أصبح من المعروف أن الإناث يعانين من الألم بصورة أكبر مقارنةً بالذكور، ويسعى المختصون إلى فهم الاختلاف بين الجنسين في هذه الناحية بغية إيجاد الطرق المناسبة للتعامل مع هذه الظاهرة وتحسين "إدارة الألم عند الإناث".
تشير جميع المؤشرات إلى عدم تساوي الجنسين فيما يتعلق بالألم؛ إذ تتأثر المرأة به تأثراً أسرع وأكثر شدة مقارنةً بالرجل وذلك بغض النظر عن منطقة الألم. ويوضح آلان سيري رئيس الجمعية الفرنسية لدراسة الألم وعلاجه (SFETD) قائلاً: "خلال التجارب التي تضمنت تحفيز الألم؛ لاحظنا ظهوره بسرعة أكبر عند النساء إضافةً إلى عدم تحملهن له بشكل جيد". لذلك تعاني النساء من الألم أكثر من الرجال سواء فيما يتعلق بتكراره أو مدته أو شدته.
أظهرت دراستان أوروبيتان أُجريتا في عاميّ 1989 و2004 أن الألم "مرتبط" بالحياة اليومية للإناث. يحاول العديد من الباحثين تفسير هذه الاختلافات بين الجنسين، وبينما لم يتم التحقق علمياً من صحة جميع ما توصلوا إليه، فإنهم يعكفون الآن على دراسة العديد من الفرضيات التي قد تساعد على تحسين "إدارة الألم عند الإناث".
علاقة طويلة الأمد
تبدأ تجربة الإناث مع الألم في سن البلوغ، ووفقاً للرابطة الدولية لدراسة الألم (IASP) فإن 20% من الفتيات الملتحقات بالمدرسة قلن أنهن يتغيبن عن مدارسهن بسبب آلام الدورة الشهرية التي تعاني منها 90% من النساء. إضافةً إلى آلام الدورة الشهرية؛ تصبح النساء على المدى الطويل أكثر حساسيةً لجميع أشكال الألم الأخرى؛ مثل آلام الصداع النصفي وآلام الأسنان وغيرها.
يؤكد إريك بوكارد؛ مدير معهد أوبسا للألم، أن الجهاز العصبي عند الإناث يمكن أن يكون أكثر حساسيةً للألم نتيجة تحفيزه المنتظم بسبب اضطرابات الدورة الشهرية، ومن ناحية أخرى فإن تكرار الألم المزمن -أي الذي يستمر لمدة تزيد على 3 أشهر- يسبب حالةً من المعاناة النفسية تؤدي إلى ألم جسدي، لذا فهي حلقة مفرغة.
دور العواطف في ألم المرأة
يشير إريك بوكارد إلى اختلاف المشاعر بين كلا الجنسين: "تختلف معالجة الدماغ للمعلومات بين المرأة و الرجل، وبينما تتطابق الدوائر الدماغية لدى كليهما، فإن عواطف الخوف والقلق والتوتر تؤثر في النساء بصورة أكبر. علاوةً على ذلك؛ يُظهر التصوير الطبي اختلاف طريقة تحفيز المناطق المسؤولة عن الاستجابة للعواطف في الدماغ في حالة الألم، تبعاً للجنس.
من جهة أخرى؛ تُعد أوجه التفاوت الاجتماعي المختلفة عاملاً مؤثراً، ويؤكد آلان سيري أن: "الدخل المنخفض، وحالات التفكك الأسري، وانعدام الأمان المهني أو الوحدة، كلها عوامل تحفز الآلام المزمنة، وكلما ازداد القلق عند المرأة ازدادت لديها الأعراض الجسدية المصاحبة لهذا القلق".
تأثير الهرمونات
لا شك أن لهرمون الإستروجين علاقة بالألم، ولكن وفقاً لفلورنس ديكسمرياس إسكندر؛ رئيس قسم تخفيف الآلام في معهد بيرجوني في بوردو بفرنسا، فإن البحث الذي يتناول هذا الموضوع ينطوي على فرضيات فقط: "من المحتمل أن يكون للهرمونات الأنثوية دور مهم؛ إذ يمكن أن تنحسر حدة بعض أنواع الصداع النصفي المرتبطة بالدورة الشهرية خلال الحمل، أو بعد انقطاع الطمث. من جانبه يظل آلان سيري متحفظاً حول هذا الأمر فيقول: "هنالك بالتأكيد تأثيرات غير مباشرة للهرمونات الأنثوية فيما يتعلق بالألم؛ لكن الأمر لا يتعدى ذلك".
هناك فرضية أخرى تحظى باهتمام الباحثين، وهي الاختلاف بين المرأة والرجل في طريقة استقبال الجهاز العصبي لدى كل منهما للمسكنات المشتقة من المورفين؛ ولكن في الوقت الحالي لا يبدو أنه تمت دراسة أي علاج للألم مع مراعاة الجنس.
الدعم غير الكافي
تقول منى ذات الـ 38 عاماً؛ والتي تعاني من الروماتيزم (التهاب المفاصل الروماتويدي): "إن العلاج يستهدف المرض لا الألم؛ لقد أعطوني في المستشفى قرصين من دواء دوليبرين المسكن بغية تخفيف نوبات الألم التي أعاني منها". أثبتت مسكنات الألم فعاليتها خلال رحلة المريض العلاجية، فعندما يُعالج الألم الناجم عن أمراض خطيرة يصبح علاج المرض أكثر فعالية، ويكون لدى المريض فرصة أفضل للشفاء؛ ولكن رغم تنوع العلاجات المسكنة، ومعرفة دواعي استعمال كل منها، فإن معاناة النساء مع الألم مازالت مستمرة. قد تعبر المرأة عن معاناتها مع الألم لكنها قد لا تجد من يستمع إليها. تقول سارة ذات الـ40 عاماً، وهي تكافح من أجل التعافي من عملية استئصال ثدي بعد إصابتها بسرطان الثدي: "لمدة 5 أشهر كنت أشعر بالألم كلما رفعت ذراعي، وقال لي الجرّاح أنني حساسة زيادة عن اللزوم".
كيف نأخذ الألم في الاعتبار؟
يقول آلان سيري محتجاً: "لا يمكن لاستشارة مدتها 10 دقائق أن تكون كافيةً لعلاج الآلام المزمنة". من جانبه يرى إريك بوكارد أن: "التحدث مع الطبيب المعالج يجب أن ينطوي على حوار حقيقي تتمكن المرأة من خلاله من التعبير عن ألمها دون التسليم بأن هذا الألم هو نتيجة حتمية لمرضها"، وبعبارة أخرى؛ أن تحظى المريضة بحسن الاستماع.