كيف تؤثر البيئة على ذكرياتنا؟

4 دقائق
أنواع الذاكرة

تتراكم ذكرياتنا نتيجة لتعلمنا المستمر وخبراتنا الحياتية، وتُضاف واحدة تلو الأخرى في بناء قد نظنه سيبقى إلى الأبد؛ لكِنّا نكتشف في بعض الأحيان أن ذاكرتنا تخوننا عند رغبتنا في استعادة ذكرى جميلة، فلا نستطيع استعادة تفاصيلها بدقة، أو تختلط بذكريات أخرى.
في حين تتشكل التفاصيل الأولية لتجارب حياتنا في الذاكرة؛ إلا أن تمثيل الدماغ لتلك المعلومات يتغيّر بمرور الوقت، فمع عمليات إعادة التنشيط اللاحقة الناتجة عن ذكريات حديثة؛ تزداد قوة الذاكرة أو تضعف، أو تتخذ خصائص مختلفة.

أنواع الذاكرة

تتأثر ذاكرتنا بخبرات الحياة والعوامل البيئية؛ مثل النظام الغذائي، والأدوية والمسكّنات، والنوم، بالإضافة إلى الخمول البدني.

تشير دراسة من جامعة نافارا بإسبانيا إلى وجود العديد من النظريات حول أنواع الذاكرة داخل الدماغ البشري؛ حيث يعتقد معظم العلماء أن هناك أربعة أنواع عامة على الأقل من الذاكرة: ذاكرة عاملة، وذاكرة حسية، و ذاكرة قصيرة المدى وأخرى طويلة المدى.

يقترح بعض الباحثين أن تلك الأنواع المذكورة ليست أنواعاً مُمَيزة من الذاكرة؛ بل مراحل منها. أي أن الذاكرة تبدأ في الذاكرة الحسية، وتنتقل إلى تلك قصيرة المدى، ثم الذاكرة طويلة المدى. بينما الذاكرة التي يستخدمها الشخص لفترة وجيزة فقط، هي جزء من الذاكرة العاملة، وقد لا تنتقل إلى جزء آخر من الذاكرة.

1. الذاكرة العاملة

تعبِّر الذاكرة العاملة عن ذلك النظام المعرفي المسؤول عن الاحتفاظ مؤقتاً بالمعلومات المتاحة للمعالجة في أي لحظة. وهي ضرورية لأنشطة مثل القراءة، والكتابة، وحل المشكلات، والتخطيط، بالإضافة إلى التواصل اللفظي؛ تلك المهارات المُستخدّمة بانتظام في الحياة اليومية، ويمكن أن يؤدي ضعفها إلى اضطراب شديد في أداء المهام اليومية للفرد.

2. الذاكرة الحسية

تحتفظ الذاكرة الحسية بالمعلومات الحسية لفترات زمنية قصيرة جداً؛ عادةً ما تكون ثانية واحدة أو أقل. إذا انتبه الشخص إلى المدخلات الحسية؛ قد تنتقل المعلومات إلى الذاكرة قصيرة المدى ثم طويلة المدى؛ بحسب جمعية علم النفس الأمريكية.

3. الذاكرة قصيرة المدى

تسمح الذاكرة قصيرة المدى للشخص باستدعاء سلسلة محدودة من المعلومات أو الذكريات لفترة قصيرة، وتختفي بسرعة بعد حوالي 30 ثانية – وفقاً للباحثين ماركو كاسيلا و ياسر الخليلي، فهي نوع من التخزين قصير العمر الذي يمكنه فقط الاحتفاظ ببضع أجزاء من المعلومات؛ مثل تذكُّر رقم هاتف خلال الحصول على قلم لتدوينه.

4. الذاكرة طويلة المدى

يتم تخزين المعلومات على مدى فترة طويلة في الذاكرة طويلة المدى. إذا كان بإمكانك تذكر شيء ما حدث منذ أكثر من بضع لحظات، سواء حدث قبل ساعات فقط أو قبل عقود، فذلك يعتمد على هذا النوع من الذاكرة.

وفقاً لكريستين فولر؛ الطبيبة والكاتبة في مجال الصحة العقلية، فغالباً ما تكون الذكريات طويلة المدى خارج العقل الواعي؛ ولكن يمكن استحضارها إلى ذاكرتنا العاملة عند الحاجة. في حين يسهل تذكُّر بعض هذه المعلومات نسبياً؛ يصعب الوصول إلى ذكريات أخرى.

كيف ولماذا تُصنع الذكريات؟

يتطلب إنشاء ذاكرة معيَّنة تحويل كمية مُحدَّدَة من المعلومات التي يتصورها المرء إلى شكل أكثر بقاءً؛ حيث يتم تخزينها في الذاكرة طويلة المدى، ويمكن استخدامها في المستقبل - وفقاً لموقع "سايكولوجي توداي" (Psychology Today).

كما اخدم الذاكرة العديد من الأغراض؛ بداية من السماح لنا بإعادة النظر والتعلُّم من التجارب السابقة، إلى تخزين المعرفة حول العالم وكيفية عمل الأشياء. على نطاق أوسع؛ تتمثل الوظيفة الرئيسية للذاكرة في المساعدة على ضمان أن سلوكنا يتناسب مع الوضع الحالي، وأنه يمكننا تعديله بناءً على التجربة.

علاوة على ذلك، فهناك عدة عوامل تؤثر على سبب تذكرنا لما نفعله. تميل الذكريات المشحونة عاطفياً إلى أن تكون سهلة التذكر نسبياً. وكذلك المعلومات التي تم استرجاعها من الذاكرة عدة مرات، وتنفيذ الروتين، أو أي شكل آخر من أشكال التكرار - بحسب ناتالي ترونسون؛ الأستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة ميشيغان.

يساهم الوقت والتكرار أيضاً في ما إذا كنا نتذكر معلومات أو حدثاً، والقاعدة الأساسية هي أننا نتذكّر الأحداث والمعلومات ذات الأهمية.

من المحتَمَل أن يكون تذكُّر الأحداث الأخيرة أفضل من التي حدثت منذ وقت طويل. كذلك، فمن المحتَمَل أن تكون الأحداث والمعلومات التي تتكرر أكثر أهمية من الأحداث المنفردة، كما أننا نتذكر بسهولة الأحداث ذات الأهمية العاطفية المرتفعة.

تحت أي ظروف تتغيّر ذكرياتنا؟

بالإضافة إلى الوقت والتكرار وكونها مشحونة بالعواطف، فهناك سبب آخر يؤدي دوراً شديد الأهمية في استعادة الذكريات بكافة التفاصيل، أو نسيان بعضها، أو خلطها ودمج تفاصيلها مع أخرى؛ إنه السياق المكاني الذي تحدث فيه الذكريات.

أوضحت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعات أمستردام وليدن وإيراسموس روتردام بهولندا، أن للبيئة والسياق المكاني دوراً مهمَّاً في تحديد ما يمكننا ولا يمكننا تذكره. عندما تحدث التجارب المتتالية في نفس البيئة، فإنها تصبح أكثر عمقاً في دماغنا. ولكن عندما تحدث تجربة في سياق جديد، فإن ذاكرة هذه التجربة تتنافس مع الأخرى، وتدفع بالذكريات السابقة إلى الخلفية؛ ما يُضعف تذكُّرها.

كذلك، فالذكريات المتشابهة تقوي قابلية استرجاع بعضها البعض عند وقوع الأحداث في نفس السياق، بينما تُضعف الذكريات تذكر بعضها البعض عند وقوع أحداثها عبر سياقات مختلفة.

البيئة أمر بالغ الأثر في ما تتذكره

توضح فانيسا فان أست؛ مختصة علم النفس الإكلينيكي والمؤلفة الرئيسية للدراسة، أن إحدى النتائج الرئيسية للبحث هو أن البيئة التي يتذكر فيها الأشخاص تجربة ما، لها تأثير كبير على كيفية تذكرهم لها: "كنا نعلم بالفعل أن السياق المكاني يؤثر على الذاكرة؛ لكن لم يكن لدينا فهم جيد لما يحدث للذكريات بعد ذلك".

وتشير إلى أهمية السياق الذي يحدث فيه موقف معيَّن في إمكانية تذكّره فيما بعد. فعندما تحدث تجربتان في نفس السياق؛ يتم خلق ارتباطات بينهما بعمق أكبر. أما عندما تحدثان في سياقات مختلفة، يتم تذكُّر التجربة الثانية على حساب التجربة الأصلية؛ أي أن الذكرى الأحدث حلَّت محل السابقة لها.

السياقات المختلفة لا تعزز الذكريات

توضح فان است مثالاً على ذلك كالآتي: عند الذهاب للسينما مع صديق لمشاهدة أحد الأفلام واستحضاره لاحقاً؛ يمكنهما تذكّر تفاصيل التجربة معاً عند الحديث عنه. وعندما يذهبان لمشاهدة فيلم آخر في نفس السينما في وقت لاحق؛ سيجدان أن الزيارة الأولى والثانية للسينما قد تعزَّزتا على حد سواء في الذاكرة؛ سيتذكران أحداث الفيلم والمشروبات والوجبات الخفيفة التي تناولاها.

ولكن عند مشاهدة فيلم آخر مع نفس الصديق في سينما مختلفة، فإن الذاكرة الأصلية ستختفي بدرجة كبيرة، في حين يمكنهما تذكُّر التجربة الجديدة بقوة.

وأخيراً؛ تستنتج الباحثة من تلك التجربة أنه عندما يتغير السياق المكاني؛ يتم تشغيل ذاكرتنا للتبديل إلى هذا السياق الجديد، وإعطاء الأولوية للحدث الجديد على حساب الذاكرة الأصلية. في حين أن تشابه السياق المكاني يساعد على تكامل حلقات الذاكرة الأصلية والجديدة؛ ما يعزز استدعاء الذكرى القديمة وربطها بالحديثة.

المحتوى محمي