ملخص: هل فكرت من قبل بأنك ستكون سعيداً إذا حصلت على ترقية في عملك أو أنجبت طفلاً جميلاً أو عثرت على شريكك المثالي؟ الحقيقة أن معظمنا وقع في هذا الفخ؛ ولهذا علينا الآن التركيز على التفاصيل الصغيرة عوضاً عن انتظار الأحداث الكبرى في الحياة، فكيف نستمتع بتلك التفاصيل؟ الإجابة ستجدها في هذا المقال.
محتويات المقال
يميل بعض الأشخاص إلى بناء سعادته على وقوع الأحداث المهمة؛ مثل الترقية في العمل أو شراء منزل جديد أو الحصول على شهادة دراسية معينة، ويقضي الكثير من الوقت والجهد في التخطيط والعمل من أجل تحقيق تلك الأهداف الكبيرة لدرجة أنه ينسى أن السعادة لا تأتي أبداً على هيئة وجهة أو هدف؛ بل إنها موجودة في التفاصيل الصغيرة التي تقابله طوال الرحلة.
فإذا لم تتمكن من الاستمتاع بالرحلة، ستصل في النهاية إلى وجهتك التي عملت بجد للوصول إليها وستشعر حينها بسعادة مؤقتة قبل أن تفكر في هدف جديد تحتاج إلى الوصول إليه لكي تشعر بالسعادة مرة أخرى. إنها حلقة مفرغة لا تنتهي؛ ولهذا عليك أن تفكر جدياً في الاستمتاع بالتفاصيل الصغيرة التي تصنع سعادتك، وفي هذا المقال نستعرض معاً كيفية تحقيق ذلك.
هل ثمة تعريف واحد للسعادة؟
يؤكد استشاري طب الأسرة والعلاج النفسي، خالد بن حامد الجابر إن مفهوم السعادة استهوى الثقافات جميعها منذ قديم الزمان، وتحدث عنه الكثيرون من الفلاسفة. وعلى مر السنين، تطور تعريف السعادة وكيف يكون الإنسان سعيداً، ولخّصه الجابر في 3 تعريفات مهمة هي:
- السعادة هي مجموعة من المشاعر والانفعالات الإيجابية مثل البهجة والفرح والرضا عن الحياة.
- السعادة مرتبطة بجودة الحياة ومستوى المعيشة؛ فكلما كان مستوى معيشتك جيداً كنت أكثر سعادة.
- السعادة أمر معنوي يأتي عادة من داخل كلٍ منا نا ويختلف من فرد إلى آخر.
والحقيقة أن هناك الكثير من تعريفات السعادة، فعلى سبيل المثال؛ ميز الفيلسوف اليوناني القديم أرسطو بين نوعين مختلفين من السعادة:
- المتعة: ويُقصد بها هنا القيام بالأشياء التي تُشعرك بالرضا وتحقيق الرغبات من أجل الاستمتاع.
- اليودايمونيا: وهي كلمة يونانية تشير إلى نوع من السعادة يرتكز على البحث عن الفضيلة والمعنى، ويرتبط هذا المفهوم بالوفاء بالمسؤوليات، والاستثمار في الأهداف الطويلة المدى، والاهتمام بالآخرين، والارتقاء إلى مستوى المُثُل العُليا.
8 علامات تدل على السعادة
في حين أن مفهوم السعادة قد يختلف من شخص إلى آخر، فإن هناك بعض العلامات الرئيسة لهذا الشعور:
- الإحساس بأنك تعيش الحياة التي تريدها.
- التمتع بعلاقات إيجابية وصحية مع الآخرين.
- الشعور بالرضا عن حياتك.
- غلبة المشاعر الإيجابية على المشاعر السلبية.
- الانفتاح على الأفكار والتجارب الجديدة.
- ممارسة الرعاية الذاتية ومعاملة نفسك بلطف ورحمة.
- الإحساس بالامتنان.
- الرغبة في مشاركة سعادتك وفرحك مع الآخرين.
اقرأ أيضاً: كيف تحقق السعادة وفقاً لرؤية بيل جيتس؟
ماذا نقصد بالتفاصيل الصغيرة؟
تشير التفاصيل الصغيرة إلى المتع البسيطة واللحظات العابرة التي تجلب لنا السعادة في حياتنا اليومية؛ إنها تلك اللحظات التي غالباً ما يُتغاضى عنها أو تمر مروراً عابراً دون الإحساس بها، وهذه اللحظات موجودة دائماً في الروتين والأنشطة العادية التي نقوم بها يومياً مثل شرب القهوة، وتناول وجبة لذيذة، وأخذ حمام ساخن، أو مجرد الجلوس بهدوء وفعل اللاشيء، أو التحدث إلى أحد أصدقائك المقربين والضحك معاً، وفي النهاية يشكّل تراكم تلك التفاصيل الصغيرة حياة كلٍ منا.
لماذا تُعد التفاصيل الصغيرة مهمة؟
إن تقدير لحظات المتعة والفرح الصغيرة التي تتدفق دون سابق إنذار أو تخطيط، غالباً ما يؤدي إلى تحقيق السعادة أكثر من أحداث الحياة الكبرى التي لا تأتي إلا نادراً، فالمشاعر الإيجابية التي تشعر بها عند تذوق أفراح الحياة الصغيرة تسهم في تحسين صحة القلب، وتقوية جهاز المناعة، وتقليل القلق والتوتر؛ ومن ثم العيش حياة أطول.
ناهيك بأن الاستمتاع بالتفاصيل الصغيرة يمنحك تقديراً للحياة بصفة عامة، فبدون هذا التقدير سوف تشعر بالفراغ؛ وكأنك دائماً تبحث عن شيء غير معروف ينقصك، فالتركيز على الأهداف الكبرى فقط يخلق حالة ذهنية تجعلك دائماً تقارن حياتك بحيوات الآخرين، ويجعل الأمر يبدو وكأنك لست جيداً بما فيه الكفاية، ولن تنجح أبداً.
اقرأ أيضاً: كيف نصل إلى السعادة؟
كيف تستمتع بالتفاصيل الصغيرة؟
يقول الكاتب الأميركي روبرت برولت (Robert Brault): "استمتع بالأشياء الصغيرة؛ لأنك في يوم ما قد تنظر إلى الوراء وتدرك أنها كانت الأشياء الكبيرة"، ويرى الكاتب السعودي ماجد عبد الله إن بعض السعادة مُنتهاه في التفاصيل الصغيرة، فكيف يمكن الاستمتاع بتلك التفاصيل؟ إليك أهم الطرائق:
- حدّد تفاصيلك الصغيرة: كيف تتعرف إلى التفاصيل الصغيرة التي تصنع سعادتك؟ اجلس وأحضِر ورقة وقلماً وابدأ التفكير في الأشياء التي تجعلك تبتسم. فكر أيضاً في تلك الأشياء التي تجعل قلبك ينبض بشدة من السعادة، والأمور التي تجعلك تشعر وكأنك تفعل بالضبط ما تود أن تفعله. وحين تبدأ في التفكير، ستبدأ الأفكار بالتدفق وستتفاجئ من الأشياء والتفاصيل الصغيرة التي تجعلك سعيداً خلال اليوم.
- جرّب التمشية في الهواء الطلق: يُعد المشي طريقة بسيطة للعثور على المتعة في الطبيعة، فهو يساعد على تخفيف التوتر ويعزز المشاعر الإيجابية نتيجة التعرض لضوء الشمس والهواء النقي.
- شاهِد شروق الشمس أو غروبها: هناك سحر يكمن في تلك الدقائق القليلة حيث الوقت ساكن وألوان السماء آسرة وجميلة؛ لذلك تُعد مشاهدة شروق الشمس من التفاصيل الصغيرة الممتعة التي لا تتقادم أبداً، فهي ستظل دائماً جميلة ومذهلة.
- اشرب القهوة في كوبك المفضل: على الرغم من أننا نشرب القهوة يومياً حتى نشعر بالتركيز في العمل، فإن لحظات شرب القهوة بالنسبة إلى البعض تُعتبر من لحظات السعادة اليومية. لهذا؛ ننصحك بشرب القهوة في كوبك المفضل، وإذا كنت لا تملك واحداً فاشترِهِ الآن واستمتع بهذا المشروب الذي لا يُمل منه.
- ابتسم: تُعد الابتسامة من أهم التفاصيل الصغيرة التي تُحدث تغييراً حقيقياً في حياتك، وبخاصة أنها تعمل على إنتاج هرمونات السعادة مثل الإندورفين والدوبامين والسيروتونين، وتخبر عقلك إنك سعيد.
- استيقظ مبكراً في الصباح: اذهب للوقوف إلى جوار النافذة، وانظر حولك، واستمتع للحظات قليلة بالهدوء وروعة الصباح؛ حيث يغفل العديد من الناس عن تلك اللحظات الجميلة بسبب الاستعجال في الذهاب إلى العمل.
- اقرأ كتاباً: أفسِح بعض الوقت في يومك لقراءة أي كتاب تحبه، ويمكنك القيام بذلك قبل الذهاب إلى العمل أو في الطريق إلى هناك، وكذلك تُمكن القراءة في استراحة الغذاء أو في المساء قبل النوم.
- ساعِد الآخرين: الاهتمام بالآخرين أمر أساسي لسعادتنا؛ حيث إن مساعدة الآخرين ليست مفيدة لهم فقط؛ إنها تجعلنا أكثر سعادة، ناهيك بأن العطاء يخلق روابط أقوى بين الناس ويساعد على بناء مجتمع سعيد ومترابط.
- استمر في التعلم: يمنحنا التعلم شعوراً بالإنجاز، ويساعد على تعزيز ثقتنا بأنفسنا، ويجعلنا منفتحين على التجارب والأفكار الجديدة. وليس المقصود بالتعلم هنا فقط الدورات المهنية والأكاديمية؛ ولكنه يشمل أيضاً تعلم الغناء والرقص والطبخ واللغات.
- اصنع المخبوزات: بسبب نمط الحياة السريع؛ فنحن غالباً ما نأكل الطعام ونحن في عجلة من أمرنا أو ونحن نتصفح وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن هل تعلم أن الطبخ يمكن أن يجلب الكثير من السعادة إلى حياتك اليومية؟ يُعد الخبز أحد التفاصيل الصغيرة التي تجعلك سعيداً في المطبخ؛ إنه ليس فقط صنع كيكة أو فطيرة شهية ولكنه من أهم طرائق ممارسة اليقظة الذهنية، فأنت تشاهد اختلاط المكونات حتى تأخذ شكلاً مختلفاً تماماً؛ ولهذا يمكن اعتباره مفتاحاً لتقدير اللحظات الصغيرة في الحياة ومتابعة حدوثها لحظة وراء لحظة.
في النهاية، نختم بما أكدته المتخصصة النفسية هند الدهمان؛ وهو أن منظور الإنسان للسعادة أهم عوامل الشعور بها، فالسعادة نزرعها في داخلنا ولا تهبط علينا من السماء، وفكرة انتظار حدوث شيء للشعور بالسعادة لن تُشعرنا بها في نهاية المطاف.