ما هي فلسفة وابي سابي اليابانية؟ وكيف تساعد على قبول الأشياء بعيوبها؟

4 دقائق
فلسلفة وابي سابي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يقول المهندس المعماري والباحث المتمرس في النواحي الجمالية ليونارد كورين، الذي لم يخصص لها كتاباً واحداً فحسب؛ بل كرَّس سنوات من الدراسة أيضاً، تعريفاً لفلسفة وابي سابي في شكل قصيدة انطباعية يقول فيها: "وابي سابي هي إدراك الجمال في الأشياء غير الكاملة التي اعتراها النقصان وأصابها الزمان بالترهل. إنه جمال الأشياء البسيطة والمتواضعة؛ جمال الأشياء غير العادية". دعونا نتعرَّف إلى 3 تمارين تساعدنا على اكتشاف سر هذه الفلسفة.

"وابي سابي" كلمتان يابانيتان بسيطتان يمكن أن تساعدانا على قبول تفرُّدنا وإدراك سر الجمال في كل شيء من حولنا، بعيوبه وشوائبه كلها. دعونا نتعرَّف إلى 3 تمارين تساعدنا على اكتشاف سر هذه الفلسفة.

فلسلفة وابي سابي مصطلح ياباني يرمز إلى فلسفة جمالية تُعنى في المقام الأول بقبول الأشياء كما هي بعيوبها ونواقصها وبساطتها؛ بل وترهّلاتها وشوائبها، ومهما بدت وكأنها فقدت بريقها أو أكل عليها الدهر وشرب. ولفهم جوهر هذه الفلسفة؛ عليك أن تلمس الأشياء من حولك بحواسك ومشاعرك بقدر ما تنظر إليها بعقلك. ويعطينا المهندس المعماري والباحث المتمرس في النواحي الجمالية الذي لم يخصص لها كتاباً واحداً فحسب؛ بل كرَّس لها سنوات من الدراسة أيضاً، ليونارد كورين (Leonard Koren) تعريفاً لفلسفة وابي سابي في شكل قصيدة انطباعية يقول فيها: "وابي سابي هي إدراك الجمال في الأشياء غير الكاملة التي اعتراها النقصان وأصابها الزمان بالترهل. إنه جمال الأشياء البسيطة والمتواضعة؛ جمال الأشياء غير العادية". ويخبرنا بأن فلسفة وابي سابي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفلسفة الزن، حتى إننا يمكن أن نسميها "زن الأشياء" لأنها تجسّد العديد من المبادئ الفلسفية لمفهوم الزن؛ كالتأمل والتواضع والصفاء والانفصال بل والفناء.

النواحي الجمالية للتواضع

ليس من قبيل المصادفة أن أول مَن طوّر أسلوب وابي سابي للاستمتاع بالشاي، موراتا شوكو (Murata Shukō) (1423-1502) كان من أشد المؤمنين بفلسفة الزن. كان الشاي في ذلك الحين مادة للاحتفالات الفخمة، ويرجع ذلك في الأساس إلى أن أدواته المستوردة من الصين كانت أدوات فاخرة باهظة الثمن. وعلى عكس هذه الطريقة، قدّم شوكو الشاي في أوانٍ محلية الصنع تم اعتبارها غير ملائمة. وبعد نحو قرن من الزمان، استبدل سين نو ريكيو (Sen no Rikyū)، وهو ابن أحد التجار (1522-1591) الذي حصل على لقب "سيد الشاي"، الأواني اليدوية محلية الصنع بالقطع الصينية الفاخرة، وأنشأ جناحاً للشاي على غرار أكواخ الفلاحين. وقد دفع ريكيو حياته ثمناً لجرأته غير المعهودة في ذلك الزمن ولكنه أسهم في نشأة فلسفة وابي سابي التي خلّدت ذكراه. ووفقاً لليونارد كورين، فهناك 3 عبارات تلخص قيمه الروحية: "الحقيقة تأتي من مراقبة الطبيعة"، "العظمة تكمن في التفاصيل الخفية والمهمَلة"، "الجمال يُولد من القبح". وتتميز مبادئه الفلسفية ببساطتها: تخلَّص من كل ما لا لزوم له، واقبل ما لا مفر منه بكل عيوبه، ولا تسعَ إلى الكمال.

تقدير التفرُّد

يقول معالج الأنماط السلوكية الجماعية والمعالج الجهازي وخبير فلسفة الفينغ شوي، كريستوفر فيدونير (Christopher A. Weidner): "تُعنى فلسفة وابي سابي بالتركيز على الأساسيات وأن تكون على طبيعتك تماماً، لا أكثر ولا أقل". ويُعتبر أن هذه الناحية الجمالية تشكِّل فلسفة حياتية لأنها "تؤكّد أننا جميعاً نحمل في دواخلنا كل ما نحتاجه لنشعر بالجمال والسعادة في بيئتنا المحيطة، وما علينا إلا أن نوجّه انتباهنا إلى ما هو أساسي بالنسبة إلينا". ويجادل فيدونير بأن هذه هي الطريقة التي يمكننا بها تقبُّل أنفسنا و"أن نكون ما نحن عليه" فعلاً، وذلك من خلال الإعراض عن إملاءات الموضة والمعايير السائدة للجمال. وترى فلسفة وابي سابي أن الكمال المعياري والزخارف البراقة تتناقض مع التفرُّد وعدم الكمال وحرية التصرف. ونستعرض فيما يلي 3 قيم لتقبُّل عدم الكمال وتوجيه أنظارنا إلى الجمال من حولنا، لدى الآخرين وكذلك لدينا نحن. ومن هذا المنطلق نقدم لك التدريبات الثلاثة التالية:

التمارين الثلاثة

1. اكتشاف مَواطن الجمال الخفية

تتشكل نظرتنا إلى الأشياء من حولنا من خلال المنهج الجمالي السائد. وإذا أردنا تحرير أنفسنا منه واستعادة حريتنا في الشعور بالنواحي الجمالية للأشياء والسماح لأنفسنا بالاستمتاع بجمال العالم وبساطته وتنوعه، فمن الضروري أن نصوغ لأنفسنا منهجاً آخر؛ منهجاً أكثر حساسية وأكثر انتباهاً وأكثر حباً. تقول دانييل إليسيف (Danielle Elisseeff): "إذا نظرنا إلى الأشياء في سياق فلسفة وابي سابي، فسنجد أن نواحيها الجمالية تقع خارج حدود التصنيع الخالي من العيوب، وعليه فإن كل علامات تفوق الطبيعة على العمل البشري أو حتى الآثار التي يتركها حدث غير متوقع لا تُمحى بمرور الزمن؛ بل على العكس ستدوم إلى الأبد".

كيف؟ من خلال الاهتمام بالتفاصيل وبالتالي عيوب الأشياء والكائنات والأشخاص؛ كشحوب أصباغ قماشة قديمة أو ترهل نسيجها، وفقدان ورقة ميتة لجمالها أو فقدان زهرة جافة لرونقها، وفقدان سحر الابتسامة بسبب اعوجاج أسنانا أو عدم انتظامها، وظهور التجاعيد في أيدينا أو وجوهنا، وروعة الشعر الأشيب، ورقصة الغبار في ضوء الشمس.

2. إدراك الفوارق الدقيقة في عواطفنا

عندما تجد نفسك في موقف حساس أو في حالة من التوتر أو ببساطة عندما لا تكون على ما يرام، فإن النظر إلى الأمور بمفهوم فلسفة وابي سابي سيفيدك في هذا الموقف. ومن المفيد أن نتذكر أن كمال الأشياء ودوامها ما هما إلا أوهام، وعلينا أن نتذكر أيضاً الهموم والمشاكل ظواهر عابرة، ولن يستطيع أحد كائناً من كان أن يقف في وجه الزمن.

كيف؟ تجول في أرجاء منزلك، وافتح الخزائن التي تحتفظ فيها بمقتنياتك، وركّز على الأشياء التي "تلفت انتباهك" وينطبق عليها مفهوم فلسفة وابي سابي (بمعنى أنها قد تكون غير منتظمة أو قديمة أو بالية أو مكسورة، إلخ). خذها بين يديك، ودون الحكم عليها، امنحها انتباهك كاملاً واشعر بوزنها وشكلها وملمسها، ثم سل نفسك: لماذا أعتبر هذا الشيء مهماً؟ ما الشعور الذي يتملّكني في هذه اللحظة بالتحديد؟ وما الذكريات التي يستدعيها في مخيلتي؟ أياً كان الشعور الذي يتملّكك حينذاك (الاشتياق، الفرح، الشجن)، فإنك ستلاحظ أن شعورك بالتوتر يقل شيئاً فشيئاً وأن مشاعرك وآراءك باتت أكثر دقة.

3. اختيار ما يجعلنا سعداء

لا شك في أن الوعي باحتياجاتك الأساسية اللازمة لتلبية متطلبات الشعور بالمتعة والسعادة هو أفضل طريقة لاستغلال وقتك وطاقتك أحسن استغلال وللاحتفاء بتفرُّدك. ولا ترمي فلسفة وابي سابي إلى تشجيع المرء على تقديم التنازلات أو تبنّي منهج التقليلية، بل ترمي إلى توجيهه إلى الاختيار المستنير بما يلائم جوهره الحقيقي.

كيف؟ اكتب قائمة بالأنشطة التي تمنحك الشعور بالمتعة وتجدها ذات مغزى. خذ ما يكفيك من الوقت للتفكير في الأسباب التي تجعلها ممتعة أو هادفة أو مفيدة لك. سل نفسك أيضاً كيف تتوافق مع إحدى سماتك الشخصية وأحد احتياجاتك الأساسية، ثم صنف أولويتها بإعطائها درجة من 1 إلى 6، ثم اسأل نفسك: هل تمنحها مساحة كافية في حياتك بصفة عامة، وفي حياتك اليومية؟ ما الذي يمنعك من ذلك؟ كيف يمكنك دمجها في حياتك اليومية بشكل أفضل؟