ملخص: للشعور بالذنب فوائد، فهو يشجع الناس على الاعتذار ويدفعهم إلى الأعمال الصالحة ويعزز التعاطف فيما بينهم، ويمثل قبل كل شيء البوصلة التي توجه سلوكاتهم.
محتويات المقال
الشعور بالذنب بوصلة توجه سلوكاتنا
يقول أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة غرونبل (University of Grenoble) ومؤلف كتاب "سيكولوجية الخير والشر" (Psychologie du bien et du mal )، لوران بييه (Laurent Bègue): "قبل أن نتخذ سلوكاً معيناً، نتوقع أحياناً تأثيره في حالتنا العاطفية".
حينما نتخيل أننا سنشعر بالذنب فإننا نمنع أنفسنا مثلاً من اغتياب أحد أصدقائنا، وتؤثر حالة الذنب الاستباقي هذه أيضاً في مدى تكرار السلوك؛ إذ تكشف الدراسات أن نسبة تكرار المجرمين الشباب للسلوكات الإجرامية تكون أقل إذا أُتيحت لهم الفرصة للاستفادة من تدابير "العدالة الإصلاحية" التي تتمثل في جمع الضحية بالجاني ليتحدث كل منهما إلى الآخر، ربما بسبب ما يثيره الموقف من تعاطف وشعور بالذنب لدى الأخير.
اقرأ أيضاً: تشعر بالذنب دون سبب؟ تعرّف إلى الأسباب والعلاج.
شعورنا بالذنب يشجعنا على الاعتذار
في كتابهما "فهم العلاقة بين الشعور بالذنب وجبر الضرر" (Comprendre le lien culpabilité-réparation)، يوضح فرانسوا ريك (François Ric) وأوريلين غراتون (Aurélien Graton) إن شعور المرء بالذنب يشجعه على الاعتراف بذنبه والاعتذار أو جبر الضرر الذي سببه سلوكه المستهجَن. ويقول المنطق إن التمتع بضمير حيّ يساعد المرء على تخفيف مشاعره المؤلمة ويدفعه إلى الأعمال الصالحة لاحقاً، شريطة ألا يفرط في ذلك لأن هذا يستنزف طاقته الذهنية.
وأظهرت الدراسات التي استشهد بها لوران بييه في كتابه "الدماغ والنفس" (Brain & Psycho)، أن الفرد الذي يكذب على شريكه أو يخونه يُبدي استعداداً أكبر لإصلاح ما حدث إذا أُتيحت له الفرصة، وتضمنت إحدى هذه الدراسات تجربة كان على المشاركين فيها صعق أحد القائمين على التجربة كهربائياً على أساس أن هذه العملية هي جزء من أحد بروتوكولات التعلم، دون أن يعرفوا أن الكهرباء غير موجودة في الحقيقة، وفي المراحل اللاحقة تعاطف المشاركون معه ورفضوا تكرار التجربة.
تأنيب الضمير يدفعنا إلى مساعدة الغرباء
حينما يتملكنا شعور بالذنب لا يُطاق، فإننا نحاول إراحة ضمائرنا في كثير من الأحيان من خلال مساعدة الغرباء وتقديم الدعم لهم. أُجريت التجربة هذه المرة في متحف؛ إذ وجّه إداريّ متنكر في زي حارس اللوم لبعض الزوار الذين لمسوا المعروضات، ثم، ومع دخول هؤلاء الزوار أنفسهم إلى الغرفة المجاورة، ألقى حارس مزيف آخر حقيبة وانسكبت محتوياتها على الأرض، ولوحظ أن الأشخاص الذين تعرضوا إلى اللوم منذ قليل كانوا أكثر إقبالاً من الآخرين على مساعدته في التقاط أغراضه.
مثال آخر: في إحدى التجارب، قيل لأفراد بيض إن موجات أدمغتهم كشفت عن استجابة عنصرية لديهم عندما نظروا إلى صور أشخاص من ذوي البشرة الداكنة، وبسبب شعورهم بالذنب حيال عنصريّتهم المحتمَلة ورغبتهم في إصلاح هذا الخطأ؛ فقد كانوا أكثر استعداداً لمساعدة هذه الفئة.
وكذلك، يمكن لهذه السلوكات الاجتماعية أن تفيد المجتمع ككل، ويشجع الشعور بالذنب على التبرع للجمعيات الخيرية أو الأعمال التطوعية أو الوعي بالتمييز.
شعورنا بالذنب يزيد وعينا بالآخرين
يكثر التركيز على إثارة الشعور بالذنب في الحملات الوقائية مثل حملة "رود سيفتي" (Road Safety) عامَ 2007 التي هدفت إلى الحد من حوادث الطرقات؛ والتي جاء فيها: "لقد نسيت تشغيل إشارة الانعطاف، وهذا قد يكون مميتاً"، أو حملة منظمة العمل ضد الجوع (Action against Hunger) عامَ 2016 التي تقول: "كل حبة أرز نفتقر إليها تعني وفاة إنسان آخر بسبب الجوع".
على هذا النحو، تتيح هذه الحملات للمواطنين الفرصة لإراحة ضمائرهم من خلال تبنّي سلوكات أخلاقية أكثر؛ لكن هل هذه الاستراتيجية فعّالة؟ وفقاً لبعض الدراسات؛ يزيد الشعور بالذنب الدافع للتصرف وفقاً للرسالة الإعلانية لكن ليس دائماً، فقد حلل الباحثون رسالة إعلان لخيوط تنظيف الأسنان تحتوي على عبارات تسبب تأنيب الضمير؛ مثل "الأمهات اللواتي يهملن نظافة أسنان أطفالهن"، أو "الأمهات اللواتي لديهن أطفال يعانون مشكلات في الأسنان"، وظهر لهم أن الأفراد يرفضون الرسالة رفضاً واضحاً في حال شعورهم المفرط بالذنب (المصدر: مجلة علم النفس التطبيقي (Journal of Applied Psychology)، 1995).
وينطبق الأمر ذاته على الحملات المناصرة للبيئة؛ إذ أظهرت سلسلة من التجارب أن الشعور بالذنب يفضي إلى سلوكات بيئية إيجابية أكثر عندما لا تتضمن رسائل هذه الحملات دعوات مباشرة للحفاظ على البيئة. هذا هو تأثير "المفاعلة" المعروف الذي سلّط الضوء عليه المحاضر في علم النفس الاجتماعي والوقاية وعلم النفس البيئي بجامعة سافوي مون بلان (Savoie-Mont-Blanc)، أوريلين غراتون، ومفاده أنك إذا شعرت بأنك مقيد للغاية فستحاول أن تسترجع حريتك، حتى لو كان ذلك يعني التصرف على نحو مخالف لما يُطلب منك فعله، والمثال النموذجي هو المدخن الذي يريد إشعال سيجارة بمجرد أن يُنصح بالتوقف عن التدخين من أجل صحته! لذا لا بأس في أن يشعر المرء بالذنب؛ لكن دون إفراط.
كيف يؤثر الشعور بالذنب في أجسادنا؟
نسمع عبارات من قبيل "الشعور بالذنب يُثقل ضميري"، و"ثقل الشعور بالذنب"، وهي في الحقيقة لم تأتِ من فراغ. أظهرت دراسة أجرتها أستاذة علم النفس في جامعة واترلو (University of Waterloo) في مدينة أونتاريو بكندا، رامونا بوبوسيل (Ramona Bobocel) عامَ 2013، أن الشخص يشعر بأنه صار أثقل وزناً حينما يتصرف تصرفات مسيئة مثل الكذب أو الخيانة، ويؤثر ذلك في الجهد المطلوب لأداء المهمات ذات الطبيعة المادية. وعلى الرغم من عدم وجود علاقة بين الشعور بالذنب والوزن، فإن ثمة أدلة متزايدة على أن الإدراك يعتمد على الأفعال والأحاسيس الجسدية.
اقرأ أيضاً: 7 أنواع للشعور المرضي بالذنب: كيف تتغلب عليها؟