هل تعرف نفسك جيداً؟ هل تظن أن ذاتك هي عبارة عن رغباتك وقيمك وأهدافك ومعتقداتك وآرائك؟ ماذا لو كنت مخطئاً؟ ماذا لو كان هناك جانب من شخصيتك تخفيه وأنت لا تدري أنك تخفيه؟ مثل المشاعر والأفكار والذكريات غير المريحة، الحقيقة أن تلك المشاعر والأفكار التي تحاول تجنبها قدر الإمكان وإنكارها في بعض الأوقات، لا تختفي من تلقاء نفسها لأنك تود ذلك، ولكنها تعيش حياة سرية في اللاوعي، وكلما توغلت في اللاوعي أصبحت أكثر اطلاعاً على الجانب المخفي من شخصيتك الذي يكشف عن نفسه، وهناك حين تصل، فأهلاً بك في عالم الظل، فما هو عالمك المظلم أو ذاتك الظلية؟ وكيف تتعامل معها؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
محتويات المقال
ما هو الجانب المظلم من شخصيتك أو ذاتك الظلّية (Shadow Self)؟
عُرف مصطلح "الذات الظليّة" أول مرة على يد الطبيب وعالم النفس السويسري كارل يونغ (Carl Jung)، وهو يشير إلى الجانب المظلم من شخصيتك الذي يتكون على نحو أساسي من المشاعر والدوافع البشرية السلبية، مثل الغضب والحسد والجشع والأنانية والرغبة والسعي إلى السلطة، وتشبّه المعالجة النفسية، كوني زويج (Connie Zweig)، ذاتك الظليّة بالغرفة المظلمة، حيث تكمن رغباتك وأسرارك ومشاعرك المؤلمة، بالإضافة إلى مواهبك وأحلامك غير المحققة.
ويمكن القول إن كل شخص يحمل ظلاً، وكلما قلّ تجسيده في حياة الفرد الواعية، كان أكثر سواداً وكثافة، وحتى تفهم ذاتك الظليّة فإنها تحمل عادة 3 خصائص مشتركة وهي:
- ذاتك الظليّة هي الجزء من شخصيتك الذي تقمعه، لأنه من المؤلم جداً الاعتراف به.
- يرتبط الجانب المظلم لديك بالصفات التي تمتلكها والتي تشعر بالقلق من أنها غير مقبولة لدى الآخرين.
- كلما حاولت تجاهل ذاتك الظلية أصبحت أقوى، وإذا صممت على قمعها لن تتعافى أبداً، ومن المحتمل أن تنفجر في وجهك فجأة.
اقرأ أيضاً: إلى أي مدى يمكنك تغيير شخصيتك؟ وكيف تنجح في ذلك؟
كيف يؤثر جانبك المظلم في حالتك النفسية؟
يمكن أن يكون لجانبك المظلم تأثير مباشر في صحتك النفسية، وخاصة أن هذا الجانب يود الخروج إلى النور من أجل اكتشافه وفهمه، لكن إذا تجاهلته أو رفضته وصممت على قمعه فسوف يؤدي ذلك إلى العديد من المشاكل النفسية، منها على سبيل المثال:
- كراهية النفس أو انخفاض احترام الذات.
- خداع نفسك وخداع الآخرين.
- ارتفاع خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب.
- السلوك المسيء تجاه الآخرين.
- النضال من أجل تكوين علاقات صحية مع الآخرين.
- التخريب الذاتي.
- إسقاط عيوبك على الآخرين.
لماذا من الضروري تقبل جانبك المظلم؟
ذاتك الظليّة أو الجانب المظلم من شخصيتك ليس عيباً، وإذا كان هذا الجزء من ذاتك يرتبط بإحدى الصدمات النفسية فإن قبوله يمكن أن يساعدك على عملية التعافي. وفي كل الأحوال، يؤثر قبول ذاتك الظلية تأثيراً إيجابياً في صحتك النفسية ويساعد على:
1. اكتساب المزيد من الثقة واحترام الذات
عندما تتقبل النسخة الكاملة من نفسك ستكون أكثر ثقة، وتتحرك إلى الأمام من أجل تحقيق أهدافك، فإما أن تكون جوانبك المظلمة مؤلمة ومن ثم تعالجها وتتعافى منها، وإما تكون سيئة وفي هذه الحالة سيكون عليك فهمها والدخول بعمق إلى جذورها من أجل إدارتها جيداً. وفي كل الأحوال، حين تتقبل ذاتك بالكامل سوف يزيد احترامك لنفسك وثقتك بها.
2. تحسين إبداعك
ذاتك الظليّة أو جانبك المظلم لا يخفي فقط السمات غير المرغوب فيها من شخصيتك، ولكنه يخفي أيضاً أجزاء مذهلة من ذاتك، مثل قدرتك على الإبداع، ولهذا فإن قبول هذا الجانب المظلم من شخصيتك يعني تحسين قدرتك الإبداعية.
3. بناء علاقات أفضل مع الآخرين
حين تقمع أفكارك ومشاعرك السلبية والمؤلمة، سوف تُسقط تلك الأفكار والمشاعر على الآخرين، ومن ثم ستسوء علاقتك بهم، ولكن حين تتقبل ذاتك وجانبك المظلم يمكنك بناء روابط صحية وقوية مع المحيطين بك؛ لأنك سوف تراهم على حقيقتهم المجردة من غير إسقاطاتك.
4. ممارسة تقبّل الذات
يمكنك التخلص من كراهية الذات التي قد تشعر بها دون وعي عندما تقمع ذاتك الظليّة، ولهذا فإن قبول هذا الجزء من شخصيتك سوف يجعل تحب نفسك، ولكن يجب القول إن ذلك الأمر لن يأتي بسهولة أو على نحو تلقائي، ولكن بمجرد أن تحاول يمكنك أن تصل إلى قبول ظلك، وفي هذا السياق، يوضح الطبيب النفسي، محمد اليوسف، أن الأشخاص جميعهم لديهم جانب مظلم في شخصياتهم ولذلك عليك دائماً ألا تخجل من ذلك الجانب المظلم لأنه يميز شخصيتك ويعطيها ملامحها، وكلما تقبلت ذلك الجزء قلّ تأثيره فيك.
اقرأ أيضاً: ما الذي تعكسه استقلاليتك المفرطة عن شخصيتك؟
6 إرشادات عملية لتتصالح مع جانبك المظلم
يمكن القول إن التعرف إلى جانبك المظلم فضلاً عن تقبله لن يحدث بين عشية وضحاها، حيث يحتاج إلى بعض المجهود، علاوة على أنه ممارسة مستمرة تهدف إلى مساعدتك على أن تكون أكثر وعياً بنفسك ووعياً بقراراتك وبالعالم من حولك، وحتى تبدأ في الكشف عن ظلك عليك اتباع النصائح التالية:
1. دوّن يومياتك باستمرار
ابدأ ممارسة تدوين يومياتك، وحاول التركيز على مشاعرك وأفكارك وردود أفعالك وأحلامك وأهدافك، لاحظ ما يظهر في ردودك، انتبه انتباهاً واضحاً للأنماط أو الموضوعات المتكررة التي تحس بمشاعر قوية تجاهها، وتلك التي تجعلك تشعر بعدم الارتياح.
2. حلّل ما تتجنبه
في أثناء تدوين يومياتك، تعرّف جيداً إلى الأمور التي تتجنبها، بعد ذلك، اسأل نفسك وفكر في الأسباب التي تدفعك إلى هذا التجنب، على سبيل المثال، إذا كنت تتجنب العلاقات العاطفية مع الآخرين فحاول معرفة الأسباب؛ هل تتألم من فكرة الانفصال أم تخشى الالتزام؟
3. تراجع خطوة إلى الوراء وانظر إلى حياتك بموضوعية
تخيل أنك تمارس دور المتفرج على حياتك الخاصة من الخارج، في هذه الحالة كيف ستتفاعل مع أفعالك وسلوكياتك وتعاملاتك مع الآخرين؟ ستساعدك الإجابة عن هذه الأسئلة على معرفة شكل حياتك بصورة موضوعية، ويمكنك على سبيل المثال التركيز على مواقف معينة ومن ثم سؤال نفسك: "لماذا أثرت فيك؟ ما هو سبب شعورك؟ كيف أثر هذا الشعور في تصرفاتك؟".
4. كن صادقاً مع نفسك
تستغرق عملية الشفاء وقتاً، ولن تُحرز تقدماً ما لم تكن صادقاً تماماً مع نفسك، وتأكد جيداً أن إزاحة الستار عن أكثر سماتك غير المرغوب فيها أمر صعب للغاية، ولكن يمكنك فعل ذلك. وحتى لو كانت الحقيقة صعبة التصديق، فإنك تتعلم منها، وتقودك إلى أن تصبح نسخة أفضل من نفسك.
5. اكتب رسالة إلى ظلك
استخدم الورقة والقلم واكتب رسالة إلى جانبك المظلم، وأخبره بما تشعر به تجاهه؟ هل تحس بالألم أم الغضب من وجوده؟ كن منفتحاً وصادقاً، لا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة لكتابة تلك الرسالة؛ لهذا يمكنك الكتابة على راحتك دون مخاوف، بعد الانتهاء مزقها أو ألقها في النار حتى تتخلص من مشاعر الاستياء بداخلك.
6. اسمح لنفسك بالمضي قدماً
الآن بعد أن اكتشفت جوانب شخصيتك التي أثرت سلباً في حياتك، حان الوقت لمنح نفسك مساحة للمضي قدماً، وتذكّر دائماً أن الحياة متغيرة بطبعها؛ ومن المتوقع منك أن تتغير معها دون أن تخاف من ظلك، لذا سامح نفسك على الأخطاء الماضية، وامضِ بالسرعة التي تناسبك.