ما هي فلسفة الفرح؟ هذه إجابات بعض الفلاسفة

4 دقائق
الشعور بالفرح

يبدو أن التعبير الصاخب والجسدي عن الفرح، هو السبب في أنه لم يثر اهتمام المفكرين كثيراً. وبعد قرون من اتهام الفلسفة بتجاهله، عادت لتعترف بأهمية الشعور بالفرح في مواجهة العوائق التي تزرعها الأفكار الكئيبة.

  • الفرح يجعلنا أقوى
  • الفرح يساعدنا في تحمل قسوة القدر
  • الفرح يشهد على انتصار الحياة
  • الفرح.. طريقة الوجود
  • "الفرح يتطلب جهداً، وعملاً إبداعياً"

ابحث عن كلمة "فرح" في معجم فلسفي ولن تجد شيئاً. حاول كتابتها على لوحة المفاتيح، وقد تجد أن شبكة الإنترنت تعيد توجيهك مجدداً إلى كلمة "سعادة". إذاً أليس هناك "فرح" في الفلسفة؟ يشكك أغلب المفكرين بمفهوم الفرح، فهو عبارة عن انفعال مفاجئ ومزعج بالنسبة لهم، كما يرى أفلاطون أن الفرح ما هو إلا فقدان للسيطرة على النفس، يقارب حد الجنون. أما الرواقيون الذين ينشدون "التقبل المطلق" (ataraxia)؛ وهو حالة داخلية من الهدوء الخالي من العواطف، فيعتبرون الشعور بالفرح حالة صاخبة ومادية جداً. وبالمثل؛ كان أبناء عمومتهم الأبيقوريون الذين يبحثون عن السعادة التي تعني غياب المعاناة بالنسبة لهم، ويرون أنه ليس هناك أي سبب يدعو للفرح أو الضحك. وعُرف عن أبيقور عداوته تجاه الرفاهية وحبه للحياة البسيطة، ويمكن لفلسفته هذه أن تكون دليلاً جيداً لأعداء الاستهلاك المفرط.

دعونا نلقي نظرة على فلسفة ليوكيبوس؛ وهو مفكر يوناني قديم، ويبدو أنه يعتبر الشعور بالفرح هدف الحياة. في الواقع؛ يتحدث ليوكيبوس إلينا قبل كل شيء، عن هذا الابتهاج الجمالي الخاص الذي نشعر به عندما نرى الأشياء الجميلة والحسنة. لا شك في أن القدماء كانوا يتأملون بعمق، بنظراتهم المثبتة في سماء الأفكار الجميلة والمثل العليا، لتقدير أهمية شعور الفرح.

كان الشعور بالفرح ضرورياً لسبينوزا ونيتشه؛ إذ كان مرادفاً للوجود بالنسبة لهما، أو لبرغسون الذي يرى أن الفرح يتناغم مع "الزخم الإبداعي". ويعلّمنا روبرت مصراحي؛ الذي شغل منصب كرسي الفلسفة الأخلاقية في جامعة السوربون منذ فترة طويلة، كيف نجعل الفرح ينبثق في القرن الحادي والعشرين الذي وصفه بأنه "عصر السخط". يؤكد الفلاسفة النادرون جداً الذين نظروا في هذه المسألة، أن الإنسان يكون إنساناً فقط عندما يفرح!

الفرح يجعلنا أقوى

باروخ سبينوزا

في الوقت الذي بدأ فيه سبينوزا (1632-1677) رسالته لإصلاح العقل، كان يبحث عن أخلاقيات لطريقة عيش وتفكير، تلائم طبيعتنا نحن البشر، تلائم الروح والجسد، الكلية التي تخضع للعواطف والرغبات. يكره الفيلسوف الهولندي العواطف التي تجعلنا عبيداً (سلبيين) كالحزن، واليأس والغضب، والخوف والتعلق بالخرافات. ويرى أن الفرح الأسمى لا يكمن في الأفعال القهرية، وفي إشباع خيالاتنا؛ بل في الأفعال التي تستنير بالمعرفة، فكلما عرفنا وفهمنا أكثر، زاد شعورنا بالفرح وأصبحنا أفضل وأقوى في نفس الوقت. بالنسبة لهذا الرجل الذي كان يحارب الظلامية؛ والذي خضعت كتاباته للرقابة لاحقاً، فإن الفرح يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتغلب التدريجي على العادات والأعراف التي يفرضها الفكر السائد. فرحة سبينوزا هي فرحة الرجل المتشوق للحرية، إنه يؤكد لنا أننا إذا واصلنا التفكير، فسنكون أحراراً وأقوياءَ.

الفرح يساعدنا في تحمل قسوة القدر

فريدريك نيتشه

يمثل جزء هائل من عمل نيتشه (1844-1900) نداءً حيوياً للحماس والفرح. ويوجه نيتشه دعوته هذه إلى البشر الذين يعانون من الإحباط واليأس والتشاؤم، في محاولة لإقناعنا بألا نسمح لهذه المشاعر بأن تهيمن علينا. ولأن الفرح وفقاً للفيلسوف الألماني، هو صراع -لأن الوجود نفسه هو صراع مأساوي دائم بين القوى المتعارضة - فهو يميل دائماً إلى أن يكون شعوراً مفرطاً، ويقترب من حالة السُّكْر. ثم تسيطر "الأنا" على نفسها، وتصبح قوة تأكيد في مواجهة ما يجب أن يكون: "هذا الحدث، هذا الوضع الذي لا أستطيع تغييره، أنا أقبله، وأرحب به، فالإرادة والرغبة تؤكد عزمها ببهجة" هذا هو نداء نيتشه لنا؛ الحياة هنا والآن!

الفرح يشهد على انتصار الحياة

هنري برغسون

هنري برغسون (1859-1941) هو "فيلسوف" الفرح. بالنسبة للفيلسوف الفرنسي، يُعتبر الفرح أفضل دليل على انتصار الحياة. كيف نميز الفرح عن اللذة؟ الفرح أعمق، وأكثر دواماً، وأكثر واقعية، ودائماً ما يكون مصحوباً بالشعور بأننا نعيش اللحظة المناسبة، في تآلف تام مع الذات. أما اللذة، فتتجلى فائدتها في تحفيزنا على التكاثر (المتعة الجنسية) والبقاء هنا على الأرض؛ لكنها لا تنطوي على هذا البعد الروحي الشامل الذي ينقله الفرح. فهو يرافقنا عندما نعمل على رفع مستوى وعي الإنسانية، وعندما نعمل على تحسين أنفسنا داخلياً، ونشارك الآخرين ثمار هذا الجهد. كما أن الفرح يوجد عندما تنتصر الروح على العقبات، وتهرب من أعباء وجمود العالم المادي. غالباً ما يشيد برغسون بتفوق المتصوفة والأخلاقيين، ومع ذلك، فإن أي فرد يروج لفكرة جميلة ومبتكَرة تغير حياة الناس نحو الأفضل، وتعيد ترتيب الأشياء، سيتذوق طعم الفرح الحقيقي.

الفرح... طريقة الوجود

روبرت مصراحي

جعل الفيلسوف روبرت مصراحي؛ المتخصص في فلسفة سبينوزا، من الفرح قلب فكره. وفي مقابلة مع ماري دي سولمن حول كتابه "الحماس والفرح في عصر السخط" (L’Enthousiasme et la Joie au temps de l’exaspération) يذكرنا روبرت مصراحي أنه يمكننا دائماً اختيار الفرح، وتفضيله على سوء الحظ، حتى في المواقف المأساوية. في عصرنا الذي يسوده انعدام الأمن ومشاعر السخط والغضب، قد لا يبدو أن هنالك سبيلاً إلى الفرح، ومع ذلك؛ يمكننا أن نتعلم كيف ننمي هذا الشعور من خلال الاحتفاظ بذكرى نكهته في ذاكرتنا، ومن خلال تذكُّر أننا كبشر، أحرار دائماً - على عكس الآلات. قد تجعلنا الأحداث السارة سعداءَ احياناً؛ لكن الفرح الحقيقي هو أكثر بكثير من مجرد حالة ذهنية: إنه "متعة متكاملة للجسد والعقل، مصحوبة بالتآلف مع الذات". إنها طريقة دائمة للوجود، تُكتسب بفضل الإرادة، أما السعادة فهي ناتجة عن تراكم الأفراح.

"الفرح يتطلب جهداً، وعملاً إبداعياً"

بريجيت سيتبون بيلون

بالنسبة إلى بريجيت سيتبون بيلون؛ الأستاذة المشاركة في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا، فإنه يمكن لكل واحد منا تجربة الفرح، شرط أن يكون هذا الفرح نتاج عملية إبداع ومشاركة.

"أعتقد أن الوقت قد حان للعثور على برغسون مرة أخرى، لأن أفكاره معاصرة جداً ومرحب بها في عصر يهيمن عليه البحث المحموم عن المتعة الأنانية، والاستهلاك القهري، واستهلاك السلع، والأشياء، والناس؛ إذ تتسم هذه المتعة بأنها سريعة الزوال، ولا تتفق مع حالة الصفاء التي ينشدها المرء، فهي محكومة بتكرار "ميكانيكي". أما الشعور بالفرح -على العكس من ذلك- يتطلب جهداً، وعملاً إبداعياً. تشعر الأم التي تنظر إلى طفلها بالفرح لأنها تدرك أنها تبدع في تنشئته جسدياً ومعنوياً، وربما يغير هذا الطفل زمانه. يتمتع الرئيس التنفيذي الناجح بتطوير أعماله وكسب المال؛ ولكن طعم الفرح الحقيقي يأتي من العمل التجاري الذي بناه وأبدعه. يمكن للفنان أن يشعر بالإطراء لرؤية عمله معترفاً به، ويمكنه أن يهنئ نفسه على شهرته؛ لكنه سيشعر بالفرح بصورة خاصة، عندما يلمس أن فكرته كانت جميلة ومبتكرة، وأنها كانت سبباً في تغيير عقليات الناس. إن هذا الدافع المبهج للشخص المبدع هو دافع حيوي، يتم توصيله إلى الجميع ونشره بينهم، إنه دافع سخي. بهذا المعنى؛ يمكن لكل واحد منا أن يختبر الفرح، شرط أن يكون حصيلة عملية إبداع ومشاركة.