من السخرية إلى إسقاط عيوبك على الآخرين: تعرَّف إلى الآليات الدفاعية النفسية

7 دقائق
آليات الدفاع
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: آليات الدفاع هي استراتيجيات نفسية تستخدمها عقولنا لحمايتنا من الألم العاطفي أو الانزعاج، وغالباً ما تكون ردود أفعال تلقائية وغير واعية على المواقف الصعبة. يساعدك تحديد الآليات التي تستخدمها على النمو الشخصي وتغيير طريقة تعاملك مع المشكلات على نحو صحي.

هل شعرت يوماً بغضب شديد من مديرك في العمل ثم عدت إلى المنزل وصببت جام غضبك على زوجتك أو أطفالك؟ هذه آلية دفاعية نفسية. أو هل تعرضت لاعتداء أو حادث مؤسف في طفولتك لكنك لا تتذكره على الإطلاق على الرغم من تذكُّر الجميع له؟ هذه آلية دفاع نفسية. حسناً، هل سبق وشعرت بانجذاب إلى شخص آخر غير شريك حياتك، فبدأت تشك في أن شريك حياتك يخونك؟ هذه أيضاً آلية دفاع نفسية.

آليات الدفاع النفسية هي أساليب نستخدمها غالباً دون وعي لنحمي أنفسنا من شعور القلق والاضطراب. تعرَّف في هذا المقال إلى أشهر هذه الآليات، وما الذي تستخدمه منها في حياتك الخاصة، وما لها من أضرار وما لها من فوائد.

اقرأ أيضاً: 4 أسئلة تساعدك على استيعاب عواطفك الأساسية

ما الآليات الدفاعية النفسية؟ ولماذا نستخدمها؟

الآليات الدفاعية النفسية هي سلوكيات واستجابات نفسية تلقائية وغير واعية، وفي كثير من الأحيان، يستخدمها الأفراد لحماية أنفسهم من الاضطراب العاطفي أو القلق أو الأفكار أو أي شعور غير مريح يهدد احترام الذات، ولفصل أنفسهم عن الأحداث أو المواقف التي لا يريدون التفكير فيها أو التعامل معها؛ إذ تساعدهم هذه الآليات على التعامل مع المواقف الصعبة والحفاظ على سلامتهم النفسية.

سيغموند فرويد (Sigmund Freud) هو أول مَن وصف آليات الدفاع النفسية في القرن التاسع عشر في نظرية التحليل النفسي الخاصة به؛ حيث وضّح إنها مجموعة من العمليات النفسية التي تمكِّن العقل من التوصُّل إلى حلول وسطى للصراعات التي لا يستطيع حلها، وعادة ما يبتكرها الإنسان في اللاوعي لتقليل الصراع داخل نفسه، وتحديداً لحماية الأنا (جانب الشخصية الذي يتعامل مع الواقع) من الصراع الواقع ما بين الأنا العليا (جانب الشخصية المثالي والأخلاقي) والهوية (جانب الشخصية الذي يسعى إلى إشباع الرغبات والاحتياجات والدوافع)، على نحو يسهم في النهاية في تحقيق التوازن النفسي.

عموماً، تتضمن الحلول الوسطى إخفاء الدوافع الداخلية أو أي شعور يهدد احترام الذات أو شعور غير مرغوب مثل الذنب أو العار. وقد توسعت ابنته آنا لاحقاً في نظرية والدها ووصفت 10 آليات دفاعية رئيسة، ثم أضاف إليها المحللون النفسيون أنواعاً عديدة منذ ذاك الحين حتى اليوم.

اقرأ أيضاً: الأنا العليا: رقيب أم طاغية؟

كيف تعمل هذه الآليات إذاً؟

دعونا نستخلص مما سبق أن آليات الدفاع النفسية هي طرائق نتفاعل بها مع المواقف التي تثير فينا أي شعور سلبي، فعندما نواجه ضغطاً نفسياً ما، سيقوم العقل الباطن بمراقبة هذا الموقف وتقييمه لمعرفة ما إذا كان يؤذينا أو لا، ففي حال اعتقد أن الموقف سيؤدي إلى ضرر عاطفي، سيلجأ غالباً إلى حمايتنا والدفاع عنا عبر وضع آلية دفاعية مناسبة موضع التنفيذ. يحدث ذلك كله دون وعي منا على الرغم من أن السلوك الذي نُظهره قد يبدو غريباً للآخرين.

تعرَّف إلى أشهر 12 آلية من الآليات الدفاعية النفسية

  1. الإنكار (Denial)

تعرِّف المختصة النفسية ريما الهويش الإنكار بأنه حيلة دفاعية نفسية يستخدمها الأفراد غالباً لحماية أنفسهم من مواجهة الحقائق أو الوقائع غير المريحة أو المؤلمة؛ إذ غالباً ما يرفض الأفراد، دون وعيٍ منهم، الإقرار بهذه الحقائق أو قبولها أو تصديقها أو الاعتراف بعواقبها.

على سبيل المثال؛ إذا تلقى أحد الموظفين تقييمات سلبية مختلفة بسبب عدم قدرته على التعاطف مع العملاء، فقد ينكر الموظف هذه التقييمات باستخدام حجج عدة، ويجادل بأن مديره مخطئ أو يشعر بالغيرة، أو أن العميل عدائي وما إلى ذلك. يساعد الإنكار هنا على حماية الموظف من تقبُّل فكرة أنه أقل تعاطفاً مما كان يعتقد في الأصل.

اقرأ أيضاً: ما الجانب الإيجابي لتجنب مواجهة الحقيقة المؤلمة؟ وكيف يعزز صحتك النفسية؟ 

  1. الكبت (Repression)

تعمل هذه الآلية على إخفاء المعلومات البغيضة أو الذكريات المؤلمة عن العقل الواعي، وذلك دون وعي بعملية الإخفاء هذه. لكن عليك أن تعلم أنّ كبت الذكريات لا يعني أنها اختفت تماماً؛ وإنما قد تؤثر في السلوكيات والأفكار والأحلام والعلاقات المستقبلية.

على سبيل المثال؛ قد يكبت شخص ما ذكريات إساءة جنسية تعرض إليها عندما كان طفلاً، ولا يتذكر أنه تعرض لها؛ لكنه قد يواجه لاحقاً صعوبة في تكوين العلاقات الرومانسية.

  1. القمع (Suppression)

القمع على عكس الكبت، فالكبت يحدث دون وعي؛ أما القمع فهو جهد واعٍ لإبعاد الأفكار أو الأحاسيس غير المرغوب فيها، أو تجاهلها. على سبيل المثال؛ قد يضع الشخص حزنه جانباً مؤقتاً بعد وفاة أحد المقربين حتى يتعامل مع الأمور العملية مثل ترتيبات الجنازة.

اقرأ أيضاً: 9 نصائح لتتجاوز الأيام الثقال وتخفف وطأتها

  1. الإزاحة (Displacement)

تحدث هذه الآلية عندما يحس الشخص بضيق وإحباط وغضب شديد تجاه شخص ما، فيوجِّه أحاسيسه السلبية هذه إلى شخص آخر لا يشكّل تهديداً عليه؛ ما يشبع دافعه للرد وتفريغ شعوره دون أن يخاطر بعواقب وخيمة.

على سبيل المثال؛ إذا مر الشخص بيوم عمل سيئ، فقد يعود إلى المنزل ويصبّ جام غضبه على أسرته على الرغم من أن الزوجة والأطفال ليسوا الهدف الرئيس لشعوره القوي؛ لكن العقل الباطن يعتقد أن الرد عليهم أقل إشكالية وتهديداً من الغضب على الرئيس في العمل.

  1. الإسقاط (Projection)

يُسقط الشخص هنا أفكاره ومشاعره وسماته غير المرغوبة على الآخرين، فثمة أفكار وأحاسيس تسبب عدم الارتياح، وعند التعبير عنها، فإن الشخص ينسبها على نحو خاطئ إلى شخص آخر. على سبيل المثال؛ إذا خان شخص ما شريك حياته، فقد يشك أن شريكه يخونه أو يفكر أن الجميع خَوَنة!

مثال آخر؛ قد لا تحب زميلك في العمل، وبدلاً من تقبل شعورك والتعامل معها، تفترض أن زميلك لا يحبك، ثم تبدأ بتفسير أفعاله وكلماته تجاهك بأسوأ طريقة ممكنة، على الرغم من أنه لا يكرهك في الواقع.

  1. التسامي (Sublimation)

آلية دفاعية رشيدة وإيجابية؛ حيث يقوم الأفراد بتوجيه أحاسيسه السلبية والقوية إلى منافذَ وأنشطة آمنة وأكثر إنتاجية أو إبداعية. على سبيل المثال؛ قد يشعر الشخص بالغضب الدائم من العمل، فيلجأ إلى تفريغ غضبه في ممارسة النشاط البدني مثل الملاكمة، أو تطوير مهاراته للتفوق في العمل، أو إعادة توجيه شعوره نحو تعلم الموسيقا أو الفنون.

اقرأ أيضاً: الهولوتروبيك: ممارسة ستأخذك في رحلة إلى أعماق النفس

  1. الاستذهان (Intellectualization)

يركز الشخص عندما يواجه موقفاً صعباً هنا على الحقائق الكمية بدلاً من التركيز على شعوره؛ أي يلجأ إلى تقليل القلق عبر التفكير في الموقف بطريقة باردة وسريرية، إن صح التعبير، فبدلاً من التفكير في الجانب العاطفي المجهد للموقف، يركِّز على الجانب الفكري فقط.

على سبيل المثال؛ قد يركز الشخص الذي شُخِّص بمرض عضال على تعلم كل شيء عن المرض، لتجنب الضيق والبقاء بعيداً عن حقيقة الموقف وشعوره تجاهه. مثال آخر؛ قد يقضي الشخص أياماً طويلة في إعداد جداول بيانات لفرص العمل والعملاء المحتملين بعد طرده من العمل.

  1. التسويغ (Rationalization)

تتضمن هذه الآلية تبرير السلوكيات أو القرارات غير المرغوب بها باستخدام مجموعة من الحقائق والأعذار الخاصة بالشخص؛ ما يوفر شعوراً بالراحة تجاه السلوك الذي بدَر منه حتى لو كان يعلم أنه ليس صحيحاً. على سبيل المثال؛ إذا رسب طالب في الامتحان، فبدلاً من الاعتراف بأنه لم يستعد استعداداً كافياً، فقد يتحجج أن الامتحان كان صعباً جداً. وإليك مثالاً آخر، قد يقول زميلك في العمل الذي لم يحصل على ترقية إنه لا يرغب في الترقية على كل حال.

  1. النكوص (Regression)

يتخلى بعض الناس عن استراتيجيات التأقلم عند مواجهة أحداث مرهقة أو قلق، ويهربون دون وعي إلى سلوكيات سابقة كانوا يستخدمونها في مرحلة مبكرة من حياتهم. هذه الآلية واضحة عند الأطفال الصغار، الذين إذا ما تعرضوا إلى صدمة ما، تراهم يتصرفون فجأة كما لو كانوا أصغر سناً، فيبللون السرير أو يمصون أصابعهم.

ويمكن للبالغين أن يُظهروا النكوص، فقد يلجأ الشخص عندما يشعر بالتوتر إلى عناق لعبته المحشوة كما كان يفعل عندما كان طفلاً، أو يفرط في تناول الحلويات. وفي المقابل، يتجنب الأنشطة اليومية بسبب شعوره بالإرهاق.

  1. التكوين العكسي (Reaction Formation)

يدرك الأشخاص الذين يستخدمون آلية الدفاع هذه حقيقة ما يشعرون به؛ لكنهم يختارون التصرف بطريقة معاكسة لغرائزهم. على سبيل المثال؛ قد تعامل شخصاً تبغضه بشدة معاملة ودية ولطيفة جداً من أجل إخفاء شعورك الحقيقي، أو تكون حزيناً جداً بشأن انفصالك عن شريك حياتك لكنك تتصرف بسعادة كبيرة حيال ذلك.

  1. الفكاهة (Humor)

قد يلجأ الشخص، للتخفيف من العبء العاطفي لموقف ما، إلى إطلاق النكات أو الملاحظات المضحكة أو الساخرة؛ إذ يمكن من خلال تحويل التركيز من قضية مؤلمة إلى شيء فكاهي الشعور براحة مؤقتة من القلق أو التوتر أو الحزن. على سبيل المثال؛ قد يشعر شخص ما بالقلق بشأن مقابلة عمل قادمة، فيلجأ إلى إطلاق النكات حول المقابلة للتغلب على قلقه.

  1. الخيال (Fantasy)

تطبَّق هذه الآلية بتجنب الواقع من خلال التراجع إلى مكان آمن داخل العقل. فعند مواجهة التوتر أو القلق أو موقف بغيض، قد يلجأ الشخص إلى عالمه الداخلي واستخدام خياله وسيلة للهروب من حاضره؛ حيث لا يمكن لسبب التوتر أن يؤذيه هناك.

على سبيل المثال؛ عندما يواجه الشخص مهمة صعبة وموتِّرة في العمل، تراه ينغمس في أحلام اليقظة ويتخيل أنه عُيِّن مديراً وحقق نجاحاً باهراً وطرد مديره السابق وما إلى ذلك. إذاً؛ يطلق الشخص العنان لخياله للهروب من التوتر والقلق المرتبطَين بتحديات العمل.

اقرأ أيضاً: كيف يسبب سعيك الدائم لإرضاء الآخرين شعورك بالإرهاق المستمر؟ 

هل الدفاع عن النفس باستخدام هذه الآليات أمر مفيد أم مضرّ؟

حسناً، يمكن القول إن الآليات الدفاعية النفسية هي عمليات نفسية طبيعية تخدم غرضاً محدداً، وغالباً ما تستخدَم دون أي مضاعفات أو مشكلات طويلة الأمد. لكن ومع ذلك، يعتمد تصنيفها فيما إذا كانت مفيدة أو مضرة على سياق استخدامها؛ إذ ثمة آليات تسمح لنا بالتأقلم على نحو أفضل مع الظروف، ويمكن اعتبارها آليات دفاعية رشيدة؛ مثل الفكاهة والتسامي والقمع؛ إذ لا تضر هذه الآليات بالصحة العاطفية أو النفسية على نحو خاص؛ وإنما قد تساعد على مواجهة القلق والمواقف التي تنطوي على الشعور بالتوتر أو الاضطراب العاطفي.

من ناحية أخرى، يكون استخدام بعض آليات الدفاع غير الرشيدة أمراً مضراً، خصوصاً عند استخدامها استخداماً مطولاً أو مفرطاً؛ ما يعوق رؤية السبب الجذري للمشكلات ومواجهتها ومعالجتها، فتؤثر سلباً في عملية النمو الشخصي والصحة النفسية.

وفي الواقع، قد يسبب الاستخدام المفرط والخاطئ لهذه الآليات الشعور بالحزن أو الاكتئاب، أو تجنب الأنشطة اليومية المعتادة، أو صعوبة في تكوين العلاقات الصحية أو الحفاظ عليها، أو مشكلات في التواصل على نحو يعوق الحياة المهنية أو الشخصية.

إذاً؛ أحياناً يمكن النظر إلى آليات الدفاع على أنها خداع للذات، نستخدمها ربما لإخفاء الاستجابات العاطفية التي لا نرغب بالتعامل معها، وغالباً ما يتم ذلك على مستوى اللاوعي، فأنت لن تدرك الطريقة التي يستجيب بها عقلك لما يحدث معك؛ لكن هذا لا يعني أنك عاجز عن تغيير هذه السلوكيات أو تعديلها. في الواقع، يمكنك فعلاً تحويل آليات الدفاع غير الصحية إلى آليات أكثر استدامة، وإليك الاستراتيجيات التي ستساعدك على ذلك:

  • الوعي بالذات: يساعدك الوعي الذاتي على تحديد مكان استخدام واحدة أو أكثر من آليات الدفاع النفسية، والزمان المناسب لذلك، ثم العمل على إجراء التغييرات المطلوبة. جدير بالذكر هنا إنه يمكن للأصدقاء وأفراد العائلة مساعدتك على التعرف إلى الآليات التي قد تستخدمها، وتحديد اللحظة التي تلجأ إلى تفعيلها فيها دون وعي منك.
  • تعلُّم مهارات التأقلم: يساعدك تعلم مهارات التأقلم الجديدة على التعامل مع أي شعور غير مريح على نحو أفضل، خصوصاً إذا كنت تُبدي آلية دفاع غير صحية. وتشمل هذه المهارات: التأمل، ووضع الحدود الصحية، وطلب الدعم من العائلة والمقربين منك.
  • طلب العلاج: تساعدك زيارة المعالج النفسي على التعرف إلى آليات الدفاع اللاوعية التي تستخدمها، وإيجاد بدائل صحية أفضل للتعامل مع القلق والعواطف المضطربة.