ملخص: يرى المختصون أن ما يفعله المرء بشعره يكشف الكثير عن شخصيته، وفيما يخص المرأة مثلاً، توضح مختصة الأمراض الجلدية والمحللة النفسية سيلفي كونسولي إن احتفاظها بقصة الشعر ذاتها طوال حياتها يشير إلى أنها في حالة تآلف مع ذاتها وهويتها؛ إلا إذا كان هذا السلوك يخفي خوفاً من التجديد أو نوعاً من التصلب، فيمثل حينئذ رغبة في التمسك بالآراء والعادات ذاتها أيضاً.
محتويات المقال
نقص شعرنا أو نصبغه بطريقة مختلفة في كل مرحلة من مراحل حياتنا، ويرى المختصون النفسيون أن ما نفعله بشعرنا يكشف عن شخصياتنا بل وحتى رغباتنا الكامنة في اللاوعي.
تقول نور ذات الـ 46 عاماً: "حينما قصصتُ شعر ابنتي أول مرة وكانت تبلغ من العمر سنة ونصف شعرت بغرابة شديدة؛ إذ فقدتْ خصلات شعرها المجعدة إلى الأبد
ولم تعد تلك الرضيعة، وكانت هذه أول مرة نغير شيئاً ما بجسدها". ومن ثم فإن قص شعر الأطفال أول مرة يشبه حالة الفطام بالنسبة إلى الكثير من الأمهات، وفي ولاية أريزونا بالولايات المتحدة الأميركية، يطرد هنود قبيلة الهوبي؛ وهي إحدى قبائل سكان أميركا الأصليين، الأرواح الشريرة عند قص شعر الطفل أول مرة لأنه يفقد بذلك قوة حيوية.
تخرج هذه الشعرات التي تميز الجنس البشري من جذورها العميقة في فروة الرأس إلى الهواء الطلق وكأنها صلة وصل بين دواخلنا ومحيطنا الخارجي، ويبلغ عدد شعر رأس الإنسان في كلتا طبقتيّ الشعر الخفية والظاهرة للعيان التي نعتني بجمالها نحو 100 إلى 150 ألف شعرة أو 200 إلى 300 شعرة في كل سنتيمتر مربع.
قصات شعرنا تعبر عن رغباتنا
كان شعر سارة قصيراً طوال فترة طفولتها؛ إذ عانت من داء العصيات القولونية آنذاك فاضطرت إلى أخذ حُقن البنسلين ما أدى إلى تلف شعرها؛ ولذلك فهي تكره الشعر القصير الآن. وعن ذلك تقول: "لطالما أعجبتُ بضفائر عمتي، وقد اضطررت للانتظار 15 سنة قبل أن يصبح شعري طويلاً وسميكاً"، وتتابع: "أخاف الذهاب إلى مصفف الشعر، وأحب ضفائري قديمة الطراز هذه وأرفض قصها"، فعلى الرغم من نصيحة من حولها بتغيير قصة شعرها فإن سارة ترفض ذلك رفضاً قاطعاً.
تقول مختصة الأمراض الجلدية والمحللة النفسية سيلفي كونسولي (Sylvie Consoli): "يساعد تغيير قصة الشعر على استعادة الصورة الذاتية حينما تهتز"، وتوضح المختصة إنه من المألوف أن تقصد النساء اللواتي يتلقين علاجاً من الاكتئاب أو يواجهن فشلاً عاطفياً أو مهنياً صالونات تصفيف الشعر أكثر من غيرهن. من جهة أخرى، فإن المرأة التي تحافظ على قصة الشعر ذاتها طوال حياتها هي في حالة تآلف مع ذاتها وهويتها؛ إلا إذا كان هذا السلوك يخفي خوفاً من التجديد أو نوعاً من التصلب، فيشير حينئذ إلى رغبة في التمسك بالآراء والعادات ذاتها أيضاً.
على العكس من ذلك، أصبح تغيير شكل الشعر بالنسبة إلى المراهقين في عصرنا هذا جزءاً من البحث عن الهوية، وتقول مختصة التحليل النفسي: "من خلال تغيير تصفيفة الشعر أو لونه يعبر الأطفال عن حريتهم بفعل ما يحلو لهم بأجسادهم ومن ثم استقلاليتهم عن الوالدين"، وتتابع: "قالت لي مريضة مراهقة ذات مرة: "إنه عفريت صغير في داخلي يملي عليّ ما أفعله بشعري"، ومع آخر جلسة علاجية كانت قد صبغت خصلات شعرها باللون الأحمر".
كيف يؤثر تصفيف الشعر في نفسية المرأة؟
تشعر أكثر من 8 من كل 10 نساء بالرضا بعد جلسة تصفيف الشعر؛ إذ وفقاً لدراسة أجرتها شركة لوريال مؤخراً، فإن 89% من النساء يشعرن بالتميز و84% يشعرن أن معنوياتهن ارتفعت، وتقول سوسن: "أذهب إلى مصفف الشعر كل 45 يوماً. إنه وقت ممتع، فحينما يشذب المصفف شعري السميك أشعر أنني صرت أخف، لا أضع الكثير من المكياج فأنا أغير مظهري بقصة شعري".
تعيد صبغات الشعر القريبة من درجات الألوان الطبيعية إلى الشعر شبابه؛ لكن في عصرنا هذا لم تعد المرأة التي تريد إضفاء مزيد من الحيوية على مظهرها تكتفي بصبغ شعرها الأبيض بلون مماثل للونه الحقيقي؛ بل تفضل تجربة ألوان أكثر جرأة مثل تدرجات اللون الأشقر أو الأحمر النحاسي أو الكهرماني، فهي تريد أن تضفي ألقاً على شعرها وحياتها في آن معاً.
وتوضح سيلفي كونسولي إن التغييرات المستمرة على الشعر لا تشير بالضرورة إلى حالة مزاجية غير مستقرة، وتقول: "من المهم أن يعرف المرء كيف يغير صورته، فذلك يعني أنه يحب التجديد والنظر إلى نفسه بطريقة مختلفة ويتمتع بمرونة نفسية ومخيلة غنية تماماً كما هي الحال حينما نتأنق أو نبرز أصالتنا في ملبسنا".
حينما تدخل المرأة معترك الحياة المهنية قد يتغير منظورها إلى شعرها؛ فمثلاً كانت هيفاء فيما مضى تتمتع بشعر طويل جداً، وحينما بلغت الرابعة والعشرين والتحقت بوظيفة دبلوماسية، صارت قصة الشعر القصير هي المفضلة بالنسبة إليها، وعن ذلك تقول: "استمتعتُ بحرية فعل ما أريده بشعري خلال سنوات دراستي الأخيرة أما الآن فأنا أفضل قصات الشعر القصير، وهي ليست عصرية ولا كلاسيكية إنما تتلاءم مع شخصيتي".
من جهة أخرى، فإن الرجال الذين يلتحقون بوظائف مرموقة أيضاً مجبرون على الالتزام بقصات شعر معينة خلاف الحال في فترة المراهقة وبداية الشباب، فحين دخلوا معترك الحياة المهنية وجدوا أن الوقت قد حان للظهور بمظهر مختلف يتلاءم وعملهم ويلقى قبول الأفراد في محيطهم الاجتماعي. وحتى لو كانت صيحات الموضة اليوم تسمح لنا بالجرأة، فإننا نريد في النهاية أن نظهر بطريقة تحظى بقبول فئة معينة، ولو كانت صغيرة، وتمنحنا الثقة بالنفس وتقدير الذات.
كيف تنعكس حالتنا النفسية على مظهر شعرنا؟
هل تعلم أن الشعر يرتبط باللاوعي وليس فقط بفروة الرأس؟ بعض الأمراض مثل داء الثعلبة الذي يسبب تساقط الشعر على شكل بقع، ينطوي على عوامل نفسية مثل الانفصال المؤلم عن الشريك مثلاً، وتضيف سيلفي كونسولي إن المرأة التي تعاني هوس نتف الشعر (اضطراب نفسي يتسبب برغبة ملحّة في نتف شعر الرأس أو الرموش) هي تعبر غالباً عن رفضها الشديد لأمها ووالدها الذي لم يكن موجوداً في حياتها، وتقول المختصة: "إنها تحاول مهاجمة أنوثتها من خلال هذه الممارسة".
يرى مختصو تفسير الأحلام أن الحلم الذي يظهر فيه الشعر طويلاً حتى خط الرقبة، يشير إلى رغبة المرء في الموازنة بين القوى الذكورية والأنثوية التي تتحكم فيه. ويقول مبتكر طريقة مورفكوافور (morphocoiffure)؛ وهي طريقة تعتمد على الأنماط البدئية لعمل تصفيفة الشعر حسب شكل الوجه، مارك دوغاست (Marc Dugast): "يمثل الشعر الطويل الأنوثة التي ترتبط بالقدرة على الحماية؛ إنها تمثل قوة تعادل الذكورة وقادرة على مواجهتها مباشرة". ووفقاً له فإن تفضيل المرأة قصات الشعر القصيرة يدل على ثقتها بنفسها وتمتُّعها بالاستقلالية، وعلى العكس من ذلك فإن المرأة الحامل التي تطيل شعرها تُظهر تقبلاً للعودة إلى الحالة الأنثوية.
حيرة الرجل بين إطالة شعره وتقصيره
وماذا عن الرجل؟ يفضل بعض الرجال إطالة شعره، فيما يحب آخرون حلاقته على درجة الصفر، فلكل تفضيلاته. لكن يبدأ الرجل بالشعور بالقلق حينما يرى خصلات الشعر العالقة في يديه خلال الاستحمام، والأمر مختلف هنا عن حلاقة الشعر على درجة الصفر تماشياً مع الموضة، فتساقط الشعر الذي ينذر باقتراب الصلع يُشعر الرجل بأنه يُجرَّد من "ملكيته".
لكن إذا ورثتَ الصلع من والدك وأنت تعلم أنه فقد شعره في سن مبكرة فستعي أن الأمر لا مفر منه؛ ما قد يخفف من وطأته عليك، وقد يكون أول رد فعل لك حينما تبدأ بفقدان شعرك اللجوء إلى علاجات تساقط الشعر ثم تمل مع الوقت وتسلم للأمر الواقع مثلما حصل مع سمير ذي الـ 34 عاماً الذي يقول: "حتى أنني اكتشفت فائدة للصلع فهو يجعلني أبدو أكبر سناً ولذلك فإنني أحظى بثقة أكبر ممن حولي في الحياة المهنية".
ويقول مارك دوغاست: "مع التقدم في السن يزداد النضج الفكري ومن ثم تتعزز النظرة ذات البعد الروحي؛ لكن المراهق في سن 18 لديه حاجة إلى بناء حياته ومستقبله ولذلك فإن الاعتبارات المادية تهمه أكثر.
وكذلك فإن الشعر المقصوص قصاً قصيراً جداً يوصم صاحبه بقيود معينة، فقد يُظَنُّ أنه يؤدي الخدمة الإلزامية أو الأسوأ من ذلك؛ أنه كان في السجن، وعلى العكس، ترمز خصل الشعر الطويلة والمتلبدة إلى الجموح والحرية.
يقول سامر ذو الـ 43 عاماً الذي أطلق شعره ولم يعد يقصه مطلقاً، وهو رسام: "أشعر أن ذهني أكثر تحرراً، وقد ساعدني ذلك على إطلاق العنان لنفسي أكثر، لا سيما فيما يخص العمل الفني؛ إذ صارت لمسات فرشاتي عفوية أكثر".
ما العلاقة بين الحالة المزاجية وتصفيفة الشعر؟
تعبر تسريحة الشعر عن الحالة المزاجية أيضاً، فالمرأة العملية مثلاً تميل إلى عقص شعرها وترك بعض الخصل المبعثرة. ولكن مارك دوغاست يذهب إلى أبعد من ذلك فيقول: "تعبر المرأة التي تربط شعرها عن رغبتها في أن تكون واضحة وواثقة بنفسها وعن عزمها على المضي قدماً، أما إطلاق الشعر وتركه منسدلاً على الجانبين فقد يشير على العكس إلى الشعور بالاكتئاب والرغبة في الانطواء على الذات؛ إلا إذا كان إطلاق الشعر مساءً بهدف التحول من حالة الموظفة الجدية إلى الظهور بمظهر أكثر جاذبية أمام الزوج.
هل يمكن أن يشيب الشخص نتيجة تعرضه لصدمة نفسية؟
يقال إن ظهور الشيب فجأة في الشعر دلالة على الإرهاق النفسي والكآبة؛ لكن هل يمكن فعلاً للشعر أن يدل على حالتنا؟ تعتمد دورة نمو الشعر وسقوطه على النظام الهرموني لدينا، وتسمح له تركيبته الكيميائية التي تحتوي على حمضنا النووي بتسجيل كل ما نبتلعه من طعام أو أدوية. ولما كانت الشعرة تنمو من 1 إلى 1.5 سم شهرياً فإنها حينما تبلغ 6 سنتيمترات يمكنها أن تقدم سجلاً لحالتنا الصحية على مدى 6 إلى 9 أشهر.
تحت تأثير الصدمة العاطفية، على سبيل المثال، يمكن أن يغيّر الشعر قوامه اعتماداً على طبيعته وقدرة الفرد على التغلب على الإرهاق العصبي؛ ولذلك فإنه بحسب العلماء من المستحيل أن يشيب الشعر بين ليلة وضحاها كما حدث مع ماري أنطوانيت قبيل إعدامها؛ لكن الإصابة بداء الثعلبة على نحو مفاجئ يمكن أن تؤدي إلى نمو الشعر الأبيض في مناطق الإصابة ومن ثم تصبح مناطق الشيب أكثر وضوحاً.
ما دلالات تصفيفات الشعر المختلفة؟
في كتابهما "أخبرني يا شعري عني" (Hair, talk to me about me)، يوضح مختص الطاقة ميشيل أودول (Michel Oudoul)، وريمي بورتريه (Rémy Portrait) وهو مدير أحد صالونات الحلاقة في باريس، إنه بإمكان الخبير اكتشاف الكثير عن شخصية المرء من تصفيفة شعره؛ مثل مخاوفه أو مشاعره المكبوتة، ويوضحان ما يعنيه بعض قصات الشعر:
- يشير تمشيط الشعر إلى الوراء والجبين المكشوف إلى عزم على المضي قدماً، وهي التسريحة التي يفضلها الأشخاص الذين لا يخشون مواجهة الحياة أو نظرة الآخرين غالباً.
- تسريحة فرق الشعر في المنصف تشير إلى الرغبة في تحقيق توازن داخلي بين الين واليانغ؛ الأنيما والأنيموس؛ الجزء الأنثوي والذكوري في كل من الرجل والمرأة. أما تسريحة فرق الشعر إلى اليسار فتشير إلى محاولة تغطية الجزء المؤنث من الذات، ويعبر فرق الشعر إلى اليمين عن صعوبة لدى المرء في تقبُّل الجزء المذكر منه.
- تسريحة الغرة المنسدلة على الجبين: تشير إلى الخوف من الكشف عن النفس أو نوع من الخجل، ويشير مظهر الغرة في هذه التسريحة (طويلة أو قصيرة أو سميكة أو متدرجة) إلى درجة حماية الذات المطلوبة.
- تصفيفة الشعر التي تكشف عن العنق: تمثل العنق الذات العميقة ومن ثم فإن الكشف عنها يعني إظهار النفس على حقيقتها.
- تصفيفة الشعر التي تكشف عن الصدغين: تشير إلى الانفتاح وتسمح بتوسيع النظرة إلى الذات أو العالم، أما تغطيتهما فتعني ميلاً إلى الانطواء على الذات وصعوبة في الانفتاح على الآخرين.