حصلت بالأمس على قسط كافٍ من النوم العميق بعد عدة ليالٍ مضطربة، وحين استيقظت في الصباح، كان شعاع الشمس يغمر وجهي بالكامل، ابتسمت لهذا النور الجميل، وقررت أن أخرج إلى الشرفة لأنعم ببعض ضوء الشمس الصباحي، وقبل أن أحس بالسعادة تذكرت أني لم أرتب سريري بعد، ولم أنته من مهام عملي بالأمس، لهذا شعرت بأني لا أستحق الإحساس بالسعادة، تُرى ما هي أسباب هذا الإحساس؟ وكيف يمكن التخلص منه؟ الإجابة عبر هذا المقال.
لماذا تعتقد أنك لا تستحق السعادة؟
يسعى معظم الأشخاص سعياً حثيثاً من أجل تحقيق السعادة، وعلى الرغم من ذلك قد تحس أحياناً أنك لا تستحق تلك السعادة، وذلك للأسباب التالية:
1. لم ترَ السعادة في منزلك في أثناء نشأتك
إذا نشأت في بيت مليء بالمشاكل والصراعات فأنت على الأغلب لم ترَ السعادة في منزلك، ومن ثم أنت لا تعرف ماهية هذا الشعور. على سبيل المثال، ربما نشأت في بيئة كانت السعادة تُرى فيها هدفاً بعيداً يجب اكتسابه من خلال العمل الجاد والتضحية، أو ربما تعرضت لحدث مؤلم مثل انفصال والديك جعلك تشعر بأنك لا تستحق الأشياء الجيدة في الحياة.
2. التعرض إلى الصدمات النفسية في الماضي
قد تشعر بأنك لا تستحق السعادة بسبب صدمة نفسية تعرضت لها من قبل. على سبيل المثال، الفتيات الصغيرات اللاتي يتعرضن للاعتداء الجنسي يخرجن من تلك الصدمة وهن يحتقرن ذواتهن، وذلك لأن الصدمات التي يتعرض لها الأطفال لا تترك ندوباً عاطفية فحسب، بل إنها تترك للطفل رؤية مشوهة عن نفسه؛ فهو يعيش في ظل لوم الذات، والخوف من تكرار تلك التجربة المؤلمة، إضافة إلى رؤية العالم بصفته مكاناً غير آمن إلى الأبد، كل هذه العوامل تحجب أي مشاعر للسعادة.
3. تدني احترام الذات
يمكن أن يؤثر تدني احترام النفس تأثيراً كبيراً في شعورك بقيمتك الذاتية؛ فعندما لا تقدر نفسك، ستشعر أنك لا تستحق السعادة، وذلك لأنك لست جيداً بما يكفي أو أنك لن تتمكن أبداً من تحقيق أهدافك، على الجانب الآخر فإن تدني احترام الذات يجعلك تنخرط في الحديث السلبي إلى النفس، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى حلقة مفرغة من الشك الذاتي وانخفاض تقدير النفس وصعوبة الإحساس بالسعادة.
وما يجعل تلك الحلقة المفرغة تتولد باستمرار هو أن الشك الذاتي يشبه الظل الذي يتبعك في كل مكان، ويهمس لك بأنك لم تحقق ما يكفي من الإنجازات ولذلك فأنت تستحق السعادة؛ إنه السرد الداخلي الذي يستمر في تكرار أخطائك، ما يقوض ثقتك بنفسك ويقلل احترامك لذاتك وهكذا.
اقرأ أيضاً: الشيروفوبيا: ما الذي يجعل السعادة مخيفة؟ وما علامات ذلك؟
4. الشعور الدائم بالذنب
إذا كنت عالقاً مع الشعور بالحزن فترة طويلة فقد تحس بالذنب حين تشعر بالسعادة، وذلك لأنك تظن أنك كذبت على نفسك وعلى المقربين منك حين أخبرتهم بحزنك، وهنا يجب عليك أن تعي جيداً الفرق بين الشعور بالذنب العقلاني والشعور بالذنب غير العقلاني؛ الشعور بالذنب العقلاني يحدث عندما تنتهك قيمك الأساسية أو حين ترتكب أحد الأخطاء. على سبيل المثال، حين تكون محباً لطفلك ولكنك تصرخ في وجهه بشدة لأنه يرفض الامتثال لأوامرك، حينها شعورك بالذنب يعد عقلانياً.
أما الشعور بالذنب غير العقلاني فيأتي من الواجبات أو القواعد التي فرضها عليك الآخرون، أو من شعور مشوه بالواقع كأن تكون مقتنعاً أنك السبب في حزن والدتك أو أنك تسببت في طلاق والديك لأنك لم ترتب غرفتك باستمرار، وهنا يجب أن تتأكد جيداً أن الحياة أكثر تعقيداً من قصتك؛ ولم تكن مسؤوليتك وقوتك عظيمة كما تعتقد حتى تغير مجرى الأمور.
5. عدم التسامح مع الذات
ما أعنيه هنا هو أنك قررت عدم مسامحة نفسك، وذلك لأنك ارتكبت بعض الأخطاء في الماضي، أو تسببت في إلحاق الأذى بأحد أصدقائك حين تحدثت إليه بطريقة غير لائقة، ولهذا فأنت حكمت على نفسك بأنك شخص سيئ ومن ثم فأنت لا تستحق أن تكون سعيداً.
6. التعرض للتلاعب النفسي
أحياناً قد تشعر بأنك لا تستحق السعادة لأنك عالق في علاقة مسيئة وتتعرض للتلاعب النفسي ما يعني أن الطرف الآخر يضغط عليك بشدة ويستخدم طرائق خفية وألاعيب حتى يُحكم سيطرته عليك ويحصل على ما يريد من هذه العلاقة، ومن أهم الأساليب التي يلجأ لها الشخص المتلاعب؛ تدمير ثقتك بنفسك، وجعلك تحس بالذنب والشك الذاتي، وفي بعض الأوقات قد يقنعك بأنك دون المستوى ولا تستحق السعادة لأنك لا ترضخ لمطالبه.
7. حلقة التغذية الراجعة السلبية (Negative Mental Feedback Loop)
عندما يعتاد الدماغ على شعور معين يبدأ بتكراره مع مرور الوقت. على سبيل المثال، إذا كنت عالقاً في الأفكار السلبية والمحبطة، سوف يكررها الدماغ، وهو ما يُطلق عليه اسم "حلقة التغذية الراجعة السلبية"، حيث تعمل كل فكرة سلبية على تقوية الفكرة التالية، ما يوقعك في حلقة مفرغة من الصعب الهروب منها، وهذا من شأنه أن يجعل مفهوم السعادة يبدو حلماً بعيد المنال، ومن ثم يعزز الاعتقاد بأنك لا تستحقها.
8. ربط السعادة بتحقيق الأهداف والإنجازات
أحياناً تظن أن السعادة هي المكافأة التي ستحصل عليها حين تحقق أهدافك أو إنجازاتك، ولهذا تنخرط في إنجاز المهام وتلهث وراء تحقيق الأهداف، ولكن الحقيقة هي أن النجاح لا يؤدي دائماً إلى السعادة، حيث توضح المعالجة النفسية، بيكا سميث (Becca Smith)، أن السعي الدائم وراء النجاح يؤدي إلى الشعور بالضغط النفسي والإرهاق والتوتر، بينما تنبع السعادة الحقيقية من النمو الشخصي والعلاقات الصحية والرضا الداخلي.
اقرأ أيضاً: جرب هذه الأساليب لتحفيز هرمونات السعادة في دماغك
كيف تقنع نفسك قناعة راسخة أنك تستحق الشعور بالسعادة؟
التمسك بالاعتقاد بأنك لا تستحق السعادة يمكن أن يكون له عواقب بعيدة المدى، على سبيل المثال قد تخرّب بوعي أو دون وعي نجاحك وتقدمك، ويمكن أن تهدر الكثير من فرص النمو الشخصي، علاوة على الشعور بالعزلة والوحدة، وحتى تتخلص من ذلك الاعتقاد حاول اتباع الإرشادات التالية:
1. طوّر وعيك الذاتي
الخطوة الأولى في تحقيق سعادتك هي تطوير وعيك الذاتي وذلك عبر فهم عميق لنفسك وتجاربك الداخلية، ويتضمن الوعي الذاتي الانتباه إلى أفكارك وعواطفك وسلوكياتك دون إصدار أحكام أو انتقادات، إذ يجب أن تكون صادقاً مع نفسك حتى تتعرف إلى الأنماط والمعتقدات التي تجعلك تحس بأنك لا تستحق السعادة، وإحدى أهم طرائق تطوير الوعي الذاتي هي الكتابة اليومية، لذلك حاول قدر المستطاع أن تأخذ وقتاً كافياً من أجل الجلوس بهدوء ومراقبة مشاعرك.
وتذكر جيداً أن الوعي الذاتي لا يتعلق بالكمال أو إصلاح نفسك، بل يتعلق بتطوير فهم أعمق وقبول ذاتك، مع كل عيوبك من خلال التعامل مع نفسك بالفضول والرحمة، وتنمية علاقة أكثر حباً مع نفسك، ويجب القول إن الوعي الذاتي هو الأساس الذي ستُبنى عليه الاستراتيجيات الأخرى جميعها للوصول إلى سعادتك.
2. مارس الامتنان
الامتنان هو ركيزة أساسية من ركائز السعادة؛ فعندما تقع في حلقة مفرغة من الشعور بعدم الاستحقاق، سوف يميل عقلك إلى التركيز بشدة على ما تفتقر إليه ومن ثم تحس أنك غير كافٍ، وهنا يأتي دور الامتنان الذي يعمل على تحويل انتباهك عمداً إلى الجوانب الإيجابية في حياتك، ما يساعدك على موازنة تلك التصورات المشوهة.
وحتى تبدأ ممارسة الامتنان، خذ بضع دقائق للتفكير في الأشياء الإيجابية بحياتك، مهما كانت صغيرة. على سبيل المثال، يمكن أن تكون محادثة صادقة مع أحد أفراد أسرتك، أو وجبة لذيذة، أو قضاء الوقت مع الأشخاص الذين تحبهم، اكتب أسباب سعادتك في دفتر يوميات، واستمتع بالمشاعر الإيجابية، ومع مرور الوقت سوف تلاحظ تحولاً في منظورك العام.
3. اهتم بنفسك
اعتنِ بنفسك جسدياً ونفسياً، وهذا يعني الحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول الأطعمة الصحية، وممارسة الرياضة بانتظام، علاوة على ذلك، حاول تخصيص بعض الوقت للاسترخاء والتخلص من التوتر، سواء كان ذلك يعني قراءة كتاب، أم الاستحمام، أم قضاء الوقت في الهواء الطلق، يمكنك أيضاً البدء بممارسة التأمل، وفي هذا السياق، يؤكد الطبيب النفسي، عاصم العقيل، أن التأمل يساعدك كثيراً على الشعور بلحظتك الحالية وقبول نفسك، وينظم مشاعرك، علاوة على ذلك فإن التأمل والتركيز على الحاضر يساعدانك على الشعور بالسعادة حتى في وجود بعض التحديات والصعوبات.
اقرأ أيضاً: صحح مفاهيم: 8 أفكار خاطئة شائعة عن السعادة
4. استبدل بالنقد الذاتي التوكيدات الإيجابية
قد تعتقد أنك لا تستحق السعادة لأنك لست جيداً بما يكفي أو ناجحاً بما يكفي، ولهذا حان الوقت لبدء تغيير طريقة تفكيرك، لأن عقليتك خاطئة تماماً! والتأكيدات الإيجابية هي أداة قوية لإعادة برمجة أنماط التفكير الافتراضية الخاطئة الموجودة داخل دماغك. على سبيل المثال، عندما تعاني انخفاض احترام الذات، فإن الشك الذاتي يسيطر على المونولوج الداخلي، والآن حان الوقت من أجل تحويل تصورك لذاتك تدريجياً عن طريق استبدال عبارات إيجابية بتلك الأفكار السلبية.
في البداية، قد يبدو سرد التأكيدات محرجاً أو حتى غير صادق، ولكن حتى لو بدا الأمر غريباً عندما تتحدث إلى نفسك، فاستمر ولا تتوقف، ابدأ بتأكيد جوانب بسيطة يمكن تصديقها بسهولة في نفسك، مثل صفاتك الأساسية أو إنجازاتك، ومع مرور الوقت حاول زيادة تلك التأكيدات. على سبيل المثال، تحدث إلى نفسك قائلاً: "أنا أستحق السعادة والاحترام"، "أنا قادر على عيش حياة مليئة بالحب".
5. أحط نفسك بالأشخاص الداعمين
يمكن للأشخاص الذين تحيط نفسك بهم أن يؤثروا تأثيراً عميقاً في حالتك العاطفية والنفسية وشعورك بقيمتك الذاتية، ولهذا حين تجد نفسك تحس بانعدام القيمة وعدم استحقاق السعادة، حاول قضاء الوقت مع الأشخاص الذين يرفعون معنوياتك ويدعمونك.
6. اغمس قدمك ببطء في بركة السعادة
حين كنت صغيرة كنت أخاف خوفاً شديداً من البحر، وفي إحدى المرات، ذهبت بصحبة عائلتي وجلست بعيداً عن البحر، وقتها طلب مني أبي أن أقترب وأغمس فقط قدمي في البحر، فعلت ذلك وشعرت بالنشوة، ولهذا أطلب منك الآن أن تفعل الأمر نفسه، لا تنخرط في السعادة بكل طاقتك ولا تغمر نفسك بها، فقط اغمس قدميك واقترب قليلاً.
يشبه الأمر طريقة علاج يعتمدها الأطباء النفسيون في أثناء علاج الرهاب وهي التعرض؛ حيث يسمحون للمرضى بمواجهة خوفهم في بيئة آمنة، لذا حاول أنت أيضاً أن تترك نفسك وتجرب، راقب اللحظات التي تشعر فيها بالسعادة، اكتبها في دفتر صغير، واسمح لنفسك أن تحس بها دون إصدار أحكام، تعامل مع لحظات السعادة وكأنها انتصارات صغيرة، وتوقف عن الإحساس بأنك تفعل شيئاً خاطئاً.