أخبرني بوظيفتك، وسأكشف لك ملامح شخصيتك وفقاً لدراسة حديثة!

3 دقيقة
ملامح شخصيتك
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

أصبحت ألاحظ مؤخراً تحدُّثي باللغة العربية الفصحى في المواقف اليومية العادية، فمثلاً قد يأتي عامل التوصيل ويتصل بي فأنهي مكالمتي معه قائلاً: شكراً جزيلاً بنطق مختلف عن اللهجة المصرية ربما يثير تعجبه، أو أذهب إلى أختي وعندما أودع ابنتها أقول لها إلى اللقاء بدلاً من مع السلامة، وعندما تفكرت في هذه المواقف وجدت أن السر في وظيفتي، فعملي في مهنة مرتبطة بتطبيق قواعد اللغة العربية يجعلني أتأثر لا إرادياً بتفاصيلها فتصدر مني في تفاصيل حياتي اليومية. لكن كيف رصدت الدراسات العلمية هذا التأثير؟ وإلى أي مدى يمكن لوظيفتنا أن تحدد ملامح شخصيتنا؟ الإجابة في المقال.

دراسة حديثة: وظيفتك تحدد ملامح شخصيتك وسلوكياتك

توصلت دراسة نشرتها مجلة علم النفس التطبيقي (Journal of Applied Psychology) في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إلى أن السمات الشخصية للأفراد ترتبط إلى حد كبير بالوظائف التي يعملون بها، فعلى سبيل المثال الأشخاص الذين يشغلون وظائف في المجالات البحثية يتسمون بالانفتاح على الآخرين والفضول.

على الناحية الأخرى تظهر لدى الأشخاص الذين يعملون في وظائف تتعلق بتشغيل الآلات أدنى درجات الانفتاح على الآخرين، وهذا مفهوم لأن وظائفهم ليس بها اختلاط بالبشر إلى حد كبير، بينما كان لدى المدراء درجات متوسطة عالية نسبياً من الانفتاح ودرجات أقل من العصابية، أما المهن المتعلقة بالتكنولوجيا والعلوم فقد سجل العاملون بها درجات متوسطة متدنية في الانفتاح، وفيما يخص أعلى درجات العصابية فقد ظهرت بين العاملين في الوظائف الإبداعية.

أما فيما يتعلق بالود فقد كانت مستوياته مرتفعة بين العاملين في مهن الرعاية الصحية وخدمة العملاء، ومتدنية عند العاملين في وظائف تشغيل المعدات والهندسة الميكانيكية والكهربائية، وكذلك الوظائف المتعلقة بأعمال البناء.

اقرأ أيضاً: تعاني التوتر؟ هذه الوظائف هي الأنسب لك

كيف تتغلغل وظيفتك في تفاصيل حياتك اليومية؟

لا يتوقف تأثير وظيفتك عند سماتك الشخصية، فهو يتجاوز ذلك ليدخل في تفاصيل حياتك اليومية؛ على سبيل المثال، إذا كنت تعمل في وظيفة تتمتع فيها بمساحة حرية كافية لأخذ القرارات وتحمل المسؤولية عن هذه القرارات فسينعكس ذلك على شخصيتك؛ بأن تصبح أكثر انفتاحاً على التجارب الجديدة إلى جانب استباقك الأحداث وأخذك قرارات مستنيرة، وعلى العكس تماماً، إذا كنت تعمل في وظيفة مقيدة أو يسيطر عليك فيها طرف آخر على نحو مبالغ فيه، حينها سيتسرب إليك الشعور بأنك لا تتحكم في حياتك فتلقي اللوم دائماً على الظروف وتتراجع عن أخذ دور القيادة في حياتك خارج العمل.

يؤكد ذلك رئيس قسم علم النفس التنظيمي بكلية إدارة الأعمال بجامعة ليدز البريطانية (Leeds University)، تشيا هوي وو (Chia-huei Wu)، بقوله إن الموظفين الذين يتعاملون مع نطاق واسع من البيانات والمهام والأشخاص ولهم صلاحيات باتخاذ إجراءات في عملهم يكونون أكثر قدرة على التصرف والتحكم في أحداث حياتهم وإحداث تغييرات فيها.

هناك أيضاً بُعد بديهي هو أن وظيفتك يمكنها تغيير عاداتك وأسلوب حياتك، وهذا يظهر عند الأشخاص الذين يعملون في وظائف تقوم على درجات عالية من التنظيم والدقة، ففي هذه الحالة سينقلون هذين السمتين إلى منازلهم وعلاقاتهم وطرائق تفكيرهم.

من ناحية أخرى إذا كان الفرد يعمل في بيئة عمل إيجابية تجعله راضياً عن وظيفته، فإن هذا يحفز تصوراته الذاتية الإيجابية تجاه الحياة عموماً، فيصبح أكثر قدرة على التفاؤل والانفتاح والوصول إلى مراحل متقدمة من الاستقرار العاطفي، والعكس صحيح؛ فإذا كانت بيئة العمل سامة ستزيد لديه نسبة العصابية والعدائية والتشاؤم.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: الوظائف الروتينية تزيد تدهور القدرات المعرفية

هل العلاقة بين الوظيفة والشخصية قابلة للتحكم؟

مبدئياً، ينصحك المعالج النفسي أسامة الجامع بأن تتعامل مع وظيفتك باعتبارها جزءاً من حياتك وليست حياتك كلها، فلا تجعلها محور حياتك حتى لا تحزن إذا تعرضت لفقدانها، وإنما نوّع نشاطاتك وارتكز على قيمتك الحقيقية لا القيمة التي تعطيك إياها وظيفتك.

نعم، لن نلغي تأثير الوظيفة في شخصياتنا، لكن إلى حد كبير توجد لدينا مساحة يمكننا استغلالها في تشكيل شخصياتنا حسب تطلعاتنا إذا امتلكنا النية والجدية الكافية لفعل ذلك، فشخصياتنا قابلة للتطور باستمرار، وتوجد أساليب مختلفة لننجح في تحسينها، لذا فالأفضل ألا نستسلم وأن نتبنى مفهوم تنمية الشخصية؛ فنسمح لأنفسنا برؤية المؤثرات التي تسهم في تشكيل شخصياتنا ونديرها بأفضل صورة ممكنة لنصل في النهاية إلى نسخة مطورة من أنفسنا تجعلنا نقدّر ذواتنا.

اقرأ أيضاً: "أنت لست وظيفتك": كيف تستوعب الأبعاد المختلفة لذاتك؟

المحتوى محمي