ملخص: مما لا شك فيه أن ممارسة الرياضة باعتدال طريقة رائعة لتعزيز الصحة الجسدية والنفسية ولكن الإفراط في ذلك قد يتحول إلى حالة من الإدمان، ولأن كل إدمان مؤذٍ فإن ثمة عواقب لا يستهان بها حتى إذا كنا نتحدث عن الرياضة. يقول مختص علم النفس غريغ ديكام: "تنطبق على إدمان التمارين الرياضية المعايير ذاتها التي تكشف عن حالات الإدمان الأخرى: عدم القدرة على التوقف عن ممارستها ومتابعة النشاط رغم الألم وأعراض الانسحاب مثل القلق وسرعة الانفعال، إضافة إلى التأثير السلبي في جوانب الحياة الأخرى الاجتماعية والأسرية". وفي أغلب الأحيان لا يدرك مدمن الرياضة حالة الإدمان هذه أو أنه يدركها ولكن بعد فوات الأوان حين يتعرض مثلاً إلى إصابة تجبره على التوقف عن ممارستها، ما يسبب له الاكتئاب والقلق والعصبية.
مما لا شك فيه أن ممارسة الرياضة باعتدال طريقة رائعة لتعزيز الصحة الجسدية والنفسية ولكن الإفراط في ذلك قد يتحول إلى حالة من الإدمان، ولأن كل إدمان مؤذٍ فإن ثمة عواقب لا يستهان بها حتى إذا كنا نتحدث عن الرياضة، فما هي هذه العواقب؟ وما أسباب هذا الإدمان؟ وكيف نتجنبه؟ يجيب عن هذه الأسئلة مختصون نفسيون من خلال السطور التالية.
يبلغ رائف من العمر 29 عاماً وهو مدرب لياقة بدنية ويمارس رياضة كمال الأجسام وكرة قدم الصالات وركوب الدراجات لـ 3 ساعات يومياً وعن حبه للرياضة يقول: "ممارسة الرياضة مهمة جداً بالنسبة إليّ، إنها متعة تمنحني شعوراً بأنني أتحكم في جسدي وحياتي. كنت نحيلاً جداً في مراهقتي وسمحت لي الرياضة بزيادة كتلتي العضلية فتغيرت نظرة الفتيات إليّ ما عزز ثقتي بنفسي؛ ولكن يصعب عليّ من جهة أخرى الاستقرار في علاقة عاطفية بسبب ضيق الوقت".
على الرغم من فوائدها الأكيدة، فإن ممارسة الرياضة قد تتحول إلى هوس، ويقول مختص علم النفس ورئيس الجمعية الفرنسية لعلم النفس الرياضي (French Society of Sport Psychology) غريغ ديكام (Greg Décamps): "تنطبق على إدمان التمارين الرياضية المعايير ذاتها التي تكشف عن حالات الإدمان الأخرى وهي: عدم القدرة على التوقف عن ممارستها ومتابعة النشاط رغم الألم وأعراض الانسحاب مثل القلق وسرعة الانفعال، إضافة إلى التأثير السلبي في جوانب الحياة الأخرى كالاجتماعية والأسرية". ويتابع: "أنا أرفض مصطلح الإدمان الإيجابي الذي يُطلقه بعض الناس على إدمان الرياضة، لأنه قد يؤدي إلى عواقب وخيمة ومنها الإصابات المتكررة واضطرابات الأكل أو الاكتئاب، ومحاولة تعويض فترات التوقف من خلال ممارسات إدمانية أخرى، ويصعب على الناس إدراك خطورة هذا الإدمان بسبب الصورة الإيجابية للغاية للرياضة في أذهانهم لما تحمله من قيم مثل المثابرة وروح التعاون".
لمَ نمارس الرياضة بإفراط؟
بسبب المشاعر التي تولدها
يقول الطبيب النفسي المتخصص في الإدمان ميشيل أوتوفوي (Michel Hautefeuille): "تقدم الرياضة طيفاً واسعاً من الأحاسيس تتلاءم مع الحالة المزاجية لكل شخص، فبعض الناس يفضل رياضات السرعة في حين أن آخرين يفضلون رياضات التحمل أو حتى الرياضات الخطرة". ويتابع: "نحن نولي أهمية كبرى لدور التمارين الرياضية في محاربة الملل والإجهاد المهني وما إلى ذلك، وبخاصة أن ممارسة الرياضة تطلق هرمونات الإندورفينات والكانابينويدات الداخلية (نواقل عصبية رجوعية ترتبط بمستقبلات الكانابينويد) في الجسم لمساعدته على التعامل مع الألم، وعلى هذا النحو يسهم هذا العامل البيولوجي الذي يجعل ممارسة الرياضة مصدراً أكيداً للمتعة، في آلية الإدمان المرتبطة بها".
بسبب الحاجة إلى الشعور بالتفوق
يقول ميشيل أوتوفوي: "يشير إدمان ممارسة الرياضة غالباً إلى مشكلة في الثقة بالنفس؛ إذ يحاول الفرد التفوق على حدوده الجسدية والذهنية ليتجاوز نظرته إلى نفسه ونظرة الآخرين إليه، فيقود معركة ضد نفسه يستخدم فيها جسده، بالتدريب المكثف والالتزام بالحميات الغذائية المقيدة وحتى تعاطي المنشطات أحياناً، فالرياضي محكوم عليه بالسعي الدائم إلى التفوق على ذاته؛ ولكن حين تصل هذه الحالة إلى ذروتها فإنه يصبح مهدداً بالانهيار تحت وطأة الاكتئاب ولا سيما عند الحديث عن الرياضي المحترف الذي تختزل هويته في أدائه فيمثل انتهاء مسيرته الرياضية انتهاء الحياة كلها بالنسبة إليه".
بسبب الفراغ العاطفي
قد يمارس المرء الرياضة بإفراط ليملأ فراغاً عاطفياً لديه، بعد الانفصال عن شريك حياته مثلاً. يقول الطبيب النفسي المتخصص في الإدمان ستيفان بريتاغو (Stéphane Prétagut): "تساعد ممارسات مثل التخطيط الدقيق للتمرين والعادات المرتبطة به وتكرار الحركات الرياضية على تجنب التفكير وصد المشاعر المؤلمة، وعلى هذا النحو يتخذ الرياضي من جسده "درعاً" يحول بين العالم الخارجي الذي يمثل له بيئة معادية، وعالمه الداخلي الهش، ويفسر هذا الدور النفسي للرياضة ميل المراهقين إلى ممارستها بإفراط أحياناً؛ كما أنها تسهم في بناء هويتهم وتساعدهم على الاستقلال نفسياً عن الوالدين".
كيف تتخلص من إدمان ممارسة الرياضة؟
1. اعترف بوجود المشكلة
في أغلب الأحيان لا يدرك مدمن الرياضة حالة الإدمان هذه، أو أنه يدركها ولكن بعد فوات الأوان حين يتعرض مثلاً إلى إصابة تجبره على التوقف عن ممارستها، ما يسبب له الاكتئاب والقلق والعصبية. ولتتجنب الوصول إلى هذه المرحلة إذا كنت ممن يمارسون الرياضة بإفراط، فإنه من المهم أن تستمع إلى من حولك الذين سيشتكون بالتأكيد من انشغالك المبالغ فيه بالرياضة واكتشاف علامات الإدمان، فهل يمكن مثلاً أن تتخلى عن حضور زفاف صديقك كي لا تفوت تدريبك المسائي في اليوم ذاته؟ وهل تشعر بالذنب حين تفوت جلسة رياضية؟ أو هل تلعب التنس على الرغم من أنك مصاب بالتهاب في الأوتار؟ إنها علامات تشير إلى ضرورة التمهل والتفكير بعلاقتك بالرياضة من جديد.
2. نوّع مصادر المتعة
يقول غريغ ديكام: "لا طريقة أفضل من تنويع مصادر المتعة لمحاربة إدمان ممارسة ما؛ أي الخروج من دائرة الشغف الوحيد الذي يتمحور حول الذات غالباً، لاكتشاف أنشطة أخرى لا تقل عنه متعة مثل الذهاب إلى السينما والطبخ والسفر، وثمة الكثير من الهوايات التي يمكنك مشاركتها مع الزوج أو العائلة وتمثل فرصة في الوقت ذاته لتتعلم شيئاً جديداً".
3. حدد الظروف التي جعلتك تدمن الرياضة
قد يكشف ماضيك أو حياتك العاطفية أو المهنية عن دوافعك لممارسة الرياضة بإفراط. هل تشعر بالنقمة بسبب حدث عصيب مررت به فيما مضى؟ هل تشعر بحاجة إلى إثبات جدارتك؟ هل غلب الملل على حياتك الزوجية؟ يمكنك مناقشة هذه الأسئلة مع طبيب نفسي أو مختص بعلم النفس ضمن استشارة بشأن الإدمان.
يقول ماجد ذو الـ 26 عاماً: "أعمل في وظيفة مرهقة للغاية ومن الضروري أن أمارس الرياضة لأخفف الضغط الذي تسببه لي. بدأتُ بممارسة الجري منذ سنوات وصرتُ أزيد المسافات التي أقطعها تدريجياً، وفي عام 2011 قطعت فرنسا جرياً في غضون أسبوعين أي بمعدل 8 كيلومترات يومياً، وقد عانيت كثيراً خلال ذلك كما عشت لحظات استثنائية. وبعد فترة تعرفتُ إلى فتاة وعرفتُ أنني أريد تكوين أسرة معها وأن ذلك يتطلب حياة أكثر توازناً، لذا لم أعد أُفرط في ممارسة الجري. وعلى الرغم من أنني أمارسه الآن مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع فإنني أفعل ذلك بهدف المتعة فقط ورفقة زوجتي أغلب الأحيان".