند أنها توقعت أن استخدام منصات التواصل الاجتماعي يسبب تدهور النوم بدرجة أكبر بسبب طبيعتها التفاعلية وقدرتها على التحفيز العاطفي، ولكن تبين أنها توقع أثر التطبيقات الأخرى نفسه.
اقرأ أيضاً: بعيداً عن الهاتف الذكي: ما هو أفضل منبه لإيقاظك من النوم؟
لماذا يؤثر وقت الشاشات سلباً في جودة نومك؟
في عالمنا الحديث الذي تطغى عليه التكنولوجيا الحديثة، يستخدم الكثير من الأشخاص أجهزتهم الإلكترونية قبل النوم، والحقيقة أن هذه الأجهزة تؤثر سلباً في جودة نومك للأسباب التالية:
1. انبعاث الضوء الأزرق
توضح طبيبة الأعصاب ومختصة طب النوم، جوانا كوبر (Joanna Cooper) أن هناك منطقة في الدماغ تتحكم في توقيت النوم واليقظة، وهي الغدة الصنوبرية، وتفرز هذه الغدة هرمون الميلاتونين الذي يساعدك على النوم، ولكن الضوء الأزرق المنبعث من جهازك الإلكتروني يسهم في تعطيل عمل هذه الغدة ومن ثم يُثبّط إنتاج الميلاتونين، ما يُصعّب عليك النوم.
2. زيادة نشاط الدماغ
يمكن أن يكون التفاعل مع الشاشات، سواءً من خلال منصات التواصل الاجتماعي أو ألعاب الفيديو أو التطبيقات أو حتى مطالعة الأخبار، مُحفّزاً دماغياً، إذ يمكن للمحتوى الذي تشاهده قبل النوم أن يثير مشاعرك وأفكارك أو يسبب لك القلق، ما يُصعّب عليك الاسترخاء والاستعداد للنوم، وتشرح مختصة طب النوم، جوانا كوبر أنك حتى لو كنت تمارس نشاطاً مُهدئاً عبر الإنترنت فسوف تجد صعوبة في النوم بسبب زيادة النشاط الدماغي، ولأن تلك الأنشطة غالباً ما تسبب إفراز هرمون الأدرينالين الذي يمنعك من الاسترخاء اللازم للنوم.
3. اضطراب الساعة البيولوجية
تعتمد ساعتك البيولوجية، أو إيقاعك اليومي، على إشارات طبيعية مثل ضوء النهار والظلام من أجل تنظيم النوم. وقد يُؤدي التعرض للشاشات، وخاصةً في وقت متأخر من الليل، إلى إرباك هذه الساعة، ما يُؤدي إلى صعوبة في النوم والحصول على قسط كافٍ من الراحة، ويوضح استشاري الطب النفسي، إبراهيم حمدي، أن اضطراب الساعة البيولوجية ينعكس سلباً على حياتك العملية مسبباً أعراضاً نفسية وجسدية.
4. النوم المتقطع
إذا كان هاتفك الذكي بجانبك على السرير ومتصل بالإنترنت فقد تواجه صعوبة كبيرة في النوم والاسترخاء بسبب إشعارات التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، علاوة على الرسائل والبريد الإلكتروني، كل هذه الأمور تؤدي إلى تقطع النوم وقد تُصعّب الاستغراق في النوم العميق والحصول على الراحة.
5. انخفاض القدرة على النوم العميق
يُعد نوم الموجة البطيئة، أو النوم العميق، ضرورياً من أجل استعادة النشاط البدني والدماغي، ويمكن أن يُؤدي التعرض للشاشات، وخاصةً بسبب التعرض للضوء الأزرق، إلى تقليل مدة النوم العميق الذي تحصل عليه، ما يجعلك تشعر بتدني نشاطك عند الاستيقاظ.
اقرأ أيضاً: لماذا يداهمك النوم في ساعات الصباح؟ وكيف تعالج هذه المشكلة؟
6. انقطاع نوم حركة العين السريعة
يؤدي استخدام الشاشات قبل النوم مباشرة إلى تعطيل مرحلة حركة العين السريعة (REM) من النوم، وهي مرتبطة بالأحلام والمعالجة المعرفية، ما يعني أن وقت الشاشة يؤثر سلباً في عمل الذاكرة والوظائف الإدراكية.
كيف تتوقف عن استخدام الشاشات قبل النوم؟
من أجل الحصول على نوم عميق وهادئ عليك التوقف عن استخدام الشاشات قبل النوم، ويمكنك اتباع النصائح والإرشادات التالية:
1. اجعل غرفة نومك منطقة خالية من الشاشات
إبعاد هاتفك والأجهزة الأخرى عن غرفة النوم هو خطوة مهمة من أجل التوقف عن استخدام الشاشات قبل النوم، فعندما يكون هاتفك قريباً، سوف ترغب في تفقد بريدك الإلكتروني أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، أو قد يتشتت انتباهك بإشعارات عشوائية، وحتى مجرد رؤية هاتفك يضيء يمكن أن يفسد نومك، لهذا اترك جميع أجهزتك الإلكترونية خارج غرفة النوم؛ أعلم أن الابتعاد عن هاتفك قد يكون صعباً فأنا أعيش معك في العالم الرقمي نفسه، لكن صدقني الأمر يستحق التجربة.
اقرأ أيضاً: كيف تحدد الوقت المثالي لنومك واستيقاظك؟ خبير يساعدك
2. استعض عن وقت الشاشة بأنشطة بديلة
حين ترغب في التخلص من عادة سيئة، عليك وضع أخرى جيدة مكانها كي تنجح. على سبيل المثال، حين تجعل غرفة نومك منطقة خالية من الشاشات، ستشعر بالملل وتفتقد هاتفك وتصفح منصات التواصل الاجتماعي، لذلك حاول ممارسة أنشطة بديلة محفزة في الوقت الذي اعتدت فيه التعرض إلى الشاشة؛ ما رأيك في الاستحمام بماء دافئ أو قراءة كتاب ورقي، حيث إن تقليب صفحات الكتاب يُشعرك بالراحة والاسترخاء بدرجة لا تصدق، كما أنه وسيلة رائعة للهروب من العالم الرقمي قليلاً.
3. عطّل الإشعارات
تُعد الإشعارات سبباً رئيساً لانجذابك الدائم إلى هاتفك قبل النوم؛ فكل رنين أو صوت يشتت انتباهك عن الاسترخاء ويعيدك إلى العالم الرقمي. لذلك حتى إذا كان هاتفك في غرفة أخرى وبعيداً عن مكان نومك، فسماع الإشعارات من غرفة أخرى يمكن أن يدفع دماغك إلى الاعتقاد بوجود أمر عاجل يجب مواكبته، فيبقى متحفزاًَ ويصعب عليك الاسترخاء والنوم. لذا، عطّل جميع الإشعارات قبل أن تنام، ولا تقلق من أن يفوتك أمر مهم، لأن معظم الأنشطة يمكن أن تنتظر حتى الصباح، والأولوية هي لجودة نومك.
4. مارس تقنيات الاسترخاء
هناك بعض الأنشطة التي تساعد على تهدئة دماغك وجسدك، ما يسهل عليك الخلود إلى النوم، وتشمل بعض تقنيات الاسترخاء الفعالة التي يمكن ممارستها قبل النوم تمارين التنفس العميق وتدوين المذكرات قبل النوم وتمارين التمدد الخفيفة، ويمكن القول إن هذه الأنشطة تُقلّل التوتر والقلق، وتجعل ذهنك أكثر هدوءاً واستعداداً لنوم هانئ. ولذلك في المرة القادمة التي تشعر فيها بالرغبة في تصفح هاتفك قبل النوم، ما رأيك لو تجرب إحدى تقنيات الاسترخاء؟