هل القيادة سمة فطرية أم يمكن اكتسابها عبر التعلم والتدريب؟ الحقيقة هي أن هذا السؤال شغل بال الكثير من الأشخاص، وغالباً ما أثار الجدل. فمنهم من يرى أن القيادة فطرية؛ هناك شخصيات تاريخية مثل الاسكندر الأكبر ونابليون بونابارت وونستون تشرشل وصفوا بأنهم "قادة بالفطرة"؛ في حين يرى البعض أن هناك قادة صنعوا أنفسهم عبر التدريب المستمر والتجربة، فهل تُختزل القيادة في شرارة داخلية تُضيء مع الولادة؟ أم أنها بناء تراكمي تشكله تحديات الحياة والمعرفة؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
هل القادة يولدون قادة بالفطرة؟
يُعد سؤال "هل القيادة فطرية أم مكتسبة بالتعلم والتدريب؟" موضوعاً دائماً للنقاش والبحث، فبينما يعتقد البعض أن الصفات القيادية فطرية تولد مع الإنسان، يعتقد آخرون أنها تتطور بالتدريب والخبرة. ويمكن القول إن القيادة لا ترتبط بمسمى وظيفي محدد؛ فالقيادة والإدارة مختلفان: إذ تتعلق الإدارة بالمسؤوليات والواجبات داخل المؤسسة، وقد تشمل إدارة فريق، أما القيادة فترتكز على التأثير في الآخرين وإلهامهم للعمل معاً نحو هدف مشترك، وغالباً ما يملك القائد رؤية محددة، ويحفّز فريقه على التقدم.
ويؤكد أستاذ السياسات العامة، بكلية لندن الجامعية (University College London) جان إيمانويل دو نيف (Jan-Emmanuel De Neve) أن هناك تسلسلاً محدداً للحمض النووي يرتبط بميل الأفراد لتولي مناصب قيادية، وأنه على الرغم من أن الوصول إلى منصب قيادي يعتمد غالباً على تطوير المهارات، فوراثة سمة القيادة لها دور محوري.
وعلى الجانب الآخر، توضح أستاذة علم الإدارة بكلية كاس للأعمال (Cass Business School) أماندا غودال (Amanda Goodall) أن فكرة القائد الفطري غير واقعية، وتضيف أن الفهم المتخصص للمؤسسة أو القطاع هو مفتاح الإدارة القوية إلى جانب التدريب الجيد والدعم والخبرة، في حين أن فكرة القائد الفطري هي فكرة قديمة الطراز وكلاسيكية عن القيادة.
بعبارة أخرى، قد تُساعدك شخصيتك الطبيعية وجيناتك الوراثية، لكنها ليست كافية أبداً لإنجاحك، فبالإضافة إليها سوف تحتاج إلى التعلم وتعزيز مهاراتك من أجل بناء الخبرة واكتساب المعرفة.
اقرأ أيضاً: كيف تصبح قائداً جذاباً؟ دروس من تجربة سام ألتمان
ما هو علم نفس القيادة (The Psychology of Leadership)؟
القيادة الفعّالة لا تقتصر على المهارات أو الخبرات، بل تشمل أيضاً العقلية والسلوك والقدرة على تحفيز الآخرين، ويرتكز علم نفس القيادة على القواعد النفسية والعاطفية التي تُسهم في أداء القائد، ويشمل استكشاف كيفية تأثير سمات الشخصية الفطرية والذكاء العاطفي والدوافع التحفيزية في قدرة القائد على توجيه الآخرين ومدهم بالإلهام، ويوفر هذا المنظور رؤى مهمة حول ما يُميز القادة الناجحين، ويُعزز قدرتهم على بناء علاقات قوية وداعمة داخل المؤسسة. من خلال استكشاف هذه العناصر النفسية، يُمكنك فهم جوهر القيادة الفعالة وتأثيرها في نجاح فريقك بصورة أفضل، ووفقاً لعلم نفس القيادة فإنها ترتكز على عدة سمات، منها على سبيل المثال:
1. الثقة بالنفس
يُظهر القادة الفعالون إيماناً راسخاً بقدراتهم وقراراتهم، وهذه الثقة بالنفس لا تُساعدهم فقط على مواجهة التحديات، بل تُعزز بناء الثقة في فرقهم. علاوة على ذلك، فإنها تُمكّن القادة من المخاطرة واتخاذ قرارات جريئة والتعامل مع تحديات العمل بثبات.
2. الاستقرار العاطفي
القائد الذي يحافظ على استقراره العاطفي عادة ما يكون أكثر قدرة على إدارة التوتر والضغط النفسي، خاصة أنه غالباً ما يكون هادئاً ومتماسكاً، وهو أمر بالغ الأهمية في الأزمات وعند اتخاذ القرارات المهمة، كما أن استقرارك العاطفي يعزز الجو الإيجابي داخل فريق العمل.
3. التعاطف
يرتكز التعاطف على فهم مشاعر الآخرين، ويستطيع القادة الذين يتمتعون بمستويات عالية من التعاطف التواصل مع أعضاء فريقهم على مستوى أعمق ومعالجة مخاوفهم ودوافعهم، وهذا التواصل يُعزز الثقة وتماسك الفريق.
4. الحسم
حين يكون قائد الفريق حاسماً فهذا يعني أنه قادر على اتخاذ قرارات مدروسة في الوقت المناسب، ويمكن القول إن الحسم ضروري للحفاظ على زخم العمل وتحقيق أهداف المؤسسة؛ ويتضمن الحسم تقييم المعلومات ودراسة الخيارات المتاحة واتخاذ الإجراءات دون تردد، ما يعزز الثقة والوضوح في الفريق.
5. النزاهة
النزاهة هي الصدق والسلوك الأخلاقي والاتساق في العمل، وحين تكون قائداً نزيهاً فهذا يعني أن عملك يرتكز على الثقة والمصداقية، وهو أمر ضروري لتعزيز بيئة عمل إيجابية.
5 خرافات شائعة عن القيادة
من هو قائدك المفضل؟ هل حالفك الحظ ورأيته في الحياة الواقعية؟ من أين اكتسبت فكرتك عن القيادة؟ من السينما؟ أم منشورات التواصل الاجتماعي؟ لا أعلم إن كانت فكرتك صحيحة أم لا، ولكن هناك الكثير من الخرافات الشائعة حول القيادة، منها على سبيل المثال:
1. القائد أعلى منزلة من المدير
هناك خطأ شائع وشهير حول فكرة القيادة مفاده أن المدير أدنى منزلة من القائد الذي يملك رؤية ثاقبة ويتمتع بإلهام ليس له مثيل وأفكار خلاقة. وقد ترسخت ثنائية القائد والمدير بقوة في أذهان الناس، بمن فيهم أولئك الذين يتدربون على المهن الإدارية، وهذه وجهة نظر خطيرة: فمن دون المدير المسؤول عن العمليات التشغيلية، ستنهار المؤسسة التي لا تمتلك سوى قادة مُلهمين ذوي رؤية شاملة، فالقائد لا يكون ملهماً طوال الوقت، ولهذا فمنصب المدير مهم أيضاً.
2. القائد الحقيقي لا يرغب في القيادة
هذا الخطأ الشائع يرتكز على فكرة أن القائد لا يرغب في المنصب القيادي، ولكنه يتولاه على مضض لأن الآخرين بحاجة إليه. ولكن لا بأس من الرغبة في تولي منصب قيادي وتحمل مسؤوليته وارتكاب الأخطاء والتعلم من الدروس كل يوم.
3. التواضع والتعاطف هما كل ما يلزم لصنع القائد
قد تظن أنك سوف تقود فريقك إلى النجاح والإنجازات من خلال التواضع والتعاطف، والحقيقة أن هذه السمات مهمة جداً؛ ولكنك تحتاج أيضاً إلى السلطة، وعليك أن تتعلم كيفية اكتسابها مع مرور الوقت، وكذلك استخدامها بطرق فعالة.
4. القائد الجيد قادر على قراءة أفكار أعضاء الفريق
تترسخ في الأذهان صورة عن القائد الملهم تتمثل في أنه شخص شديد القوة والبصيرة، قادر على قراءة أفكار أفراد فريقه دون مجهود منهم. والحقيقة هي أن هذه الفكرة بعيدة كل البعد عن الصواب، وقد يكون لها عواقب وخيمة لأنها تشجع أعضاء الفريق على التخلي عن مسؤولياتهم في تقديم أنفسهم والترويج لها، علاوة على الاستمرار بتطويرها.
5. القيادة تعني فرض الأفكار الخلاقة على فريق العمل
شاهدت فيلم كرة المال (Moneyball) منذ سنوات وأحببته جداً، كانت قصة الفيلم تحكي عن مدرب يُطبّق أسلوبه الجديد في اختيار فريق بيسبول محترف وإدارته دون أن يبذل أي مجهود يُذكر لإقناع فريقه الإداري وفريق التوظيف. يمكن القول إن هذه الفكرة شائعة في الأعمال الفنية ولكنها في الواقع خطأ شائع وفادح، إذ لا يمكنك إحداث تغيير في فريقك عبر فرض أفكارك عليهم، حتى لو كانت الأفكار ناجحة.
اقرأ أيضاً: علمياً: لا تعمل في مكان فيه رئيس سام وأنت شاب
كيف تُعزّز سمات القيادة في شخصيتك؟
تُسهم القيادة غير الفعّالة في ارتفاع معدل دوران الموظفين وانخفاض مشاركتهم وزيادة ضغوط العمل، وهي عوامل يُمكن أن تُؤثر مباشرة في نجاح المؤسسة. وحتى تُعزز سمات القيادة في شخصيتك، اتبع النصائح التالية:
1. افهم أسلوبك في القيادة
على الرغم من أن القيادة يمكن تعلّمها والتدرب عليها، فلكل شخص أسلوبه القيادي الخاص. ومن المهم أن تخصص وقتاً لفهم أسلوبك في القيادة، لأنه يمكن أن يساعدك على زيادة فعاليتك في وقت أقصر. لنفترض مثلاً أنك مستمع جيد، هذه مهارة تحتاج إليها في القيادة، ولهذا عليك تحسين مهارات الاستماع وتطويرها؛ جرب التركيز على تقنيات الاستماع الفعال التي تساعدك على فهم وجهات نظر الآخرين وتجعلهم يشعرون بالتقدير والاحترام.
2. تحمّل المسؤولية
تتطلب القيادة من الأفراد تحمّل مسؤولية أفعالهم والأفعال الجماعية لفريقهم، فحين تعبر عن وتدافع عن فريقك وتتحمل المسؤولية، سوف تُظهر لرؤسائك أنك مستعد للقيادة.
3. حافظ على إيجابيتك
يتبع الناس الشخص الإيجابي طواعيةً، ولذلك بدلاً من الانشغال بالجوانب السلبية لمواقف العمل، تعني القيادة تعلّم التركيز على الإيجابيات والتوصل إلى طرق للتغلب على تحديات العمل الصعبة. يشرح استشاري الطب النفسي، محمد اليوسف، أن الإيجابية هي قدرتك على أن النهوض بسرعة بعد السقوط، والعودة بعد الخسارة أقوى، والصلابة على الرغم من تعدد العثرات؛ وهي أن تتعلم أن تكون مخلصاً لنفسك، ووفياً مع نجاحاتك وإنجازاتك، وأن تفخر بما أصبحت عليه على الرغم من كل ما عانيته.
اقرأ أيضاً: كيف تعزز المرونة في بيئة العمل المشاعر الإيجابية والإنجاز
4. اكتسب مهارة الذكاء العاطفي
هل تعلم أن الذكاء العاطفي يُنبئ بنجاح القيادة أكثر من معدل الذكاء مرتين، حيث يُعزز القادة أصحاب الذكاء العاطفي العالي التعاون، ويسهمون في تماسك الفريق، ويتعاملون مع تحديات مكان العمل بسهولة أكبر. ويرتكز الذكاء العاطفي على 4 مكونات رئيسة وهي:
- الوعي الذاتي الذي يُمكّن القائد من إدراك عواطفه وفهم أثرها في سلوكه.
- التنظيم الذاتي الذي يساعده على إدارة استجاباته تحت الضغط.
- الوعي الاجتماعي الذي يسهم في التعاطف مع احتياجات الآخرين وفهمها.
- إدارة العلاقات التي تُعزّز مهارات التواصل وحل النزاعات بين أعضاء الفريق.
5. كن قدوة
إذا أردت أن تصبح قائداً في عملك، لا يكفي فقط أن تدير فريقك بكفاءة وفعالية، بل يجب عليك أيضاً أن تكون قدوة من خلال سلوكياتك ومعاييرك وقيمك التي تتبعها. فالموظفون يعكسون سلوكيات القيادة، ما يجعل تصرفاتك مهمة في تطوير قيادتك. على سبيل المثال، القائد الذي يُعطي الأولوية للتعاون والمساءلة والسلامة النفسية يُعزز الابتكار والثقة، بينما يُخاطر الذي يُركز فقط على النجاح الشخصي بخلق بيئة عمل تنافسية بين أفراد الفريق عوضاً عن تعزيز تماسكهم.