تتصاعد وتيرة التساؤلات عن كيفية إقناع الأطفال بالذهاب إلى مدارسهم في ظل انتشار التقارير التي تشير إلى أهمية حصول الأطفال على ساعات تعليم حضوريّ مناسبة، في مدراسَ مهيأة حسب اشتراطات الصحة العامة التي فرضتها علينا جميعاً جائحة "كوفيد- 19"؛ والتي لا تزال مستمرة معنا في الحاضر ولا نعلم متى تنتهي. لماذا يتغيب الأطفال؟
يجب على الوالِدين ومقدمي الرعاية قبل البدء في إقناع الأطفال بالذهاب إلى مدارسهم فَهم أسباب تغيّبهم؛ بحيث يتم التعامل مع هذه الأسباب بشكل مناسب، وتعزيز نجاح محاولات إقناع الأطفال. كما يجب على الوالِدين ومقدمي الرعاية إدراك أن التغيب المتكرر عن المدرسة له آثار سلبية مباشرة وطويلة الأجل؛ منها: انخفاض ملاحَظ في كلٍّ من الأداء الأكاديمي، ومهارات التواصل الاجتماعي مع الأقران والآخرين، ومعدلات التخرج من المدارس الثانوية والجامعات في المستقبل، والدخل الفردي في المستقبل، ومستويات الصحة العامة والنفسية والعقلية، ومتوسط العمر المتوقع.
وتخبرنا دراسة في عام 2018، ما قبل جائحة "كوفيد-19"، بعنوان "التغيب عن المدرسة بين الأطفال والمراهقين" (School Absenteeism in Children and Adolescents) أن 14% من الأطفال والمراهقين يتغيبون عن ما يقرب من 10% من السنة الدراسية. وفي هذه الدراسة قسّم العلماء العوامل المرتبطة بارتفاع مخاطر التغيب المزمن (Chronic Absenteeism) إلى ثلاث مجموعات يمكن دراسة أثرها وتتبُّعها:
1. العوامل الفردية
اشتملت هذه المجموعة على عدد من العوامل التي يمكن ظهورها بسبب بيئة الطفل المحيطة ومنها: عدم ذهاب الطفل لمدارس رياض الأطفال، والأمراض المزمنة (مثل: الربو، السكري، السمنة)، والتعرّض للعنف داخل البيت أو في المدرسة، والتنمّر، ومستوى الرعاية الطبية التي يحصل عليها الطفل، وانخفاض التحصيل الدراسي، ومستوى الصحة العقلية لدى الطفل (على سبيل المثال؛ إصابة الطفل باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه أو القلق، أو الاكتئاب، أو أحد المشاكل السلوكية التي تؤثر على صحته)، وجودة النوم، وتعاطي المخدرات.
2. العوامل الأسرية
احتوت هذه المجموعة على عدد من العوامل التي يتأثر بها الطفل بسبب والِديه أو مقدمي الرعاية له؛ ومنها: تحمّل الطفل مسؤوليات تقديم الرعاية لإخوته أو أحد والِديه أو كليهما، أو كبار السن في المنزل، وعدم توفر الغذاء الذي يضمن مستويات مناسبةً من الصحة الجسدية، والمشاكل الصحية لدى أفراد الأسرة؛ بما في ذلك: اكتئاب أحد الوالدين أو كليهما، وغياب المسكن أو التشرد، وعدم وجود إشراف والِديّ، وتباين مستوى تعليم الوالِدين، وتجارب الوالِدين المدرسية السلبية.
3. العوامل المتعلقة بالمدرسة والمجتمع
اشتملت هذه المجموعة على عدد من العوامل التي يتأثر بها الطفل بسبب المدرسة أو المجتمع؛ ومنها: الحواجز الثقافية؛ كوجود الطفل في بيئة جديدة لا تشبهه ثقافياً، ووجود الطفل في مجموعة منبوذة اجتماعياً، ومناخ المدرسة غير الجيد، وعدم وجود ممرضة في المدرسة، وتلوث الهواء النقي أو نقص المساحات الخضراء، و أخيراً؛ تعذّر وجود نقل عام أو طريق آمن إلى المدرسة.
إقناع الأطفال بالذهاب إلى مدارسهم
يجب عليك (كمقدم للرعاية) القيام بمسؤوليات رئيسية قبل أن تبدأ في إقناع طفلك بالذهاب إلى مدرسته:
1. تحدث مع المعلمين وموظفي المدرسة الآخرين
يجب على الوالِدين ومقدمي الرعاية المحافظة على وجود تواصل مباشر مع مدارس أطفالهم؛ وذلك من خلال التحدث مع المعلمين وموظفي المدرسة الآخرين، فقد يكون معلمو طفلك قادرين على المساهمة في تقديم بعض الحلول الناجحة والأفكار غير الاعتيادية التي تساعد في إقناع طفلك بالذهاب إلى مدرسته. وتكمن أهمية هذا التواصل ودور المعلمين وموظفي المدرسة الآخرين في معرفتهم لطفلك نظراً لتشاركهم العديد من الساعات الدراسية الحضورية معه، وقدرتهم التربوية على فَهم الطُرق المثلى لإقناعه بتغيير سلوكه. فعلى سبيل المثال؛ قد يساعدك معلمو طفلك في إعداد خطة عمل تتضمن خطوات عملية ومحفزات سلوكية داخل البيت وفي المدرسة، تجعل طفلك أكثر حماساً للذهاب إلى مدرسته. ومن الممكن أيضاً الاستفادة من هذا التواصل في تعزيز نجاح محاولات إقناع الأطفال؛ وذلك من خلال العمل على تحسين بيئة المدرسة وجعلها أكثر جاذبية بالتخلص من عوامل المدرسة التي تحفّز سلوكيات تغيّب طفلك.
2. اصطحب طفلك إلى طبيب الأطفال
قد يعاني طفلك بسبب تدني مستوى الصحة العامة - سواءً الجسدية أو النفسية والعقلية، لذا من المهم اصطحابه إلى طبيب الأطفال للتأكد من حالته الصحية. ومن المهم هنا التأكد من عدم وجود العوامل المرتبطة بارتفاع مخاطر التغيب المزمن؛ والتي قد تأتي في شكل أعراض الربو، أو القلق، أو الاكتئاب. بالإضافة لما سبق؛ قد يساعدك طبيب الأطفال الخاص بطفلك في تحديد ما إذا كان الوقت قد حان للاستعانة بأخصائي أو مستشار نفسي.
3. عليك أن تبقى هادئاً وعقلانياً
يبدو أن الحديث عن الهدوء والعقلانية أسهل من فعلهما، خاصةً عندما يتسبب سلوك طفلك في اضطراب توازن الأسرة كلها، ويتسبب كذلك في قلقك وخوفك من آثار التغيب المتكرر عن المدرسة على صحته وسلوكياته ومستقبله الدراسي والمهني. وهنا يجب عليك تطبيع فكرة أن الذهاب للمدرسة نشاط لا يمكن التملّص منه بسهولة، وعدم التساهل في قبول الحجج أيًّا كانت.
4. بعض الخطوات الأخرى
وفي نفس السياق؛ تخبرنا المعالجة النفسية ناتالي ديب، عن بعض الخطوات الأخرى التي تتماشى مع ما سبق، ومن شأنها إقناع طفلك بالذهاب إلى مدرسته؛ ومنها: العمل على إيجاد السبب الأساسي لتغيّب طفلك، ومساعدته في التخلص من الأفكار السلبية، وإشراكه في عملية شراء المستلزمات الدراسية؛ كاختيار نوع ولون شنطة الظهر أو الأقلام، والتواصل معه بشكل إيجابي، وفهم احتياجاته ومشاكله التي تواجهه في مدرسته، وأخيراً؛ مشاركته قصصاً إيجابية ومحفزة عن الذهاب للمدرسة.
وبالنظر إلى ما سبق، فبالإمكان تحسين عملية إقناع الأطفال بالذهاب إلى مدارسهم من منظور جديد، يعتمد في أساسه على تبعات جائحة "كوفيد- 19" التي أثرت على التعليم الحضوري وعدد المدارس المهيأة لاستقبال الطلبة. فعلى سبيل المثال؛ فيما يخص الاشتراطات الصحية الجديدة وتشجيع الالتزام بها، وجعلها جاذبة ومحفزة على الذهاب للمدرسة؛ يمكن للوالِدين ومقدمي الرعاية إشراك الطفل في اختيار لون وشكل الكِمامات القماشية، أو حتى العمل معاً على صنعها يدوياً في المنزل. ومن المهم أيضاً للوالِدين ومقدمي الرعاية التعرف على قصص الأطفال الآخرين في ظل تخفيف القيود وعودة الدراسة الحضورية.
في الختام؛ من المهم التأكيد على أهمية التعليم الحضوري في تنمية قدرات طفلك، وذلك يتطلب منك أولاً العمل على فَهم لماذا يتغيب الأطفال، ومن ثَمَّ البدء في إقناع الأطفال بالذهاب إلى مدارسهم.