ماذا يعني أن يكون الشخص ذكياً؟

4 دقائق
نسبة الذكاء
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اعتمدنا لزمن طويل على نسبة الذكاء (IQ) كمعيار؛ ولكن اليوم نعلم أن هذا المقياس ليس كافياً لقياس مهاراتنا لأنه لا يوجد نوع واحد فقط من الذكاء.

اعتقدت كاثرين (Catherine)؛ وهي معالجة نفسية تحظى باحترام أقرانها ومرضاها على حد سواء، بأنها ذكية حتى جرّبت الخضوع لاختبار نسبة الذكاء (IQ Test). لاحظت كاثرين مباشرة أن التمارين الموجودة في الاختبار والتي عليها إتمامها كانت شاقّة نظراً لسلاسل الأرقام والأشكال والحروف الكثيرة فيها. لجأت في النهاية إلى تقديم الإجابات بشكل عشوائي لأنها شعرت بالانزعاج بسبب قصر المدة المخصصة للإجابة عن الأسئلة، ولهذا كانت نتيجتها في الاختبار سيئة للغاية.

كانت نسبة ذكائها تساوي 80، وهي نسبة تجعلها قريبة من أن تكون متأخرة عقلياً. شعرت كاثرين في ذلك الوقت بالإهانة؛ إذ إن الفخر الذي تشعر به جعلها تعتقد أنها ليست في أفضل حالاتها. جعلها إدراكها السليم تعتقد أن مواهبها ورفاهها كانا لا يعتمدان على قدرتها على إنشاء روابط منطقية بقدر اعتمادهما على مهاراتها الأخرى، وبالأخص مهاراتها في العلاقات مع الآخرين. ومنذ ذلك الحين زاد شكّها في قدراتها مع تعرّضها لكل تجربة فاشلة؛ إذ بدأ صوت داخلي في عقلها يهمس بأنها غبيّة بعض الشيء لدرجة أن شخصيتها التي كانت تعتقد بأنها هادئة كانت تعكس أنها تعاني من بطء ذهني حقيقي.

نسبة الذكاء (IQ) مقياس خطير

كم منا يسمح لنفسه بأن يتأثر بهذا المعيار لدرجة تجعله يعتقد أنه المعيار الوحيد للذكاء الذي يمكن استخدامه لقياس ذكاء أطفالنا؟ يعتقد العديد من الاختصاصيين الذين وقّعوا على وثيقة تحذير في خريف عام 2005 (نُشرت في مجلة علماء النفس في سبتمبر/أيلول 2005) أن الكثيرين يفعلون ذلك.

يقول عالم النفس الذي يعمل في المدارس والمحاضر في جامعة باريس الخامسة والذي بادر لكتابة الوثيقة سابقة الذكر، روبرت فويازوبولوس (Robert Voyazopoulos): "لاحظنا ارتفاعاً في الطلب على اختبارات نسبة الذكاء من الآباء. بدأ هذا الاختبار يحل محل الامتحانات التي تخوّل الطلاب لتلقي القبول لدخول الجامعات المرموقة أو للحصول على وظيفة في بعض البلدان مثل الولايات المتحدة وبعض دول الشرق الأوسط. يكمن خلف هذا الإصرار على قياس الصفات النفسية كميّاً الرغبة في البحث عن تفسير (أو حتى تبرير) لظاهرة التراتب الطبقي. أصبحت نسبة الذكاء قيمة سوقيّة تحدد ما إذا كان يمكن الاستثمار في الأشخاص أو لا".

يُعتبر التركيز على هذا المعيار خطيراً ويعود ذلك لسببين أولهما أن المعيار مفهوم بشكل خاطئ. يقيس اختبار نسبة الذكاء الاستعدادات المسبقة الفطرية، في حين أن الذكاء يُكتسب. نعتقد أن الذكاء لا يمكن تغيير في حين أن الحقيقة هي أننا نستطيع تدريب أنفسنا على زيادته؛ كما نعتقد بأنه يضمن النجاح في حين أنه لا يضمن أي شيء. بيّنت دراسة حديثة نُشرت في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي في أبريل/نيسان 2008 أن الأشخاص الذين لديهم نسبة ذكاء عالية يتخّذون نفس العدد من القرارات السيئة التي يتّخذها الآخرون عندما يكون مصيرهم على المحك.

يتمثّل السبب الثاني في أن اختبارات نسبة الذكاء لا تعتبر موثوقة. يقول فويازوبولوس: "تقيس الاختبارات الذكاء بشكل تقريبي، وتتغير نتائج هذه الاختبارات تبعاً لمجال الخطأ الخاص بها (والذي يعتمد على حالة الشخص ونوع الاختبار) بمقدار يصل إلى 30 نقطة. يتطلّب تقييم التطور الفكري إجراء العديد من الجلسات؛ كما يجب أخذ العديد من المعلومات الأخرى بعين الاعتبار عند القيام به، وخصوصاً المعلومات السريرية".

الأهم من ذلك هو أن القيمة التي نمنحها لهذا المعيار لها مخاطر نفسية؛ إذ أن شخصاً هشاً مثل كاثرين كان يمكن أن يصاب بالاكتئاب بسبب فشله في الاختبار. يتمثّل أحد المخاطر النفسية الأخرى في أن الآباء قد يهملون الطفل الذي لا ترقى نسبة ذكائه للمستوى المتوقع. وعلى العكس؛ قد يمارس البعض ضغطاً بشكل مبالغ به على الأطفال في المجال الدراسي بناءً على أنهم حصلوا على نتائج عالية في الاختبار، مثل 120 أو 130 نقطة. يمكننا أن نتخيّل التبعات المحتّمة على الأطفال. ويتمثّل بعضها في عقدة التفوّق أو الدونيّة. حتى إذا كانت هذه التبعات عرضيّة، وهو احتمال وارد، فاقتناع الطفل الذي حصّل النتيجة المنخفضة بأنه أبله هو أمر يولّد الكثير من المعاناة، كما أن الطفل الذي حصّل نتيجة مرتفعة سيتعرّض للحد الأقصى من الضغط. يقول فويازوبولوس: "يجب على علماء النفس، والذين يتعرّضون بشكل متزايد للحاجة لقياس الذكاء بشكل كمّي، أن يفكّروا في آثار هذه الاختبارات في الأفراد".

غياب نموذج شامل لقياس الذكاء

حان الوقت لندرك أن نسبة الذكاء ليست المعيار الوحيد للذكاء، خصوصاً أنها تقيس نوعاً واحداً من الذكاء. في عام 1983، طرح أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد في الولايات المتحدة، هاورد غاردنر (Howard Gardner) العديد من الأمثلة المتعلقة بقياس الذكاء؛ مثل وجود أطفال يتمتعون بنسبة ذكاء عالية ولكن يفشلون في الدراسة، أو الأشخاص الذين يستطيعون قراءة تعليمات تركيب قطعة أثاث ولكن يعجزون عن تركيبها في حين أنه يوجد أشخاص آخرون أميّون لا يستطيعون قراءة التعليمات ولكن لا يواجهون أي مشكلة في تركيب قطعة الأثاث أو المهارات اليدوية أو الفنية أو مهارات تشكيل العلاقات والتي لا تؤخذ بعين الاعتبار في اختبار نسبة الذكاء.

بناءً على علم النفس الإدراكي الذي يبيّن أن البشر يتّبعون طرقاً مختلفة لفهم العالم حولهم بما فيه من مفاهيم وأفكار؛ اقترح غاردنر نموذجاً للذكاء يحتوي على عدة أنواع من الذكاء ويعكس تنوّع ملكات البشر بشكل أفضل.

يقيس اختبار نسبة الذكاء نوعين فقط من الأنواع الموجودة في نموذج غاردنر، وهما النوعان اللذان يتمتّعان بالقيمة الأكبر في مجتمعنا: القدرة على استخدام اللغة للتفكير وللتعبير عن الأفكار (الذكاء المنطقي اللفظي)، والقدرة على استخدام المنطق والتعبير عنه للحساب والقياس بهدف حل المسائل المختلفة (الذكاء المنطقي الرياضي). لكننا نمتلك أيضاً القدرة على فهم أنفسنا والآخرين (وبعضنا أمهر في ذلك من البعض الآخر) وطرح أسئلة حول معنى الحياة على أنفسنا.

هناك العديد من أنواع الذكاء الأخرى التي رفض غاردنر تصنيفها والتي صنّفها خلفاؤه في مجموعات؛ مثل الذكاء العاطفي والاجتماعي والحدسي والإبداعي وحتى الذكاء الروحي.

لكن ما هو الذكاء إذا كان له العديد من الأنواع؟ عرّف عالم النفس الأميركي ومؤلف العديد من الاختبارات، ديفيد وكسلر (David Wechsler) في عام 1944 الذكاء بأنه "القدرة على التصرّف لتحقيق هدف محدد والتفكير بعقلانية والتواصل بشكل فعّال مع المحيط" (من كتاب "مقياس ذكاء البالغين" بقلم ديفيد وكسلر). يتردد الاختصاصيون اليوم باتباع هذا التعريف؛ إذ يقول فويازوبولوس: "لا يوجد نموذج شامل لقياس الذكاء. كل ما لدينا هو بعض التوافقات بين المقاربات المختلفة". تقول الباحثة في علم الأعصاب والمؤلفة المشاركة (إلى جانب لور لوتير Laure Leteu) لكتاب "طفلك موهوب بالفطرة"، مايتيه سوفيه (Maïté Sauvet): "أصبحنا نتحدّث اليوم عن الذكاء بصيغة الجمع؛ إذ تم توسيع هذا المفهوم".

يصف أحد الأنواع الرئيسية للذكاء "الإمكانات التطوريّة"، بينما يصف الآخر "التكيّف الإبداعي مع المحيط". تقول سوفيه: "يجعلنا التكيّف أذكياء بقدر ذكاء الحيوانات الأخرى لو أننا لم نمتلك القدرة على تجاوز الأمور التي تعلّمناها وتكيّفنا معها وإبداع شيء جديد". هل الذكاء هو القدرة على الابتكار؟ إذا كان ذلك هو الحال، فسنتمتّع كبشر بحرية في التعامل معه كمفهوم شامل لا يمكن تعريفه.

مهارات عديدة، لا مهارة واحدة

يجب علينا أن نميّز بين نسبة الذكاء والذكاء، فالأولى مفهوم مُقيّد بينما الثاني له أشكال عدة. نحن نعرف كيف (وهذه القائمة لا تتضمن جميع أنواع الذكاء):

  • ندرك موقعنا في المكان (الذكاء المكاني).
  • نتحكّم في حركاتنا (الذكاء الجسمي).
  • نفهم أنفسنا (الذكاء النفسي الداخلي).
  • نفهم الآخرين (الذكاء بين النفسي).
  • نسأل أنفسنا أسئلة حول معنى الحياة (الذكاء الوجودي).