ملخص: تظهر أعراض إدمان الهاتف الذكي عندما يبدأ الشخص في قضاء أكثر من ساعتين على هاتفه يومياً؛ وهو أعلى من المعدل الذي يوصى به للبالغين، فكيف يمكن التخلص منه؟ الإجابة في المقال.
محتويات المقال
- ما إدمان الهواتف الذكية؟
- 8 أعراض تخبرك بأنك تعاني إدمان الهاتف الذكي
- لماذا لا يمكننا التوقف عن النظر إلى شاشات هواتفنا الذكية وليس الأجهزة الأخرى؟
- ما مدى انتشار ظاهرة إدمان الهواتف الذكية في المنطقة العربية؟
- تنامي ظاهرة إدمان الهواتف الذكية مع التطور التكنولوجي
- هل يوجد علاج مثبت علمياً للتخلص من مشكلة إدمان الهواتف الذكية؟
- ما أبرز الحلول للتخلص من إدمان الهواتف الذكية؟
يعد ظهور الهواتف الذكية أحد أهم التطورات التكنولوجية في العقود الثلاثة الماضية؛ حيث أصبحت تمثل جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لأكثر من 6 مليار شخص حول العالم. وعلى الرغم من احتواء الهاتف الذكي العديد من الميزات والخصائص التي تجعله أداة لا غنى عنها في الحياة اليومية والأعمال والترفيه، فإنه أصبح يؤدي دوراً مهماً في التسبب في الإدمان السلوكي أو ما يسمى "إدمان الهواتف الذكية" الذي يؤثر تأثيراً كبيراً في الجوانب المختلفة من الحياة الشخصية لمستخدميه.
ما إدمان الهواتف الذكية؟
لا يوجد حتى الآن توافق في الآراء حول تعريف إدمان الهواتف الذكية. بدلاً من ذلك، يُستخدم مصطلح "الاستخدام الإشكالي للهواتف الذكية" على نحو متكرر، ليصف الفشل المتكرر في التحكم في السلوك الإدماني الذي يؤدي إلى ضعف وظيفي أو ضائقة. ولكن بصفة عامة، اتفق الباحثون وعلماء النفس على إطلاق مصطلح "إدمان الهواتف الذكية" (Smartphone Addiction) المعروف أيضاً باسم "النوموفوبيا" (Nomophobia) إشارةً إلى الخوف أو القلق من عدم وجود الهاتف أو عدم القدرة على استخدامه لسبب ما.
ويأتي الإدمان نتيجة لعكس الاعتماد والارتباط الذي طوره العديد من الأشخاص تجاه هواتفهم الذكية؛ حيث يمكن أن يظهر هذا الإدمان بطرائق مختلفة؛ بما فيها القلق بشأن فقدانه أو نفاد البطارية أو الوجود في مكان لا توجد به تغطية للشبكة.
وتعد ظاهرة النوموفوبيا المشتق اسمها من مزيج من "لا يوجد هاتف محمول" (No Mobile Phone) و"الرهاب" (Phobia)، ظاهرة جديدة نسبياً صيغت في أوائل عام 2010 مع انتشار الهواتف الذكية على نطاق واسع، وأصبحت تؤثر في نحو 10% - 20% من مستخدمي الهواتف الذكية.
بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً للخبراء؛ فإن إدمان الهواتف الذكية يتطور بصورة أساسية من مشكلة الإفراط في استخدام الإنترنت أو اضطراب إدمان الإنترنت (Internet Addiction)، فبحسب الباحثين؛ نادراً ما يكون الهاتف الذكي بحد ذاته الذي يسبب الإدمان بل الألعاب والتطبيقات والعوالم عبر الإنترنت التي تربطنا بها؛ حيث يمكن أن يؤثر إدمان الهواتف الذكية سلباً في حياة الأفراد ويسبب مشكلات اجتماعية ونفسية وصحية من ضمنها:
- زيادة الشعور بالوحدة والاكتئاب: وجدت دراسة لمعهد الدماغ (Brain Institute) التابع إلى جامعة بيتسبرغ (University of Pittsburgh) الأميركية، علاقة بين الاستخدام المرتفع لمنصات التواصل الاجتماعي وأمراض الاكتئاب والقلق؛ حيث يميل المستخدمون، وبخاصة المراهقين، إلى مقارنة أنفسهم مع أقرانهم على منصات التواصل الاجتماعي؛ ما يعزز مشاعر الوحدة والاكتئاب.
- تفاقم اضطرابات نقص الانتباه: يمكن للتدفق المستمر للرسائل والمعلومات من الهاتف الذكي أن يطغى على الدماغ ويجعل تركيز الانتباه على شيء واحد لأكثر من بضع دقائق دون الشعور بالحاجة إلى الانتقال إلى شيء آخر مستحيلاً.
- تقليل القدرة على التركيز والتفكير بعمق: يمكن أن تؤدي نغمات الإشعارات المستمر إلى تشتيت الانتباه عن المهام المهمة وإبطاء العمل ومقاطعة اللحظات الهادئة التي تعد حاسمة للغاية للإبداع وحل المشكلات.
- مشكلات النوم: يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط للهواتف الذكية إلى حدوث اضطرابات في النوم، ولذلك تأثير خطِر في الصحة العقلية يمكن أن يؤثر بدوره في الذاكرة والقدرة على التفكير بوضوح ويقلل المهارات المعرفية والتعليمية.
- تشجيع تعظيم الذات: وجدت دراسة علمية أن الأشخاص الذين يقضون الكثير من الوقت على منصات التواصل الاجتماعي أكثر عرضة إلى إظهار سمات شخصية سلبية مثل النرجسية؛ حيث يمكن أن يؤدي التقاط صور سيلفي لا نهاية لها ونشر الأفكار أو تفاصيل الحياة الشخصية كلها إلى خلق تمركز غير صحي حول الذات؛ ما يبعد الفرد عن علاقات الحياة الواقعية.
اقرأ أيضاً: احذر! هاتفك الذكي يعبث بدماغك، فكيف تحد من تأثيره النفسي؟
8 أعراض تخبرك بأنك تعاني إدمان الهاتف الذكي
تظهر أعراض إدمان الهاتف الذكي عندما يبدأ الشخص قضاء أكثر من ساعتين على هاتفه يومياً؛ وهو أعلى من المعدل الذي يوصى به للبالغين والذي يبلغ أقل من ساعتين يومياً للأغراض غير المتعلقة بالعمل أو الواجبات المنزلية.
بالإضافة إلى ذلك، لم تُحدد فترة زمنية معينة فيما يتعلق بتطور أعراض إدمان الهواتف الذكية بسبب اختلاف الجدول الزمني من شخص لآخر لأن الصحة العقلية واحترامه لذاته يلعبان دوراً كبيراً في تطوير استخدامه للهاتف الذكي. وبصورة عامة، قد يستغرق الأمر بضعة أيام إلى عدة أسابيع لتطوير الأعراض وظهورها، خاصة إذا رافقتها إحدى صور السلوك الإدماني الأخرى مثل التسوق الإلكتروني.
وفقاً لدراسة علمية أُجريت عام 2017 ونُشرت في مجلة علم النفس السيبراني والسلوك والشبكات الاجتماعية (Cyberpsychology, Behavior, and Social Networking)؛ اعترف معظم الطلاب الذين شملهم الاستطلاع بأن هواتفهم الذكية أصبحت امتداداً لأنفسهم تقريباً وأنهم يرتبطون بها لأنها وسيلة أساسية لمشاركة العديد من تفاصيل حيواتهم. وبسبب هذا الاعتماد؛ فإنهم أرادوا أن تكون هواتفهم الذكية في مكان قريب منهم في الأوقات كافة.
وعلى الرغم من أن إدمان الهواتف الذكية لم يثبَت أو يصنَّف رسمياً على أنه مرض يتطلب وصفات علاجية أو زيارة طبية، فإن استخدامها بكثافة وجعلها غاية، لا وسيلة في تحسين حياة مستخدميها، يسبب العديد من المشكلات للصحة العقلية والجسدية والنفسية. ومن أبرز الأعراض المصاحبة لظاهرة إدمان الهواتف الذكية، ما يلي:
1. الاستخدام المفرط خلال اليوم
من أبرز الأعراض التي تمكن ملاحظتها لأنه يغطي كلا من الاستخدام السلبي (تمرير المحتوى) والاستخدام النشط (التفاعل مع الآخرين). ونظراً إلى أن المستخدم يقضي قدراً متزايداً من الوقت على الهاتف؛ فإن نظام المكافآت ينتج إحساسا بالمتعة ويريد الاستمرار في فعل الشيء نفسه باستخدام هاتفه. ومن ثم كلما كان الإدمان أكثر حدة، زاد الوقت الذي يقضيه الشخص على هاتفه الذكي.
2. الفحص القهري لتجنب فوات شيء ما
وهو ما يشير إلى الحاجة إلى فحص الهاتف باستمرار؛ حيث يصبح الشخص مقتنعا بأنه سيفوت شيئاً ما، ولتجنب هذا الشعور، قد يفحص الشخص المصاب بإدمان الهاتف هاتفه باستمرار حتى خلال اللحظات المهمة أو قبل تأدية المهام أو في أثنائها أو في المواقف المحرجة اجتماعياً، وقد يؤدي إلى تطوير مشكلة أعمق مثل رهاب الخوف من الفوات (FOMO).
3. استخدام الهاتف للهروب من الواقع
من خلال جعل الهاتف الذكي آلية للتكيف للتعامل مع المواقف العصيبة، فعندما يكون الشخص تحت الضغط فإنه يميل إلى الوصول إلى هاتفه الذكي لتجنب التعامل مع المشكلات في الحياة الحقيقية؛ ما يؤدي إلى قضاء المزيد من الوقت على هاتفه والتحقق الإلزامي من الإشعارات.
4. الشعور بالقلق عندما تنخفض بطارية الهاتف
يشعر بعض الأشخاص بتسارع دقات القلب والتعرق بمجرد معرفة أن بطارية الهاتف قد تحولت إلى وضع الطاقة المنخفضة؛ حيث يشعر بالقلق من عدم القدرة على الاتصال والتحقق من إشعارات منصات التواصل الاجتماعي ورسائل البريد الإلكتروني وغيرها من الأنشطة التي يمارسها عبر هاتفه الذكي.
5. الانشغال وفقدان السيطرة على الحياة الشخصية
يصبح الشخص الذي يعاني إدمان الهاتف مشغولاً بهاتفه إلى درجة أنه يصبح الجانب الرئيس في حياته ويركز على قضاء معظم وقته على الإنترنت في استخدام منصات التواصل الاجتماعي والنشر ومراقبة الإعجابات والتعليقات والتحقق من مشاركات الآخرين؛ ما يؤدي إلى فقدانه السيطرة على حياته وإهمال واجباته العملية والشخصية.
6. الشعور بالانزعاج عند عدم التمكن من الوصول إلى الهاتف
الشعور بقلق عدم الوصول إلى الهاتف الذكي علامة واضحة على أن الشخص يعاني قلق الانفصال عن هاتفه الذكي، خاصة إذا رافقه بعض السلوكيات النفسية أو الجسدية الواضحة مثل التعرق أو الشعور بالقلق أو الغضب أو الاستياء أو التحرك باستمرار عند عدم التمكن من استخدام الهاتف.
7. تعريض الحياة إلى الخطر عند التحقق من الإشعارات
وجدت دراسة أجراها معهد سائقي السيارات المتقدمين آي أيه إم (IAM) في المملكة المتحدة أن ارسال رسالة نصية في أثناء القيادة يجعل رد فعل السائق أبطأ مرتين مما لو كان يقود تحت تأثير الكحول؛ ومن ثم فإن التحقق باستمرار من الهاتف في أثناء القيادة علامة واضحة على أن الشخص مصاب بالنوموفوبيا؛ حيث يعتقد أن الرد على رسالة أو إرسالها على الفور أكثر أهمية من إعطاء الأولوية لسلامته وسلامة من حوله.
8. استخدام الهاتف للتحقق من تحديثات العمل في أثناء العطلة
وفقاً استطلاع شمل 1,000 عامل أميركي؛ وُجد أن نحو 60% منهم لا يعودون من العطلة وهم يشعرون بالحيوية بسبب بقائهم على اتصال دائم بالعمل والتحقق من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم. وخلصت الدراسة إلى أن المستطلَعة آراؤهم يعانون النوموفوبيا الذي يؤدي إلى ضعف التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
اقرأ أيضاً: ما مخاطر إدمان المراهقين على الهواتف الذكية وكيف يمكن تلافيها؟
لماذا لا يمكننا التوقف عن النظر إلى شاشات هواتفنا الذكية وليس الأجهزة الأخرى؟
مع وصول استخدام الهواتف الذكية إلى أرقام تزيد على 50% في غالبية البلدان المتقدمة، كان هناك قدر متزايد من الدراسات التي اكتشفت إدمان الهواتف الذكية وتأثيراتها في الصحة العقلية والنفسية والجسدية؛ حيث وجدت دراسة نُشرت في مجلة السلوك الإدماني أن إدمان الهواتف الذكية يؤثر في الدماغ البشري بالطريقة نفسها التي يؤثر بها إدمان المخدرات.
ولكن لماذا يحدث هذا مع الهواتف الذكية بالتحديد، وليست الأجهزة الإلكترونية الأخرى؟ وفقاً للعديد من الدراسات ومن ضمنها دراسة نُشرت في مجلة فرونتيرز أوف سيكولوجي (Frontiers in Psychology)؛ يرجع الأمر إلى أن وظائف الهواتف الذكية تشترك بصفة رئيسة في موضوع واحد يجعل مستخدميها أكثر إدماناً؛ وهو الاستفادة من رغبة الإنسان في الاتصال بأشخاص آخرين.
على سبيل المثال؛ يستخدم العديدون الأجهزة اللوحية على نحو مشابه للهواتف الذكية في حيواتهم اليومية؛ لكن الفرق بين الهاتف الذكي والجهاز اللوحي بالنسبة إلى معظم المستخدمين هو أن الأخير وُجد لأنشطة محددة مثل مشاهدة مقاطع الفيديو وقراءة الكتب؛ وهو ما يحفز استجابة عصبية مختلفة تماماً، بعكس الهاتف الذكي الذي أصبح بوابة للاتصال اجتماعياً من خلال قضاء معظم أوقاتنا لإرسال الرسائل والتمرير عبر منصات التواصل الاجتماعي.
علاوة على ذلك، أرجع العديد من الدراسات نشوء ظاهرة إدمان الهواتف الذكية إلى مفهوم يُسمى "التعزيز المتقطع" (Intermittent Reinforcement) الذي يعد أصل الهوس التكنولوجي والتيار الخفي السلوكي الذي يجعل الشخص يفحص هاتفه الذكي على نحو إلزامي متكرر.
على سبيل المثال؛ عند تحديث البريد الوارد الخاص بك في بعض الأحيان (ولكن ليس في كل مرة) ستجد رسالة جديدة؛ ولكن في الوقت نفسه لا تعرف أبداً على وجه اليقين متى ستأتي رسالة جديدة (المكافأة)؛ لذلك تعزز عادة التحقق طوال الوقت، والشيء نفسه ينطبق على الحصول على إشعارات أو تحديثات جديدة على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي النهاية، يضيع الشخص العديد من الساعات خلال يومه متفقداً هاتفه؛ حيث تمنحه كل مكافأة دفعة لمراكز المتعة في الدماغ التي تعزز السلوك وتجعله يمضي قدماً في الغوص وينتهي به الأمر مدمناً على هاتفه الذكي!
بالإضافة إلى ذلك، فإن إدمان الهواتف الذكية اصبح يتفاقم بشدة مع الدور الكبير الذي تلعبه شركات التكنولوجيا التي لها تأثير كبير في ازدياد حالات إدمان الهواتف الذكية؛ حيث يستخدم العديد من شركات التكنولوجيا تقنيات التصميم المقنع (Persuasive Design) من خلال توظيف علماء النفس وعلماء الأعصاب وخبراء العلوم الاجتماعية لمساعدتهم على إنشاء منتجات تسبب الإدمان تحافظ على استمرار إطلاق الدوبامين (Dopamine) وجعل منتجاتها أكثر أدماناً.
اقرأ أيضاً: كيف تحسّن عودتك إلى استخدام هاتفك الغبي صحتك النفسية؟
ما مدى انتشار ظاهرة إدمان الهواتف الذكية في المنطقة العربية؟
وفقاً للعديد من الدراسات؛ أصبحت مشكلة إدمان الهواتف الذكية متنامية في المنطقة العربية إلى درجة أصبحت تسبب مشكلات للصحة العقلية والنفسية؛ ومن ضمن هذه الدراسات دراسة حديثة نُشرت في دورية بي إم سي للطب النفسي (BMC Psychiatry) في شهر يوليو/تموز من العام 2023 بعنوان: "النوموفوبيا بين طلاب الجامعات في خمس دول عربية في الشرق الأوسط: الانتشار وعوامل الخطر" هدفت إلى استكشاف مدى انتشار الاعتماد على الهاتف المحمول بين طلاب الجامعات في 5 دول عربية والعوامل المرتبطة به.
وقد وجدت الدراسة التي شارك فيها 5,720 طالباً جامعياً من مصر والمملكة العربية السعودية والأردن ولبنان والبحرين، أن الأفراد الذين يعانون النوموفوبيا عندما يفقدون هواتفهم المحمولة أو تنفد البطارية أو تضعف الشبكة، يصابون بالرعب والانزعاج، وقد وجدت أن متوسط الوقت اليومي المقدر الذي يقضيه المشاركون في الدراسة في استخدام هواتفهم الذكية هو 94.4 دقيقة.
كما لاحظت الدراسة أن أعلى درجة اعتماد على الهاتف الذكي كانت لدى طلاب الجامعات من مصر، وأدنى درجة اعتماد كان لدى طلاب الجامعات من لبنان. بالإضافة إلى ذلك، كانت معايير الاعتماد الأكثر شيوعاً عبر عينة الدراسة هي ضعف التحكم (55.6%) بينما كان المعيار الأقل شيوعاً هو الاستخدام الضار (52.1%). وقد كانت الإناث بالإضافة إلى أولئك الذين أبلغوا عن تعرضهم إلى مشكلة القلق أو استخدام علاج للقلق أكثر عرضة إلى خطر تطوير الاعتماد على الهاتف الذكي بنسبة 15% و75% على التوالي.
كما وجدت دراسة حديثة نُشرت في دورية بي إم سي النفسية (BMC Psychol) نُشرت في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 بحثت في العوامل المتعلقة بإدمان الهواتف الذكية بين الشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة وشارك فيها 421 شخصاً، أن هناك علاقة إيجابية بين إدمان الهواتف الذكية والإصابة بأمراض القلق والاكتئاب. ووجدت الدراسة أن الإناث لديهن مستويات أعلى من القلق و إدمان الهواتف الذكية مقارنة بالذكور.
كما خلصت دراسة نُشرت في المجلة الأميركية للبحوث التربوية (American Journal of Educational Research) أُجريت على عينة مختارة من الأطفال المصريين بلغوا 238 طفلاً، تراوحت أعمارهم بين 6 و12 عاماً، إلى أن مظاهر إدمان الهواتف الذكية كلها حسب للمقياس الذي أُجريت الدراسة وفقه، كانت موجوداً لدى الأطفال بدرجة متوسطة، وأحد أكثر مظاهر الإدمان شيوعاً لدى الأطفال كان اللعب المستمر بالهاتف ومشاهدة مقاطع الفيديو على نحو مستمر، وأقلها شيوعاً هو عدم النوم إلا عند إمساك الهاتف.
وبحسب الدراسة؛ بلغت نسبة إدمان الهواتف الذكية 52.1% بين الأطفال، وهي وفقاً للدراسة نسبة عالية نسبياً نظراً إلى التغيرات الثقافية والاقتصادية التي نشأت نتيجة الجائحة والحروب، بالإضافة إلى انشغال الأهل عن أطفالهم نتيجة الظروف الحياتية القاسية والسماح للأطفال باستخدام الهواتف الذكية بوصفها وسيلة لإرضائهم وتجنب السلوكيات التي تزعج الوالدين.
اقرأ أيضاً: كيف يسهم كل من الفومو واجترار الأفكار في الاستخدام المفرط للهواتف الذكية في الإمارات؟
تنامي ظاهرة إدمان الهواتف الذكية مع التطور التكنولوجي
يقضي معظم الأشخاص وقتاً طويلاً في النظر إلى شاشات هواتفهم الذكية؛ ما يؤثر سلباً في جوانب حيواتهم كافة، ولا سيما علاقاتهم الاجتماعية والتوازن بين العمل والحياة. وعلى الرغم من أن الهواتف الذكية قد صُممت لجعل حيواتنا أسهل بكثير حيث يوجد الآن تطبيق لكل شيء تقريباً، فإن الأدلة بدأت تتراكم على أن هذه الهواتف الذكية نفسها التي صُممت لجعل حيواتنا اليومية أكثر بساطة تزيد تعقيدها عند الإفراط في استخدامها.
وفقاً لبحث أجرته شركة الأبحاث يوجوف (YouGov) نيابة عن خدمة البريد في المملكة المتحدة في عام 2008؛ وُجد أن 53% من مستخدمي الهواتف الذكية في المملكة المتحدة يشعرون بالقلق عندما يفقدون هواتفهم الذكية أو تنفد بطارياتها أو أرصدتها أو لا تكون لديهم تغطية للشبكة. والآن بعد مرور ما يقرب من 10 سنوات، ارتفع الرقم على نحو كبير، خاصة مع التطور التكنولوجي الذي حدث خلال العقد الماضي.
اقرأ أيضاً: هل سيرقى هاتف ريد بيل إلى مستوى الوعود التي طرحها مصنعوه من حيث الخصوصية والأمان؟
في استطلاع أجرته الشركة نفسها على نحو أكثر من ألف مواطن بالغ أميركي، قال أكثر من نصف المستطلعة آراؤهم من جيل الألفية إن عدم وجود هواتفهم الذكية بالقرب منهم يجعلهم يشعرون بالقلق! وفي استطلاع آخر، قال نحو 38% من الجيل زد (Generation Z) المستطلعة آراؤهم إنهم لا يستطيعون مواصلة حيواتهم حتى ليوم واحد دون هواتفهم الذكية!
وعن أكثر الفئات العمرية التي تعاني إدمان الهواتف الذكية، وجدت دراسة حديثة أُجريت في عام 2023 أن الفئة العمرية التي تتراوح أعمارها بين 20 و24 عاماً من الجنسيين هي الأكثر عرضة إلى الإصابة بسبب قابلية أفرادها وفهمهم الكبير لتبني التكنولوجيات والأدوات الجديدة بسرعة أكبر من غيرهم، بالإضافة إلى أن استخدام الهواتف الذكية بالنسبة إليهم أصبح سمة مهيمنة ومحددة وأداة أساسية للتنشئة الاجتماعية والتواصل المستمر بينهم.
اقرأ أيضاً: هندسة إدمان منصات التواصل الاجتماعي: كيف تتلاعب بالمستخدمين؟
هل يوجد علاج مثبت علمياً للتخلص من مشكلة إدمان الهواتف الذكية؟
حتى الآن، لم يتفق الباحثين وعلماء النفس على مقدار الوقت الذي يقضيه الفرد على هاتفه أو التكرار الذي يتحقق منه بحثا عن التحديثات أو عدد الرسائل التي يرسلها أو يستقبلها والتي تشير إلى أنه يعاني مشكلة إدمان الهاتف الذكي أو الإفراط في الاستخدام.
ومع ذلك، يتفق الكثير منهم على أن قضاء الشخص معظم وقته متصلاً بهاتفه يعد مشكلة، خاصة إذا رافقه إهمال العلاقات الشخصية أو التفاعل وجهاً لوجه مع الآخرين أو التأثير في الإنتاجية في العمل أو الدراسة أو الهوايات أو أي أشياء أخرى مهمة في الحياة.
على سبيل المثال؛ إذا وجدت نفسك تتجاهل الخروج مع أصدقائك من أجل قراءة تحديثات منصات التواصل الاجتماعي، أو تتحقق من هاتفك في أثناء القيادة أو المحاضرات المدرسية، فهذا تحذير أنه قد حان الوقت لإعادة تقييم استخدام هاتفك الذكي وتحقيق توازن صحي في حياتك.
ونظراً إلى أن إدمان الهواتف الذكية مرض سلوكي أكثر من كونه سريرياً؛ فإن معظم الأبحاث والدراسات حتى الآن يركز بصورة أساسية على حلول سلوكية تشمل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) الذي يساعد على علاج إدمان الهاتف الذكي من خلال مساعدة المستخدم على تحديد الأفكار السلبية أو غير العقلانية التي تؤدي إلى المشاعر والسلوكيات السلبية والمقابلات التحفيزية، ثم اتباع خطوات سلوكية وشخصية مصممة خصيصاً للمساعدة في تقليل استخدامه لهاتفه الذكي للوصول إلى المعدل طبيعي.
ومن ضمن أدوات العلاج السلوكي المعرفي أداة طورها فريق من الباحثين من جامعة بينغهامتون في جامعة ولاية نيويورك تُسمى "مقياس الإفراط في استخدام الوسائط الرقمية" (Digital media overuse scale، اختصاراً دي إم أو إس dMOS) تتيح للعلماء والأطباء والباحثين إجراء دراساتهم على نطاق واسع لتحديد مدى إدمان مجموعة ما أو فرد على الهاتف الذكي، من خلال أسئلة صُممت على نحو هيكلي لاكتشاف السلوكيات والمواقف التي غالباً ما تُلاحظ لدى الأفراد الذين يبلغون عن المشكلات السريرية أو الاضطرابات الناتجة من إدمان الوسائط الرقمية.
اقرأ أيضاً: 7 عادات لاستخدام هاتفك الذكي تؤكد إصابتك بالقلق
ما أبرز الحلول للتخلص من إدمان الهواتف الذكية؟
لا توجد علاجات طبية معتمدة لإدمان الهاتف الذكي مثل أنواع الإدمان الأخرى، ومع ذلك، يمكنك تطبيق عدد من الطرائق للتحكم في استخدام هاتفك الذكي؛ من ضمنها:
افهم هاتفك لاستعادة السيطرة على وقتك
احتفظ بسجل لوقت استخدامك لهاتفك الذكي ومقداره في الأنشطة غير المتعلقة بالعمل أو الأنشطة غير الضرورية، من خلال استخدام تطبيقات وقت الشاشة (Screen Time) التي تتيح لك تتبع الوقت الذي تقضيه على هاتفك.
تعرف إلى المشكلات التي تجعلك تستخدم هاتفك على نحو مفرط
قد يكون استخدامك المفرط للهاتف الذكي وسيلة لتهدئة الحالة المزاجية إذا كنت تعاني الاكتئاب أو التوتر أو القلق. بدلاً من ذلك، ابحث عن طرائق صحية وأكثر فعالية لإدارة حالتك المزاجية مثل ممارسة الرياضة أو القراءة أو الخروج مع الأصدقاء.
ابنِ مهارات التأقلم
ربما يكون إرسال الرسائل النصية هو طريقتك للتعامل مع التوتر أو الغضب، أو ربما تواجه مشكلة في التواصل مع الآخرين وتجد أنه من الأسهل التواصل مع الأشخاص عبر الإنترنت. للتغلب على هذه المشكلة، ابنِ مهارات مثل التواصل الشخصي وطوّرها للمساعدة على التغلب على ضغوط الحياة اليومية دون الاعتماد على هاتفك الذكي.
عزّز شبكة الدعم
حاول التواصل وجهاً لوجه مع الزملاء في العمل، أو الانضمام إلى فريق رياضي أو نادي كتاب، أو التسجيل في فصل تعليمي، أو التطوع؛ إذ ستساعدك على التفاعل مع الآخرين وتسمح للعلاقات بالتطور على نحو طبيعي لتكوين صداقات من شأنها تعزيز حياتك وتقوية صحتك.
كما يمكنك استخدام عدد من الخطوات التي تتطلب التزاماً جاداً للحد من استخدام هاتفك على نحو مفرط؛ منها:
- حدد أهدافاً للوقت الذي يمكنك فيه استخدام هاتفك الذكي. على سبيل المثال؛ تمكنك جدولة مقدار الاستخدام لأوقات معينة من اليوم، أو مكافأة نفسك بقدر معين من الوقت لاستخدام الهاتف بمجرد الانتهاء من واجب منزلي أو الانتهاء من عمل روتيني.
- أوقف تشغيل هاتفك في أوقات معينة من اليوم؛ مثل في أثناء القيادة أو الاجتماعات أو عند ممارسة الرياضة أو عند تناول العشاء أو اللعب مع الأطفال.
- لا تحضر هاتفك إلى غرفة النوم. بدلاً من ذلك، أوقف تشغيله واتركه في غرفة أخرى طوال الليل لشحنه.
- احذف تطبيقات الوسائط الاجتماعية من هاتفك حتى تتمكن من التحقق من الإشعارات فقط من حاسوبك؛ حيث يمكن أن يساعدك على قضاء وقت أقل في مقارنة نفسك مع ما ينشره الآخرون على حساباتهم ونادراً ما يكون انعكاساً غير دقيق لحيواتهم الواقعية.
- تقبل أنه من خلال الحد من استخدام هاتفك الذكي من المحتمل أن تفوتك الأخبار أو الإشعارات المهمة، ومع ذلك، يكاد يكون من المستحيل معرفة كل شيء في وقته الفعل؛ ومن ثم التعايش مع هذا الأمر يمكن أن يساعدك بصورة كبيرة على تقليل استخدامك للهاتف الذكي.
- حمل تطبيقاً لتتبع مقدار استخدام هاتفك خلال اليوم وابدأ ملاحظة عدد المرات التي تفتح فيها هاتفك كل يوم ثم قلل مقدار الرقم كل يوم للوصول إلى المعدل الطبيعي.
- أوقف تشغيل أكبر عدد ممكن من الإشعارات الفورية وأزل التطبيقات المشتتة للانتباه من الشاشة الرئيسة.
اقرأ أيضاً: هل تخاف من الرد على الهاتف؟ ربما تعاني من صدمة نفسية