ما أسباب الشعور المستمر باللامبالاة؟ وكيف تتخلص منه؟

5 دقيقة
اللامبالاة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يعاني معظمنا اللامبالاة بين الحين والآخر؛ وهو أمر طبيعي قد يواجهه الجميع بدرجات متفاوتة؛ لكن المشاعر المفرطة أو المستمرة من اللامبالاة قد تكون عَرَضاً لحالة نفسية أو جسدية أكثر خطورة، وقد تصبح عائقاً أمام الفرد يمنعه من أداء مهامه اليومية. فمتى تصبح اللامبالاة أمراً خطِراً؟ وما التصرف الصحيح حينها؟ هذا المقال يجيبك.

حظي كتاب مارك مانسون (Mark Manson)، "فن اللامبالاة"، خلال السنوات الأخيرة بشهرة هائلة بسبب نصائحه الجريئة بعدم الاهتمام الزائد بأي شي؛ إذ دعا القرّاء إلى تحديد الأولويات التي تتوافق مع القيم الشخصية وتسهم في النمو الشخصي والتركيز عليها. بكلمات أخرى: دعا إلى اتخاذ خيارات واعية بشأن ما ينبغي استثمار الطاقة العاطفية فيه من أجل تجنُّب التوتر غير الضروري. فوفقاً لمانسون؛ تصبح اللامبالاة (الاختيارية) في بعض الأحيان أمراً ضرورياً؛ إذ تسمح لنا بتسخير طاقتنا تجاه ما يهمنا حقاً والتخلي عن الاهتمام بالأمور التافهة دون جدوى.

لكن، ماذا لو أصبحت اللامبالاة حالة مستمرة من عدم الاكتراث بكل شيء؟ أهذا يجعلنا أشخاصاً أقوياء لا تهزنا الريح؟ في الواقع، لا؛ لأن اللامبالاة التي تتميز بقلة الحماس وانعدام الحافز والانفصال عن أنشطة الحياة ومسؤولياتها تشير إلى تداعيات خطِرة على الصحة النفسية. لذلك؛ سنخصص هذا المقال لتوضيح كل ما تود معرفته عن هذه الحالة وأعراضها وأسبابها، ومتى ينبغي طلب المساعدة المتخصصة.

ما المقصود بـ "اللامبالاة"؟

تُعرَّف اللامبالاة بأنها حالة تتميز بالافتقار إلى العاطفة والدافع والقدرة على الاستمتاع (انعدام التلذذ)، وتنطوي على عدم الاهتمام بالمهام اليومية العادية والأنشطة الاجتماعية. وجدير بالذكر إن الناس معظمهم قد يعانون بين الحين والآخر درجات متفاوتة من اللامبالاة، خصوصاً في أوقات التوتر؛ لكن في حال أصبح هذا الشعور حالة شديدة أو مستمرة مدة طويلة، فإنه قد يعطّل العلاقات الاجتماعية، ويصعِّب أداء مهام الرعاية الذاتية اليومية الأساسية، أو يؤثّر سلباً في الأداء المهني أو التعليمي.

عموماً، لا تعد اللامبالاة في حد ذاتها اضطراباً نفسياً معترفاً به رسمياً في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM)؛ ولكنها قد تُعد في بعض الأحيان متلازمة تُسمَّى "متلازمة اللامبالاة" (Apathy Syndrome)؛ وتُقصد بها مجموعة من الأعراض التي غالباً ما تظهر معاً ولكنها ليست بالضرورة حالة محددة.

اقرأ أيضاً: ما أعراض التوتر المزمن؟ وكيف يمكن علاجه؟

10 أعراض تؤكد إصابتك باللامبالاة

تنطوي اللامبالاة عموماً على قلة الاكتراث وانعدام الدافع لفعل أي شيء على الإطلاق؛ لكنها بالإضافة إلى ذلك، قد تشمل بعض الأعراض الأخرى مثل:

  1. التعب.
  2. انعدام التلذذ أو فقدان الشغف أو عدم الاستمتاع بالأنشطة الممتعة سابقاً.
  3. انخفاض المشاعر أو غيابها، سواء الإيجابية منها أو السلبية.
  4. عدم الشعور بأي عاطفة تجاه الأحداث والمواقف.
  5. الافتقار إلى الرغبة للانخراط في أنشطة الحياة اليومية.
  6. فقدان الاهتمام بالمناسبات الاجتماعية.
  7. صعوبة التخطيط أو حل المشكلات.
  8. الانعزال والميل إلى قضاء الوقت منفرداً.
  9. فقدان الرغبة في تعلم أشياء جديدة أو التعرف إلى أشخاص جدد أو خوض تجارب جديدة.
  10. عدم الاهتمام بالمشكلات الخاصة.

ما أسباب اللامبالاة؟

لا يوجد سبب واضح وثابت للامبالاة؛ لكنها قد تكون عَرَضاً من أعراض العديد من الحالات النفسية والعصبية المختلفة. يُذكر إن اللامبالاة الشديدة أو المزمنة تنتج عادة عن تلف يصيب أجزاء معينة من الدماغ؛ مثل الفص الجبهي، والقشرة الحزامية الأمامية الظهرية التي تساعد على الإدراك والتحكم في الحركة، أو المخطط البطني الذي هو منطقة من الدماغ تؤدي دوراً كبيراً في السلوكيات الاجتماعية؛ حيث تعد هذه المناطق من الدماغ حاسمة في معالجة كيفية إسهام المكافآت في تحفيز السلوكيات.

علاوة على ما سبق، ترتبط اللامبالاة المزمنة أو الشديدة على نحو شائع بالعديد من الحالات التنكسية العصبية؛ مثل آلزهايمر، وباركنسون، وبعض أنواع الخرف الجبهي الصدغي، بالإضافة إلى أنها قد تكون عَرَضاً أو إحدى مضاعفات السكتة الدماغية، أو إصابات الدماغ الرضحيّة، أو أورام الدماغ، أو الخرف الوعائي، أو التنكس القشري القاعدي، أو غيرها من الحالات الصحية الدماغية الأُخرى.

أيضاً، قد تؤدي اضطرابات المزاج إلى ظهور نوبات خفيفة أو قصيرة المدى من اللامبالاة؛ ومن هذه الاضطرابات الاكتئاب وأنواعه الفرعية، والاضطراب الثنائي القطب، واضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي، واضطراب تقلب المزاج التخريبي.

وقد تحدث متلازمة اللامبالاة بوصفها ردّ فعل على ظروف صادمة أو عصيبة؛ فقد يبدو الانفصال العاطفي أو قلة الاكتراث في هذه الحالة وسيلة لحماية النفس ومنع المزيد من الضيق؛ وهذا أمر شائع عند الناجين من الكوارث أو الحروب، وقد يكون جزءاً من اضطراب ما بعد الصدمة. من ناحية أخرى، قد يسهم الاحتراق الوظيفي والإرهاق العاطفي أيضاً في نشوء المبالاة.

اقرأ أيضاً: كيف يتجلى القلق من خلال الأمراض الجسدية؟

ما الفرق بين اللامبالاة والاكتئاب؟

ليس بالضرورة أن ينطوي الاكتئاب دائماً على اللامبالاة؛ بل من المحتمل أن يعاني الشخص اللامبالاة دون الإصابة بالاكتئاب. باختصار: هما حالتان مختلفتان. ومع ذلك، غالباً ما يلاحظ المكتئبون علامات اللامبالاة التي قد تشمل: انخفاض الدافع، وقلة الاهتمام بالأنشطة العادية، والطاقة الأقل من المعتاد، وصعوبة التعبير عن المشاعر أو إظهار الاهتمام بالآخرين.

عموماً، اللامبالاة ليست علامة تلقائية دائمة على الاكتئاب؛ لكنها قد تحدث بوصفها عَرَضاً، في حين تشمل العلامات الرئيسة الأخرى للاكتئاب كلاً من تدنّي الحالة المزاجية والشعور بالذنب والحزن العميق واليأس.

اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الاكتئاب

5 إرشادات فعالة للتغلب على اللامبالاة غير المزمنة 

قد يكون الشخص قادراً على إدارة مشاعر اللامبالاة العامة (غير المزمنة) من خلال تغيير نمط الحياة والمساعدة الذاتية؛ وذلك يشمل إجراء بعض التغييرات على نمط الحياة؛ وأهمها:

  1. افهم الأسباب وراء مشاعرك: يوضّح الطبيب النفسي، إبراهيم حمدي، إن من أهم الخطوات اللازمة لاستعادة الحافز فهمُ الأسباب والمواقف والضغوط التي سببت نشوء مشاعر اللامبالاة؛ لأن كلاً من فهم هذه المحفزات ومعالجتها وتغيير الروتين سيساعدك على استعادة الاهتمام والدافع.
  2. ابحث عن مصادر جديدة للفرح: يتغير البشر بمرور الوقت، وقد تحدث اللامبالاة عندما لا يعود العمل أو الهوايات التي كنت تستمتع بها تحفزك بعد الآن. لذلك؛ عند الشعور بانخفاض الدافع، حاوِل أن تستكشف أنشطة أو هوايات جديدة لإعادة إشعال شغفك واهتمامك. يمكن أن يشمل ذلك زيارة مطعم جديد، أو المشي في منطقة مختلفة، أو تجربة رياضة جديدة، أو قضاء وقت في الطبيعة.
  3. مارس الرعاية الذاتية: لأن الإرهاق والإجهاد قد يستنزفان الطاقة ويؤديان إلى اللامبالاة؛ لذلك حافظ على نمط حياة متوازن بين العمل والحياة الشخصية، واحرص على تناول وجبات مغذية، وشرب كمية كافية من الماء، ونيل قسط جيد من النوم، والحصول على وقت كافٍ للاسترخاء.
  4. قلل الوقت الذي تقضيه على الإنترنت: قلل تعرضك إلى الأخبار المؤلمة ووسائل التواصل الاجتماعي؛ ما قد يساعد على تقليل مشاعر اليأس وإعادة تركيز طاقتك على جوانب أكثر إيجابية في الحياة.
  5. اطلب دعم الأحبة: قد يكون وصف اللامبالاة للأشخاص الذين لم يجربوها سابقاً أمراً صعباً؛ لكن ذاك لا يبرر السكوت عما تشعر به. لذلك؛ جرّب الانفتاح على الآخرين والتعبير عما تمر به؛ فوجود شبكة داعمة من الأصدقاء والعائلة قد يساعدك على استعادة الاهتمام بالحياة وتخفيف مشاعر الانفصال العاطفي.

اقرأ أيضاً: لماذا تختفي أعراض أمراضنا أحياناً بمجرد ذهابنا إلى الطبيب؟

متى تستشير الطبيب عندما تعاني من اللامبالاة؟

تنبغي معرفة أن اللامبالاة قد تكون في بعض الأحيان حالة لا تُمكنك السيطرة عليها وليست كسلاً أو أمراً اختيارياً؛ لذلك في حال أصبحت مشاعر اللامبالاة مستمرة أو مفرطة، أو كانت تؤثّر في حياتك اليومية وعلاقاتك وقدرتك على العمل على نحو طبيعي، فعليك أن تطلب المساعدة المتخصصة.

يمكن للمعالج النفسي، أو أيٍ من متخصصي الصحة النفسية، المساعدة على تحديد السبب وراء لا مبالاتك، عن طريق تحديد أعراض الصحة النفسية الأخرى التي تعانيها، وذلك من خلال الاستفسار عن التغيرات الحاصلة في المزاج والحافز والطاقة، والتغيرات التي حدثت على مستوى الأفكار والمشاعر والسلوكيات، وكيفية تأثير هذه التغيرات في نوعية الحياة.

بالإضافة إلى ذلك، قد يوصي المختص بإجراء فحوص جسدية واختبارات متعددة لاستكشاف الحالات العصبية أو الفيزيولوجية الأخرى التي قد تسهم في ظهور اللامبالاة، خصوصاً في حال استمرارها فترة طويلة.

ويعتمد علاج اللامبالاة على السبب الكامن وراء الحالة. ففي حال كانت اللامبالاة مرتبطة بحالة نفسية ما مثل الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة، فإن العلاج النفسي، خصوصاً العلاج المعرفي السلوكي، مهم من أجل معالجة الأفكار والسلوكيات الأساسية التي تسهم في مشاعر اللامبالاة وضعف الحافز.

أما بالنسبة إلى العلاج بالأدوية، فإن إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) لم توافق بعد على أي أدوية من شأنها أن تعالج اللامبالاة على وجه التحديد. ومع ذلك، يمكن استخدام بعض الأدوية في العلاج، وذلك يتعلق بالحالة الصحية المحتملة التي سببت اللامبالاة المستمرة. ومن هذه الأدوية: مضادات الاكتئاب، أو مضادات الذهان، أو الأدوية التي تساعد على إدارة الخرف، أو الأدوية التي تعالج أعراض السكتة الدماغية.