تصدرت قضية أبو نوح سفاح القطط في مصر ترند مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد نشر مقاطع فيديو وصور يظهر فيها وهو يوثق جرائمه تجاه القطط بتعذيبها تمهيداً لتناولها، أو حتى تعذيبها عبر وضعها داخل إطار الدراجة وسحلها على الأرض مسافات طويلة. وقد أثارت تلك المقاطع غضباً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، وثار التساؤل عن سبب تعذيب بعض البشر للحيوانات. وفي هذا المقال، نستعرض الأسباب بالتفصيل وكذلك مدى إمكانية علاج الأشخاص الذين يُقدِمون على تعذيب الحيوانات.
محتويات المقال
هل ثمة علاقة بين تعذيب الحيوانات والجرائم ضد البشر؟
تؤكد مختصة الطب النفسي، أرشانا ناندوري (Archana Nanduri)، إن إساءة معاملة الحيوانات تعكس مشكلات نفسية كبرى واضطرابات سلوكية عميقة. وفي سياق متصل، يوضح عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) والمسؤول عن ملف القتلة المتسلسلين، روبرت ريسلر (Robert Ressler)، إن القتلة المتسلسلين والمغتصبين غالباً ما يبدؤون بقتل الحيوانات وتعذيبها؛ إذ أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي إن تاريخ القسوة على الحيوانات يظهر بانتظام في خلفيات المغتصبين والقتلة المتسلسلين؛ ومنهم:
- القاتل المتسلسل والمغتصب تيد بندي (Ted Bundy): الذي أُدين بارتكاب جريمتي قتل وكان مُشتبهاً به في قتل أكثر من 40 امرأة، شهد عنف والده تجاه الحيوانات، وعذّب هو أيضاً الكثير من الحيوانات.
- إيرل كينيث شرينر (Earl Kenneth Shriner): الذي اغتصب وطعن طفلاً يبلغ من العمر 7 سنوات، وكان معروفاً في حيه السكني بتعذيب القطط والكلاب.
- ديفيد بيركوفيتش (David Berkowitz): الذي أُدين بـ 13 تهمة بالقتل، أطلق ذات مرة النار على كلب أحد الجيران.
- بريندا سبنسر (Brenda Spencer): التي أطلقت النار في مدرسة في كاليفورنيا؛ ما أسفر عن مقتل طفلين وإصابة 9 آخرين، اعتدت مراراً وتكراراً على القطط والكلاب، وكثيراً ما أشعلت النار في ذيولها.
- القاتل المتسلسل وآكل لحوم البشر جيفري دامر (Jeffrey Dahmer): كان يعذّب الحيوانات ويقتلها.
يوجد أيضاً سفاح التجمع بمصر، كريم سليم الذي أثارت قضيته ضجة كبرى على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث كان يصور الفتيات ويعذبهن ثم يقتلهن، وقد أثبتت التحقيقات الجنائية أن كريم اعتدى على كلبه ثم خنقه وقطّع جسده لأجزاء صغيرة قبل أن يدفنه في منطقة نائية، وقد صوّر جريمته كاملة ونشرها على الإنترنت.
وفي هذا السياق، يؤكد الطبيب النفسي، جمال فرويز، إن شخصية سفاح التجمع إما تشكيكية تشعر دائماً أن من حولها يرغبون في الانتقام منها وإيذائها والإضرار بها؛ ما يجعلها تسعى إلى الانتقام، وإما سيكوباتية تعادي الغير وترغب في إيذائهم دون مبررات.
وقد أظهرت دراسة بحثية نشرتها دورية البحث في العلوم البيطرية (Research in Veterinary Science) أن الأشخاص الذين يرتكبون أعمالاً وحشية ضد الحيوانات لا يتوقفون عند هذا الحد؛ بل ينتقل الكثير منهم إلى إخوانهم من البشر. وأضافت الدراسة إن الأفراد جميعهم الذين عذبوا الحيوانات لديهم مستويات عالية من العدوان تجاه الناس أيضاً.
اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟ وما علاجه؟
لماذا يعذّب بعض البشر الحيوانات؟
تعتقد أستاذة علم النفس، تانو سايني (Tannu Saini)، إن بعض الأشخاص يعذّبون الحيوانات لأنهم يشعرون أن الحيوانات ليست ذات قيمة مثل البشر، والحقيقة أن معرفة سبب إساءة معاملة الأشخاص للحيوانات أو قتلهم أمر ضروري من أجل معالجة هذه القسوة ومنعها بطريقة فعالة. وهناك عدة أسباب تسهم في هذا السلوك؛ مثل:
1. الافتقار إلى التعاطف: التعاطف هو القدرة على فهم مشاعر الآخر، وبعض الناس يفتقرون إلى هذه الصفة في شخصياتهم، وقد يسيئون معاملة الحيوانات لأنهم لا يفهمون مشاعر هذه المخلوقات. ويمكن القول إن التربية تلعب دوراً بالغ الأهمية في تطوير مهارة التعاطف مع الآخرين، فالأشخاص الذين عاشوا في بيئة اجتماعية مختلة في أثناء تربيتهم لم يطوروا قدراتهم على التعاطف.
2. الرغبة في السيطرة وممارسة السلطة: يعذب بعض الأشخاص الحيوانات رغبة في ممارسة السلطة والسيطرة، فالحيوانات كائنات ضعيفة ولهذا فإن ممارسة السلطة عليها تعد أمراً ممتعاً؛ حيث يستهدف مرتكب الجريمة الكائنات الأضعف لتأكيد السيطرة والهيمنة وتضخيم احترامه لذاته.
3. العنف المنزلي: في بعض الحالات، تُساء معاملة الحيوانات وتتعرض إلى التعذيب بوصفه أداة لممارسة السلطة والسيطرة في حالات العنف المنزلي؛ حيث يستهدف المعتدي الحيوانات الأليفة المحبوبة للضحية من أجل التلاعب بها وترهيبها.
4. صدمات الطفولة: إذا شاهد الطفل أحد والديه يعذب الحيوانات، فمن المحتمل أن يستكمل الفعل نفسه في مرحلة البلوغ. ووفقاً لما ذكرته استشارية الطب النفسي، أوجاسويتا بوشان (Ojaswita Bhushan)؛ فإن مشاهدة القسوة على الحيوانات تقلل حساسية الأطفال تجاه العنف وتزيد فرص الانخراط في السلوكيات المعادية للمجتمع، فالطفل الذي يشاهد أحد والديه يعذب الحيوانات يطور فكرة مفادها أن العنف مقبول.
5. الإصابة بأحد اضطرابات الصحة النفسية: قد يواجه بعض الأفراد الذين يعانون اضطرابات الصحة النفسية صعوبة في التعاطف مع معاناة الحيوانات أو فهم عواقب أفعالهم. وفي هذا السياق، يوضح الطبيب النفسي، نبيل القط، إن تعذيب أبو نوح للقطط قد يكون ناجماً عن معاناته اضطراباً نفسياً، ومن أهم الاضطرابات النفسية المتعلقة بتعذيب الحيوانات:
- اضطراب الشخصية العدوانية: ويشرح القط إن هذا الاضطراب عبارة عن مرض نفسي يدفع الأفراد إلى ارتكاب سلوكيات تتسم بالعنف تجاه الآخرين؛ وذلك من أجل إيذائهم جسدياً أو نفسياً.
- اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع: وهي حالة نفسية تتسم بارتكاب أفعال غير قانونية أو غير أخلاقية أو خادعة دون التفكير في العواقب أو الشعور بأي ندم أو ذنب تجاه الآخرين.
- الثالوث المظلم: يشير مصطلح "الثالوث المظلم" (Dark Triad) إلى 3 سمات شخصية سلبية وهي النرجسية، والميكافيلية، والاعتلال النفسي، ويميل الأشخاص الذين يتمتعون بهذه السمات إلى القسوة والتلاعب بالآخرين، وعادة ما يكونون على استعداد لفعل أي شيء لتحقيق مرادهم. علاوة على ذلك، لديهم نظرة مضخمة إلى أنفسهم، وقد ينخرطون في سلوكيات خطِرة تصل إلى حد ارتكاب الجرائم دون أي اعتبار لكيفية تأثير أفعالهم في الآخرين.
- السادية: هي الميل إلى استخلاص المتعة من آلام الآهرين أو معاناتهم، وقد يتسبب بعض الأشخاص ذوي الشخصيات السادية في إلحاق الألم بالآخرين عن طريق ممارسة العنف. وفي بعض الحالات، قد يجد الساديون أنه من الممتع تعذيب الحيوانات ورؤيتها تعاني.
اقرأ أيضاً: كيف تكتشف الشخصية العدوانية السلبية؟
هل يمكن علاج الأشخاص الذين يعذبون الحيوانات؟
تشرح أستاذة علم النفس، تانو سايني، إن الأشخاص الذين أساؤوا معاملة الحيوانات يمكنهم اللجوء إلى طلب المساعدة النفسية المتخصصة من أجل الحصول على الدعم. وفي السياق نفسه، يؤكد الطبيب النفسي نبيل القط إن علاج اضطراب الشخصية العدوانية شديدة الصعوبة، مضيفاً إن 90% من المصابين به يذهبون إلى السجن.
وعلى الرغم من ذلك، فإن أستاذة علم النفس سايني تقترح مجموعة من الحلول لعلاج الأشخاص الذين يعتدون على الحيوانات؛ أهمها فهم الدوافع والعمل على علاجها؛ وذلك لأن القسوة تجاه الحيوانات يمكن أن تنشأ من عدة عوامل. ففي بعض الحالات، يكون الأمر انتقامياً،وفي حالات أخرى، تكون المشكلة أكثر تعقيداً حين تتصل بأحد اضطرابات الصحة النفسية.
أيضاً، من المفيد الاستعانة بالعلاج المعرفي السلوكي (CBT) الذي يعتمد بالأساس على تغيير التفكير والسلوك؛ لكن يجب القول إن تعذيب الحيوانات إذا كان ناجماً عن الإصابة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع فقد يصعب علاجه؛ وذلك لأن الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب لا يدركون أن سلوكياتهم تضر الآخرين.