قابلت أحد أصدقائي المقربين منذ عدة أيام وانخرط معي في الحديث حول المشكلات التي تواجهه في عمله، وعندما حللتها على مهل وجدت جذورها تكمن في نقطة رئيسية، هي: غياب الحدود بين العلاقة الشخصية والمهنية، فمساحة المرونة بين الأصدقاء عندما توجد في أماكن العمل قد تؤدي أحياناً إلى ضياع الحقوق، وهي من جانب آخر ربما تُشعر الموظف بالضغط جراء تضارب مشاعره، وتجعله يقف في مساحة يجد نفسه فيها أمام سؤال محير: هل زميلي في العمل صديقي الوفي؟ لذا سنتعرف في هذا المقال إلى الأسباب التي تجعل من الأفضل تجنب الصداقة في مكان العمل، وأيضاً نستعرض إرشادات فعالة تساعدك على بناء علاقات مهنية صحية ومتزنة.
لماذا عليك ألا تصادق زملاءك في العمل؟
حسناً، تخيل معي أن لديك زميل عمل وصديقاً في الوقت نفسه، هذا يعني أنه ربما يأتي في أحد الأيام مشحوناً جراء تعرضه لمشكلة شخصية سيشارك أدق تفاصيلها معك، وبالتالي سيأخذ الكثير من وقتك في الدوام، وأيضاً قد يستنزف تركيزك لتكون المحصلة النهائية انخفاض إنتاجيتك، وربما تعرضك للإنذار من جانب مديرك لتدهور مستواك.
وهناك بعدٌ آخر، وهو أن ذلك الصديق قد يأتي إليك في يوم ويطلب منك أداء مهمة إضافية نتيجة عدم توافر القدرة لديه على تسليمها في موعدها، وغالباً ستجد نفسك ترضخ لطلبه تحت ضغط الإحراج باعتبار أنكما صديقان، لذا عليك أن تحافظ على عمق العلاقة بينكما.
لكن التأثير الأكثر خطورة أنه مع كثرة صداقاتك في مكان العمل ستجد أنك تشارك تلقائياً تفاصيل شخصية عن حياتك، قد تكون هذه التفاصيل عن مشكلاتك الأسرية أو الزوجية، أو تعرضك لمشكلات مالية أو مرورك بأوقات مرهقة، بغض النظر عن طبيعة المشكلة ستجد أن هذه التفاصيل قد انتشرت على نطاق واسع، وربما تتسبب في مشكلات لك مع مدرائك أنت في غنى عن الدخول فيها.
أما إذا كان صديقك في العمل هو مديرك فهذا يعد سبباً كافياً لصنع عداوة مع زملائك الذين هم في درجتك الوظيفية نفسها، باعتبار أنك تنقل ما يدور بينهم إلى الإدارة وتشي بهم، وفي حال حصلت على ترقية، حتى ولو كنت تستحقها، سيرون أنها ليست سوى ثمرة لصداقتك مع المدير!
أيضاً تعد الصداقة في مكان العمل بوابة للانتقادات المتعدية، فقد يقلل أصدقاء العمل قدراتك المهنية نتيجة غياب الحدود الواضحة بينك وبينهم، بالإضافة إلى أنك ستجد صعوبة في الموازنة بين حياتك المهنية والشخصية لأنهم قد يتصلون بك بعد أوقات الدوام أو يخرجون بصحبتك في عطلة نهاية الأسبوع.
من ناحية أخرى تسهم الصداقات في بيئات العمل إلى صنع تحزّبات تجعل سير العمل لا يستهدف تحقيق المصلحة أحياناً وإنما خدمة أفراد كل حزب بعضهم لبعض، ومن ثم تنمو العداوات وتتحول بيئة العمل إلى بيئة سامة تصيب العاملين فيها بالاحتراق الوظيفي.
اقرأ أيضاً: ماذا تفعل إذا كنت لا تشعر بالرغبة في العمل اليوم؟
4 إرشادات عملية لبناء علاقات عمل صحية
لتكون الصورة واضحة تماماً، فالهدف من الجزئية السابقة ليس أن تقطع صلتك بزملائك في العمل، إنما الأفضل لك ولهم أن تبني معهم علاقات متزنة، وهذا ما يمكنك تحقيقه باتباع الإرشادات التالية:
- ضع الحدود الواضحة: توضح لك خبيرة علم النفس التنظيمي، إيمي حكيم، أنه ليس مطلوباً منك في العمل أن تكون الصديق الأفضل إنما المطلوب أن تكون شخصاً مهذباً ولطيفاً، لذا عليك أن تلتزم بنطاق العلاقة المهنية الطيبة في حدودها الواضحة، فلا تشارك تفاصيل حياتك الشخصية أو أسرارك أو حتى أحلامك وأهدافك بعيدة المدى، وأيضاً تجنب دعوة زملاء العمل إلى منزلك لتناول الغداء إنما يمكنك فقط تناول القهوة معهم أو أي وجبة من وجبات اليوم في مكان عملكم.
- تجنب القيل والقال: إحدى المشكلات الشائعة التي تؤدي إلى غياب الثقة في بيئة العمل هي تحدُّث الموظفين بعضهم عن بعض من وراء ظهورهم، وحتى لا تقع في هذه المشكلة في حال واجهت إشكالاً ما مع أحد زملائك، فإما أن تواجهه مباشرة، وإما تخبر مديرك بما حدث حتى تكون قنوات الاتصال التي تسير فيها واضحة وليس فيها مجال لتحريف مواقفك وتحويلها إلى صراع شخصي.
- أظهر لفتات بسيطة للود والامتنان: يساعدك الثناء واللطف على توطيد علاقتك بزملائك، لذا لا تتأخر في أن تمتدح زميلك أمام الجميع على تفانيه ومستواه المتقدم، أو تحضّر وجبة خفيفة لزميل آخر في مناسبة اجتماعية تخصه، أو ترسل رسالة لمديرك تشكره فيها على تعاونه معك وحرصه على تطورك.
- انشغل بإنتاجيتك: يشير المعالج النفسي أسامة الجامع إلى أنه في بعض أماكن العمل قد تكثر الاصطفافات والتحزبات والتحيزات، وفي مثل هذه الأجواء ينصحك الجامع بأن تكون منشغلاً بإنتاجيتك وتطوير نفسك، وأن تقدم الكلمة الطيبة والنية الصافية، وتقف على مسافة واحدة من الجميع فلا تجامل شخصاً على حساب حقوقك، وفي الوقت نفسه لا تكن صدامياً بل كن مرناً ضابطاً لمشاعرك.
اقرأ أيضاً: "متلازمة عامل الفقاعة": هل يمكن أن يدمر العمل حياتك وماذا تفعل لتقي نفسك؟