ملخص: يكافح أبناء الجيل زد أكثر من غيره من الأجيال الأكبر سنّاً مع مشكلات نفسية معقّدة مثل العزلة الاجتماعية والقلق الاجتماعي؛ حيث يسهم في ذلك وجودهم الدائم على منصات التواصل الاجتماعي. فما أبرز الطرائق الفعّالة للتغلّب على مشكلات الصحة النفسية لدى أبناء جيل الديجيتال؟
محتويات المقال
إلى جانب استقلاليتهم ومهاراتهم العالية في استخدام التكنولوجيا، يتّسم شباب الجيل زد بحبّهم لتولي المسؤولية والدفاع عن القضايا المهمّة مثل أزمة التغيّر المناخي، بحسب ما يوضّحه مستشار تطوير الأعمال طراد باسنبل (Trad Basonbul)؛ غير أن السمات المميّزة لهذا الجيل قد تكون السبب في معاناة أغلب شبابه من العزلة الاجتماعية والقلق الاجتماعي!
فقد أدى التبنّي المتسارع للتكنولوجيا في مختلَف جوانب الحياة إلى ظهور تحديّات غير مسبوقة في الصحة النفسية لأحدث جيل يدخل سوق العمل؛ وهو الجيل زد بصفته الجيل الأول الذي لم يسبق له أن واجه عالماً دون إنترنت.
%42 من أبناء الجيل زد يعانون من مشكلات الصحة النفسية
تنتشر مشكلات الصحة النفسية بشكل متزايد بين شباب الجيل زد المولودين بين سنتيّ 1997 و 2012؛ إذ تلقى 42% منهم تشخيصاً للصحة النفسية وفقاً لنتائج استبيانٍ أجرته شركة هارموني هيلثكير آي تي (Harmony Healthcare IT) لإدارة البيانات الصحية عام 2022؛ والذي شمل 1,000 من أبناء الجيل زد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة. وتشمل التشخيصات الأكثر شيوعاً: القلق، والاكتئاب، واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؛ حيث يُعزى العديد من هذه الحالات إلى جائحة كوفيد-19.
وعلى الرغم من أن أبناء هذا الجيل يشعرون بقلق عميقٍ بشأن مستقبلهم؛ حيث تتصدّر القضايا المالية والاقتصادية قائمة مشكلاتهم، فهم يُظهرون أيضاً قدرة قوّية على التواصل بشأن تحدّياتهم، فقد سعى نحو 20% منهم إلى العلاج، ويستخدم 60% منهم الأدوية لإدارة مشكلات صحتهم النفسية.
وكمواطنين رقميين؛ هم مرتاحون لمناقشة تحدّياتهم مع الأصدقاء المقربين والأشقاء والآباء؛ لكنّهم يتجنّبون مثل هذه المحادثات مع الرؤساء أو الأجداد أو الغرباء. وحتى بمواجهتهم تحديّات في الصحة النفسية، يعتقد 79% من الجيل زد أنهم الأكثر مهارة في معالجة هذه المشكلات، ويرون أن نهجهم في مناقشة موضوعات الصحة النفسية أكثر إيجابية مقارنة بالأجيال الأكبر سناً مثل جيل الطفرة الإنجابية (Baby Boomers).
اقرأ أيضاً: رسالة إلى شباب الجيل زد: حوّل ضعفك إلى قوة إذا كنت تعاني من الهشاشة النفسية
منصات التواصل الاجتماعي تزيد القلق الاجتماعي لدى الجيل زد
يعيش شباب الجيل زد غالباً حالة من القلق الاجتماعي تحبسهم في فقاعة الأنشطة الاجتماعية الافتراضية التي تُشعرهم بالراحة؛ إذ يحافظون على شبكة صغيرة من الأصدقاء المتشابهين في التفكير ولكّنهم قد يفوّتون على أنفسهم فرص عيش تجارب حياتية قيّمة.
وتوضّح المعالجة النفسية ناتالي فيليبس (Natalie Phillips) إنّ ثمّة زيادة ملحوظة في حالات القلق الاجتماعي والقلق المهني والثقة بالنفس ومشكلات العلاقات بين شباب الجيل زد حين يواجهون مواقف اجتماعية واقعية، فالتفاعلات عبر الإنترنت والمواقف الاجتماعية المحدودة تسبّب لهم القلق الذاتي الدائم.
ومن ناحية أخرى، يمكن أن يسهم وعي الجيل زد بالقضايا العالمية مثل تغير المناخ والاضطرابات السياسية، في خلق حسٍ بالمسؤولية لتحسين العالم؛ وهو ما يُبعد تركيزه عن الاستمتاع بالحياة. لذلك؛ يؤكّد خبراء الصحة النفسية أهمية إيجاد توازن بين تلك المسؤولية والنمو الشخصي، فالمخاطرة والتعلّم من الأخطاء الذي يأتي مع تجارب الحياة الواقعية يمكن أن يكونا عنصرَين حيويَّين لتطوير المرونة والرفاهية العاطفية.
3 أسباب تجعل شباب الجيل زد الأكثر وحدةً
من مفارقات منصات التواصل الاجتماعي أنها تعزّز شعور الوحدة والعزلة الاجتماعية عند مستخدميها، وبخاصة أبناء الجيل زد؛ حيث يواجهون تحديّات غير مسبوقة بخصوص مشكلات الصحة النفسية التي تؤثّر في مجال العمل على نحو سلبي؛ إذ يترك 75% منهم وظائفهم لأسباب تتعلّق بالصحة النفسية بحسب نتائج استبيان أجراه الكاتب الأميركي، رايان جينكينز (Ryan Jenkins) عام 2019.
وباعتبار أن 75% من القوى العاملة العالمية بحلول عام 2030 سيشكّلها جيل الألفية والجيل زد، يعتقد رايان جينكينز أن الأسباب الثلاثة التالية تسهم في شعور الوحدة والعزلة الاجتماعية عند شباب الجيل زد:
- التنبيه المفرط: يسهم تركيز الاهتمام على التواصل الرقمي أكثر من العلاقات الشخصية خارج الواقع الافتراضي في تعزيز الشعور بالوحدة.
- منصات التواصل الاجتماعي: يرتبط الاستخدام المكثّف لوسائل التواصل الاجتماعي بزيادة الشعور بالوحدة والعزلة؛ حيث لا يعوّض حجم التواصل المتاح عبر الإنترنت الحاجة إلى التواصل العالي الجودة الذي يكون نادراً في بيئات الإنترنت.
- تحوّل الاعتمادية: جعلت اللامركزية في المعلومات الأفراد أقلّ اعتماداً على الآخرين للتزوّد بالمعرفة أو طلب المساعدة؛ إذ يمكننا الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت بسرعة، بخلاف اعتمادنا على أفراد الأسرة أو الجيران أو زملاء العمل للحصول على المساعدة في الماضي، وقد أدّى هذا التحوّل إلى تخفيض الحاجة إلى الاتصالات الشخصية والتفاعلات في السياقات الشخصية والمهنية.
كيف يمكن التغلّب على مشكلات الصحة النفسية لدى الجيل زد؟
إن العزلة الاجتماعية والشعور بالقلق مترابطان، ولكل منهما آثار سلبية في الصحة النفسية للأفراد؛ حيث من المحتمل أن تؤدي العزلة إلى زيادة مستويات القلق المفرط والمستمر بشأن المواقف اليومية، والعكس صحيح.
وهذا يمكن أن يخلق حلقة مفرغة؛ حيث ينسحب الأشخاص من المواقف الاجتماعية بسبب القلق ويصبحون أكثر عزلة؛ ما يؤدي إلى تفاقم قلقهم على المدى الطويل.
لذلك تؤكّد عالمة النفس دون بوتر (Dawn Potter) إنه من المهم معالجة القلق الاجتماعي لما له من آثار سلبية في الحياة المهنية، والصداقات، وحتّى العلاقات الأسرية.
فعندما يكون الشخص معزولاً، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الاكتئاب لأنه يضيّع فرصاً لقضاء وقت ممتع والشعور بالارتباط الحقيقي بالآخرين. وفي هذا السياق، تقترح دون بوتر 6 استراتيجيات للتغلّب على أعراض القلق الاجتماعي نلخّصها كما يلي:
6 استراتيجيات للتغلّب على أعراض القلق الاجتماعي
- تدرّب على الحديث أمام جمهور: قد يستفيد الأشخاص الذين يعانون من أعراض اضطراب القلق الاجتماعي الخفيف إلى المتوسط مثل نوبات الهلع، من ممارسة فن الخطابة العامة.
- جرّب العلاج المعرفي السلوكي: فهو يساعد على تحديد أنماط التفكير التي تجعل الشخص يتجنّب المواقف الاجتماعية، وتحدّيها من خلال الحديث الذاتي الإيجابي.
- عرّض نفسك إلى المواقف المسبّبة للقلق تدريجياً: يساعد التعرّض للمواقف والظروف الاجتماعية الصعبة على تعلّم تحمّل القلق المصاحب لها.
- اطلب الدعم: من المفيد أن يكون لديك صديق داعم يعرف عن قلقك في المواقف الاجتماعية، فقد يقدّم النصح والمساعدة ويشاركك الحديث حول مخاوفك.
- انظر إلى نصف الكأس الممتلئ وكن لطيفاً مع نفسك: ابحث عن الإيجابيات ومارس التعاطف مع الذات خلال رحلة إدارة أعراض القلق الاجتماعي. وإذا كان التقدّم أبطأ من المتوقع، فأعد تقييم أسلوبك وركّز أكثر على تقنيات الاسترخاء وخفّض من التصورات السلبية.
- ركّز خارج نفسك: من الضروري تحويل التركيز على الأفكار السلبية والأحاسيس الداخلية خلال لحظات القلق، إلى التركيز على اللحظة الحالية لإعادة توجيه انتباهك إلى الموقف الاجتماعي والبيئة المحيطة بك؛ ما سيساعدك على إدارة القلق على نحوٍ أكثر فعالية.
اقرأ أيضاً: لمَ يسعى أبناء الجيل زد إلى الظهور على الشبكات الاجتماعية بطريقة مختلفة عن الواقع؟
وفي الختام، إن التغلّب على تحديّات الصحة النفسية التي يواجهها أبناء الجيل زد، وبخاصة العزلة الاجتماعية والقلق الاجتماعي، ذو أهمية قصوى لأنهم يشكّلون القوى العاملة المستقبلية. فمن خلال الاعتراف بدور التكنولوجيا والتفاعل الرقمي في تفاقم هذه المشكلات، يمكن العمل على خلق بيئات وتنفيذ استراتيجيات تعطي الأولوية للتواصل والتعاطف والدعم البشري الحقيقي.