6 إرشادات فعالة للتخلص من أدبك المبالغ به دون الإساءة للآخرين

4 دقيقة
المبالغة في التهذيب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

لنكن صريحين: ربما تقرأ هذا المقال لأنك تشك في أن تهذيبك يتجاوز مجرد الفضيلة وحسن الأخلاق والتربية. ربما تعتذر عندما يصطدم بك أحدهم، أو تقول "نعم" بينما تصرخ في داخلك "لا". ربما تشعر بأنك غير مرئي أو غير مسموع، أو بصراحة أكثر، مُستغَل. إذا وجدت نفسك عالقاً في مثل هذه الدوامة من التهذيب، فأنت لست وحدك، وعلى الرغم من أن هذا السلوك غالباً ما ينبع من نوايا نبيلة، فإنه قد يُدمر علاقاتك، ويقف عائقاً أمام مسيرتك المهنية، ويدمر صحتك النفسية.

إذاً، لماذا يفرط البعض في تهذيبه؟ وما هي الآثار الخفية له؟ والأهم من ذلك، كيف يمكنك أن تتعلم إثبات نفسك دون أن تشعر بأنك تخون قيمك؟

لماذا أنا مهذب إلى هذه الدرجة؟ الأسباب الخفية للتهذيب المفرط

تقول لنفسك "إنني أجامل الآخرين وأعتذر منهم لأنني لا أريد أن يعتقدوا أنني وقح أو أناني، هل هذا سيئ لهذه الدرجة؟" حسناً، إنه ليس كذلك على الإطلاق. إن الرغبة في أن تنال إعجاب الآخرين واستحسانهم أمرٌ طبيعيٌّ للغاية ومحبب، لأنه يساعد على توطيد العلاقات وتطوير شبكة الدعم من زملاء وأصدقاء، لكن عندما يسبب لك الاستياء بعد كل اعتذار أو موافقة، فقد يكون سلوك الإفراط في التهذيب قناعاً لمشكلات نفسية أخرى. إليك أهم الأسباب النفسية للإفراط في التهذيب:

1. الخوف من الصراع والرغبة في الاندماج مع المحيط

يبالغ البعض في التهذيب خوفاً من المواجهة، حيث يعتقدون أن تخفيف حدة كلماتهم أو تجنب الصراحة سيحفظ السلام ويمنع الخلافات. فبمجرد التفكير في التسبب بالانزعاج أو الخلاف يُشعرهم بالقلق والخوف من الرفض، إذ يربطون بين خطر فقدان العلاقات أو التعرّض للعزلة في حال أرادوا التعبير عن ذاتهم أو تأكيدها، ما يدفعهم إلى الإفراط في المجاملة.

2. التنشئة غير الصحية

هل شدّدت تربيتك على الالتزام الصارم بالتهذيب؟ هل شُجّعت على أن تكون دائماً لطيفاً حتى عندما يُعاملك الناس بظلم؟ يُطوّر بعض الأفراد تهذيباً مفرطاً كآلية للبقاء في الطفولة، خاصةً إذا نشؤوا في بيئات يؤدي فيها التعبير عن الرأي إلى العقاب أو الإهمال، حيث يتعلم الطفل إعطاء الأولوية لمشاعر الآخرين على مشاعره الخاصة، وبذْل قصارى جهده لإرضاء الآخرين، حتى على حسابه الخاص. يمكن أن يُترجم هذا السلوك في المستقبل إلى تهذيب مفرط، حيث تكون الاحتياجات الشخصية ثانوية دائماً.

3. تدني تقدير الذات 

عندما يُعاني الأفراد تدني تقدير الذات، غالباً ما يمتلكون معتقدات راسخة بأنهم ليسوا جيدين بما يكفي أو لا يستحقون الحب والاحترام، فتتولد بداخلهم حاجة ملحّة للحصول على القبول الخارجي وموافقة الآخرين، لتهدئة مؤقتة لمشاعر عدم الكفاءة. وفقاً لمنطق هؤلاء، إذا كنتَ لطيفاً دائماً، فلن يكرهك أحد، لكن هذا فخ، حيث ينتهي بهم الأمر إلى الشعور بأنهم غير مرئيين أو مُقدّرين، ويبذلون جهوداً مُضنية لإرضاء الآخرين على حساب احتياجاتهم ورغباتهم.

4. الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية

في بعض الحالات، قد يكون الإفراط في التهذيب وسيلة للتعامل مع مشكلة نفسية، مثل اضطراب القلق العام حيث يصبح التهذيب المفرط وسيلة لتقليل القلق الاجتماعي وتجنب الصراع، أو الوسواس القهري، وفيه تصبح الرغبة في التحلي بالتهذيب قهرية ومزعجة.

ما هي الآثار النفسية للتهذيب المفرط؟

قد تتساءل: ما هو السيئ في الإفراط بالأدب؟ أليس من الجيد أن تكون مراعياً للآخرين؟ لكن إليك الحقيقة: قد يأتي الإفراط في التهذيب بنتائج عكسية، ومن أخطرها:

  • الكبت العاطفي: إن إعطاء الأولوية لمشاعر الآخرين باستمرار قد يؤدي إلى كبت مشاعرك، ما يجعلك تشعر بالاستنزاف والانفصال عن ذاتك الحقيقية. وفقاً للمختصة النفسية فهدة باوزير، يسبب الكبت العاطفي العصبية والانطوائية والاكتئاب والميول الانتحارية.
  • سوء الفهم: عندما تُجمّل كلماتك، تضيع نواياك الحقيقية. قد لا يفهم الناس ما تريده أو تحتاج إليه حقاً.
  • الاستياء: يؤدي كبت احتياجاتك إلى الإحباط والمرارة، سواء تجاه نفسك أو تجاه الآخرين.
  • التعرض للاستغلال: قد يراك الناس شخصاً ضعيفاً، ما يؤدي إلى المزيد من تجاوز الحدود. على سبيل المثال، قد تتعرض الأنثى للتحرّش بسبب تسامحها مع سلوكيات غير لائقة.
  • فقدان الأصالة: في رحلة سعيك لاكتساب ود الآخرين بتهذيبك المفرط، قد تفقد التواصل مع رغباتك وآرائك وهويتك، وتهمل ذاتك الحقيقية.

6 خطوات لتحرر نفسك من قيود التهذيب المفرط

قد تعتقد أن التوقف عن الإفراط في التهذيب يعني أن تصبح وقحاً، لكن هذا ليس صحيحاً على الإطلاق. إن هدف الحد من التهذيب المفرط هو إيجاد توازن صحي بين اللطف واللباقة، وأن تكون حازماً في رسم حدودك الشخصية في آن واحد. إليك بعض الخطوات العملية التي يمكن أن تطور من خلالها أسلوبك في التهذيب دون أن تشعر بأنك أناني أو مكروه:

  1. تعرّف إلى أنماطك: ابدأ بملاحظة متى ولماذا تُبالغ في التهذيب. هل تفعل ذلك مع أشخاص مُعينين أم في مواقف مُحددة؟ هل تُحاول تجنّب الخلافات، أم تخشى الرفض؟ إن الوعي بذاتك هو الخطوة الأولى للتغيير.
  2. أعد صياغة معتقداتك: اسأل نفسك: ماذا سيحدث إذا كنتَ أقل تهذيباً؟ هل سيكرهك الناس حقاً؟ أم إنه مجرّد خوفٍ متجذر داخلك؟ تحدَّ افتراض أن قيمتك تعتمد على أنك مطيع دائماً، أو أن التعبير عن مشاعرك الحقيقية سيؤدي تلقائياً إلى الرفض.
  3. ضع حدوداً: الحدود هي إرشادات للآخرين توضح لهم كيفية معاملتك، لذا توقف عن الاعتذار بغير داعٍ، وتدرّب على رسم حدودك بهدوء ومباشرة. فعوضاً عن تقديم الاعتذارات، جرّب قول: "أود المساعدة، لكن لا يمكنني الالتزام الآن"، أو "أحتاج إلى بعض الوقت للتفكير في الأمر". قد تجد صعوبة في البداية، لذا ابدأ بمواقف أقل خطورة، ثم انتقل تدريجياً إلى مواقف أكثر تحدياً. بمرور الوقت، ستجد أن علاقاتك أصبحت أكثر صدقاً ومتانة، وأن احترامك لذاتك يزداد وكذلك ثقتك في نفسك.
  4. تجنَّب اختلاق الأعذار: عندما ترفض طلباً، كن مباشراً وقل "لا" دون إلقاء اللوم على أشياء أخرى أو تقديم أعذار. إذا بدأت بشرح أسباب رفضك، قد تعطي الآخرين فرصة لتعديل طلبهم لإقناعك. لذا، استخدم نبرة حاسمة عند الرفض ولا تضف تفاصيل غير ضرورية. تذكّر أن "لا" تكفي باعتبارها جواباً.
  5. ساعد عندما ترغب في المساعدة: لا تتخلَّ عن اللطف والتفكير، فهما مهمان لبناء علاقات قوية، لكن قبل ذلك تأكد من أن دوافعك صادقة، وليست خوفاً من الرفض أو للحصول على إعجاب الآخرين. أي استمر في فعل الخير، لكن وفقاً لشروطك، فاللطف والتهذيب في النهاية هو رغبة في تحسين حياة الآخرين.
  6. اطلب الدعم النفسي: في حال لم تجدِ الخطوات السابقة نفعاً سيكون الأفضل أن تفكّر في استشارة معالج نفسي، لتحديد الجذور النفسية لمشكلتك والعمل على علاجها.

المحتوى محمي