نشرت البعثة الوزارية الفرنسية للمراقبة ومكافحة التطرف (Miviludes) أحد تقاريرها السنوية، وفيه وجّهت أصابع الاتهام إلى بعض المعالجين النفسيين لاستغلالهم ضعف مرضاهم وهشاشتهم.
يلاحَظ أن عدد الفرنسيين الذين يلجؤون إلى العلاج النفسي آخذ في التزايد؛ إذ وفقاً لاستطلاع رأي أجرته مجلة "بسيكولوجي" الفرنسية (Psychologies)، فإن شخصاً من كلّ 10 يتابع علاجه النفسي أو تابعه في الماضي؛ ما يعني أن ما يزيد عن 5 ملايين فرنسيّ وطأت أقدامهم عيادة علاج نفسي. وهو ما يؤكده التقرير بإشارته إلى فقاعة "العلاج النفسي" التي انفجرت؛ حيث عرفت ممارسات العلاج النفسي ومنهجياته تزايداً ملحوظاً. تثبت نتائج استطلاع الرأي تأثير تقنيات العلاج النفسي ونجاعتها في التخفيف من الشعور بالضنك والإسهام في معرفة الذات بشكل أفضل؛ حيث أعرب 87% من المرضى عن رضاهم اتجاه طرق العلاج التي خضعوا لها، ورغم ذلك تعبر البعثة عن قلقها من بعض الممارسات المتطرفة التي قد تشوب طرائق علاج أخرى.
تُعتبر العلاجات النفسية في أغلب الأحيان الملاذ والمنقذ لإيجاد حلّ للألم النفسي، فيما تتباين أنماط العلاج المعروضة إذ يرصد التقرير ما يتراوح بين 200-400 طريقة مختلفة. في المقابل يعرف هذا المجال غياب التأطير القانوني له؛ ما يترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام أشخاص غير مؤهلين ليقدموا أنفسهم تحت صفة "معالجين نفسيين". ولأجل ذلك تشجب الهيئة الوزارية هذا النقص في التأطير وغياب المراقبة الصارمة لهذه الطرق والممارسات.
طرق علاج نفسي مختلة
يكمن الخطر الذي يمثله بأشباه المعالجين هؤلاء في تعريض المرضى، الضعفاء بالطبيعة، لمخاطر جمّة وكذا مفاقمة تعاستهم أو مرضهم. قد تعرف بعض الممارسات في بعض الأحيان انحرافاتٍ خطيرة؛ إذ نبّهت البعثة إلى بعض طرائق العلاج النفسي التي يشوبها التطّرف منذ فبراير/ شباط من سنة 2000. ولذلك أوصت بأن يُعهد بتأطير هذه الممارسات للهيئات الصحية لمكافحة المناهج التي تشكل خطراً يحدق بالصحة النفسية للمرضى،
وقد حصلت البعثة على شهاداتٍ تتعلق بواحدة من هذه الطرائق المُقلقة، ويتعلق الأمر بما يُطلق عليه "الطب الجيرماني الجديد" (Médecine Nouvelle Germanique). تنطلق هذه الطريقة المستوحاة من الدكتور هامر من افتراض أن منبع كل مرض عُضال كالسرطان والإيدز نفسيّ بالأساس، لا بيئي أو بيولوجي. وقد عرّض الدكتور هامر نفسه للمحاكمة في فرنسا بتهمة ممارسة الطب دون رخصة، والنَّصب والتهاون عن مساعدة أشخاص في وضعية خطرة.
كما تعرض التقارير مخاطرَ العلاجات المرتبطة بما يُطلق عليه "علاج الذاكرة المُستَردَّة"، ففي أثناء جلسات هذا العلاج تُستدعى ذكريات زائفة تتمحور في أغلب الأحيان حول سوء معاملة الأهل أو الانتهاكات الجنسية التي حصلت للمرضى في مرحلة الطفولة داخل أسرهم. وتفضي مثل هذه الممارسات في أغلب الأوقات إلى قطع المرضى كل صلة مع عائلاتهم كما تحثّهم على الانعزال عن محيطهم.
الحسيب والرقيب في مهنة العلاج النفسي
ولمواجهة هذه الممارسة تصوغ الهيئة عدة توصيات منها جرد الممارسات التي تشكل خطراً وتحديثها بشكل دوري؛
كما يدعو رئيس البعثة الوزارية جور فينيك إلى تفعيل مرسوم أكواييه الذي ينص على إرساء سجل وطني ينظم المهنة إلا أن هذا المرسوم ما يزال محلّ نقاش نظراً
لأن تعديله يرمي إلى منح صفةٍ مهنية لممارسي العلاج النفسي. هدف هذا النص المعلن هو الحيلولة دون وقوع المرضى في شراك المُحتالين والمرشدين الروحيين الذين يطلقون على أنفسهم بهتاناً صفة "معالجين نفسيين"؛ إذ صحيح أنه ثمة إجماع حول الأهداف المرجوة من هذه المهنة إلا أن الوسائل المنتهجة هي التي تبقى محل جدل محتدم منذ سنوات. يقترح هذا التعديل ألا تُمنح صفة "معالج نفسي" إلا للأطباء والمختصين النفسيين؛ ما يلغي الجانب الوجودي والإنساني والنفساني الذي تقوم عليه تقنيات العلاج النفسي.
وضع "المعالجين النفسيين" محلّ جَدَل
وحدهم الأطباء والمختصون النفسيون مَن يحملون الشهادات في هذا الاختصاص،
فيما لا يحمل المحللون النفسيون شهادات مُتعرفاً بها من طرف الدولة لكن بعضهم خضع لتحليل نفسي شخصي امتد لسنوات طويلة قبل أن يزاول هذا التخصص بنفسه، وكَلّل هذا المسار بدورات تأهيلية تُقدمها معاهد ومؤسسات متخصصة في التحليل النفسي،
ورغم ذلك يبقى وضع المحللين النفسيين موضع لُبس. صحيح أن عدداً لا بأس به منهم اجتاز بالفعل تدريباً مهنياً رصيناً، وأخضَع نفسه لتحليل نفسي شخصي، ويحمل شهادات وازنة من المعاهد التي تابع فيها دراسته؛ إلا أنه ليس بالوسع تجاهل أن من هبَّ ودبّ صار يقدم نفسه هذه الأيام بصفته معالجاً نفسياً، فحتى المرشدون الروحيون المنتمون لطائفة معينة يقدمون أنفسهم دون رادع على اعتبارهم "معالجين نفسيين".
أسئلة اطرحها قبل الذهاب لرؤية طبيب نفسي
قبل أن تخطو خطوة واحدة باتجاه عيادة معالج نفسي، ثمة بعض الأساسيات والأسئلة التي ينبغي طرحها كي لا تقع في فخ دجّال أو نصاب.
كيف تجد معالجاً نفسياً؟
إذا قررت أن تطرق باب معالجٍ نفسي فعليك أن تقوم باختيار حصيفٍ. بداية ينبغي عدم الانسياق خلف الإعلانات البرّاقة والحذر من الأشخاص المتبجحين بشهادات مرموقة ليس بالوسع التحقق من مصدرها. ولتحل هذه الوضعية يمكن أن تطلب من طبيب الأسرة مثلاً أن يدلّك إلى أسماء معالجين موثوقين أو تستشير المؤسسات الصحية. الجأ إلى المصادر الرسمية وتوجَّه نحو اتحادات المعالجين النفسيين، سيمدّونك بقائمة الأعضاء المسجلين ومعلومات الاتصال بهم؛ ما يعُدّ ضماناً مبدئياً على جودة تدريب هذا المعالج ودراسته.
على المعالج أن يجيب عن أسئلك
وأنت في عيادة معالجك النفسي، تذكر أن لديك مطلق الحرية لتطرح الأسئلة ولا تتوانَ عن استغلال هذا الحق. يمكنك أن تسأله عن المنهجية التي يستخدم وكذا شهاداته. ما تخصصه؟ ما المدرسة التي يتبعها في علاجه؟ هل هو عضو في أي هيئة ذات مدونة للأخلاقيات؟
عليه أن يستعرض لك منهجيته في العلاج؛ كما لا تتردد في أن تستوضح منه عدد الجلسات المرتقبة ومدّتها وسعرها.
في المقابل ينبغي لك أن تحذر إذا لم يقدّم لك معالجك يد المساعدة في حالة الطوارئ أو اكتشفت أنه لا يتبع قاعدة واضحة لتعويض قيمة الجلسات المُلغاة.
عليه أن يُشعرك أنه أهل للثقة
من المهم أن تشعر بالتناغم والراحة والتوافق والانسجام مع معالجك النفسي، ولذلك تُفَضّل مراجعة معالجَين أو ثلاثة قبل أن يقع اختيارك على الأنسب. أما أسوأ ما يمكن أن يواجهك فهو أن تكون ملزَماً باللجوء إلى معالجٍ دون غيره.