يعد الألم تجربة ذاتية للغاية، ففي كثير من الأحيان يختبر الأشخاص مستويات مختلفة من الألم على الرغم من تعرّضهم لنفس الموقف، وعادة ما ترجع هذه الاختلافات في اختبار الألم إلى عوامل وراثية أو إمكانية التلاعب بالدماغ؛ حيث كشفت دراسة بحثية حديثة أجرتها جامعة رور في بوخوم بألمانيا (Ruhr University) ونشرتها مجلة تقارير الألم (Pain Reports) في أبريل/نيسان 2025، أن خداع الدماغ يمكن أن يقلل إدراك الألم الجسدي من خلال إقناعه بامتلاك يد مطاطية مزيفة عوضاً عن اليد الحقيقة. إليك أهم تفاصيل الدراسة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
كيف يمكن أن يخفف خداع الدماغ الشعور بالألم الجسدي؟
أوضحت الدراسة البحثية السابق ذكرها أن الوهم قادر على تخفيف الألم، وقد استخدم الباحثون المشاركون بالدراسة ما يسمى "وهم اليد المطاطية" (rubber hand illusion)؛ وهي ظاهرة نفسية تعمل كالتالي: يد مطاطية أمامك بينما يدك الحقيقية مخفية، وعند لمس كلٍّ من اليد المطاطية واليد الحقيقية المخفية في الوقت نفسه، يبدأ دماغك بالشعور بأن اليد المطاطية هي في الواقع جزء من جسمك، ما يُعرف باسم وهم امتلاك اليد المطاطية.
في العادة، يُفعّل وهم اليد المطاطية عن طريق لمس اليدين الحقيقية والمزيفة في الوقت والسرعة نفسهما لمدة دقيقة أو دقيقتين، وعند دمج المعلومات البصرية مع أحاسيس اللمس، يستنتج الدماغ خطأً أن اليد المطاطية جزء من الجسم، وحين يُسأل الأشخاص عن شعورهم يؤكدون عادة أن اليد الحقيقية اختفت، وحلت اليد المزيفة محلها.
لكن في هذه الدراسة، استخدم الباحثون طريقةً مختلفة، وهي الحرارة والضوء الأحمر، وشملت الدراسة 34 مشاركاً من مستخدمي اليد اليمنى، لامستيدهم اليسرى المخفية درجات معينة من الحرارة بينما سُلط ضوء أحمر على يد مطاطية أمامهم، واختبر الباحثون أربعة مستويات حرارة مختلفة؛ درجة حرارة دافئة ولكنها غير مؤلمة، وثلاثة درجات أخرى متزايدة.
ومن خلال نتائج التجربة، تبيّن أن تعرّض اليد الحقيقة للألم المتزايد يجعل إحساس المشاركين به أقل، وذلك بسبب وهم اليد المطاطية. ومن الغريب أن قوة الوهم ظلت كما هي بغض النظر عن درجة الحرارة، إذ شعر المشاركون أن اليد المطاطية هي يدهم فعلاً بالمستوى نفسه، سواءً كان التحفيز بدرجة حرارة طفيفة أو ساخناً لدرجة مؤلمة.
وقد توصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الألم ليس مُجرد تجربة حسية بسيطة، بل يتأثر بعدة بعوامل نفسية، بما فيها شعور الإنسان بجسده. على سبيل المثال، عندما تستخدم طرفاً اصطناعياً، تتغير كيفية مُعالجة إشارات الألم في الدماغ، ما يعني أن الألم ليس مجرد استجابة مباشرة للمنبهات الجسدية، بل يخلقهالدماغ فعلياً بناءً على مصادر متعددة للمعلومات، بما فيها الإشارات البصرية والإحساس بملكية الجسم.
ويشرح الباحث المشرف على الدراسة، مارتن ديرز (Martin Diers) إن آلية عمل وهم اليد المطاطية هي التكامل المتعدد الحواس للمعلومات البصرية واللمسية، فعندما يُدرك الشخص أن اليد المطاطية جزء من جسمه يقلّ شعوره بالألم. ويضيف ديرز أن هناك عامل آخر يتمثل في ظاهرة التسكين البصري، التي تشير إلى أن رؤية المنطقة المؤلمة أو الجزء المعني من الجسم يُمكن أن تُغير طريقة معالجة الألم، ما قد يؤدي إلى انخفاض شدته.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يكون الألم الجسدي رد فعل على المعاناة النفسية؟
كيف يرتبط الألم بحالتك النفسية؟
لا يتألم الجميع بالدرجة نفسها، بل يختلف تحمل الألم اختلافاً كبيراً بين الأفراد، ويمكن القول إن شعورك بالألم يتأثر بصحتك النفسية إلى حد كبير. فدورة الألم والمشاعر النفسية مترابطة؛ على سبيل المثال، عندما تقلق أو تغضب تتشنج عضلاتك، وقد تشعر بالغثيان واضطرابات الجهاز الهضمي، وعندما يداهمك الاكتئاب قد تشعر بالصداع وآلام الظهر. وفي بعض الحالات يؤدي الألم إلى التوتر الذي بدوره يلحق الضرر بصحة القلب والأوعية الدموية، ما يُسهم في ارتفاع ضغط الدم.
على الجانب الآخر، تؤدي كيفية تنظيمك لمشاعرك دوراً رئيساً في درجةشعورك بالألم، حيث تعتمد المشاعر السلبية والألم على أجزاء الدماغ نفسها، وعندما تحزن أو تقلق أو تكتئب، تكون هذه المناطق من دماغك أكثر نشاطاً، وهذا يعني الشعور بالألم الشديد.
العوامل التي تسهم في الإحساس بالألم تتراكم بمرور الوقت غالباً، وكلما زادت العوامل المتراكمة زاد خطر التعرض للألم المزمن أو لمشكلات الصحة النفسية. على سبيل المثال، الشخص الذي نشأ في فقر أو تعرض لصدمات في الطفولة أو عانى الإهمال يزداد إحساسه بالألم.
اقرأ أيضاً: لماذا تعاني النساء من الألم أكثر من الرجال؟
6 إرشادات فعالة تساعدك على تخفيف الألم
عندما يداهمك الألم قد تشعر أنك غير قادر على تجاوزه أو تخفيف حدته، ولكن هناك بعض الإرشادات التي يمكن أن تساعدك، منها على سبيل المثال:
1. حاول تجنّب المعتقدات الخاطئة التي تؤدي إلى تزايد الألم
وفقاً لما ذكره الطبيب النفسي، ستيفن سلطانوف (Steven Sultanoff) فإن الألم يمكن أن يؤدي إلى تطور المشاعر والأفكار السلبية، وقد تُغذي تلك الأفكار ضائقتك النفسية إذا اعتمدت على افتراضات أو تعميمات قد لا تستند إلى أدلة، مثل الاعتقاد أن ألمك سيمنع شعورك بالسعادة، ويوضح سلطانوف إن الانغماس في تلك الأفكار يزيد شدة الألم، لذلك حاول أن تتجنبها قدر الإمكان.
2. شتّت انتباهك
حوّل انتباهك إلى شيء آخر حتى لا يكون الألم وحده ما يشغل بالك. على سبيل المثال، انغمس في نشاط تستمتع به أو تجده محفزاً، جرب ممارسة عدة هوايات، مثل التصوير الفوتوغرافي أو الخياطة أو الكتابة، يمكنك أيضاً الرسم أو عزف الموسيقى. فممارسة هذه الأنشطة لا يشتت انتباهك فحسب ولكنه أيضاً يتيح لك مساحة للتعبير والتأمل، إذ إن الانغماس في نشاط إبداعي يوفر لك فرصةً للهروب من الألم ويساعدك على استكشافه في بيئة آمنة وبناءة.
3. مارس تقنيات التنفس العميق
تصرف تقنيات التنفس العميق انتباهك عن الألم، ما يخفف حدته. تتمثل إحدى هذه التقنيات في أخذ نفس عميق، ثم حبس أنفاسك بضع ثوانٍ، ثم إخراج الهواء بزفير بطيء وطويل. وإذا أردت الحفاظ على إيقاع التنفس هناك أيضاً العديد من التطبيقات للهواتف الذكية تستخدم الأصوات والصور من أجل مساعدتك.
اقرأ أيضاً: ما هو الألم النفسي؟ وكيف تتعامل معه؟
4. حرّك جسمك
تُعزز ممارسة التمارين الرياضية صحتك النفسية والجسدية، حيث تؤدي ممارسة الأنشطة البدنية مثل الجري وركوب الدراجات والمشي السريع إلى إطلاق هرمونات الشعور بالسعادة مثل الإندروفين، كما تُوفر التمارين الرياضية منفذاً بنّاءً للمشاعر السلبية، وإذا تعذّرت عليك ممارسة الرياضة بسبب الألم الجسدي يمكنك تجربة الرقص أو اليوغا.
5. ابقَ على تواصل مع الأصدقاء والعائلة
لا تدع الألم يفقدك التواصل مع الناس، وتأكد جيداً أن صحبة الآخرين مفيدة لصحتك النفسية، ويمكن أن تجعلك تشعر بتحسن. يمكنك على سبيل المثال البدء بخطوات صغيرة؛ جرب الزيارات القصيرة، أو اتصل بصديقك المقرب، أو ادعُ أحد أفراد عائلتك لتناول الشاي، أو تحدث إلى جارك، وعند التواصل مع الآخرين جرب التحدث عن شيء آخر غير ألمك.
6. مارس تمارين اليقظة الذهنية
ترتكز اليقظة الذهنية على الانتباه إلى أفكارك ومشاعرك وانفعالاتك دون إصدار أحكام، كما أنها تتعلق بقبول نفسك، والعيش في اللحظة الحالية، والتخلي عن أخطاء الماضي ومخاوفك المستقبلية. ويؤكد استشاري الطب النفسي، محمد سالم القرني، أن اليقظة الذهنية تؤدي دوراً محورياً في التغلب على الاكتئاب وإدارة الألم الجسدي، وتحسين الذاكرة وتعزيز الصحة النفسية.
وحتى تمارس اليقظة الذهنية، فكّر في تخصيص وقت في جدولك لتجلس مع نفسك بهدوء؛ اجلس في مكان مريح وأغمض عينيك، وركّز على تنفسك أو ربما على صوت هادئ من حولك، وإذا شرد ذهنك فلا مشكلة، حين ترى أنك قفزت إلى أفكار مختلفة أعد نفسك برفق إلى اللحظة الحالية.