لا تتخلَّ عن صندوق ذكرياتك، فقد يحمل علاج آلامك!

3 دقائق
الذكريات

بين حين وآخر، خاصة بعد المرور بتجربة مرهقة نفسياً، أتجه تلقائياً لصندوق ذكرياتي الذي يحوي قصاصات من جرائد قديمة بها صور فنانين أحبهم أو إعلان لمنتج ما كان لصيق الصلة بمرحلة الطفولة، وكذلك بعض الصور الشخصية من تلك المرحلة، وبقايا ألعاب، وغيرها من الذكريات المحبَّبة لي.
ربما فكّرت في التخلُّص من بعض مقتنيات هذا الصندوق خلال التنقُّل والسفر من مكان لآخر؛ لكن دائماً ما كنت أتخلّص من الذكريات الأحدث، تاركة القديمة والخاصة بمرحلة الطفولة والمراهقة بأمان للعودة إليها من وقت لآخر.

في حين أن ذلك قد يبدو أمراً شخصياً يختلف مدى أهميته من شخص لآخر؛ إلا أن نتائج دراسة حديثة أجراها باحثون في الأكاديمية الصينية للعلوم أشارت إلى دور مشاهدة صور الماضي من عناصر مختلفة كالملصقات وأشياء مرتبطة بالطفولة، وما تولّده من مشاعر الحنين في تقليل الشعور بالألم.

فوائد الحنين إلى الماضي على الصحة النفسية

تأتي كلمة الحنين إلى الماضي (Nostalgia) من الكلمات اليونانية التي تشير إلى العودة للوطن (nostos)، والألم (algos). ويُستخدَم ذلك المصطلح لوصف المشاعر التي تنشأ من الذكريات الجميلة الممزوجة بالشوق.

يمكن للحنين أن يعزز عافيتنا الشخصية، وهو يختلف عن عملية التذكُّر التي يمكن أن تجعلنا نشعر بالحزن أحياناً والندم في أحيان أخرى، فالحنين إلى الماضي هو طريقة خالية من المقارنة للنظر إلى الماضي.

كذلك في مقال بعنوان: "الحنين: خلط الذاكرة بالعاطفة والرغبة"، أورد عالم النفس "قسطنطين سيديكيدس" (Constantine Sedikides) وزملاؤه ثلاث وظائف يؤديها الحنين إلى الماضي؛ وهي:

  • الشعور بإيجابية أكبر تجاه أنفسنا والمستقبل.
  • رؤية الحياة على أنها ذات مغزى.
  • زيادة الترابط الاجتماعي.

كما أوضح سيديكيدس في دراسة أخرى حول تأثير الحنين في الصحة النفسية أن التفكير بذكريات الماضي له عدة فوائد نفسية وعاطفية واجتماعية؛ حيث أنه يزيد من التفاؤل واحترام الذات واستعادة التوازن النفسي. كما أنه قد يكون محفِّزاً لتحقيق الأهداف، ربما يكون ذلك بإعادة صياغة التجارب السابقة المؤلمة بطريقة أقل ضرراً. كذلك، فالحنين إلى الماضي فعّال في تخفيف مشاعر الوحدة، وتقليل التوتر والقلق، ويساعد على زيادة الإحساس بالحيوية وتعزيز السلوكيات الصحية.

الحنين إلى الماضي يمكن أن يقلل الشعور بالألم

توضح الدراسة الحديثة المنشورة في 1 مارس/آذار 2022 في مجلة علم الأعصاب (JNeurosci)، أن التفكير في الذكريات الجميلة يتجاوز الشعور بالدفء؛ حيث يمكن للحنين أن يقلل من إدراك الألم بتقليل النشاط في مناطق الدماغ المسؤولة عن ذلك الأمر.

قام الباحثون في هذه الدراسة بقياس نشاط الدماغ بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لدى 34 من المشاركات البالغات - تتراوح أعمارهن بين 18 و25 - خلال عرض صور تبعث على الشعور بالحنين إلى الماضي، ومشاهد وعناصر من الطفولة، مع تعرُّضهم للألم من منبِّهات حرارية.

على سبيل المثال؛ عُرضت على المشاركات صور لبرامج تلفزيونية شهيرة أو إعلانات تجارية؛ مثل حلوى شهيرة، وعروض تلفزيونية أو رسوم كرتونية من فترة طفولتهم. بينما عُرضت على المشاركين في مجموعة التحكُّم صور حديثة من ثقافة البوب ​​لا تثير الحنين إلى الماضي.

وبتحليل النتائج؛ وجد الباحثون أن عرض صور الماضي أدى إلى تقليل معدلات الشعور بالألم مقارنة بمشاهدة الصور الحديثة في مجموعة التحكُّم، وخلصوا إلى أن هناك إمكانيةً أن تكون الذكريات الجميلة بمثابة نوع من مسكنات الآلام، وأن الحنين إلى الماضي قد يكون وسيلة خالية من الأدوية للتخفيف من مستويات الألم؛ مثل الصداع أو الألم الخفيف.

الذكريات والألم الجسدي

تعزز نتائج تلك الدراسة الحديثة نتائج دراسة سابقة بحثت أيضاً في التأثير المحتَمَل للحنين إلى الماضي في تخفيف الألم الجسدي ونُشرت في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2020 بدورية "الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" (Personality and Social Psychology)؛ والتي أظهرت أن الحنين إلى الماضي قد يكون بمثابة مورد نفسي مهم لتقليل شدة الألم الجسدي.

أُجري ذلك البحث بأميركا واليابان من خلال دراستين. أظهرت نتائج الدراسة الأولى أن إحداث الحنين إلى الماضي من خلال الكتابة يقلل من شدة الألم المتصورة بين الذين يعانون من الألم المزمن، كما أظهرت الدراسة الثانية أن المشاركين استطاعوا تحمُّل ألم مهمة شاقة -الحد الأقصى من الألم الذي يمكن للشخص تحمله- بعد التفكير بأشياء ولّدت الحنين إلى الماضي.

وأخيراً؛ إن مشاهدة الصور التي تحفزنا على الحنين إلى الماضي والتي تأخذنا إلى ذلك المكان الدافئ والآمن ليست نوعاً من الهروب؛ بل قد تكون ذات دور حيوي في إثارة المشاعر الإيجابية من خلال تذكيرنا بأوقات أكثر سعادةً تساعدنا أن نتحمّل الآلام النفسية أو الجسدية.

فلتحتفظ بصندوق ذكرياتك الذي قد تكون له آثار إيجابية -لا يمكنك إدراكها في الوقت الحاضر- في مكان آمن، فلعله يكون مصدراً لتعزيز صحتك النفسية والبدنية يوماً ما.