كل ما تريد معرفته عن رهاب الظلام أو النيكتوفوبيا

5 دقائق
رهاب الظلام أو النيكتوفوبيا

لا يرتبط رهاب الظلام أو "النيكتوفوبيا" بالأطفال فقط؛ بل يعاني منه البالغون أيضاً؛ ما يجعلهم يشعرون بقلق كبير عندما يحين وقت النوم.
ما هو تفسير الخوف من الظلام وكيف يمكن للمصاب به أن يتحرر منه؟ تقدم لنا الخبيرة آن شارلوت سانغام، بعض النصائح حول هذا الموضوع، وتساعدنا في حل هذا اللغز.

عندما يأتي الليل، فإن ذلك يعني أن وقت "استيقاظ الوحوش" قد حان بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من رهاب الظلام. وفي حين أن الأطفال معرضون لهذا النوع من الخوف على وجه الخصوص، فإن بعض البالغين يعانون منه أيضاً. هذا هو الحال مع إيناس؛ التي تبدأ مخاوف الذهاب إلى السرير بالسيطرة عليها حالما تغيب الشمس، وهي على هذا الحال منذ ثلاث سنوات ونصف.

تقول إيناس: "أخشى حقاً الذهاب إلى النوم، لذا أحاول تأخير ذلك قدر الإمكان". وتتابع إيناس التي يشكل الذهاب إلى النوم تحدياً حقيقياً بالنسبة لها: "أشعر بالقلق والتوتر الشديدَين، وتنشأ الكثير من السيناريوهات في ذهني؛ ما يؤدي بالتالي إلى معاناتي من الأرق".

رهاب الظلام والصدمات التي تطفو على السطح

توضح آن شارلوت سانغام؛ مدربة اليوغا ومؤلفة كتاب "قصص قبل النوم للبالغين الذين يخافون من الظلام" (Histoires du soir pour les adultes qui ont peur du noir): "تبدأ مشاعر القلق بالظهور لدى الأشخاص الذين يعانون من رهاب الظلام عند حلول المساء؛ وسبب ذلك هو أن عدم قدرتهم على النوم بسبب خوفهم من الظلام، يجعل من أحلامهم مصدر توتر لهم؛ حيث يمكن للصدمات التي تعرضوا لها سابقاً أن تطفو على السطح مجدداً على هيئة كوابيس، فهي تعود إليهم بهذه الطريقة رغم أنها قد تكون ذكريات منسيةً بالنسبة لهم".

وهذا ما يحدث بالفعل مع إيناس التي توقظها كوابيسها عدة مرات خلال الليل، وقد تستيقظ وهي تبكي وتتعرق، وأحياناً وهي تصرخ.

وتتحدث إيناس عن منشأ هذه الكوابيس قائلةً: "تعرّضتُ لصدمة في أغسطس/ آب 2017، وتُعد مشاعر القلق والخوف هذه التي أعاني منها اليوم، انعكاساً لهذه الصدمة". وتتابع: "تحاصرني هذه الكوابيس ليلاً بما يرفض وعيي رؤيته خلال النهار".

مرت إيناس بعلاقة عاطفية سامة؛ إذ عانت من العنف النفسي والجسدي على يد شريكها السابق، ثم تلت ذلك الآثار التي عانت منها بعد انفصالها عنه. تقول إيناس: "كنتُ لا أزال  أحبه عندما انفصلت عنه، وكانت فكرة خسارته تؤلمني بالفعل؛ لكنني أصبحتُ أعي في الوقت ذاته مدى التأثير السّام لذلك الشخص في حياتي".

وبعد كل ما مرت به؛ تخشى إيناس اليوم من تلك الليالي التي تذكّرها فيها كوابيسها بالعنف الذي عانت منه خلال تلك العلاقة.

الخوف من مواجهة الذات

بالنسبة إلى آن شارلوت سانغام، فإن رهاب الظلام يأخذ أبعاداً أكبر لدى الأشخاص الذين يعانون من مزاج تسيطر عليه مشاعر التوتر أو القلق. وسواء كان التوتر الذي نعاني منه مرتبطاً بحياتنا الشخصية أو المهنية، فإنه يمكن أن يلحق بنا إلى السرير عندما نحاول أن نخلد إلى النوم.

توضح آن شارلوت سانغام: "ينشأ الخوف من فكرة مواجهة الذات في وقت النوم، فحتى لو كنا نعيش مع شريك، فإننا نواجه أحلامنا وحدنا؛ حيث تسيطر علينا جوانبنا المظلمة وتعبر عن "نفسها"، فنحن ننظر إلى عيوبنا في وقت النوم".

وهذا هو بالضبط ما يحدث مع هدى -التي تعاني من قلق مستمر بطبيعتها- في كل مرة تحاول فيها أن تخلد إلى النوم؛ وتوضح: "لطالما كان لدي هذا الخوف من النوم بسبب حالة الفراغ التي كنت أعيش فيها وعدم الانشغال بأي شيء. كانت فكرة عدم القيام بأي شيء تثير قلقي، خاصةً عندما كنت صغيرةً واستمرت معي هذه الحالة حتى سن المراهقة، وأدى ذلك في نهاية الأمر إلى شعور دائم بالتوتر قبل النوم.. لقد أصبحت حالةً مستمرة لدي؛ كان الأمر مريعاً".

وتتابع: "في مواجهة هذا الوضع؛ أحاول أن أرهق نفسي بفعل أي شيء؛ كالقراءة أو مشاهدة التلفاز، لأشعر أنني غير قادرة على النوم؛ وهكذا هو الحال دائماً". وتوضح هدى أن خوفها من النوم يرتبط بخوف والديها الشديد عليها عندما كانت صغيرةً: "لقد كان والداي يقلقان عليّ دائماً عندما أخلد إلى النوم ليلاً؛ أتذكر أنهما كانا يأتيان إلى غرفتي عندما أكون نائمةً للتأكد من أنني بخير، وحالما كنت أشعر بخوف طفيف كانا يأخذانني لأنام معهما في غرفتهما؛ أعتقد أنهما قد نقلا إليّ هذا القلق الليلي الذي كانا يعانيان منه".

إذا كان خوف هدى يتعلق بالنوم بشكل خاص، فإن هذا الخوف مرتبط بوضوح بالنوم خلال فترة الليل، لأن أخذ قيلولة في أثناء النهار لا يُعد مشكلةً بالنسبة لها. تقول هدى: "أشعر بالتعب الجسدي والذهني، لذا يطلب مني جسدي أخذ قيلولة في أثناء النهار ومع ذلك، فالأمر مختلف في الليل؛ حيث يكون النوم مهمةً صعبةً".

الخوف من الظلام يرتبط بالحكايات والأساطير الشعبية

إضافةً إلى المخاوف الشخصية التي قد يعاني منها المرء في وقت النوم؛ يمكن أن تكون هنالك مخاوف خارجية.

تقول آن شارلوت سانغام: "يمكن للمخاوف القديمة التي لم تعد تعنينا في عالمنا اليوم؛ أن تظهر في الليل من خلال اللاوعي الجمعي لدينا. على سبيل المثال؛ مخاوف الإنسان البدائي عندما كان يحل الظلام من عدم عودة الضوء في اليوم التالي".

كما يمكن للمعتقدات الشائعة مثل الحكايات المتناقلة بين جميع ثقافات العالم والأساطير، أن تؤثر في أذهاننا. وكمثال على ذلك؛ قصص الرعب. تقول هدى: "عندما كنتُ أصغر سناً، كنتُ من محبي القصص المخيفة الواقعية. كنت أستيقظ من النوم بسبب أدنى ضجيج، كما كنت أترك غرفتي مضاءةً بالكامل عند النوم لأشعر بالاطمئنان، وبقيتُ على هذا الحال منذ كنت في العاشرة وحتى أصبحتُ في سن 14 أو 15 عاماً".

كحال هدى؛ تعاني رندة من رهاب الظلام، وتحتاج إلى ترك غرفتها مضاءةً ليلاً أيضاً لتتمكن من النوم، ويرتبط هذا الخوف أيضاً بالمعتقدات الشعبية؛ أو القصص المخيفة التي يتم تداولها على نطاق واسع على الإنترنت.

تقول رندة: "بدأتُ أشعر بالخوف بعد مشاهدة مقطع فيديو قالت فيه فتاة إنها شاهدت الشيطان من خلال النافذة". وتتابع: "لا يخيفني عادةً هذا النوع من مقاطع الفيديو "الخارقة للطبيعة" على الإطلاق؛ لكن هذا الفيديو أزعجني كثيراً. منذ ذلك الحين واجهتُ صعوبةً كبيرةً في النوم؛ لقد أصبحت غرفة نومي تبدو مختلفةً جداً بالنسبة لي، ودائماً ما أجد صعوبةً في إغماض عينيّ دون تخيل أشياء مروعة".

اقرأ أيضاً:

تقنيات تساعد ممارستها على تهدئة النفس

تقدم آن شارلوت سانغام في كتابها "قصص قبل النوم للبالغين الذين يخشون الظلام" (Histoires du soir pour les adultes qui ont peur du noir)، عدة أساليب تساعد ممارستها على تحقيق الهدوء النفسي قبل النوم؛ ونذكر لكم بعضاً منها.

احتفظ بقائمة الامتنان

تتمحور فكرة قائمة الامتنان حول التركيز على الأشياء الإيجابية التي تمر بها خلال اليوم، مهما كانت صغيرة. على سبيل المثال؛ مشاهدة أشعة الشمس؛ أو عندما يبتسم لنا أحد المارة في الشارع.

تساعدك كتابة قائمة صغيرة من 3 أشياء إيجابية في قائمة الامتنان الخاصة بك كل ليلة على الشعور براحة البال قبل النوم. تميل أذهاننا إلى استعادة التوترات التي تواجهنا في حياتنا اليومية؛ مثل الجدال مع الشريك أو المصاعب التي تواجهنا في العمل، عندما يحين وقت النوم، لذا فإن ممارسة هذا التمرين في هذه اللحظة بالذات، يمكن أن تهدئ نفسك وتساعدك على النوم.

ممارسة التأمل لتهدئة النفس

إذا كان اقتراب وقت النوم يجعلك قلقاً، فيمكن  لتقنيات التأمل؛ مثل التخيل، أن تساعدك في الحد من هذه المشاعر. يمكنك تخيل مكان مفعم بالرفاهية؛ إذا كان الشاطئ مكاناً مريحاً لك، فتخيل نفسك على حافة الماء؛ تنعم بأشعة الشمس وتستمتع بهذه اللحظة. من الممكن أيضاً إنشاء شاشة تخيلية في ذهنك؛ شاشة عرض سينمائية لتسهيل تصوّر اختيارك.

وتُمثل تمارين اليوغا أو تمارين التنفس حلاً فعالاً أيضاً؛ كن مدركاً لجسمك، وركز على ما تشعر به في كل جزء منه، وتنفس بعمق لمدة 5 دقائق أو أكثر.

ارسم مشاعرك الإيجابية

يمكن أن يساعدنا الفن -وخاصةً الرسم- كأداة مهدئة للنفس، في التخلص من مشاعرنا السلبية. عندما نخربش أو نستخدم ألواناً معينة، فإن ذلك يُبرز خوفنا وغضبنا. يساعدنا الرسم على تحرير الطاقة السلبية من خلال دمج ألوان جديدة وزاهية يعبّر مظهرها عن المشاعر الإيجابية.

القراءة قبل النوم

من الضروري أن نتجنب النظر إلى الشاشات ليلاً؛ إذ يحول الضوء الصادر دون استعداد العقل للنوم. من ناحية أخرى؛ يمكن للقراءة أن تكون حلاً فعالاً في مساعدتنا على النوم - شرط أن نتجنب قراءة قصص الرعب.

وتتيح لنا القراءة قبل النوم إعادة الاتصال بعادات الطفولة، وتذكّرنا بالهدوء الذي كنا نشعر به عندما كان أحدهم يقرأ لنا قصة. كما أنها تُسهّل الانتقال من مرحلة اليقظة إلى مرحلة الاستغراق في النوم.