ملخص: كيف تتعامل مع وقت الفراغ الخاص بك؟ هل تظن أنه كافٍ بالنسبة لك؟ هل تشعر بأنك ستكون أكثر سعادة إذا حصلت على المزيد منه؟ إذا كانت إجابتك نعم فالحقيقة أنك مخطئ، لقد كنت أظن ذلك أيضاً، لكن دراسة بحثية نشرتها الجمعية الأميركية للطب النفسي أكدت أن وقت الفراغ الزائد يضر بصحتك النفسية، المزيد من التفاصيل عبر هذا المقال.
محتويات المقال
ينقسم وقتي خلال اليوم بين العمل وتقديم الرعاية لأطفالي وجميع المسؤوليات والأعمال المنزلية التي أقوم بها يومياً، ومع نهاية كل يوم أشعر بأنه لا توجد ساعات كافية لإنجاز كل شيء، بالأمس تخيلت بأنني إذا قُدِّر لي أن أعيش في عالم مثالي فسأطلب المزيد من وقت الفراغ حتى ألتقط أنفاسي وأقوم بكل الأمور المؤجلة وأستمتع بهوايتي ومشاهدة أفلامي المفضلة، ظننت وقتها أن هذه هي السعادة الحقيقة، لكن ثمة دراسة علمية نشرتها الجمعية الأميركية للطب النفسي (The American Psychological Association APA) في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي (Journal of Personality and Social Psychology) عام 2021 أكدت أن وقت الفراغ الزائد لا يؤدي إلى الإحساس بالسعادة ويمكن أن يضر بالصحة النفسية، فكيف يحدث ذلك؟ الإجابة يقدمها هذا المقال.
ما هو وقت الفراغ؟
يُعرّف وقت الفراغ على أنه مساحة من الوقت يمارس خلاله الأفراد الأنشطة التي تُحررهم من الالتزامات المهنية والأسرية، ولا يتضمن وقت الفراغ الأنشطة الأساسية للحياة مثل النوم والمهام الوظيفية والأعمال المنزلية، ولكن الهدف من أنشطة وقت الفراغ هو الاسترخاء والاستمتاع واكتساب المهارات وممارسة الهوايات، وقد أكدت دراسة نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب (The National Library of Medicine NLM) في أغسطس/آب 2022 أن الانخراط في الأنشطة الترفيهية في أثناء وقت الفراغ يعزز الصحة النفسية.
5 فوائد نفسية لوقت الفراغ
نريد جميعاً أن نكون منتجين ونود أن نستفيد من وقتنا إلى أبعد حد، ومع ذلك فإن التركيز أكثر من اللازم على جعل كل ساعة من اليوم منتجة قد يؤدي إلى نتائج عكسية؛ حيث إن الانغماس في العمل يسبب انخفاض الأداء والإرهاق، ولهذا نحن في حاجة إلى الراحة وإلى إدراج وقت الفراغ لعدد ساعات مناسبة في الروتين اليومي؛ والذي تتجسد أهميته في:
- تحرير العقل من الضغط: عند القيام بالكثير من العمل على مدار الساعة سنشعر بالإرهاق والاحتراق الوظيفي، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تراكم المشاعر السلبية، لهذا نحن بحاجة إلى بعض الراحة من أجل تحرير عقولنا والشعور بالسكينة والهدوء.
- خفض مستويات القلق والتوتر: تؤكد أستاذة علم النفس السريري في جامعة ويست تشيستر (West Chester University)، لين زوبيرنيس (Lynn Zubernis)، أن تخصيص الوقت من أجل رعاية الذات، سواء كان ذلك من خلال الاستحمام على ضوء الشموع أو المشي السريع في الحديقة أو مشاهدة برنامج تلفزيوني مفضل، يمكن أن يؤدي إلى خفض مستويات القلق والتوتر وتحسين الحالة المزاجية.
- تعزيز المشاعر الإيجابية: توضح أستاذة الطب النفسي زوبيرنيس أن ممارسة الأنشطة الترفيهية في أثناء وقت الفراغ يعمل على خفض مستويات الكورتيزول وضغط الدم ومعدل ضربات القلب، إضافة إلى أنه يعزز الشعور بالتوازن واحترام الذات.
- تجربة الاستمتاع بالحياة: إن العمل على نحو مستمر ومتواصل يمكن أن يجعلنا نشعر بالإرهاق، ومع مرور الوقت قد نفقد متعة الحياة، لهذا نحن بحاجة إلى الراحة وإلى أوقات الفراغ، وحين نخطط لوقت الفراغ جيداً فسوف نحصل على المزيد من المتعة.
- تقدير رحلتك الشخصية: عندما تستمر في العمل طوال الوقت يصعب عليك التفكير فيما يحدث بحياتك، لكن وقت الفراغ يمنحك الفرصة للتأمل والتفكير فيما تقوم به وإلى أين يجب أن تتجه في المرحلة المقبلة، علاوة على أنه يسمح لك بتقدير رحلتك الشخصية وتذوق لحظات النجاح والفخر التي تمر بها، ومن دون وقت فراغ سوف تمر جميع اللحظات المهمة دون أن ندري أو نشعر بها.
- إعداد نفسك لمواجهة تحديات الحياة: يمنح وقت الفراغ عقلك الفرصة لإعداد نفسه للمواقف الجديدة والصعبة، وذلك لأنه يتيح لعقلك تخفيف الضغط والاسترخاء، وبالتالي إعداد نفسك لمواجهة تحديات الحياة.
- الإحساس بالسعادة والرضا عن الحياة: تعتقد أستاذة الطب النفسي زوبيرنيس أن الاستمتاع بأوقات الفراغ يمكن أن يوفر للأفراد إحساساً بالسيطرة والاختيار في حياتهم اليومية، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تخفيف الضغط وإلى الإحساس بالسعادة والرضا، وتضيف زوبيرنيس أن الأنشطة الترفيهية لها تأثير إيجابي على نوعية الحياة، لهذا فهي تنصح الأفراد بضرورة تخصيص مساحة في يومهم المزدحم من أجل الاستمتاع بوقت الفراغ.
اقرأ أيضاً: إلى كم من وقت الفراغ نحتاج يومياً حتى نشعر بالسعادة؟
دراسة حديثة: الكثير من وقت الفراغ لن يجعلك أكثر سعادة!
من المفيد للغاية تخصيص وقت فراغ يومي من أجل الاسترخاء والراحة والتواصل مع الآخرين، لكن زيادة ساعات وقت الفراغ قد تضر بصحتك النفسية ولن تجعلك أكثر سعادة؛ وذلك وفقاً لما ذكرته دراسة بحثية أجرتها الجمعية الأميركية للطب النفسي (The American Psychological Association APA) ونُشرت في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي (Journal of Personality and Social Psychology).
وقد حلل الباحثون خلال هذه الدراسة العلاقة بين مقدار وقت الفراغ الذي يتمتع به الأفراد وإحساسهم بالرضا الذاتي، وقد شارك في هذه الدراسة حوالي 22,000 أميركي، هذا بالإضافة إلى تحليل بيانات 13,639 شخصاً آخر شاركوا في الدراسة الوطنية للقوى العاملة المتغيرة بين عامي 1992 و2008، وطلب الباحثون من المشاركين تقديم وصف شامل لما فعلوه خلال الـ 24 ساعة الماضية، بما في ذلك كيفية قضاء الوقت ومدة كل نشاط، بالإضافة إلى إحساسهم العام بالرضا، واكتشف الباحثون أنه كلما زاد عدد ساعات الفراغ زاد معها الإحساس بالسعادة، لكن المثير للاهتمام أن تلك السعادة بلغت ذروتها عند حوالي ساعتين من وقت الفراغ وبعد ذلك بدأت في الانخفاض تدريجياً.
وفي محاولة أفضل لفهم الظاهرة أجرى الباحثون استطلاعاً للرأي عبر الإنترنت شارك فيه حوالي 6,000 شخص قُسّموا إلى مجموعات؛ المجموعة الأولى حصلت على قدر منخفض من وقت الفراغ حوالي 15 دقيقة يومياً، والمجموعة الثانية حصلت على قدر معتدل من وقت الفراغ وصل إلى 3 ساعات ونصف، أما المجموعة الثالثة فكان نصيبها قدراً كبيراً من وقت الفراغ بلغ 7 ساعات يومياً، وبعد مرور ستة أشهر طُلب من المشاركين تقييم احتمالية شعورهم بالمتعة والسعادة والرضا.
وقد أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين لديهم القليل جداً من وقت الفراغ والأشخاص الذين لديهم الكثير من وقت الفراغ لديهم شعور أقل بالرضا والسعادة من الأشخاص الذين لديهم قدر متوسط من وقت الفراغ، واكتشف الباحثون أن الأفراد الذين حصلوا على وقت فراغ أقل كانوا يشعرون بالتوتر والقلق والإرهاق، ما أسهم في انخفاض إحساسهم بالرضا والسعادة، وبالنسبة للأشخاص الذين لديهم المزيد من وقت الفراغ فقد شعروا بأنهم أقل إنتاجية ولذلك انخفض شعورهم بالسعادة.
وفي هذا السياق تشرح أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة كاليفورنيا (University of California) ومؤلفة الدراسة كاسي هولمز (Cassie Holmes) أن ساعتين إلى خمس ساعات من وقت الفراغ يومياً يعزز من الشعور بالسعادة والرضا، في حين أن الحصول على أقل من ساعتين أو أكثر من خمس ساعات من وقت الفراغ يومياً يقلل من الشعور بالسعادة، وتضيف هولمز أنه على الرغم من أن هذه الدراسة شملت عينات مختلفة وضمت الكثير من المشاركين فإنها لا تزال مرتبطة بالسياق الثقافي الأميركي، ولذلك فمن المحتمل ألا تنطبق نتائجها على سياقات ثقافية مختلفة.
اقرأ أيضاً: 3 استراتيجيات فعالة لتتغلب على عمى الوقت وتلتزم بمواعيدك
6 إرشادات فعالة لاستغلال وقت الفراغ بطريقة مثالية
نعيش اليوم في عالم سريع الخطى، ولهذا من السهل علينا أن ننشغل بصخب الحياة اليومية ونقضي الوقت بين العمل والمسؤوليات العائلية والالتزامات الاجتماعية، ومع ذلك علينا أن نهتم بوقت الفراغ ونحاول استخدامه بعناية من أجل تعزيز إحساسنا بالسعادة والرضا، ويمكن أن نفعل ذلك من خلال القيام بالآتي:
- تحرك: يساعد النشاط البدني على تعزيز الإحساس بالسعادة واحترام الذات ويحافظ على صحتك، ولذلك مارس التمارين الرياضية لمدة 30 دقيقة يومياً؛ ليس من الضروري أن تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية أو أن تمارس التمارين الشاقة، وإنما يكفي المشي اليومي أو الركض البطيء خارج المنزل في الهواء الطلق.
- مارس أعمال اللطف: تؤكد أستاذة علم النفس الاجتماعي هولمز أن منح وقتك من أجل الآخرين سوف يجعلك تشعر بأنك تملك الكثير من الوقت، ولهذا تنصح هولمز بمساعدة الأصدقاء والغرباء والقيام ببعض أعمال اللطف مثل:
- مجاملة صديقك.
- دفع ثمن القهوة لشخص لا تعرفه في المقهى.
- مساعدة زميل في العمل على إكمال مهمة.
- شراء الزهور لأحد أصدقائك.
- تحضير مشروب لذيذ لأحد أفراد عائلتك دون مناسبة.
- جرب شيئاً جديداً: ينصح المختص التربوي جاسم المطوع بضرورة الانخراط في أنشطة جديدة كنت ترغب دوماً في تجربتها ولكن لم تتح لك الفرصة للقيام بذلك، مثل تعلم الطبخ أو الزراعة، سوف يساعد هذا الأمر على تقضية وقت فراغ مثمر ويعزز الشعور بالسعادة.
- مارس اليقظة الذهنية: أحياناً، وبعد الانتهاء من العمل، نقوم باجترار أخطاء الماضي ونقلق بشأن المستقبل، لكن هذا لن يجعلك تستمتع بوقت فراغك، لذلك توقف عن التفكير في الماضي لأنك لن تغيره، ولا تقلق بشأن المستقبل الذي لم يأتِ بعد، حاول قدر الإمكان الاستمتاع باللحظة الحالية حتى تستطيع التحكم في مشاعرك وأفكارك وتتواصل مع المحيطين بشكل فعال.
- لا تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي باستمرار: أغلبنا يقع في هذا الخطأ؛ بعد أن ينتهي من عمله يقوم على الفور بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي حتى يأتي موعد النوم، والحقيقة أن التصفح الدائم لتلك المواقع لن يجعلك تشعر بالاسترخاء، لكن لو توقفت عن تصفحها وشغلت نفسك بأمر آخر؛ فسوف يساعدك ذلك على تقليل التوتر وتعزيز الإحساس بالراحة والهدوء.
- اقضِ الوقت بصحبة أحبائك: سواءً اخترت التواصل مع صديق، أو قضاء الوقت مع عائلتك، أو ببساطة الاستمتاع باللعب مع حيواناتك الأليفة، فإن وجودك حول من تهتم بهم يمكن أن يساعدك في تقليل التوتر وتحسين المزاج.