ما وراء تصريحات ترامب: تصحيح أشهر الخرافات عن التوحد

3 دقيقة
أشهر الخرافات عن التوحد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجدل مؤخراً بعد تصريحه أن الأطباء في الولايات المتحدة سيتلقون قريباً تعليمات بعدم وصف مسكن الألم "تايلينول" المعروف بالباراسيتامول للنساء الحوامل، والسبب من وجهة نظره وجود علاقة بين هذا الدواء وإصابة الأطفال بالتوحد.

لكن جهات علمية عديدة، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية، كان لها رأي مخالف للرئيس الأميركي، إذ وصفت تلك العلاقة التي عرضها ترامب بأنها لم تثبتها الدراسات العلمية، محذرة من الانسياق وراء ذلك الاستنتاج.

لم يتوقف الرئيس الأميركي عند هذا الحد، فقد تحدث أيضاً عن أن الأطفال الذين لم يتلقوا اللقاحات هم في مأمن من الإصابة بالتوحد، وفي هذه النقطة رد عليه الناطق باسم منظمة الصحة العالمية طارق غاساريفيتش بأن اللقاحات أنقذت أرواحاً لا تحصى، وذلك أمر أثبته العلم وينبغي عدم التشكيك فيه.

وقد امتدت ردود الفعل تجاه تصريحات ترامب إلى العالم العربي، ففي تغريدة نشرها الطبيب النفسي شليويح العنزي أكد أن إصابة الطفل بالتوحد لا تحدث نتيجة استخدام والدته الأجهزة الرقمية، أو تناولها للبنادول أو الفيفادول أو التايلينول، أو إصابتها بالإنفلونزا في أثناء الحمل، وكذلك لا ترتبط بقرار الإنجاب بعد سن الأربعين، فجميع ما سبق عوامل قد تذكر في بعض الأبحاث لكنها ليست أسباباً مباشرة، لذا يرشدهم إلى أن دورهم الأساسي هو توفير الحب والدعم والبحث عن التدخلات المناسبة لطفلهم.

ولأننا في منصة نفسيتي نؤمن بدورنا في تأسيس الوعي القائم على منطلقات علمية في مجال الصحة النفسية، سنستعرض في مقالنا أشهر الخرافات الشائعة حول التوحد حتى لا تؤثر سلباً في ترسيخ الوصمة تجاه المصابين به، أو تؤدي للتعامل الخاطئ معهم.

1. خرافة: لقاحات الطفولة تسبب التوحد

ترجع هذه الخرافة إلى دراسة نشرها باحث اسمه أندرو ويكفيلد في مجلة ذا لانسيت العلمية عام 1998، لكن بعد التحقق لاحقاً من صحة ما جاء فيها اتضح أن ويكفيلد زور البيانات التي استعان بها في دراسته؛ بهدف أن يكسب قضية رفعها على شركة منتجة لتطعيم الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، وقد أدى ذلك إلى سحب الدراسة عام 2010 وفقد ويكفيلد رخصة مزاولة مهنة الطب.

2. خرافة: تناول المسكنات في أثناء الحمل يصيب المولود بالتوحد

ادعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن استخدام مسكنات الألم مثل "تايلينول" يرفع احتمالية تشخيص المواليد بالتوحد، بينما الحقيقة العلمية تنفي ذلك، فقد نشرت مجلة غاما العلمية دراسة في أبريل/نيسان 2024 شملت ما يقرب من 2.5 مليون حالة ولادة في السويد، وجاءت نتائجها لتؤكد أن استخدام مسكن الألم "تايلينول" لا يرتبط بالإصابة بالتوحد، ووصفت الدراسة المزاعم حول ذلك الأمر بأنها لا تخرج عن أنها نوع من أنواع التضليل.

3. خرافة: التوحد مرض

وفقاً للطبيبة المتخصصة في طب الأطفال السلوكي كاري كوفمان، يعد التوحد اضطراباً في النمو العصبي، لذا يمكن وصفه بأنه مجرد طريقة لعمل الدماغ، إذ إن الطفل المصاب بالتوحد يختلف نمو الدماغ ووظائفه لديه عن الطفل الطبيعي، لكن هذا الاختلاف لا يعني بالضرورة وجود شيء ما يستدعي التصحيح، أيضاً لا يشير ذلك إلى أن المصابين بالتوحد جميعهم لديهم سمات أو سلوكيات موحدة.

اقرأ أيضاً: 5 نصائح لدعم آباء وأمهات الأطفال المصابين بالتوحد نفسياً

4. خرافة: التوحد وباء يتزايد يوماً بعد يوم

ربما أصبح التشخيص بالتوحد أكثر شيوعاً، لأن ذلك يرتبط بعدة عوامل استجدت في واقعنا؛ أهمها أن الجمهور أصبح أكثر وعياً باضطراب طيف التوحد، ومع تزايد هذا الوعي ارتفعت فرصة التشخيص المبكر والتدخل العلاجي وتوفير بيئة داعمة للأطفال المصابين به.

من ناحية أخرى، مع تزايد الخبرات الطبية أصبح مقدمو الرعاية الصحية أكثر قدرة على تشخيص المصابين بالتوحد، في النهاية نعم، توجد هناك زيادة طفيفة في عدد الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد لكن الأمر لا يرقى إلى وصفه بالوباء.

5. خرافة: المصابون بالتوحد عباقرة بالضرورة

أسهمت الأفلام والمسلسلات في نشر تلك الصورة عن المصاب بالتوحد؛ فهي غالباً ما تحصره في دور ذلك الشخص الذي يمتلك ذكاء خارقاً، بينما المصابون بالتوحد هم مثلهم مثل غيرهم من البشر تختلف خصائصهم على نطاق واسع.

لذا من الضروري التخلي عن فكرة أن المصاب التوحد على الأرجح يواجه صعوبات في التعلم، أو أنه قليل الحديث لا يستطيع الشعور بالعواطف، أو يفشل في بناء العلاقات الاجتماعية، ومعاملة كل فرد باعتباره شخصاً مستقلاً.

اقرأ أيضاً: كيف صورت الدراما العربية والأجنبية اضطراب التوحد؟ دراسة عربية حديثة تجيب

6. خرافة: التربية السيئة تؤدي إلى الإصابة بالتوحد

تعود جذور تلك الخرافة الشائعة إلى أربعينيات القرن الماضي عندما طرح الطبيب النفسي النمساوي ليو كانر مفهوم التوحد أول مرة ووصفه بأنه ناتج عما أسماها متلازمة الأم المثلجة، وهي تعبر عن الأمهات الباردات والمنعزلات وغير المتوفرات لتربية أولادهن إلى حد التسبب لهم في صدمة نفسية، وقد ظلت هذه النظرية مسيطرة على فهم التوحد عقوداً، لكن لاحقاً درس الباحثون هذا التفسير بعناية وأثبتوا بطلانه.

7. خرافة: يمكن علاج التوحد

بكل أسف اضطراب التوحد يستمر مدى الحياة، لكن ينبغي ألا يدفع ذلك الأمر الآباء والأمهات إلى التخلي عن تقييم حالة طفلهم والبحث عن أفضل الأساليب الممكنة للتعامل معه، بهدف مساعدته على تحقيق نمو شخصي لا يتوقف.

في النهاية هناك مصابون بالتوحد شغلوا وظائف وتزوجوا وأنجبوا أطفالاً، ربما يسهم انتشار الخرافات في عدم إدراك الكثيرين لذلك، ومن هنا يأتي دورنا في نشر الوعي، لذا أدعوك إلى مشاركة المقال في محيط الأشخاص المحيطين بك وإهدائه لهم.

اقرأ أيضاً: هل يساعد العلاج بالدلافين الأطفال المصابين بالتوحد؟

المحتوى محمي