تعبت من الشعور بالتعب؟ الأعراض والأسباب وخيارات العلاج لمتلازمة التعب المزمن

4 دقائق
متلازمة التعب المزمن

تعد متلازمة التعب المزمن من الأمراض المزمنة والخطيرة وغير المفسرة طبياً إلى حدود الساعة، حيث لا توجد أسباب بيولوجية واضحة، فهذه المتلازمة من أكثر الأمراض صعوبة في التشخيص. ما هو مؤكّد أن الأعراض قد تتشابه مع أمراض أخرى مثل متلازمة الألم الليفي العضلي (Fibromyalgia) والاضطراب الاكتئابي الحاد.

ولكن التعب الشديد ليس هو العرض الوحيد، لذلك يصعب تشخيص المرض والذي يواجه المصابون به نوعاً من تقليل الشأن والرفض لتقبله كمرض قائم بذاته من طرف مقدمي الرعاية الصحية.

غير أنه بدأ في السنوات الأخيرة يظهر ربط بين جذور المرض والجانب النفسي للمصاب من خلال مجهودات يقوم بها باحثون وعلماء نفس بهدف مساعدة المرضى على تعامل أفضل مع التأثيرات المرهقة لأعراض المرض.

ما هي متلازمة التعب المزمن؟

متلازمة التعب المزمن (Chronic Fatigue Syndrome) هي حالة تسبب التعب الشديد والأعراض الأخرى ذات الصلة التي تؤثر على قدرة المصابين به على العمل بشكل طبيعي، فحتى أبسط الأنشطة يمكن أن تجعلهم يشعرون بالإرهاق.

تختلف هذه الحالة عن التعب العام أو الإرهاق الذي يعاني منه الأشخاص بعد نشاط صعب أو بعد يوم طويل في العمل، فالأشخاص الذين يعانون من هذه المتلازمة غير قادرين على أداء أنشطتهم المعتادة لفترات طويلة من الوقت بسبب الآثار المنهكة للإرهاق المزمن.

وفي الواقع، قد يكافح بعض الأفراد الذين يعانون من هذه الحالة لإكمال المهام اليومية الأساسية مثل الاستحمام أو ارتداء الملابس.

من أكثر المغالطات المنتشرة هي أن أعراضه متمحورة حول التعب الشديد فقط، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من المصابين به، حين تمت إعادة تسمية هذا المرض سنة 1988 من طرف المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (Centers for Disease Control and Prevention) من ما كان يطلق عليه آنذاك بالتهاب الدماغ والنخاع العضلي (Myalgic Encephalomyelitis) إلى ما يعرف حالياً بـ "متلازمة التعب المزمن" (Chronic Fatigue Syndrome) أو اختصاراً (CFS).

يمكن أن تصيب متلازمة التعب المزمن الأشخاص في أي سن ولكنها أكثر شيوعاً بين الأشخاص في الأربعينيات والخمسينيات وتصيب النساء أكثر من الرجال.

اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على التعب الذهني؟

الأعراض والأسباب المحتملة للإصابة بمتلازمة التعب المزمن

أكثر أعراض متلازمة التعب المزمن (CFS) شيوعاً هو التعب والإرهاق الشديد الذي يستمر لمدة ستة أشهر على الأقل، وتشمل الأعراض الأخرى الألم العضلي والتهاب الحلق وصعوبة النوم ليلاً وضعف الذاكرة والتركيز.

كما أن الأعراض التي لا تتوقّف عند التعب وتبعاته تشمل أيضاً ضعف وظائف القلب والأوعية الدموية واضطرابات الأمعاء والخلل الوظيفي الحسي مثل عدم تحمّل الضوضاء.

أسباب متلازمة التعب المزمن غير مثبتة ولا علاج مُحدّد لها، فغالباً ما تحدث الأعراض بسبب الإجهاد أو العدوى التي يمكن أن تؤدي إلى عملية التنشيط الذاتي للاستجابة المناعية ضد عمليات التمثيل الغذائي للطاقة في الدماغ والعضلات، ولكن يمكن أن تكون المتلازمة ناجمة أيضاً عن مجموعة متنوعة من العوامل الأخرى بما في ذلك عدم التوازن الهرموني واضطرابات المناعة الذاتية.

بينما تزيد عوامل الخطر من احتمالات الإصابة، وتشمل ما يلي؛ الاستعداد الوراثي والحساسية والضغط العصبي والعوامل البيئية.

الجانب النفسي الخفي من متلازمة التعب المزمن

لا يوجد عدد كبير من الدراسات العلمية التي تؤكد تسبب العوامل النفسية في الإصابة بالمتلازمة، ولكن يفترض أغلب الباحثين في هذه الحالة تمحور أكثر من عاملٍ مسبّب واحد، إلا أن بعض الأبحاث القديمة والجديدة أشارت بالفعل إلى إمكانية وجود أسباب ذات صبغة نفسوجسدية (Psychosomatic).

اضطراب ما بعد الصدمة

من بين القائمين على هذه النوعية من الأبحاث، الطبيبة والباحثة والأستاذة في جامعة نوفا ساوث إيسترن (Nova Southeastern University) نانسي كليماس (Nancy Klimas) التي أطلقت هي وزملاؤها دراسة للتحقق مما إذا كان اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أكثر شيوعاً بين الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة.

استهدفت الدراسة فهم الارتباطات بين المتغيرات النفسية والمناعة في التعب المزمن لدى الأشخاص الذين عايشوا إعصار أندرو في عام 1992 في جنوب فلوريدا الأميركية، حيث تم تقييم الأداء النفسي والاجتماعي والجسدي لـ 49 مصاباً بمتلازمة التعب المزمن باستخدام الاستبيانات والمقابلات والفحوصات الجسدية، وكما كان متوقع، وجدت معدلات أعلى من اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، بما في ذلك الأشخاص الذين يعانون من متلازمة التعب المزمن.

الكبت العاطفي

وفي دراسة أخرى، قامت الباحثة من كلية كينجز لندن (King's College London) كاثرين ريميس (Katharine A. Rimes) وزملاء لها ببحث استهدف التحقق من اختلافات المعالجة العاطفية لدى المصابين بمتلازمة التعب المزمن (CFS)، باستخدام الاستجابات الكهربائية الجلدية وتقييمات المراقبين والتقارير الذاتية لثمانون شخصاً بالغاً مصاباً، طلب من نصفهم قمع عواطفهم والتعبير عنها بحرية بالنسبة للنصف الآخر.

وأفضت النتائج النهائية أن المصابين يميلون إلى الاعتقاد أن التعبير عن المشاعر السلبية هو علامة على الضعف، وبالتالي يطورون نوعاً من الكبت العاطفي (Emotional Suppression) لهذه المشاعر، كنوع من آليات التكيف مع التوتر.

خيارات العلاج المتاحة لتخفيف الأعراض

نظراً لعدم معرفة سبب محدد لمتلازمة التعب المزمن، لا توجد علاجات محددة لها. ومع ذلك، توجد بعض الخيارات التي قد تساهم في تحسين أعراض المرض بشكل كبير، وتشمل الأدوية مثل مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للالتهابات، وكذلك العلاجات البديلة مثل الوخز بالإبر أو العلاج بالتدليك.

أما الخيارات العلاجية الأكثر شيوعاً وفعالية في تخفيف أعراض متلازمة التعب المزمن هي العلاج المعرفي السلوكي والعلاج بالتمرين المُتدرّج.

العلاج المعرفي السلوكي

يساعد العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive behavioural therapy) الأشخاص على تغيير طريقة تفكيرهم في حالتهم والطريقة التي يتصرفون بها لمساعدتهم على إدارتها بشكل أفضل، الهدف من هذا العلاج هو تقليل التوتر والقلق والاكتئاب من أجل تحسين نوعية النوم ومستويات الطاقة والأداء في الحياة اليومية.

العلاج بالتمرين المُتدرّج

العلاج بالتمرين المُتدرّج (Graded exercise therapy) هو نهج علاجي يتضمن زيادة مستويات النشاط البدني أثناء الجلسات مع مختص صحي حتى يتمكن الشخص من القيام بالمزيد بمفرده خارج الجلسات، ويمكن أن يكون هذا النوع من العلاج مفيداً للأشخاص الذين يعانون من أعراض متلازمة التعب المزمن بسبب ذلك.

خيارات مساعدة أخرى للتعايش مع متلازمة التعب المزمن

رغم أننا سنعرض خيارات مساعدة للتخفيف من وطأة هذا المرض، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الخطوة الأولى هي استشارة الطبيب المختص والحصول على التشخيص الذي ذكرنا سابقاً أنه ليس من السهل الحصول على تأكيدٍ طبّي له. و فيما يلي بعض الاقتراحات لتخفيف أعراض المرض:

  • تغيير نمط العيش وتبني عادات صحية جيدة كالتغدية المتوازنة والمكملات الغدائية مثل المغنيسيوم وأحماض أوميغا 3 الدهنية وفيتامين باء 12.
  • أخذ القسط الكافي من النوم والراحة والاسترخاء، إذ ما تكون اضطرابات النوم عرضاً شائعاً لدى المصابين، لذا ينصح تحديد نمط نوم طبيعي من قبل مختص، حيث يمكن تغيير نمط النوم تدريجياً، كما يمكن أن يستفيد المريض من تعلّم تقنيات الاسترخاء مثل تمارين التنفس.
  • تجنب ممارسة تمارين رياضية قوية غير خاضعة للرقابة لأنها قد تزيد الأعراض سوءاً.

نظراً للتعقيدات المحيطة بمتلازمة التعب المزمن، والتي لم يتمكن العلماء والباحثين من فكّ ألغاز العوامل المباشرة المسببة لها، تبقى الأسباب المطروحة حالياً غير مؤكدة تماماً، و تبقى سبل العلاج تبعاً لذلك غير محددة أيضاً، وينصح بأغلبها للتخفيف من شدّة الأعراض خاصة التعب والإرهاق الشديدين.