وهم الإنجاز: تعرف إلى أضرار المقاطع التحفيزية وكيفية تجنبها

5 دقيقة
إدمان المحتوى التحفيزي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: تثير الشعبية المتزايدة للمحتوى التحفيزي مخاوف عدة، فعلى الرغم من أنها يمكن أن تلهمك على المدى القصير، يمكن أن يؤدي الاعتماد عليها بصفتها مصادر خارجية للتحفيز إلى تقليل القدرة على السعي وراء الأهداف طويلة المدى، والشعور الزائف بالإنجاز من خلال مراقبة نجاح الآخرين، بدلاً من بذل جهدك الخاص. مثلما تسبب انخفاض الدافع الداخلي مع تحول تركيز الأفراد من التحفيز الداخلي إلى البحث عن التقدير الخارجي؛ حيث يربط الأفراد جهودهم بصفة أساسية بالمكافآت الخارجية بدلاً من الرضا الشخصي. ولتخفيف المخاطر المرتبطة بإدمان المحتوى التحفيزي، يُنصح بتنمية الوعي الذاتي، ووضع أهداف واضحة للتطوير الشخصي، والتعامل مع المشاعر السلبية، والتركيز على الدوافع الداخلية، وتعزيز العلاقات الداعمة، والمشاركة في التعلم النشط مثل القراءة والكتابة وورش العمل، بدلاً من البحث عن حلول سريعة وغير واقعية. ويمكن أن تساعد تقنيات مثل اليقظة الذهنية والتأمل الأفراد على تحويل المشاعر السلبية إلى عمل بناء، وتعميق الشعور بالإنجاز والرضا الشخصي.

اعتدت منذ فترة الاستماع إلى أحد المقاطع التحفيزية بينما أعد القهوة في الصباح استعداداً لبدء العمل، وكنوع من التهيئة والتشجيع وأخذ جرعة حماسية في بداية اليوم. كنت أظن أنها عادة صباحية معززة للإنجاز ووسيلة لاستغلال الوقت بطريقة جيدة؛ لكن لاحظت أن بمجرد انتهاء المقطع وأخذ "جرعتي" يتلاشى شعور التحفيز المؤقت. لذا كنت أحياناً أقوم بتشغيل مقطع آخر، ومع ذلك يتكرر الشعور نفسه.

إذا كنت اختبرت الأمر ذاته، فتابع المقال لمعرفة ما الذي قد يسببه إدمان المحتوى التحفيزي من تأثيرات سلبية، وكيفية حدوثها. وتعرف إلى الخطوات العملية لتجنب هذه التأثيرات وتعزيز التحفيز الداخلي.

ما هي التأثيرات السلبية التي قد يسببها الاستهلاك المفرط للمحتوى التحفيزي؟

"أنت مميز"، "أنت تستحق الأفضل"، "كن نفسك"، "اتبع شغفك"، "إذا لم يريحك عملك أو تسعدك علاقاتك فاتركها".

تعد العبارات السابقة أمثلة على ما يروج إليه المحتوى التحفيزي ومحتوى المساعدة الذاتية بمختلف صوره، مثل المقاطع المرئية. في الواقع، تتزايد شعبية المقاطع التحفيزية، ويثير هذا الرواج مخاوف عدة، فصناعة المساعدة الذاتية، بالأخص المقاطع التحفيزية المنتشرة على شبكة الإنترنت، التي تقدم وعوداً براقة بحلول سريعة لمشكلات الحياة المعقدة، تركز على إثارة الشعور الجيد لدى المشاهد، بدلاً من تزويده بخطوات عملية قابلة للتطبيق تساعده على إحداث تغيير حقيقي.

على الجانب الآخر، قد يقع الأفراد في فخ الاعتماد النفسي على هذه المقاطع؛ فهي تحفز إفراز هرمونات السعادة مؤقتاً؛ ما يُعزّز الشعور بالرضا والراحة، لكن سرعان ما يتلاشى هذا الشعور، دافعاً المشاهد إلى البحث عن المزيد من هذه المقاطع، فيدور في حلقة مُفرغة من المشاهدة دون تحقيق أي تغيير فعلي، أو ما يعرف بـ "وهم الإنجاز".

فقد يعتقد الأفراد بالخطأ أنهم يحققون تقدماً أو نجاحاً من خلال الاستهلاك المفرط للمحتوى التحفيزي، لكن دون بذل جهود فعلية نحو تحقيق أهدافهم الشخصية. حيث يشعر المشاهدون بالإلهام من المحتوى لكنهم يفشلون في تحويل هذا الإلهام إلى عمل ذي معنى؛ ما يقوض في النهاية دافعهم الداخلي واتزانهم العاطفي.

علاوة على ذلك، يمكن أن يؤثر الإفراط في استهلاك المحتوى التحفيزي في دافع الفرد الداخلي أو ما يعرف بـ " "تأثير التبرير المفرط" (The Overjustification Effect). حيث تشير دراسة نشرتها دورية الحدود في علم النفس (Frontiers in Psychology) إلى أنه قد تعطي المكافآت الخارجية المرء دفعة أولية؛ لكنها تسبب غالباً تلاشي التحفيز الداخلي بمرور الوقت. على سبيل المثال، قد يفقد الأطفال الذين لديهم دوافع طبيعية للانخراط في أنشطة مثل الرسم اهتمامهم بهذه الأنشطة عند تقديم مكافآت خارجية، حيث يتحول تركيزهم من متعة النشاط إلى المكافأة نفسها.

لكل ما سبق، ينتقد البعض صناعة المحتوى التحفيزي والمساعدة الذاتية ويُشبّهونها بالأبراج الفلكية، حيث تقدم نصائح عامة يمكن لأي شخص أن يجد فيها ما يناسبه، مستغلة بذلك ألم الناس ويأسهم ورغبتهم في حلول سريعة.

ويشيرون إلى أن هذه الصناعة نوع من عمليات الاحتيال المتطور عبر الإنترنت، حيث يتم استغلال حاجة الناس إلى المساعدة من أجل تحقيق أرباح طائلة. حيث بلغت أرباح سوق التنمية الذاتية نحو 43.77 مليار دولار أميركي في عام 2022، ومن المتوقع أن تصل أرباح هذا السوق إلى 67 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030.

اقرأ أيضاً: ما هي متلازمة دماغ الفشار التي قد تمنعك من التركيز؟ وكيف تواجهها؟

لماذا قد يشعر بعض الأفراد بالإنجاز الوهمي بعد مشاهدة المقاطع التحفيزية؟

يمكن أن يسبب الاستهلاك المفرط للمحتوى التحفيزي تأثيرات نفسية معقدة في الأفراد، قد تفسر الأسباب التالية بعضاً منها:

  • التخيل ووظيفة الدماغ: يعد التخيل أداة معرفية قوية تدرب الدماغ على الاستجابة بإيجابية للتحديات، وتعزز احتمالية تحقيق الأهداف القصيرة والطويلة المدى. يحدث التخيل اليومي بطرائق مختلفة، مثل أحلام اليقظة حول الإنجازات أو القلق بشأن النتائج السلبية.

يمكن للأفراد تحويل تخيلاتهم لهذه الأهداف من أحلام بعيدة إلى إدراكها على أنها قابلة للتحقيق، من خلال التركيز على الأهداف المرغوبة والإيمان بإمكانية تحقيقها. تقنع هذه العملية الدماغ بأن السيناريوهات المتخيلة حقيقية؛ ما يغير السلوك بطريقة فعالة ليتماشى مع هذه النتائج المتصورة.

  • تحقيق الهدف الضمني (Vicarious Goal Fulfillment): إذ قد يشعر الأفراد بالإنجاز من خلال مراقبة نجاح الآخرين. تسمح هذه العملية النفسية للأفراد بالتمتع بالمكافآت العاطفية للإنجاز دون الحاجة إلى بذل الجهد المرتبط بها.

على سبيل المثال، عندما يحتفل المشجعون بفوز فريقهم، قد يشعرون بصفة شخصية بالنجاح، على الرغم من أنهم لم يسهموا في الفوز. قد تكون هذه الاستجابة العاطفية دافعاً، ومع ذلك؛ قد يعتبر الأفراد هذه المشاعر تقدماً حقيقياً نحو أهدافهم الخاصة.

  • الإدراك وآليات المكافأة: يتأثر إدراكنا للإنجاز بالاستجابات العصبية داخل الدماغ، حيث يمكن أن يؤدي توقعنا المكافآت إلى إطلاق الدوبامين؛ ما يحفز الأفراد على البحث عن تلك المكافآت، سواء في التجارب الحقيقية أو من خلال السيناريوهات المتخيلة. يمكن أن يسبب إفراز الدوبامين الشعور بالرضا المستمد من تخيل النجاح؛ ما يعزز فكرة أن المرء قد أحرز تقدماً بينما لم يتخذ إجراء فعلياً بنفسه.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: إفراطك في مشاهدة الشاشات قد يُصيبك بالاكتئاب، فكيف تقضي على هذه العادة؟

كيف تتجنب التأثيرات السلبية لمشاهدة المقاطع التحفيزية؟

لا يعني ما سبق رفض فكرة المحتوى القائم على المساعدة الذاتية كلياً، بل يجب التأكيد على أهمية اختيار محتوى ذي جودة، يركز على تقديم حلول عملية وخطوات واضحة وقابلة للتطبيق، بدلاً من الاكتفاء بالشعور المؤقت بالرضا والراحة، والذي لا يُسهم في إحداث تغيير حقيقي ومُستدام؛ فرحلة النمو والتطوير الشخصي تتطلّب جهداً وصبراً ومثابرة، ولا يوجد حلول سحرية وسريعة. لكن يمكن أن تساعدك الاستراتيجيات التالية على تجنب التأثيرات السلبية وتعزيز التحفيز الداخلي:

  • عزز وعيك الذاتي: لاحظ استجابتك عند مشاهدة المحتوى التحفيزي وحاول فهم أسبابها. قد يساعدك ذلك على تحديد أنماط التفكير أو الشعور التي قد تعوق قدرتك على اتخاذ خطوات نحو أهدافك.
  • عزز مشاعرك الإيجابية: وذلك من خلال الاستمتاع باللحظات، والاحتفال بالإنجازات الصغيرة، وتصور النجاحات المستقبلية؛ ما يمكن أن يحسن تفكيرك ويزيد دافعك.
  • تعامل مع المشاعر السلبية: حاول أن تفهم المشاعر السلبية وتتعامل معها بدلاً من تجاهلها، ويمكن لتقنيات مثل اليقظة الذهنية والتأمل أن تسهل هذه العملية، وتساعدك على التعلم من تجاربك وتحويل المشاعر السلبية إلى عمل بناء.
  • انطلق من الدافع الداخلي: حاول المشاركة في أنشطة تتوافق مع قيمك الشخصية وأهدافك الجوهرية، بدلاً من السعي إلى التحفيز الخارجي. ابحث عن الأنشطة التي تثير اهتمامك وتشعرك بالمتعة والرضا المستمد من المهمة نفسها، وليست مدفوعة بمكافآت خارجية مثل المال أو التقدير؛ ما يرسخ لديك أهمية استمرار المشاركة والالتزام والانضباط الذاتي في مختلف مجالات الحياة.
  • ابن علاقات داعمة: ركز على بناء شبكة علاقات قوية وداعمة، فإحاطة نفسك بأفراد إيجابيين ومحفزين تساعدك على تحسين ذاتك، وتوفر لك مساحة للانخراط في المناقشات ومشاركة التجارب مع الآخرين؛ ما يساعدك على الالتزام بالأهداف الشخصية، وتعزيز النمو الشخصي، ويسهم في ترسيخ دوافعك بدلاً من الاعتماد على الإلهام العابر من المقاطع التحفيزية. كما يمكن أن تساعدك شبكة الدعم القوية على تعزيز المرونة وتوفر لك الدعم العاطفي اللازم للتغلب على التحديات.
  • ضع أهداف شخصية: حدد أهداف واضحة بخطوات ملموسة للتنمية الذاتية، وحاول التركيز على مجالات التطوير المطلوبة مثل المهارات والعلاقات والتقدم الوظيفي. يمكن أن يؤدي تنفيذ مهام صغيرة وقابلة للتحقيق والقياس إلى زيادة التحفيز الداخلي بمرور الوقت؛ ما يزيد الثقة والوعي الذاتي، ويعمق الشعور بالإنجاز والرضا الشخصي.

ويضيف الطبيب النفسي، بندر آل جلالة، أن مجرد كتابة المهام اليومية والأهداف الأسبوعية والشهرية يحفز الشخص تلقائياً على العمل، ويشير إلى أن وضع الأهداف يعزز التحفيز الذاتي.

  • شارك في التعلم النشط: بدلاً من مشاهدة مقاطع التحفيز دون اتخاذ خطوات فعلية، جرب الانخراط في أنشطة تعليمية من خلال القراءة أو الكتابة في دفتر يوميات، حيث يمكن أن تعزز الكتابة اليومية الوعي الذاتي عن طريق تتبع أفكارك ومشاعرك وسلوكياتك.

ويمكنك المشاركة في ورش العمل والدورات؛ حيث توفر بيئات تفاعلية تشجع الحوار والتغذية الراجعة، ما يعمق فهمك للتنمية الذاتية، واحتياجاتك الشخصية، ويساعدك على فهم السلوك البشري ومعرفة استراتيجيات النمو الشخصي.

اقرأ أيضاً: دوافعك الحقيقية نقطة انطلاقك لتحقيق نجاحاتك فكيف تجدها؟

المحتوى محمي