متلازمة الشخصية الرئيسية: كيف تتعامل مع أوهام العظمة التي تهدد صحتك النفسية؟

3 دقائق
متلازمة الشخصية الرئيسة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يشير تعبير "متلازمة الشخصية الرئيسة" إلى الشخص الذي ينسج نسخة خيالية من حياته يعيش دور البطل فيها، وتتجلى هذه الظاهرة بوضوح على الشبكات الاجتماعية التي سهلت على الناس تغيير هوياتهم وإظهار صور مغايرة لواقعهم، فما تفاصيل هذه المتلازمة؟ وما عواقبها على الصحة النفسية؟

مَن منا لم يسبق له أن تخيل حياته وكأنها فيلم سينمائي ينتهي نهاية سعيدة؟ ومَن منا أيضاً لم يتمنَ حين واجه صعوبات الحياة أن يصحح السيناريو ليتوافق مع تطلعاته؟ يبدو أن الأمر أصبح ممكناً في أيامنا هذه بعد أن انتشرت ظاهرة على الشبكات الاجتماعية تحت اسم "متلازمة الشخصية الرئيسة".

انتشر الحديث عن هذه الظاهرة على نحو واسع، وبخاصة على منصة تيك توك؛ إذ حصد هاشتاغ #maincharacterenergy (طاقة الشخصية الرئيسة) حتى الآن أكثر من 762 مليون مشاهدة. يشير مصطلح "متلازمة الشخصية الرئيسة" إلى الشخص الذي يحاول أن يبدو الشخصية الرئيسة أو بطل الرواية في النسخة التي يتخيلها من حياته، ويعرضها على الشبكات الاجتماعية وكأنها حياته التي يعيشها في الواقع، وتختلف الآراء حول هذا السلوك، فالبعض يرى أنه ينم عن عقد أو اضطرابات نفسية فيما يرى آخرون أنه دلالة على الإبداع؛ لكن المؤكد أن هذا التوجه يجعل الجميع مهتماً باستعراض إنجازاته على الشبكات الاجتماعية، فما هي هذه المتلازمة بالضبط؟ وما عواقبها؟

متلازمة غير معترَف بها علمياً

يشير التعبير إلى رؤية الشخص نفسه بطل النسخة التي يتخيلها من حياته والتي تمثل له فيلماً سينمائياً أو مسلسلاً تلفزيونياً يرغب من خلاله في احتلال الصدارة. وما يميز صاحب هذه المتلازمة أيضاً أنه يعتبر الآخرين إما أصدقاء تحت إمرته وإما أعداء محتملين، وعلى أي حال فإنهم يستمدون أهميتهم تبعاً لارتباطهم به.

يقول أستاذ علم النفس بجامعة سوانسي (Swansea University) في الولايات المتحدة، فيل رييد (Phil Reed): "على الرغم من استخدام مصطلح "متلازمة" هنا فإنه لا يشير إلى حالة أو اضطراب نفسي معترَف به علمياً"، ويتابع: "تكمن المشكلة في أن من يعانون هذه المتلازمة ينقلون السلوكيات المرتبطة بالحياة الرقمية المتخيَّلة إلى الواقع، وتعزز الشبكات الاجتماعية هذا السلوك؛ إذ إنها تتيح لكل فرد إظهار ما يريده للآخرين أو حتى تغيير هويته، على سبيل المثال، من خلال استخدام لقب أو اسم مختلف".

ومع ذلك، فإن علينا أن نفرّق بين متلازمة الشخصية الرئيسة وبين ما يسميه المختص النفسي "استراتيجية تقديم الذات"؛ إذ يقدّم معظمنا جوانب مختلفة من نفسه تبعاً للموقف أو السياق. مثلاً أنت لا تُظهر من نفسك خلال مقابلة عمل، الجوانب ذاتها التي تُظهرها خلال أول موعد عاطفي، ويوضح المختص قائلاً: "أما الشخص الذي يعاني متلازمة الشخصية الرئيسة فهو يود أن يكون شخصاً آخر تماماً". وهنا تكمن المشكلة، فالرغبة في أن يكون شخصاً آخر تصيبه بالضياع وتحول دون قدرته على معرفة ذاته.

ما مخاطر هذه المتلازمة؟

يسهّل التواصل الرقمي الوقوع في فخ هذه الظاهرة؛ إذ إن ميزة إخفاء الهوية على وسائل التواصل الاجتماعي تتيح للفرد إمكانية إظهار صورة مختلفة أو حتى مزيفة كلياً أحياناً عن نفسه، ولذلك مخاطر على صحته العقلية. ويقول مختص علم النفس: "يستغل المتصيدون على الإنترنت الأشخاص الضعفاء الذين يعانون هذه المتلازمة ويتلاعبون بهم، فيدفعونهم إلى تصرفات لا يقبلون بها في الأحوال العادية". أما أهم الآثار النفسية السلبية لمتلازمة الشخصية الرئيسة فهي:

نقص التعاطف

حينما يصب الفرد تركيزه كله على ذاته تتلاشى قدرته على التعاطف مع الآخرين تدريجياً، وسرعان ما يحصر دور أفراد عائلته وأصدقائه في حياته بمقدار ما يقدمونه له لمساعدته على سرد قصته الخيالية؛ ومن ثم فإنه يفقد اهتمامه بمشاعر الآخرين ومشكلاتهم أو احتياجاتهم.

الإصابة باضطرابات نفسية

يؤدي ضعف إحساس المرء بذاته ومحدودية روابطه الاجتماعية غالباً إلى تصديقه الأكاذيب التي ينسجها في مخيلته عن نفسه؛ ما قد يتطور إلى اضطراب الشخصية النرجسية أو أي اضطراب ينطوي على الأوهام. وتمثل هذه السلوكيات الخيالية التي تنجم عن الهروب من الواقع مشكلة خطِرة للأشخاص الذين يعانون هشاشة نفسية، ويقول المختص: "إضافة إلى اضطرابات الشخصية، قد تؤدي هذه المتلازمة إلى حالات متفاقمة من القلق والاكتئاب المزمن".

الانفصال عن الواقع

يَعتبر البعض هذه المتلازمة ميزة تمكّنه من إعادة اكتشاف ذاته والسيطرة على حياته، لكن عالم النفس يوضح قائلاً: "حينما يكون الشخص بحاجة إلى ابتكار حياة خيالية، فمن المؤكد أن هناك ما يزعجه بشدة في حياته الحالية أو في بيئته". يمثل تطوير حياة رقمية خيالية في أفضل الأحوال تشتيتاً من شأنه أن يركز انتباه المرء على قضايا لا تهمه ويمنعه من معالجة القضايا الأساسية الحقيقية؛ لذا حذارِ من الاستسلام للأكاذيب التي تُفقدك الاتصال بالواقع.