ملخص: يصف مصطلح عقدة المنقذ الشخص الذي ينقذ الآخرين ويحل مشكلاتهم بالنيابة عنهم، وذلك انطلاقاً من دافع قوي بداخله يجعله يرغب في بذل قصارى جهده لمساعدتهم، حتى لو كانوا ليسوا في حاجة إلى مساعدته أو لا يريدونها، وتوجد العديد من الأسباب لهذه العقدة أهمها إسناد مهمة الاعتناء بالإخوة الصغار للشخص في طفولته، أو معاناته انخفاض احترام الذات وقلة الثقة بالنفس، وأيضاً شعوره بالذنب نتيجة فشله في مساعدة شخص قريب منه في مرحلة سابقة من حياته، وتعرضه للاستغلال من المحيطين به أو رغبته في السيطرة عليهم، ومن أهم علامات عقدة المنقذ عدم رفض طلبات الآخرين للمساعدة وإهمال رعاية الذات والانجذاب إلى علاقات مع أشخاص يعانون في حياتهم، إلى جانب الشعور بأن تعاسة الآخرين هي خطأ الشخص وإسعادهم مسؤوليته ومحاولة حمايتهم من عواقب أفعالهم. وقد تتسبب عقدة المنقذ في إصابة الشخص بالاحتراق النفسي أو معاناته الإحباط والاكتئاب نتيجة فشله في حل المشكلات المحيطة به جميعها، وحتى يتمكن الذي يعاني عقدة المنقذ من التخلص منها عليه أن يفصل بين قيمته الذاتية وقدرته على مساعدة الآخرين، وألا يستجيب على الفور لطلبات المساعدة وإنما يأخذ وقته ليتأكد من أن تقديمه المساعدة فعل متزن لن يضره، وأيضاً عليه أن يعتني بذاته ويتمرن على حب نفسه ويتقبل وجود مشكلات غير قابلة للحل.
محتويات المقال
هل تتوقع وجود شخص يحرص على إصلاح حياة الآخرين إلى حد إفساد حياته؟ حسناً، أعرف بالفعل أحد أقربائي وصل إلى هذه المرحلة، فقد كان حريصاً على التدخل في المشكلات التي تحدث حوله وإعطائها من وقته وجهده الكثير، فكانت النتيجة تراجع صحته النفسية وقدرته على الإنتاج في العمل، وكذلك تردّي علاقاته الاجتماعية.
لم يخطر ببالي حينها أن ما عاناه قريبي مشكلة لها تسمية واضحة حتى تعرفت إلى "عقدة المنقذ" (Savior Complex)، وهي مصطلح يصف الشخص الذي ينقذ الآخرين ويحل مشكلاتهم بالنيابة عنهم وذلك انطلاقاً من دافع قوي داخله يجعله يرغب في بذل قصارى جهده لمساعدتهم، حتى لو كانوا ليسوا في حاجة إلى مساعدته أو لا يريدونها، فما هي الأسباب التي تجعل الفرد يعاني عقدة المنقذ؟ وكيف يمكنه التخلص منها؟ الإجابة بالتفصيل في المقال.
ما هي أسباب عقدة المنقذ؟
تشير المعالجة النفسية دانيا دبيبو إلى أن الشخص المنقذ يبالغ في تقدير قدراته، ويشعر بأنه الوحيد الذي يستطيع إنقاذ الشخص الآخر من المشكلات التي يواجهها، وقد يكون ذلك أحياناً نابعاً من التطلع إلى الحصول على مديح الأشخاص المحيطين به وأن يظهر باعتباره الشخص الذي يمد يد العون للآخرين، وتوجد أسباب أخرى تقف وراء عقدة المنقذ، منها:
- تولي الشخص مهمة الاعتناء بإخوته الصغار في طفولته نتيجة أنه الأخ الأكبر.
- معاناته انخفاض احترام الذات وقلة الثقة بالنفس ما يدفعه إلى السعي لإرضاء الآخرين.
- شعوره بالذنب نتيجة عدم قدرته على مساعدة شخص قريب منه في مرحلة ما من حياته، فيحاول تعويض هذا الشعور عن طريق مساعدة أشخاص آخرين.
- التعرض للاستغلال من جانب المحيطين به فيجعله ذلك يعيش دور المنقذ طواعية دون إعطاء الأولوية لحدود الشخص أو مشاعره.
- الرغبة في السيطرة على حياة الآخرين، وفي أن يشعر بانقيادهم لأوامره.
اقرأ أيضاً: تأثير المتفرج: ما الذي يجعل البعض يمتنعون عن مساعدة الآخرين في المواقف الصعبة؟
تعرف إلى علامات عقدة المنقذ
قد يحتار بعضنا في الإجابة عن سؤال: هل أعاني عقدة المنقذ أم إنني فقط أقوم بدور نبيل لمساعدة الآخرين؟ وحتى نستطيع التفرقة بين الحالتين إليك أهم العلامات المؤكدة لعقدة المنقذ:
- لا تستطيع رفض طلبات الآخرين للمساعدة حتى لو كانت ستؤذيك.
- تهمل تأدية دورك تجاه نفسك للاعتناء بها ورعايتها، وفي الوقت نفسه تبذل جهدك لتلبية احتياجات شخص آخر.
- تنجذب إلى العلاقات مع أشخاص يعانون في حياتهم انطلاقاً من رغبتك في تغييرها إلى الأفضل.
- تشعر بأن تعاسة الآخرين خطؤك وإسعادهم مسؤوليتك.
- تحاول حماية الآخرين من عواقب أفعالهم.
- تستمد قيمتك الذاتية من قدرتك على مساعدة الآخرين.
- تبادر باستمرار إلى تقديم الحلول لكل المشكلات حولك حتى لو كانت مستعصية غير قابلة للحل.
- تختفي وراء مساعدتك للآخرين مشكلات حقيقية غير محلولة، مثل عدم القدرة على إدارة الأزمات الشخصية أو معاناة صدمات في الماضي لم تعالجها.
اقرأ أيضاً: هل تتابع أخبار الحروب باستمرار؟ احذر الإصابة بإرهاق التعاطف
كيف تؤثر عقدة المنقذ في صحته النفسية؟
يمكن القول من واقع الكثير من التجارب الحياتية إن دفع شخص إلى التغيّر عنوة لا يحقق النتائج المرجوة، لذا فجهد الشخص الذي يعاني عقدة المنقذ يعد في كثير من الأحيان جهداً مهدوراً لأن أي شخص يسعى أن يحل له مشكلاته ويغيره لن يتغير فعلياً إلا إذا كان من داخله يريد ذلك، وإلى جانب هذا الجهد المهدور فهو سيعاني تبعات نفسية ليست بالهينة، أهمها:
- الاحتراق النفسي نتيجة استنزاف الوقت والطاقة في مساعدة الآخرين، ما يعني بقاء القليل منها لنفسه فيشعره ذلك بالإجهاد.
- دخوله في علاقات مضطربة تكون عبارة عن مشاريع فاشلة لإصلاح حياة الطرف الآخر، الذي يشعر في كثير من الأحيان بالإحباط والاستياء نتيجة محاولات الشخص المنقذ تغييره، فنحن، أو معظمنا، نريد أن يحبنا الآخرون مثلما نحن.
- معاناته الإحباط والاكتئاب نتيجة فشله في حل المشكلات المحيطة به جميعها، فالحياة لن تخلو من العراقيل، والأشخاص حولنا ليسوا روبوتات نتحكم فيهم.
اقرأ أيضاً: هل يمكن اكتساب مهارة التعاطف أم إنها فطرية؟ العلم يجيب
6 إرشادات فعالة للتغلب على عقدة المنقذ
"أنت لست مسؤولاً عن تصرفات الآخرين، إنما أنت مسؤول عن نفسك فقط".
أعتقد أن الجملة السابقة أنسب جملة يمكن قولها لك إذا كنت تعاني عقدة المنقذ، فهي تعد مدخلاً عملياً لتتخلى عن دورك لإنقاذ الجميع، وهناك العديد من الإرشادات العملية التي ستساعدك، مثل:
- افصل جيداً بين قيمتك الذاتية وقدرتك على مساعدة الآخرين، وحاول البحث عن الجذور التي تجعلك تفرط في دعمهم على حساب نفسك واعمل على معالجتها.
- لا تستجب على الفور لطلب المساعدة، إنما يمكنك القول سأفكر في الأمر، وخذ ما يكفيك من الوقت لتتحقق من أن تقديمك المساعدة فعل متزن نابع من رغبتك ولا يضرك.
- اعتن بذاتك وخصص لها قدراً كافياً من الوقت والجهد، وتمرّن على حب نفسك بطرائق مختلفة؛ مثل أن تجد شغفك في الحياة، أو تعيش نمط حياة صحياً.
- تقبّل وجود أشياء ستظل خارج سيطرتك، وهذا يعني أن تتمرّس بعدم الشعور بالانزعاج عندما تواجه مشكلات غير قابلة للحل.
- لا تعني الإرشادات السابقة توقفك عن مساعدة الآخرين إنما هي دعوة لك حتى تكون واعياً بالأسباب التي تدفعك إلى مساعدتهم وتجعلها أسباباً صحية، وأيضاً تجنب المبالغة في تقديم المساعدة حتى لا تضر بحياتك.
- لا تتردد في اللجوء إلى المعالج النفسي إذا وجدت أن محاولاتك للتخلص من عقدة المنقذ لا تجدي نفعاً.
اقرأ أيضاً: هل تحتار بين إرضاء الآخرين وإسعاد نفسك؟ إليك الحلول النهائية