3 نصائح لتتأقلم مع شعورك بالإحباط

4 دقائق
الشعور بالإحباط
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: ينشأ الشعور بالإحباط لدى الإنسان بسبب التناقض بين احتياجاته والواقع الذي لا يخضع لهذه الاحتياجات كما يتمنى، ولأن الشعور بالإحباط جزء لا يتجزأ من الحياة فإن علينا أن نتعلم التعايش كيفية تقبله والتعايش معه، وهو ما نطلع عليه في المقال التالي.

يصعب عيلنا جميعاً، صغاراً أو كباراً، تقبُّل شعور الإحباط الذي ينجم عن عدم تحقق رغبة من رغباتنا في الحال. ومن جهة أخرى، فإن هذا الشعور يذكّرنا بقدرتنا المحدودة وبعجزنا عن التحكم في جوانب حياتنا كلّها، فكيف يمكننا تعلم التعايش معه؟

في الطفولة، تُلبَّى حاجات الإنسان بسهولة، فيجد من يطعمه فوراً إذا جاع، ومن يغطيه حينما يشعر بالبرد، ومن يضعه في سريره حينما يشعر بالنعاس، والأهم من ذلك أنه يجد من يطَمْئنه ويخفف عنه ويلاطفه إذا شعر بخوف أو ضيق أو غيره. يشعر المرء في طفولته بأن العالم كله رهن تصرفه، وفيما بعد يكتشف، بقسوة أحياناً، أن هذا الوضع لن يدوم، فالآخرون ليسوا مكرسين لخدمته، ورغباتُه مقيدة، وحاجاتُه قد لا تُلبَّى على الفور، والأمورُ لا تسير دائماً وفق ما خطط له؛ وباختصار، يكتشف بطريقة أو بأخرى معنى الشعور بالإحباط.

الشعور بالإحباط اختبار لنا

وفقاً للتحليل النفسي؛ ينشأ الشعور بالإحباط لدى الإنسان بسبب التناقض بين مبدأ اللذة المرتبط بإشباع احتياجاته، ومبدأ الواقع الذي لا يخضع لهذه الاحتياجات بالطريقة التي يتمناها. وعن ذلك، يقول مختص التحليل النفسي كلود لو غوين (Claude Le Guen): "يمثل شعور الإحباط دليلاً واختباراً في الوقت ذاته، فهو دليل على عدم الرضا الذي يمكن أن يسببه لنا الواقع، واختبار لقدرتنا على التصالح مع محدودية قدراتنا، واختلافنا عن الآخرين، ومع فكرة أن خيبات الأمل، من أصغرها إلى أكبرها، جزء لا يتجزأ من الحياة في مختلف مواقفها؛ مثل عدم وصول رسالة البريد الإلكتروني التي أرسلناها، أو عدم مطابقة البرغي للفتحة الموجودة في قطعة الأثاث التي نرغب في تجميعها، أو حتى حرمان جائحة كوفيد-19 لنا من لقاء أحبائنا الذي انتظرناه طويلاً. وتُظهر هذه المواقف التي تمثل عوائقَ في طريقنا أنَّ لا سيطرة لنا على قدراتنا ومن حولنا والعالم عموماً، كما نرغب؛ ومن ثَم يمكن أن تولّد هذه الحقيقة في أنفسنا شعوراً بالإحباط والحزن، وحتى الغضب.

لكن على الرغم من ذلك، فلولا الشعور بالإحباط لكُنّا تركنا دوافعنا تتحكم فينا لظننا أن لنا الحق في هذه الحاجة أو تلك فقط لأننا نريدها، ولَعُدنا إلى حالتنا البدائية ورأينا البشر يذبح بعضهم بعضاً، فأساس الحضارة هو تعلُّم الفرد كيفية إدارة دوافعه بما يلائم قواعد المجتمع الذي ينتمي إليه. من الاستحالة بمكان أن نتجنب الشعور بالإحباط؛ إنما علينا تعلم كيفية تقبُّله بوصفه حالة ضيق عابرة وليس موقفاً مؤلماً، ويمكننا ذلك من خلال خفض سقف توقعاتنا وفهم حدود قدراتنا، ولا سيما عجزنا عن التحكم في كل جانب من جوانب حياتنا.

وهو ما علينا تعليمه لأطفالنا أيضاً حتى لا يتمسكوا بفكرة أن العالم يجب أن يتلاءم مع احتياجاتهم، وأن كل ما حولهم مُعَدٌّ لخدمتهم كما كانت الحال حينما كانوا صغاراً؛ لأنهم إذا لم يتعلموا تقبُّل الواقع في الصِّغر، ستمثل أي معارضة لرغباتهم مصدراً للألم والغضب والإحباط لاحقاً، ولنتمكن من تعليمهم ذلك علينا نحن الكبار تقبُّل هذا الواقع أولاً؛ الأمر الذي يبدو غير ممكن في مجتمعنا الاستهلاكي الذي يعزز ثقافة تلبية الحاجات على الفور، فإذا اشتهينا طعاماً في منتصف الليل لا مشكلة في ذلك لأن خدمة توصيل الوجبات السريعة متاحة، وإذا رغبنا في قراءة رواية ما أو شراء غرض ما أو مشاهدة فيلم ما فإن تحقيق هذه الرغبات لا يتطلب منا إلا نقرة واحدة على الفأرة، وكذلك يستحيل على المرء الانتظار حتى الأسبوع المقبل لمشاهدة حلقتين من مسلسله المفضل حينما يكون بإمكانه مشاهدة الحلقات المجمعة كلها في ليلة واحدة.

التقبُّل يعزز مرونتك في مواجهة الإحباط

ما يدعو إلى التفاؤل هو أنَّ الخروج من دائرة الشعور بالإحباط منوط بنا، ويمكننا ذلك من خلال تغيير نظرتنا إلى العالم من حولنا والتخلص من فكرة القدرة على التحكم فيه. وكما المشاعر كلها؛ يمكننا توجيه الشعور بالإحباط بطريقة تُجنّبنا رد الفعل المبالغ فيه وتسمح لنا بمواجهة القيود التي تفرضها علينا الحياة دون أن نضطرب عاطفياً، وأول ما على المرء معرفته في هذا الشأن هو أن شعوره بالإحباط لا يعني أنه فاشل أو يفتقر إلى الموهبة؛ الأمر الذي يبدأ تعلمه منذ الطفولة ويستمر مدى الحياة.

لنأخذ مثالاً: أفسد هطول الأمطار النزهة الرائعة التي كنت تخطط لها، فهل ستندب حظك وتسمح للغضب من أحوال الطقس بالسيطرة عليك طوال اليوم؟ أم ستحاول أن تبتكر مشروعاً بديلاً؟ هذا مثال بسيط؛ لكنه يوضح أهمية القبول لتعزيز المرونة النفسية في مواجهة الإحباطات التي تسببها ظروف الحياة الصعبة ومواقفها الوجودية، وبالمثل؛ إما أن تستلم لغضبك وحنقك على الحياة حينما تفرض عليك ظروفاً مثل المرض والبطالة والعجز والعنوسة والفقد، وإما أن تتعامل مع هذه الظروف وترفض السماح للحزن بالسيطرة عليك.

كيف يقيك الاختيار الحر من الشعور بالإحباط؟

في حين أنه لا يمكننا اختيار الإحباطات التي تفرضها الحياة، فإننا مسؤولون عن الطريقة التي نتعامل بها معها. ثمة فرق كبير بين الشعور بالإحباط والشعور بالحرمان، فالأول يفرض نفسه على المرء قبل أن يتمكن من معرفة أسبابه أما الثاني (أي الحرمان) فهو نتيجة قرار واعٍ اتخذه؛ ومن ثَم إذا حرمنا أنفسنا من الذهاب في رحلات إلى الجانب الآخر من العالم لأن قناعاتنا البيئية تمنعنا من السفر بالطائرة كثيراً، فلن نشعر بالإحباط ولكن قد نشعر بالندم والحسرة وحتى الحزن؛ أما إذا كنا مسؤولين عن قرارنا ونجم هذا الحرمان عن التخلي الإرادي فلن نواجه إحباطاً لا يُطاق، ومن جهة أخرى تسمح لنا فكرة المسؤولية بأخذ مصلحة الآخرين منطلقاً لتصرفاتنا؛ فمثلاً إذا ظننا أن إلزامنا بارتداء الكمامة في الأماكن العامة هو اعتداء على حريتنا الفردية فإننا سنشعر بالإحباط؛ أما حينما ندرك أن ارتداءها جزء من مسؤوليتنا تجاه الآخرين أيضاً فسنتقبل هذا الحرمان الإرادي والآني والجزئي من حريتنا.

يساعدك النظر إلى الإحباط بطريقة مختلفة أيضاً على تقليل توترك، فلا شيء يجبرك على أن تكون مندفعاً ومستعجلاً؛ ومن ثَم لن تهرع إلى هاتفك مثلاً للتحقق من معلومة أو الرد على رسالة نصية أو الفوز في لعبة تلعبها لأن لديك خيار التمهل أو الصبر أو حتى الامتناع عن الانخراط في هذا الأمر أو ذاك ولديك القدرة على تحديد أولوياتك، فهل تريد أن تخضع لعواطفك الشديدة وتتشبث بما لا تستطيع الحصول عليه؟ أم أنك تفضل النظر إلى الأمور بطريقة مختلفة حتى لو كان ذلك يعني أن تتقبل عجزك؟

درس في الصبر موجه للأطفال

في عام 1972، أجرى الأستاذ في جامعة ستانفورد (Stanford University)، والتر ميشيل (Walter Mischel)، تجربة نفسية شهيرة تسمَّى "اختبار الإشباع المتأخر" أو "اختبار المارشميلو" (Marshmallow test). وُضع أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و6 سنوات في غرفة بها طاولة عليها قطعة من المارشميلو، وأُتيح لكل طفل أحد الخيارين التاليين: أن يدق الجرس لاستدعاء الباحث وتناول قطعة المارشميلو حينما يأتي، أو الانتظار حتى يعود الباحث طوعاً فيتلقى الطفل بدلاً من ذلك قطعتين من الحلوى. فضّل بعض الأطفال تناول قطعة حلوى واحدة على الفور في حين انتظر آخرون نحو 20 دقيقة ليحصلوا على قطعتين.

وطوروا أساليب إلهاء مختلفة ليتمكنوا من تحمُّل الانتظار؛ مثل تغطية أعينهم بأيديهم أو الغناء أو النظر بعيداً حتى لا تغريهم قطعة الحلوى. بعد 10 سنوات، عاد ميشيل لرؤية هؤلاء الأطفال بعد أن كبروا، وخلصت التجربة إلى وجود ارتباط بين القدرة على الانتظار والأداء الأكاديمي الأفضل وزيادة مقاومة تعاطي المواد المخدرة والشعور برضا أكبر في العلاقات الشخصية.