ما هي الأمور التي تجعلك تشعر بالسعادة؟ هل تسعد حين تشتري الأغراض الثمينة، أم حين تذهب في رحلة ومغامرة كنت تحلم بها طويلاً؟ أو ربما تحس بالسعادة حين تحقق نجاحاً في حياتك المهنية أو الشخصية أو حين تقابل حب حياتك الذي انتظرته سنوات، لكن هل فكرت من قبل أنك تنظر إلى السعادة دوماً خارج نفسك وتنسى الهرمونات الموجودة داخل جسدك والمسؤولة على نحو أساسي في شعورك بالسعادة؟ فما هي تلك الهرمونات؟ كيف تحفز إفرازها؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
ما هي هرمونات السعادة؟
هرمونات السعادة عبارة عن مواد كيميائية تنظم مشاعرك وحالتك المزاجية، ويمكن القول إن هناك بعض التداخل بين الهرمونات والناقلات العصبية، لكنّ ثمة فرقاً بينهما يكمن في أن الهرمونات تُنتجها الغدد الصماء وتُطلَق في مجرى الدم، ومن ثم تنتقل إلى الأعضاء والأنسجة المختلفة، أما الناقلات العصبية فتنتجها الخلايا العصبية، وتعمل الناقلات العصبية بسرعة لتسهيل الاستجابات الفورية مثل تغيرات الحالة المزاجية.
ويمكن القول إن هناك بعض المواد الكيميائية تعمل بصفتها هرمونات ونواقل عصبية في الوقت نفسه، على سبيل المثال، يمكن أن يعمل الدوبامين والسيروتونين عمل نواقل عصبية أو هرمونات اعتماداً على مكان إطلاقهما، ومن أهم الهرمونات المسؤولة عن سعادتك:
1. هرمون الدوبامين (Dopamine)
الدوبامين هو هرمون ونوع من النواقل العصبية، يؤثر في جسمك ودماغك وسلوكك، ويؤدي دوراً محورياً في كيفية شعورك بالمتعة والمكافأة؛ على سبيل المثال، عندما تمارس نشاطاً يجعلك تشعر بالرضا يطلق دماغك الدوبامين ومن ثم يجعلك تسعى على نحو طبيعي إلى تكرار النشاط أملاً في الحصول على المتعة والمكافأة، وعلى الرغم من أهمية هرمون الدوبامين في تعزيز شعورك بالسعادة والرضا فإن كثرة الدوبامين قد تؤدي إلى الإحساس بالقلق والأرق، بينما تؤدي قلته إلى الشعور بالتعب وضعف التركيز والاكتئاب.
وعموماً يفرز الجسم هرمون الدوبامين عندما تنجز ما تخطط له وحين تكون مبدعاً أو عندما تحس بالمتعة، وتكون راضياً عن نفسك، لذلك حاول أن تبذل قصارى جهدك وتنهي المهام التي تود إنجازها وبعد ذلك احتفل بانتصاراتك الصغيرة وستحس بتدفق الدوبامين ومن ثم تشعر بالسعادة.
اقرأ أيضاً: سؤال بسيط يختصر طريقك نحو السعادة
2. هرمون الأوكسيتوسين (Oxytocin)
الأوكسيتوسين هرمون تُفرز بالأساس منطقة تحت المهاد (الوطاء) ويُطلَق في مجرى الدم بواسطة الغدة النخامية، ويُعرف هذا الهرمون باسم "هرمون الحب" وتتجسد وظيفته الرئيسية في تسهيل عملية الولادة، وعلى الجانب الآخر يؤثر كذلك في تعزيز المشاعر الإيجابية.
ويمكن القول إن جسمك ينتج هرمون الأوكسيتوسين حين تحس بالحميمية مع شريكك الرومانسي، وعندما تقع في الحب، وحين تعانق أصدقاءك، إذ يقلل هذا الهرمون مستويات القلق والتوتر، ويساعدك على الشعور بالاسترخاء والرضا والسعادة.
3. هرمون السيروتونين (Serotonin)
ينقل هرمون السيروتونين الرسائل بين الخلايا العصبية في دماغك وأنحاء جسمك جميعها، ويؤدي هرمون السيروتونين دوراً محورياً في تنظيم العمليات الحيوية التي تخص جسمك، بما في ذلك التأثير في التعلم والذاكرة والسعادة، علاوة على تنظيم درجة حرارة الجسم والنوم والسلوك الجنسي والجوع، وغالباً ما يؤدي نقص السيروتونين إلى الشعور بالقلق والاكتئاب.
ومعظم السيروتونين في جسمك موجود في أمعائك؛ حيث يوجد نحو 90% من هرمون السيروتونين في الخلايا المبطنة للجهاز الهضمي، إذ يُنتج منه نحو 10% فقط في دماغك، وينظم هذا الهرمون حالتك المزاجية، فحين يطلقه الجسم في المستوى الطبيعي يؤدي إلى شعورك بالسعادة والرضا والهدوء والاستقرار العاطفي والتركيز، وغالباً ما تستهدف أدوية نفسية عديدة زيادة مستوى السيروتونين في دماغك، وذلك من أجل علاج القلق والاكتئاب واضطرابات المزاج الأخرى.
4. هرمون الإندروفين (Endorphin)
الإندروفين هو أحد الهرمونات التي يفرزها دماغك والتي عادة ما تمنحك شعوراً بالسعادة، ويطلق جسمك هرمون الإندروفين في أثناء ممارسة الأنشطة الممتعة مثل التمارين الرياضية والعلاقة الحميمية، وتعد الغدة النخامية ومنطقة تحت المهاد المنتجين الأساسيين للإندورفين، ويمكن القول إن هرمون الإندروفين يؤثر في تعزيز احترام الذات وتقوية وظائف الذاكرة، إضافة إلى أنه يتمتع بتأثير عميق في تسكين الآلام، وقد يؤدي نقصه إلى زيادة خطر الإصابة بمشاكل صحية مثل الآلام والأوجاع والاكتئاب وتقلبات المزاج والإدمان.
كيف تحفز إفراز هرمونات السعادة داخل جسمك؟
نعيش جميعاً نمط حياة متسارع، وفي الكثير من الأوقات قد يسبب لنا هذا النمط الشعور بالإجهاد والتعب، لذلك من المهم أن تحافظ على شعورك بالسعادة وتعززه، وإليك أهم النصائح التي ستساعدك على تحفيز إفراز هرمونات السعادة داخل جسمك على نحو طبيعي:
1. مارس الرياضة
هل لاحظت يوماً كيف يشعر جسمك عندما تكون تحت الضغط النفسي؟ في ذلك الوقت، تكون عضلاتك متوترة، وخاصة في وجهك ورقبتك وكتفيك، ما يجعلك تعاني آلام الظهر أو الرقبة، أو الصداع المؤلم، وقد تشعر بضيق في صدرك، ويمكن القول إن ممارسة التمارين الرياضية تكسر هذه الدائرة، لأنها تساعد على إطلاق هرمون الإندروفين ما يعزز شعورك بالسعادة والاسترخاء، هذا علاوة على تحسين التركيز والذاكرة والحالة المزاجية.
والحقيقة هي أنك لا تحتاج إلى تخصيص ساعات طويلة من يومك المزدحم للتدريب في صالة الألعاب الرياضية، أو الجري ميلاً تلو الآخر من أجل إفراز هرمونات السعادة، يكفي 30 دقيقة فقط من التمارين الرياضية 5 مرات في الأسبوع، يمكنك أيضاً ممارسة المشي السريع مدة 15 دقيقة يومياً إذا كان ذلك أسهل بالنسبة لك.
2. تعرض لأشعة الشمس صباحاً
يُحفّز ضوء الشمس إطلاق هرمون السيروتونين في دماغك، ويرتبط هذا الهرمون بتعزيز الحالة المزاجية ومساعدتك على الشعور بالهدوء والتركيز، ومن دون التعرض الكافي لأشعة الشمس، يمكن أن تنخفض مستويات هرمون السيروتونين لديك، وعادة ما ترتبط المستويات المنخفضة من السيروتونين بارتفاع خطر الإصابة بالاكتئاب العاطفي الموسمي (Seasonal Affective Disorder)، وهو شكل من أشكال الاكتئاب الناجم عن تغير الفصول.
اقرأ أيضاً: هل الأجدى انتظار مجيء السعادة مع تقدمنا في العمر؟
3. اقضِ المزيد من الوقت مع الأصدقاء
يحفز قضاء الوقت بصحبة أصدقائك إطلاق هرمونات السعادة مثل الدوبامين، بالإضافة إلى ذلك يمكن للضحك والأنشطة التي تجلب الفرح أن تؤدي إلى إطلاق الإندورفين، لهذا حاول مشاهدة فيلم كوميدي بصبحة أصدقائك، أو يمكنكم تبادل النكات، وحين تقابل أصدقاءك المقربين في المرة القادمة احتضنهم لأن التلامس الجسدي يحفز إطلاق هرمون الأوكسيتوسين، ما يعزز مشاعر الحب والدفء والتواصل.
4. تناول الأطعمة التي تعزز الشعور بالسعادة
يؤثر نوع الطعام الذي تتناوله دوراً مهماً في إنتاج هرمونات السعادة، على سبيل المثال عندما تتناول طعاماً لذيذاً، تزداد مستويات الإندورفين، بالإضافة إلى ذلك فإن الطعام الحار يحفز الإندورفين، إضافة إلى أن اللحوم والزبادي والبيض والفاصوليا تحفز إنتاج الدوبامين. على الجانب الآخر، تساعد الكربوهيدرات المعقدة مثل الحبوب الكاملة على إنتاج السيروتونين، ما يعزز الحالة المزاجية على نحو إيجابي، كما تعزز الشوكولاته الداكنة أيضاً مستويات هرمون السيروتونين، ولكن احرص جيداً على اختيار الشوكولاتة التي تحتوي على 70% على الأقل من الكاكاو للحصول على أقصى قدر من الفوائد.
5. مارس التأمل
يعد التأمل أداة قوية لتعزيز الصحة النفسية والسعادة؛ حيث تؤدي ممارسة التأمل إلى زيادة مستويات هرمون السيروتونين والإندورفين، ما يؤدي إلى تحسين الحالة المزاجية وتقليل التوتر، بالإضافة إلى ذلك فإن قضاء بضع دقائق فقط كل يوم في التأمل يمكن أن يدرّب دماغك على التركيز على اللحظة الحالية، ما قد يؤدي إلى شعورك بالاسترخاء والهدوء.
6. استمع إلى الموسيقا
هل جربت من قبل أن تنجز أعمالك المنزلية وأنت تستمع إلى الموسيقا المنبثقة عبر الراديو أو من خلال هاتفك المحمول؟ ماذا تشعر بعد الاستماع إلى أنغام الموسيقا؟ في الحقيقة إن ذلك الأمر يؤدي إلى إطلاق هرمون الدوبامين والإندروفين ولذلك قد تجعلك الموسيقا تحس بالسعادة.
تجدر الإشارة إلى أن المسببات السابقة للسعادة تختلف من شخص إلى آخر. وفي هذا السياق، يؤكد الطبيب النفسي إبراهيم حمدي أن بعض الأنشطة قد تؤدي إلى سعادتك، لكن النشاط نفسه قد لا يسبب السعادة لصديقك على سبيل المثال، ويضيف حمدي أن الأنشطة السابقة التي تحفز إطلاق هرمونات السعادة ليست بديلاً عن العلاج النفسي، لذلك إذا كنت تعاني الاكتئاب فإن الاستماع إلى الموسيقا ليس بديلاً للدواء.