الإدمان هو حالة معقدة واضطراب دماغي يتجلى في تعاطي المخدرات القهري على الرغم من الوعي بعواقبه الضارة.
يمنح هذا الاضطراب النفسي العصبي الشخص شعوراً بالبهجة أو السعادة الشديدة، ويظل يعود لممارسته مراراً وتكراراً، على الرغم من مخاطر حدوث أضرار وعواقب سلبية أولها أنه يغيّر وظائف المخ.
قد تؤدي العوامل الوراثية والنفسية والاجتماعية أدواراً مهمة في ظهور الاضطراب وتفاقمه وهذا ما يشير إلى أن وجود سبب واحد قد لا يؤدي إلى الإدمان، فمن المرجح أن تؤدي مجموعة عوامل متعددة إلى إدمان المخدرات لدى أي شخص.
حقائق وأرقام عن تعاطي المخدرات في السعودية والعالم
يُعرِّف المعهد الوطني لتعاطي المخدرات (NIDA) الإدمان على النحو التالي: "الإدمان هو اضطراب دماغي مزمن متكرر الانتكاس يتميز بالسعي القهري للمخدرات واستخدامها، على الرغم من معرفة عواقبه الضارة".
وتتضمن قائمة المواد المخدرة: التبغ (النيكوتين) والكحول والقنب والمواد الأفيونية (الهيروين والمورفين) والكوكايين والأمفيتامينات والمخدرات الاصطناعية (Synthetic drugs). ويُعد عقار الأمفيتامين المعروف باسم حبوب الكبتاغون (Captagon) من أكثر المواد المخدرة المستهلكة في السعودية؛ حيث تقع غالبية متعاطي المخدرات السعوديين في الفئة العمرية بين 12-22 عاماً، ويستخدم 40% من مدمني المخدرات السعوديين حبوب الكبتاغون وفقاً لما قاله الأمين العام للّجنة الوطنية السعودية لمكافحة المخدرات، الشريف عبد الإله بن محمد في حوارٍ له مع جريدة سعودية.
وعلى ما يبدو أن هناك زيادات قياسية في تصنيع الكوكايين والتوسع في أسواق المخدرات الاصطناعية؛ حيث تعاطى حوالي 284 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15-64 عاماً المخدرات في جميع أنحاء العالم في 2020 حسب ما جاء به أحدث تقرير سنوي صادر في يونيو/حزيران 2022 عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
عوامل اجتماعية ووراثية تسهم في إدمان المخدرات
إن كان الإنسان ابن بيئته، فيُعد ذلك عاملاً بارزاً آخر يضاعف احتمالات إدمان المواد المخدرة، وهو أمر سهل لدى المراهقين وفئات الشباب اليافع.
الأسباب الاجتماعية والبيئية المحتملة
فئة الشباب هي الشريحة العمرية التي يمكن تصنيفها كالأكثر عرضة للوقوع فريسة سهلة لمغريات البيئة الأسرية والاجتماعية المتمثلة في مجموعة الأقران وزملاء المدرسة، من دون أن ننسى السوق الترويجي الخصب للمواد المخدرة الذي توفره سهولة توصيل المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
حقيقة تؤكدها أبحاث المعهد الوطني الأميركي لتعاطي المخدرات (National Institute on Drug Abuse) التي تُظهر أن صحة الشخص هي نتيجة التفاعلات الديناميكية بين الجينات والبيئة؛ أي أن التأثيرات الثقافية يمكن أن تزيد احتمالات تعاطي المخدرات أو تحمي منها.
ووفقاً لبيانات المعهد الوطني؛ توفر الأنشطة الصحية بعد المدرسة على سبيل المثال، فرصةً لتقليل من التعرض لإدمان المخدرات؛ كما أن ممارسة التمارين الرياضية ونمط العيش الصحي داخل الأسرة عموماً يثبط سلوك البحث عن المخدرات عند الذكور أكثر منه لدى الإناث.
الأسباب الوراثية
يشير المعهد الوطني الأميركي لتعاطي المخدرات أيضاً إلى أن التعرض للتوتر والإجهاد النفسي في المحيط الاجتماعي بسبب وجود شخص مدمن أو مهمل أو مسيء في تعامله مع الأشخاص في محيطه الشخصي يسبب تغييرات قد تستمر مدى الحياة في كلٍ من التعبير الجيني والوظيفة الجينية للأفراد الذي يعيشون في محيط المدمن، وهو ما يُعرف بعلم التخلق (Epigenetics).
فالجينات قد تستجيب لمحفزات بيئية؛ ما قد يعرض بعض الأشخاص لخطر الإصابة بالمرض أكثر من غيره. يمكن فهم ذلك أكثر إذا أدركنا أن الخيارات التي يقوم بها الأفراد تحدد بنية الحمض النووي على مستوى الخلية أو تعيد تشكيل المعلومات الجينية الموجودة بها؛ تلك المعلومات التي تُنتج السمات الشخصية التي يرثها الأطفال عن آبائهم كالميولات الفنية وحس الدعابة مثلاً.
فإذا تعاطى شخص مادة الكوكايين مثلاً؛ يترك سلوكه هذا علامات محددة في حمضه النووي. ووفقاً لعلم التخلق؛ يزيد ذلك من احتمالات وجود أبناء مدمنين أيضاً خاصة إذا عاشوا بالقرب من الأب المدمن.
الأسباب النفسية قد تضاعف احتمالات تعاطي المخدرات
من وجهة نظر علمية أخرى؛ يرى الطبيب الكندي والكاتب والمحاضر المتخصص في الإدمان، غابور ماتّي (Gabor Maté) أن تعاطي المخدرات مشكلة نفسية عميقة الجذور. فبعد تجارب سريرية دامت أكثر من 20 سنة في تطبيب كافة أشكال المدمنين في شوارع فانكوفر بكندا ومساعدتهم، اكتشف الطبيب ماتّي الكثير عن السيكولوجية الكامنة وراء الإدمان.
بالنسبة إليه؛ صدمات الطفولة الشديدة هي التي تدفع الشخص لاحقاً في حياته كبالغ إلى الاعتماد على المواد المخدرة لتسكين الألم العاطفي الذي قد يكون مكبوتاً ولا يعرف شيئاً عنه، ويحدث ذلك عندما يصبح هذا الألم ساحقاً، بخاصة إذا كانت جذوره آتية من صدمة الطفولة المبكرة، لأن محاولة الهروب من هذا الألم حين لا يتم إيجاد حل له هو طبيعة بشرية.
ويستشهد ماتّي دائماً في محاضراته بمقولة الروائي المصري نجيب محفوظ: "لا شيء يحكي آثار الحياة الحزينة بطريقة مرئية مثل جسد الإنسان".
لا يعتمد ماتّي في نظريته عن الإدمان على تجاربه السريرية فقط؛ بل يجمع بينها وبين آخر أبحاث الدماغ التي تُرجع سبب الإدمان إلى المواد الكيميائية التكوينية في الدماغ؛ حيث ينتج الإدمان بسبب نقص المستقبلات في الأنظمة العصبية التي تشجع الأشخاص الذين يعانون من الإدمان على العلاج الذاتي (Self-medication)، فيستبدلون التحفيز العصبي المفقود بالتحفيز الخارجي الذي تمنحه لهم المواد المخدرة.
يقول ماتّي إنه لم يقابل يوماً مدمناً اختار الإدمان طواعية، ويتضح ذلك من خلال التجارب الحقيقية للمدمنين التي يرويها في كتابه المعروف عالمياً بعنوان: "مملكة الأشباح الجياع" (The Realm of Hungry Ghosts)؛ كما يشجع من خلاله على الفهم الذاتي الشامل والعاطفي للمدمن وذويه باعتبار الإدمان ليس حالة طبية منفصلة عن الحياة بل نتيجة تفاعل معقد بين التاريخ الشخصي والتطور العاطفي والعصبي وكيمياء الدماغ والعقاقير والسلوكيات الفردية للمدمن.
من الواضح أن أسباب تعاطي المخدرات ليست واحدة، فالأبحاث والدراسات جميعها تشير إلى مجموعة عوامل اجتماعية وبيئية تؤدي إلى هذه الظاهرة، وتبقى العوامل النفسية مجالاً مستجداً يستدعي المزيد من البحوث لفهمٍ أعمق أكثر لنفسية المدمن.