تقبَّل أخطاءك وتعلّم منها، فلا أحد مثاليّ

4 دقائق
التعلم من الأخطاء
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: ترى شخصيات مثل ميشيل لاكروا (Michel Lacroix)، وفيليب سوليرس (Philippe Sollers)، وجاك سيغيلا (Jacques Séguéla) (وهم كتاب ونقاد فرنسيين) أن الفشل وسيلة يُستمد منها اللذة أو يُكسب منها القوة، وإن ما يصنع الفارق ليس قسوة إخفاقاتنا بل كيفية استجابتنا لها فيما بعد. بمعنى: هل سنندب حظنا أم سنتدارك أخطاءنا قبل الانطلاق مجدداً ومحاولة تعويض ما فاتنا واكتشاف معارف جديدة؟ سنسرد في هذا المقال بعض القصص التي ترتكز على مبدأ التعلم من الأخطاء وجعلها بذوراً لنجاحات المستقبل.
من الصعب أن يتقبَّل الإنسان فكرة وصفه بعدم المثالية، أو حتى بأنه غير معصوم من الخطأ؛ ولكن هل يجب أن تحرمنا الإخفاقات من التحلي بروح المبادرة؟ لا، إذا تعلّمنا من أخطائنا وجعلناها بذوراً لنجاحات المستقبل. وسنسرد هنا بعض القصص التي ترتكز على هذا المبدأ، ونحاول معاً فك شيفرة هذه المعضلة.

نسمع دائماً الحكمة التي تقول: "الضربة التي لا تقتلني تقويني" و"يُولَد النجاح من رحم الفشل"؛ لكن ارتكاب خطأ وقبوله يمثل محنة يحاول الجميع تجنبها بأي ثمن، وذلك لأننا نعتبر أن الفشل دليل ملموس على أوجه قصورنا ومَواطن ضعفنا، ونراه تجربة تصيب نرجسيتنا بجرح لا يندمل، ويختلط فيها الشعور بالذنب وفقدان أوهام قدرتنا على فعل أي شيء بالمطلق والخوف من تغيير الآخرين لنظرتهم إلينا والقلق بشأن العواقب. وقد اتخذت نايا ومريم قراراً مصيرياً قبل أن تضطرا إلى مواجهة خطأيهما علماً بأن لكل منهما قصة مختلفة.

ونستعرض في السطور التالية آراء الطبيب والمحلل النفسي ومؤلف كتاب "العائلات المقلوبة رأساً على عقب" (Les Familles qui ont la tête à l'envers)، روبرت نوبيورجيه (Robert Neuburger) الذي يحلل قصص مجموعة من الأشخاص لإبراز الآثار الإيجابية لأفعالهم المتهورة.

فك الشيفرة

نايا، 41 عاماً

"قررتُ قبل عامين التخلي عن مهنة التدريس والتخصُّص في العلاج النفسي بالتحليل السيوفولوجي. كنتُ قد حسبتُ المخاطر كافةً التي تمثَّلت في فقدان الأمان الوظيفي، وأدركتُ أيضاً أنني إذا فشلت في هذا العمل فإن كبريائي ستصاب بجرح غائر! وعلى الرغم من أن هذه التجربة أثبتت فشلها، فقد أتاحت لي هذه المحنة الصعبة فرصة ثمينة لاكتشاف تضامن أحبائي معي وتحديد احتياجاتي الحقيقية وأدركتُ أنني لا أصلح للعمل بمفردي، ومنذ ذلك الحين أنتظر العثور على وظيفة في المدارس الوطنية".

روبرت نوبيورجيه

"تُعتبَر نايا أكثر من مجرد شخصية مغامرة فهي شخصية حالمة؛ إذ يشير إقدامها على خوض غمار هذه المخاطرة إلى أنها تسعى نحو تحقيق أحلامها لكنها اصطدمت بالواقع الذي عرّضها لمحنة أليمة زعزعت نظرتها المثالية إلى ذاتها والعالم من حولها. وتعتمد القدرة على التعافي من مثل هذه الإخفاقات على السياق الذي نعيش فيه، وقد كانت نايا محظوظة في هذه المرحلة لأنها كانت محاطة بأشخاص يحبونها. وإذا بدا أنها قد تعافت من هذا الفشل، فذلك لأن أحباءها لم يتخلوا عنها وظلوا يحيطونها برعايتهم. لكن هل كانت هذه الأخطار تستحق هذا العناء كله؟ ليست الأحلام كلّها قابلةً للتحقُّق، ويحاول الإنسان كثيراً الهروب من واقعه البائس عن طريق رسم صورة خيالية لحياته التي يتمناها لنفسه، ولا بأس بهذا ما دمت لا تبالغ في المثالية التي تمنعك من تقدير الحاضر. لذا فقد كان سلوك نايا يتصف بميزة مهمة منعَتها من العيش في حالة من الندم طوال حياتها، وبالإضافة إلى ذلك فقد سمحَت لها هذه التجربة بالتعرُّف إلى رغباتها الحقيقية، على الأقل في هذه اللحظة، لأنه إذا كان لديها ميل طبيعي للعيش في أحلامها فقد تحاول تكرار هذا النوع من التجارب. لكن التراجع خطوة إلى الوراء للتفكير في أهدافها وفي هذه المغامرة من خلال التحدُّث عنها مع الأصدقاء أو المتخصصين، سيتيح لها بلا شك تجنُّب الوقوع في خطأ جديد".

مريم

"كنت متزوجة من رجل يحبني وكان لديّ طفلان رائعان، ثم قابلتُ لؤي. كان عكس زوجي، فهو غير مستقر مهنياً ولعوب وقد وقعت في حبه وغادرت عش الزوجية لأعيش معه قصة حب؛ لكن تبيّن لي أنها قصة حب فاشلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى! كان يكفيني شهر واحد لأدرك أنني كنت مخطئة وأن سعادتي كانت مع زوجي؛ لكن جرحه كان غائراً ولا زلت أنتظر غفرانه".

روبرت نوبيورجيه

"أقابل أشخاصاً يعيشون هذا النوع من المغامرات المجنونة بكثرة؛ إذ تتوافر لديهم أسباب السعادة كلها لكنهم تعساء نفسياً. لماذا؟ لأنهم لم يعودوا يشعرون بوجودهم، ولا شك في أن مريم كانت تعيش حياة كريمة كزوجة وأم لكنها لم تعد تشعر بوجودها كامرأة، وهذا ما سعَت إلى تحقيقه من خلال شخص آخر نظر إليها بطريقة مختلفة. لقد كان عيش هذه المغامرة مخاطرة كانت في أمسّ الحاجة إليها، ولا يمكن تشخيص حالتها تلك بغريزة التدمير الذاتي كما لا يمكن وصفها بنزوة عابرة؛ بل تُعزى هذه الحالة إلى غريزة البقاء. وربما أدركت بعد هذه الواقعة شعورها بعدم الارتياح، وهذه أهم فائدة مستمَدّة من هذا الفشل لأنه قد منحها الفرصة للتساؤل عن معنى حياتها والتفكير في خياراتها وما تتوقعه من زوجها. أي تجربة سلبية ستفتح الطريق أمام طرح أسئلة عميقة المغزى؛ لكن أي التجارب يجب إكمالها حتى النهاية؟ وإذا حبسنا أنفسنا في دائرة الإخفاقات، فإن العلاج النفسي وحده هو الذي سيسمح لنا بالخروج منها".

3 أسئلة تجيب عنها تريستان بانون (Tristane Banon)

قد يكون الفشل وسيلة نستمد منها اللذة أو نكتسب منها القوة

نفسيتي: ميشيل لاكروا، فيليب سوليرس، جاك سيغيلا، هل كان من السهل إقناع هذه الشخصيات بسرد أخطائها؟

تريستان بانون: وافق معظمهم على الفور لكن النساء رفضن إذ كنَّ يعتقدن أن هذا سيفتضح أمرهنّ.

كيف يرون إخفاقاتهم؟

كانوا يرون الفشل وسيلة نستمد منها اللذة أو نكتسب منها القوة، فهناك المؤمنون بالمذهب الأبيقوري في الفلسفة (وهو مذهب فلسفي جوهره أن اللذة "أي التحرر من الألم" هي وحدها الخير الأسمى، وأن الألم هو وحده الشر الأقصى)، فقد وافق فريديريك بيغبيديه (Frédéric Beigbeder) على إدارة حملة روبرت هيو (Robert Hue) الرئاسية عام 2002 وهو يعلم علم اليقين أنه قرار غير صائب لكنه استمتع به، لذا لم يندم على قراره. ثم هناك "الوصوليون" الذين يبيحون لأنفسهم استخدام شتى الوسائل للوصول إلى أعلى المراكز ولو على حساب الآخرين، فقد اعترف جاك سيغيلا بخيبة أمله بسبب أحد إعلاناته التجارية على الرغم من تحقيقه نجاحاً مدوياً لكنه كان يعتقد أن بإمكانه إعادة إخراجه بشكل أفضل.

ما الدروس المستفادة من هذه القصص؟

لقد ساعدتني هذه القصص على إدراك أن ما يصنع الفارق ليس قسوة إخفاقاتنا بل كيفية استجابتنا لها فيما بعد. بمعنى: هل سنندب حظنا أم سنتدارك أخطاءنا قبل الانطلاق مجدداً ومحاولة تعويض ما فاتنا واكتشاف معارف جديدة؟