6 أسباب تفسر التعاطف مع المجرمين في الأفلام والانجذاب إليهم

5 دقائق
التعاطف مع المجرمين
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: سواء نتيجة البحث عن صفات مشتركة معهم أو نتيجة الإعجاب بالقوة والحرية والجاذبية التي يتمتعون بها، فإن ثمة العديد من الأسباب التي تدفعنا إلى التعاطف مع المجرمين والشخصيات الشريرة في الأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية ونُعجب بهم.

هل يود أحدكم اليوم أن يعترف بأن شخصية الجوكر في فيلم "باتمان" (Batman) قد جذبته وتعاطف معها أكثر من شخصية باتمان نفسه! وأنه تعاطف مع عصابة البروفيسور في مسلسل "لا كاسا دي بابيل" (La Casa De Papel) الإسباني وأُعجب بها وتمنى في كل لحظة أن تنجح خطتها في سرقة المال وأن تنتصر على الشرطة!

على الرغم من غرابة وقع هذه الكلمات، فإنني أكاد أجزم أن جميعنا أو معظمنا على الأقل يتعاطف مع بعض المجرمين والأشرار في الأفلام أكثر من تعاطفه مع الأبطال أنفسهم، ولست الوحيدة الغريبة في هذا، صحيح؟ فما رأي علم النفس في هذا التعاطف والانجذاب الغريب نحو المجرمين والأشرار؟

لماذا نتعاطف مع المجرمين في الأفلام السينمائية؟

التعاطف أو التقمص العاطفي هو القدرة على الإحساس بمشاعر الآخرين، بالإضافة إلى القدرة على تخيل ما قد يفكر فيه شخص آخر أو يشعر به. وإن كان من المفهوم أن التعاطف يساعد على بناء الروابط الاجتماعية مع الآخرين، وفهم احتياجاتهم على نحو أفضل، فلماذا نتعاطف مع المجرمين والأشرار الذين نشاهدهم في الأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية وننجذب إليهم؟ حسناً، غالباً ما ينجذب الناس إلى الأشرار والمجرمين في الأفلام ويتعاطفون معهم لأسباب متنوعة؛ ومنها:

اقرأ أيضاً: هل المبدعون حميعهم مضطربون نفسياً؟ إليك الإجابة المفصلة

1. متلازمة ستوكهولم

في السلسلة التلفزيونية "لا كاسا دي بابيل" (La Casa De Papel)، تختطف العصابة مجموعة من الرهائن، ثم يحدث أن تنشأ رابطة عاطفية بين إحدى الرهائن وأحد الخاطفين؛ بل وتنضم الرهينة إلى العصابة وتصبح إحدى أفرادها ويطلقون عليها اسم مستعاراً هو "ستوكهولم". وستوكهولم هنا قد تكون إشارة إلى تلك المتلازمة التي صاغها عالم الجريمة والطبيب النفسي نيلز بيجيروت (Niels Bejerot) عام 1973.

يقول عضو هيئة التدريس في قسم علم النفس الاجتماعي في جامعة الملك سعود، الدكتور خليفة الفضلي، إن متلازمة ستوكهولم هي الحالة التي يدافع فيها الضحايا عمّن تسبب في معاناتهم، وسبب هذا السلوك هو أن الضحايا يسعون إلى التأقلم مع الواقع القائم من خلال التعاطف مع الجُناة لتحقيق فرصة أعلى بالنجاة.

إذاً، هي استجابة نفسية يشكّل الأشخاص المصابون بها علاقة نفسية إيجابية مع خاطفيهم ويبدؤون بالتعاطف معهم، وهي تتعدى علاقة الخاطف بالرهينة إلى أنواع أخرى من الإساءات؛ مثل إساءة معاملة الأطفال، والإساءة البادرة من المدربين الرياضيين، والإساءة في العلاقات الجنسية، وغيرها. فهل نتعاطف مع المجرمين والأشرار نتيجة إصابتنا جميعاً بمتلازمة ستوكهولم؟ ليس تماماً؛ ألقِ نظرة على الأسباب التالية.

اقرأ أيضاً: لماذا يضحك بعض الناس في المواقف الحزينة؟ وكيف تتعامل مع هذه الحالة؟

2. البحث عن التشابه من مسافة نفسية آمنة

في دراسة منشورة في مجلة سايكولوجيكال ساينس (Psychological Science) عام 2020، نفذتها مجموعة من علماء النفس من جامعة نورث ويسترن بقيادة ريبيكا كراوس (Rebecca Krause)، أشار الباحثون إلى أن التعاطف مع المجرمين في بيئة خيالية قد يكون وسيلة آمنة للناس للتواصل مع الجوانب الأكثر ظلمة وسلبية في شخصياتهم نتيجة عدم وجود أي تهديد يمس تصوراتهم الذاتية عن أنفسهم.

بكلمات أخرى؛ توفر القصص والعوالم الخيالية ملاذاً آمناً يسمح لنا بمقارنة أنفسنا مع الشخصية المجرمة أو الشريرة بحثاً عن سمات أو أفعال تشبهنا من ناحية أو أخرى، ودون خيانة معتقداتنا وقناعاتنا الأخلاقية.

في الواقع، يرغب الناس في رؤية أنفسهم من منظور إيجابي؛ لذلك فقد يكون العثور على أوجه تشابه بين المرء وشخص سيئ حقيقي أمراً غير مريح. لكن وفي حال وُضع هذا الشخص السيء في إطار خيالي؛ مثل فيلم أو سلسلة تلفزيونية، فإن الانزعاج والشعور بعدم الارتياح يختفيان؛ بل وقد يشعر المرء بالتعاطف مع الشرير الخيالي طالما أنه لا يهدد إحساسه بالذات.

على سبيل المثال؛ قد يشعر الأشخاص الذين يرون أنفسهم فوضويين ومخادعين بالانجذاب إلى شخصية الجوكر في أفلام "باتمان"، بينما قد يشعر الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء والطموح بالانجذاب والتعاطف مع شخصية فولدمورت في سلسلة "هاري بوتر". ومع ذلك، أشار الباحثون إلى أنه وفي حال أصبحت هذه التشابهات حقيقية للغاية وبدأت في الظهور على أرض الواقع، فإن الناس يميلون إلى النفور من هؤلاء المجرمين أو الأشرار.

إذاً، ربما يوفر الخيال طريقة للتعامل مع الجوانب المظلمة من شخصياتنا دون الخوف من الحكم على أنفسنا ودون أن نتساءل عما إذا كنا أشخاصاً جيدين عموماً. جدير بالذكر هنا إن عالم النفس سيغموند فرويد قد نظر إلى الطبيعة البشرية على أنها معادية للمجتمع بطبيعتها، وهي مدفوعة بيولوجياً بمبدأ المتعة غير المنضبطة للحصول على ما تريده فعلاً، في حين تعمل المعايير الأخلاقية التي وضعها المجتمع على القمع المستمر للغريزة الإنسانية؛ ما يسبب الحاجة إلى ردود الأفعال أو الترويض. بكلمات أخرى؛ فإن بعض الاحتياجات والدوافع مثل العدوان ما زالت دفينة في الأعماق البشرية، وقد نلجأ إلى التعاطف مع المجرمين والأشرار بوصفه وسيلة لإرضاء هذه الطبيعة.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الأشخاص الكثيري الانتقاد؟

3. الواقعية

غالباً ما يكون المجرمون والأشرار أكثر واقعية من الأبطال الذين غالباً ما يُصوَّرون على أنهم أشخاص شبه مثاليين؛ لذا وبما أننا جميعنا نملك عيوبنا ومشكلاتنا الخاصة فإنه من السهل أن علينا نشعر بهذا التعاطف. لذلك؛ كلما تعرفنا على المجرم أو الشرير على نحو أعمق، وتعرفنا إلى الأسباب التي دفعته إلى التصرف والشعور على النحو الذي يفعله، سواء كانت مشكلات في الطفولة أو أمراض واضطرابات نفسية أو صعوبات وظروف حياتية، استطعنا أن نفهم دوافعه وأن نتعاطف معه تعاطفاً أكبر.

اقرأ أيضاً: 3 نصائح فعالة تساعدك على مواجهة فظاظة الآخرين

4. الجاذبية الجسدية

نحن نعطي قيمة عالية للجاذبية الجسدية والشخصية وتلك الشرارة التي نشعر بها تجاه الآخرين، وهذا ما قد يظهر من خلال الانجذاب إلى أسلوب شخص ما أو إلى لغة جسده. وغالباً ما نشعر بالانجذاب تجاه الشخصيات المنفتحة والجريئة والمهيمنة، وهي صفات لا تتجزأ عن الشخصية الشريرة التي تصوَّر في الأفلام؛ والتي غالباً ما تتمتع أيضاً بالثقة والفكاهة والكاريزما، وهذه صفات تسهّل التغاضي عن الجرائم الأخرى التي ترتكبها والتعاطف معها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول إنه وكلما زادت الجاذبية الجسدية للأشخاص زاد تعاطفنا معهم.

5. الذكاء والقوة

أشارت دراسة منشورة في دورية الفروقات الفردية والشخصية (Personality and Individual Differences)، إلى أن ثمة محتالين أو مجرمين ينالون استعطاف الجماهير بسبب قدرتهم على حل المشكلات بواسطة الذكاء وحريتهم في تطبيق أساليب الخداع والغش.

يقول المحاضر في علم نفس الجريمة والأمراض النفسية والإعلام، ترافيس لانغلي (Travis Langley)، إنه يمكننا أن ننشئ صلة بين المجرمين والأشرار الذين نراهم في الأفلام وأشياء أخرى نقدّرها؛ مثل القوة والحرية والترفيه وهذا ما قد يجعلنا ننجذب إليهم أو نُعجب بهم.

اقرأ أيضاً: كيف تكشف كذب الآخرين؟ إليك الطريقة من خبراء نفسيين

6. الخوف

قد يؤدي الخوف أيضاً دوراً في الشعور بالانجذاب إلى المجرمين؛ إذ تقول أستاذة علم النفس إليز بانفيلد (Elise Banfield) إن الناس أحياناً قد يخلطون ما بين الشعور بالخوف والجاذبية؛ وذلك لأن الخوف يتسبب في اندفاع بعض المواد الكيميائية التي نربطها عادة بالجاذبية مثل الأدرينالين والإندروفين والدوبامين؛ ما يتسبب في حدوث ارتباك بين الحالتين في بعض الأوقات. قد يكون هذا الخطأ في تمييز الخوف من الجاذبية والذي سمته "الخطأ في إسناد الإثارة" أحد التفسيرات لسبب تفضيلنا الشديد لشخصيات الشر وتعاطفنا معها.

وتضيف بانفيد إنه وفي كثير من الأحيان فإن الناس ستنظر إلى الرجل السيئ أو المجرم على أنه شخص جذاب لأنه مثير ويغرس الخوف في النفوس، فعندما نكون في موقف يخيفنا فيه شخص ما، وليس بالضرورة بالطريقة نفسها التي نفكر فيها بالخوف عادة؛ وإنما إذا قام بوضعنا في حالة تهديد أو ترقب، فقد يزيد هذا الانجذابَ نحوه.

ختاماً، يمكن القول إن التعاطف مع المجرمين والأشرار في الأفلام هو أمر مفهوم طالما أنه لا يتعدى تأثير الشاشات الرقمية؛ لكنه يصبه خطراً عندما يتجاوز هذا العالم الخيالي ويبدأ بالتأثير في سلوك الشخص في العالم الحقيقي.

المحتوى محمي