كيف تؤثر عادة التسويف في صحتنا النفسية؟

4 دقائق
عادة التسويف

ليس منّا من لم يسوّف في أداء مهمة ما؛ ككتابة بحث علمي يطلبه الأستاذ، أو حجز ذلك الموعد المهم الذي طال انتظاره مع طبيب الأسنان، أو خوض تلك المحادثة المفصلية مع صديقنا العزيز أو شريك حياتنا.
يتشكّل "التسويف" (Procrastination) في نواحٍ عديدة من حياتنا، عندما نختار أن نؤجل فعل عملٍ معيّن، أو عندما نماطل ونتجاهل أمراً ما لأي سبب كان. دعونا نتعرف معاً إلى التسويف، وكيفية تأثير عادة التسويف على صحتنا النفسية والعقلية، وطرق العمل على التخلّص منه.

التسويف

يعكس التسويف رغبتنا العميقة في تجاهل شيء ما بشكل مؤقت أو بشكل كامل، وتمتد تلك السلوكيات لتعصف بكل ما يحيط بذلك الشيء الذي نعتاد أو نتعمّد تجاهله.

وفي بعض الأحيان؛ قد يعكس التسويف تحيّزنا الإنساني تجاه اللحظة الحالية؛ حيث نكون أكثر تركيزاً على تلبية احتياجاتنا الفورية، لا أن ننتظر تحقيق تلك الرغبات فور انتهاء ما يجب علينا فعله.

وفي أحيان أخرى؛ يُمثّل التسويف هروباً وهمياً من مشاعر وعواطف الملل والتوتر والشك الذاتي. والمؤكد أن التسويف يُرضي لدينا نزعة التخلّص من قلق المستقبل الذي يُخيل إلينا أنه بعيد الحصول، طالما لن نقلق بشأنه الآن وفي هذه اللحظة الحالية.

بحسب ورقة علمية بعنوان "التسويف وأولوية تنظيم الحالة المزاجية على المدى القصير: العواقب على الذات في المستقبل" (Procrastination and the Priority of Short-Term Mood Regulation: Consequences for Future Self) التي نُشرت عام 2013؛ فإن التسويف يرتبط سلباً مع الزمن المستقبلي، بينما يرتبط إيجاباً مع المتعة في الزمن الحالي.

لِص الوقت

بحسب كِتاب "سارق الوقت: مقالات فلسفية عن التسويف" (The Thief of Time: Philosophical Essays on Procrastination)، فحتى نستطيع أن نقول عن فعلٍ ما أنه تسويف؛ يجب أن تتوافر فيه أربعة شروط، ويمثل الالتزام تجاه ضرورة القيام بذلك الفعل أو إنجاز تلك المهمة الشرط الأول.

بالإضافة إلى ذلك؛ يمثّل توفر الإمكانية الكاملة لدى الشخص للقيام بذلك الفعل أو إنجاز تلك المهمة الشرط الثاني، وتمثّل احتمالية زيادة الأمور سوءاً نتيجة عدم القيام بالفعل الشرط الثالث، بينما يمثّل اختيار تجاهل القيام بذلك الفعل أو إنجاز تلك المهمة بشكل شخصي دون إكراه، الشرط الرابع والأخير.

وعند النظر إلى هذه الشروط؛ يخبرنا الكِتاب بضرورة التأني وإطلاق الأحكام بموضوعية على تسويفنا، حتى نفهم دوافعنا والمؤثرات الخارجية التي قد تحول دون قيامنا بإتمام تلك المهمة المحددة.

فعلى سبيل المثال؛ قد تتأخر في كتابة بحثك العلمي بسبب انقطاع خدمات الإنترنت عن منطقتك؛ ما يؤثر بشكل حقيقي في قدرتك في إتمام هذه المهمة. وفي الحقيقة، فهذا هو الشرط الثاني الذي يتمحور حول توفر الإمكانية الكاملة - كوجود الإنترنت لديك.

التسويف والصحة النفسية

يُصبح التسويف خطِراً على صحتنا النفسية عندما يؤثر في سير حياتنا بأعلى مستوى من الصحة العامة؛ بحيث يكون عائقاً يمنع قيامنا بأبسط الأمور الحياتية التي تتطلب منّا القيام بها في وقت محدد لا يمكن تأجيله.

يمكن أن تؤدي عادة التسويف في أصعب اللحظات علينا، إلى تعقيد المخاوف العاطفية التي أدت إلى حدوثها في المقام الأول. وبمرور الوقت؛ يمكن أن يؤدي التسويف إلى ما يلي:

  • الضغط العصبي.
  • القلق.
  • الاكتئاب.
  • العار والشعور بالذنب.
  • تضاؤل تقدير الذات.
  • الإجهاد الوظيفي والإرهاق.
  • الصراعات في العلاقات مع الآخرين.
  • تحقق بعض مخاوف الصحة الجسدية.
  • مشاعر عدم الأمان العاطفي (Insecurity).

علامات التسويف

يتضح لنا التسويف غير الصحي من خلال بعض العلامات الأساسية التي سوف تساعدنا في تعريفه؛ مثل:

  • سهولة التشتت.
  • ملء الوقت بمهام ثانوية أو أقل أهمية.
  • تأجيل الأشياء في مجالات متعددة من الحياة.
  • صعوبة الوفاء بالالتزامات بشكل منتظم ومتكرر.
  • صعوبة في الاعتراف بتسويفك لنفسك أو للآخرين.
  • تأثير التسويف يصل إلى العبث بجدول نومك أو صحتك البدنية.
  • عدم القدرة على التوقف عن التسويف حتى عندما تكون العواقب وخيمة!
  • تأثير المماطلة على علاقاتك مع الآخرين، وخصوصاً الأشخاص القريبين منك.

وفي الحقيقة؛ يجب أن نحرص على زيارة مختص عندما يكون التسويف مؤثراً فيما يلي:

  • الأداء الدراسي أو الوظيفي.
  • العلاقات الشخصية.
  • يؤدي إلى الشعور بالتوتر أو القلق أو الاكتئاب، أو يجعل الأعراض الموجودة أسوأ.

التسويف وتنظيم العواطف

في نفس سياق الورقة العلمية السابقة؛ وجد الباحثون أن التسويف يتفاقم نتيجة التجارب المزاجية والعاطفية السيئة، سواءً السابقة التي حدثت في الماضي، أو المستقبلية نظير القدرة على التنبؤ بما يمكن حدوثه.

كما يرتبط التسويف والمماطلة بشكل إيجابي، مع ظهور حالات من القلق وإحساس العار والشعور بالذنب؛ حيث تؤجج التجارب السابقة وعواقبها تلك المشاعر السيئة، وتجعلنا أكثر قدرةً على الوعي بما يمكن حدوثه إن تكررت المواقف.

وبحسب الورقة العلمية نفسها؛ تشير نظرية الوعي ما وراء المعرفي (The Theory of Metacognitive Awareness)، إلى أن الأفكار التي ترافقها أحكام وردود فعل -كتلك التي ينتجها التسويف- تزيد من ظهور حالات نفسية مزاجية سلبية مثل الإحباط ونقد الذات.

بالتالي؛ تغذي تلك العواطف القرارات اللحظية الاندفاعية للتخلي عن القيام بالمهام؛ بحيث يصبح الانسحاب من فعل تلك المهام، من الطرق المناسبة والفورية التي توهمنا بالقدرة على تنظيم الحالة المزاجية التي تمر بها الذات الحالية. وإجمالاً؛ يعيقنا الفشل في تنظيم العواطف السابقة والحالية من التعامل مع التسويف.

التسويف والقلق والاكتئاب

العيش مع القلق أياً كان نوعه قد يساعد في ظهور التسويف بشكل ملحوظ، نتيجة الخوف المتفاقم من مآل الأمور، وفرصة حدوث شيء سيئ حتى قبل أن يحدث! ففي بعض الأحيان؛ قد يكون مصدر التسويف أعمق قليلاً من صعوبة تنظيم المشاعر.

وقد يؤثر السعي للكمال والقلق، في تكرر لجوئنا للتسويف، فعندما نعتقد أنه من المستحيل فعل شيءٍ ما بشكل مثالي، سنشعر بالقلق حيال القيام بذلك الفعل على الإطلاق، ونستمر في دوامة التسويف حتى لا نبدأ عملية إتمام تلك المهمة الموكلة لنا.

ويضعف الاكتئاب من قدرة الإنسان وطاقته على التعامل مع حياته اليومية، بالإضافة إلى تقليل حالة تقديره لذاته؛ ما ينطوي بشكل ملحوظ على تكرار التسويف. فعلى سبيل المثال؛ قد نهمل بعض المسؤوليات لأننا لا نستطيع حشد الدافع اللازم لإكمالها، أو لأننا نشك في قدرتنا ومهاراتنا.

كيف يجب أن نتعامل مع التسويف؟

قد تنجح بعض الاستراتيجيات التالية في مساعدتنا على التخلص من دوامة التسويف؛ ومنها:

  • ممارسة التراحم مع الذات والتسامح مع أنفسنا.
  • تحدي أفكارنا الخاطئة وتنبؤاتنا السلبية.
  • التأني في إنجاز مهامنا، واختيار الترتيب الأنسب لنا حسب الأصعب ثم الأطول من حيث الوقت.
  • مكافأة أنفسنا بفعل ما نحب خلال وقت معين عند أداء بعض المهام المرهِقة أو بعدها.

على الرغم من المتعة اللحظية للتسويف؛ فإن العواقب السيئة ليست بالشيء الأمثل لمن يريد العيش بأعلى مستوى من الصحة. لذا من المهم البدء بتحديد المشاعر والعواطف التي تدفعنا لذلك؛ حينها سيصبح بمقدورنا العمل على تسويفنا بكل وعي وحزم.

ختاماً؛ يجب ألّا نسوّف العمل بما تعلمناه هنا، ونبدأ الآن وحالاً إن كنّا نعاني من عادة التسويف في حياتنا.