ملخص: إلقاء اللوم على الضحية ظاهرة منتشرة ومضرة جداً؛ إذ تقوّض الدعم والتعاطف اللذَين تكون الضحية في أمسّ الحاجة إليهما. ولسوف تدرك بعد قراءة هذا المقال أن فهم أسباب هذه الظاهرة سيساعدك على استكشاف العديد من المفاهيم والتحيزات النفسية التي تسهم في إدراك البشر وسلوكياتهم. فما هذه الأسباب؟ وكيف يمكن التوقف عن هذا السلوك؟ الإجابة في هذا المقال.
محتويات المقال
ربما تعتقد أنك لا تلوم الضحية بدلاً من الجاني؛ لكن هل ذلك صحيح فعلاً؟ حسناً، لنفترض أنك كذلك، هل لاحظت إذاً أن بعض الناس يلومون الزوجة التي يضربها زوجها فيُقال إن كلامها مستفز أو أنها تسامحت مع العنف منذ البداية؟ أو لاحظت أن الفقراء يُلامون على فقرهم ويُتّهَمون بالكسل أو الجهل؟ أو يذاع أن الشخص الذي تعرض إلى الاحتيال بأنه يثق بالآخرين ثقة عمياء؟
في الواقع، ظاهرة إلقاء اللوم على الضحية واسعة الانتشار بين البشر، وهي ليست مجرد خطأ في الحكم الأخلاقي؛ وإنما ظاهرة متجذرة عميقاً في النفس البشرية؛ أي ثمة العديد من العوامل النفسية التي تقف وراءها، وهذا ما سنوضحه في هذا المقال، بالإضافة إلى تقديم بعض النصائح التي قد تساعد على التوقف عن هذا السلوك.
6 أسباب توضح لماذا قد يلوم البعض الضحية بدلاً من الجاني
من المهم التعرف إلى الأسباب والتحيزات النفسية القابعة خلف هذا السلوك من أجل تفادي الوقوع فيه من جهة، وتقديم الدعم والتعاطف اللازمَين للضحايا من جهة أخرى. وإليك أهم أسبابه:
1. فرضية العالَم العادِل
أحد الأسباب الرئيسة الذي يجعل الناس يلومون الضحايا هو الحاجة إلى الشعور بالأمان والسيطرة في عالم يبدو غير منطقي، فعندما يرون موقفاً سيئاً يصيب شخصاً آخر، قد يشعرون بالقلق من احتمال حدوثه معهم أيضاً؛ ومن ثمّ لتجنب هذا الخوف يفترضون أن الضحية ارتكبت خطأ ما، فاستحقت ما نالت. يشير علماء النفس الاجتماعي إلى هذا الظاهرة بـاسم "فرضية العالَم العادِل"؛ وقد عرّفها المختص النفسي، فلاح محروت العنزي، بأنها ظاهرة نفسية تعني الاعتقاد أن ما يحدث للأفراد من سوء، هم يستحقونه.
أي تشير هذه الفرضية إلى أن الناس يمتلكون رغبة متأصلة في رؤية العالم مكاناً مُنظَمّاً وعادلاً؛ أي مكاناً يحدث فيه الخير للأشخاص الصالحين بينما تكون النوائب نصيب أولئك الذين يستحقونها. بكلمات أخرى: نظراً إلى أننا نسمع دائماً عن أخبار الجرائم والحوادث والمآسي الأخرى؛ فلا بد أن نلجأ إلى طريقة ما من أجل إدارة مخاوفنا وقلقنا بشأن عدم القدرة على التنبؤ بالحياة؛ لأننا وإذا ما أردنا أن نستوعب عشوائية هذه الأحداث على نحو كامل، فقد نعيش في حالة مستمرة من الخوف والقلق. لذلك؛ ننسج روايات ذهنية عما حدث مع الضحايا في محاولة إلى إعادة التوازن إلى المشهد.
أي ومن خلال الاعتقاد أن الضحية قد فعلت خطأ ما، سواء من خلال أفعالها أو اختياراتها أو خصائصها المتأصلة، نُطمْئِن أنفسنا بأننا في مأمن من مصير مماثل طالما أننا اتبعنا احتياطات معينة. خلاصة الكلام إنه وعلى الرغم من أننا نعلم أن النوائب قد تصيب أيّ شخص، فإننا نتمسك عاطفياً بفكرة العالم العادل للحفاظ على توازننا النفسي.
اقرأ أيضاً: 3 أسباب تشرح لك لماذا قد يصدق البعض الأخبار الكاذبة
2. انحياز الإدراك المتأخر
ربما ستساعدك عبارة "كنت أعلم أن هذا سيحدث" على فهم هذا التحيز! عموماً، هو ميل الناس إلى الاعتقاد أنه كان بالإمكان التنبؤ بالأحداث الماضية قبل حدوثها، وذلك بناء على المعطيات التي حصلوا عليها بعد وقوع الحادث.
ومن الآثار السلبية لهذا التحيز أنه يدفعنا إلى إلقاء اللوم على الضحايا بدلاً من الاعتراف بالطبيعة غير المتوقعة للعديد من الأحداث المؤسفة. فعندما نتذكر الأحداث الماضية، تصبح العلامات والنتائج أكثر وضوحاً مما كانت عليه حقيقة قبل وقوعها؛ ما يدفعنا إلى افتراض أن الضحايا كان عليهم ببساطة توقُّع مصائبهم ومنعها.
ولا يقتصر هذا التحيز على جرائم مثل التحرش أو الاعتداء أو السرقة؛ وإنما يمتد إلى مصائب مختلفة مثل القضايا الصحية. على سبيل المثال؛ إذا أصيب شخص ما بمرض خبيث، فقد يلومه الناس على عادة التدخين، وإذا عانى شخص ما مرضاً في القلب، فقد يعزون ذلك إلى عدم ممارسة الرياضة. حتى مع حدوث شيء لا يمكن التنبؤ به مثل التسمم الغذائي، قد يقترح الناس على الضحية تجنب تناول الطعام في مطعم جديد!
اقرأ أيضاً: لماذا يكره البعض نجاح الآخرين؟ وكيف تتخلص من هذا الشعور؟
3. خطأ الإسناد الأساسي
هو تحيز معرفي شائع نميل فيه إلى تفسير سلوكيات الآخرين أو سوء حظوظهم بناءً على سماتهم الشخصية وخصائصهم الداخلية مع تجاهل العوامل الخارجية التي قد تؤدي دوراً فيما حدث، في حين وعندما يتعلق الأمر بما حدث معنا، فإننا نلوم الظروف المحيطة.
على سبيل المثال؛ إذا لم ينل زميلك الترقية التي أرادها، فقد تفترض أنه لم يعمل جيداً أو ليس كفؤاً، أما في حال لم تحصل أنت على الترقيه ذاتها، فقد تلقي اللوم على مصادر خارجية مثل أن المدير لم يعدُل في تقييم أدائك، أو أنه شخص بغيض أو ما إلى ذلك.
اقرأ أيضاً: مبدأ بوليانا: ما الذي يجعل البعض لا يرى سوى نصف الكأس الممتلئ؟ وهل تُعد هذه مشكلة؟
4. الافتقار إلى التعاطف
في بعض الأحيان، يكون بعض الناس ببساطة أقل قدرة على التعاطف مع الآخرين؛ ما يجعلهم أكثر عرضة إلى إلقاء اللوم على الضحية وأقل عرضة إلى تقديم المساعدة، فضلاً عن أنهم غالباً ما يكونون كثيرو الانتقاد، ولا يسامحون الناس على ارتكاب الأخطاء، ولا يستمعون إلى وجهات نظر الآخرين، ولا يقدّرون تأثير سلوكياتهم في الآخرين.
أما الأسباب الدقيقة لنقص التعاطف فليست مفهومة تماماً؛ لكنها تُعزى إلى الورثة والتنشئة الاجتماعية، بالإضافة إلى وجود بعض السمات والاضطرابات الشخصية؛ مثل اضطراب الشخصية النرجسية، واضطراب الشخصية الحدية، واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الشخصية السيكوباتية والشخصية المضادة للمجتمع؟
5. تجريد الضحية من إنسانيتها
تُصوّر الضحايا في بعض الاحيان وفق طرائق تجرّدها من صفاتها الإنسانية محوّلة إياها إلى مجرد أشياء، وهذا التشييء يؤثّر كثيراً في الرأي العام؛ لأن نزع الصفات الإنسانية أو تقليلها يثير انطباعاً عند الناس بأن الضحايا أقل قدرة على تجربة الألم والمعاناة؛ ما يقلل التعاطف معهم والاهتمام بهم؛ بل وقد يسهم في إلقاء اللوم عليهم أيضاً. يحدث هذا غالباً من خلال وسائل الإعلام والروايات المجتمعية التي تؤكد الجوانب السطحية للضحايا؛ مثل الأوصاف والمظاهر والملابس وغيرها.
يوضِّح العديد من الأمثلة كيفية تجريد الضحايا من الإنسانية. على سبيل المثال؛ أحياناً يصوَّر اللاجئون على أنهم غرباء وغير أكْفاء وخطرون، وهو ما يحوّلهم في نظر العامة إلى مجرد إحصائيات أو مشكلات تثقل كاهل البلد المضيف، وليسوا مجرد بشر يتمتعون بالكرامة الإنسانية؛ ما يقلل تعاطف الناس معهم أو يحملونهم مسؤولية ظروفهم.
بالإضافة إلى ذلك، يُصوَّر الأطفال أو المدنيون في مناطق الصراع على أنهم ضحايا للعنف فقط، وغالباً ما يظهرون في صور مؤلمة وسط الأنقاض. وعلى الرغم من أن هذه الصور تسلِّط الضوء على تأثير الصراع فيهم، فإنها تحاول عرضهم كرموز للمعاناة فقط، بدلاً من الاعتراف بهم بوصفهم أفراداً يمتلكون أحلاماً وشخصيات متفرّدة وحيوات خارج نطاق الصراع. قد يؤدي ذلك إلى تعزيز الصور النمطية السلبية التي تفترض أن هؤلاء البشر يختلفون إلى حد ما عن البشر في الأماكن الأخرى، أو أنهم أقل استحقاقاً للتعاطف، أو أكثر اعتياداً على العنف؛ وهو ما قد يضعف حساسية الجمهور تجاههم ويقلل استجاباتهم العاطفية.
علاوة على ذلك، يحدث أحياناً في الخطابات السياسية والأجندات الإعلامية أن يوحى إلى الجمهور بأن الضحايا، وخصوصاً الأطفال، يشكّلون تهديدات مستقبلية أو يُلقنون عقيدة العنف؛ ما يجعل معاناتهم في نظر المراقب أمراً لا مفر منه أو مبررة بسبب الأوضاع السياسية. وبالطبع، يمكن لهذا السرد أن يدفع الناس إلى إلقاء اللوم على الأطفال أنفسهم، وعلى أسرهم ومجتمعاتهم كذلك، بدلاً من التركيز على السياق الأوسع للصراع وتصرفات أولئك الذين يمارسون السلطة.
اقرأ أيضاً: 5 فوائد نفسية للتضامن مع ضحايا الحروب
6. وجود خصائص مشتركة مع الجاني
قد يتعاطف الناس في بعض الأحيان مع الجاني أكثر مما يتعاطفون مع الضحية، وقد يُعزى ذلك إلى وجود خصائص مشتركة مع الجاني. على سبيل المثال؛ قد يشعر البعض بمزيد من التعاطف مع الجناة الذين يشاركونهم هوياتهم الثقافية أو الاجتماعية. وقد تُفسَّر هذه الظاهرة بأن الناس تمتلك دافعاً للحفاظ على نظرة إيجابية عن الجماعة التي تنتمي إليها؛ وهو ما ينعكس على صورهم الذاتية.
اقرأ أيضاً: 6 أسباب تفسر التعاطف مع المجرمين في الأفلام والانجذاب إليهم
ما الضرر الذي يسببه سلوك إلقاء اللوم على الضحايا؟
حتى ولو كانت أسباب إلقاء اللوم على الضحية متأصلة في النفس البشرية، فهذا لا يعني أن علينا التصالح معها أو تبريرها؛ لأن لوم الضحية سلوك مضر جداً ومدمِّر للناجين من الجرائم أو الكوارث أو الصدمات؛ فهو يسهم في إلحاق الوصمة والشعور بالعار ولوم الذات بها؛ ما يتسبب في نشوء العديد من مشكلات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة والتفكير في الانتحار، بالإضافة إلى أن هذا السلوك قد يثني بعض الأشخاص عن مساعدة الضحايا.
7 نصائح للتوقف عن لوم الضحية
إذاً وبناء على ما سبق، هل لاحظت أنك قد لمت ضحية ما على ذنب لم تقترفه؟ إليك بعض النصائح التي ستساعدك على منع ارتكاب هذا السلوك مستقبلاً:
- استمع إلى تجارب الضحايا دون إصدار الأحكام.
- اعترف بمشاعر الآخرين وتجاربهم وصادق على صحتها.
- تحدَّ آراء الناس الذين يلومون الضحايا ظلماً وأعد تسليط الضوء على تصرفات الجاني.
- ذكِّر الضحايا أن ما حدث لهم لم يكن خطأهم.
- ركِّز على حقيقة أن الجاني يجب أن يُعاقب على ما ارتكبه.
- شجِّع الناس على تنمية التعاطف الذي سيساعدهم على فهم ظروف الضحايا وتقديم الدعم لهم.
- حاوِل أن تنشر الوعي عن التحيزات المعرفية والأسباب المذكورة في المقال؛ الأمر الذي سيساعد الناس على التعرف إلى أصول ميولهم في إلقاء اللوم على الضحايا والتصدي لها.
ختاماً، في المرة المقبلة التي تهمّ فيها بإلقاء اللوم على ضحية ما، فكِّر للحظة في التحيزات والظواهر النفسية التي تقبع خلف حكمك، أو ضع نفسك في مكانها، وأبدِ التفهم والتعاطف الذي تتمنى أن يبادلك الناس إياه لو كنت أنت الضحية.