اتبع هذه الخطوات العملية لتتخلص من السموم الرقمية

5 دقيقة
السموم الرقمية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

إنه ليس مجرّد هاتف ذكي أو جهاز لوحي أو حاسوب شخصي فقط، هو ساعة منبهة، ومترجم فوري ومساعد في الملاحة، وحتى مساعد شخصي ينظم لك رسائلك واجتماعاتك وبريدك الإلكتروني، علاوة على ما يقدمه من تسلية وترفيه في قائمة الألعاب وتطبيقات التواصل الاجتماعي التي تشغلك عن التواصل الواقعي، وحتى عن زيارة السينما لمشاهدة فيلم جديد. وعلى الرغم من أن هذه الأجهزة الرقمية قد قرّبت المسافات، وسهّلت إنجاز المهام والواجبات اليومية، فإن وابل الإشعارات ورسائل البريد الإلكتروني والتحديثات على مدار الساعة، يمكن أن يسبب لك شعوراً بالإرهاق والاستنزاف والتوتر. لتقليل هذا التوتر والضغط، من المفيد أخذ فترات راحة من الأجهزة الرقمية، وهو ما يُعرف بـ "التخلص من السموم الرقمية" (Digital Detox). فما الفوائد التي تقدمها هذه التجربة؟ وكيف يمكن تطبيقها؟

ما المقصود بالتخلص من السموم الرقمية؟

التخلص من السموم الرقمية؛ إنه فصل نفسك عن التكنولوجيا كلها، وإزالة الأجهزة الرقمية جميعها بما فيها من هواتف ذكية وأجهزة لوحية وحواسيب شخصية، وإراحة عقلك وجسدك فترات محددة، من بضعة أيام حتى عدة أشهر. يمكن وصفه بأنه فرصة لتقليل التوتر والتركيز على التفاعل مع العالم الفعلي، ما قد يجعلك سعيداً بالفعل ويساعدك في الحصول على بعض الراحة.

يشير الطبيب النفسي، إبراهيم حمدي، إلى أن التخلص من السموم الرقمية له آثار نفسية إيجابية؛ مثل تخفيف التوتر، وتحسين النوم، وتعزيز التركيز والعلاقات الاجتماعية. ومع ذلك، قد تظهر بعض الآثار الجانبية المؤقتة مثل القلق أو الشعور بالعزلة في البداية، لكنها لا تلبث أن تزول مع الوقت، لتفسح المجال لراحة نفسية أعمق وتوازن ذهني أفضل.

6 علامات تشير إلى ضرورة التخلّص من السموم الرقمية

إذا كنت تتساءل عما إذا كنت بحاجة إلى التخلص من السموم الرقمية، ففكر في كيفية تأثير الوسائط الإلكترونية في حياتك اليومية، وتتبَّع العلامات التالية:

  1. المزاج المكتئب.
  2. زيادة الانفعال والإحباط أو الغضب.
  3. الشعور بعدم الأمان.
  4. اضطرابات النوم أو النوم المتقطع.
  5. الرغبة القهرية باستهلاك المحتوى باستمرار، والرد على الرسائل، والتفاعل مع المنشورات، أو التحقق على نحو متكرر من الإشعارات.
  6. تجاهل مسؤوليات المنزل أو العمل.

إذا لاحظت هذه السلوكيات في نفسك، فقد تكون تلك إشارة إلى ضرورة الابتعاد عن أجهزتك والتخلص من السموم الرقمية.

كيف تؤثر السموم الرقمية في صحتك النفسية والجسدية؟

على الرغم من أن إدمان التكنولوجيا لم يُصنّف بعد ضمن الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DSM-5)، فإنه يعد سلوكاً إدمانياً، ويمكن أن يؤدي إلى مشاكل جسدية ونفسية واجتماعية، من أهمها:

التوتر والإجهاد التكنولوجي

على الرغم من أن العديد من الأشخاص يشعرون بأنهم لا يستطيعون تخيل الحياة من دون أجهزتهم الرقمية، فإنها قد تكون مصدراً رئيسياً للتوتر، حيث أشار استطلاع للرأي أجرته الجمعية الأميركية لعلم النفس (American Psychological Association)، إلى أن نحو 18% من البالغين في الولايات المتحدة أصيبوا بالتوتر والإجهاد الإلكتروني نتيجة استخدام التكنولوجيا. غالباً ما يأتي هذا التوتر من الاتصال الرقمي المستمر والحاجة إلى التحقق المتكرر من رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي.

علاوة على ذلك، قد يُصاب البعض بظاهرة تُعرف باسم فومو (FOMO) أو الخوف من تفويت الفرصة. يحدث الفومو عندما تخشى أن يخوض الآخرون تجارب مثيرة من دونك، ما يدفعك إلى البقاء على اتصال دائم بالعالم الرقمي للحصول على التحديثات. وفي حالات متقدمة، يمكن أن يؤدي الفومو إلى عدم الرضا عن الحياة الشخصية، فتبدأ أعراض الاكتئاب. يمكن ملاحظة هذه الظاهرة خاصة لدى الفرد الذي يلجأ إلى الإنترنت من أجل إشباع حاجة ملحة للوصول إلى شعبية ساحقة واعتراف اجتماعي لم ينجح في تحقيقهما على أرض الواقع.

اضطرابات النوم

وجدت دراسة منشورة في دورية صحة النوم (Sleep Health) أن 70% من المشاركين يتفقدون وسائل التواصل الاجتماعي على هواتفهم في أثناء وجودهم في السرير، ما من شأنه أن يسبب اضطرابات النوم من خلال عدة طرق:

  • تصدر الأجهزة مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر الضوء الأزرق، والذي يمكن أن يثبط إنتاج الميلاتونين، وهو الهرمون الذي ينظم دورة النوم.
  • الانخراط في المحتوى على الأجهزة الإلكترونية خلال ساعة ما قبل النوم يمكن أن يُبقي عقلك نشطاً، ما يجعل من الصعب الاسترخاء قبل النوم.
  • غالباً ما يرتبط السرير بالراحة، لذا قد يكون مجرّد الاستلقاء في السرير وسيلة مساعدة على النوم، ومع ذلك، عندما تمارس أنشطة أخرى في السرير، مثل مشاهدة التلفاز أو تصفّح الإنترنت، فإن الجسم يفقد هذا الارتباط، وتضطرب أنماط النوم لديه، فيواجه صعوبة في النوم ليلاً ما يؤدي إلى الإصابة بالأرق.

مشكلات الصحة النفسية

يمكن أن تخلق وسائل التواصل الاجتماعي توقعات ومقارنات غير واقعية، وتُعرّض الفرد للتنمر الإلكتروني، ما يؤدي إلى الشعور بعدم الكفاءة وانخفاض احترام الذات، مثل رؤية حياة الآخرين مثالية باستمرار إلى الدرجة التي تجعل الأفراد يشعرون بالسوء تجاه حياتهم، ما يسهم في الاكتئاب والقلق. كما قد تسبب الإشعارات المستمرة وتعدد المهام التي تتطلبها الأجهزة الرقمية صعوبة في التركيز على مهمة واحدة، وتفاقم أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط.

اقرأ أيضاً: كيف توقعنا شبكات التواصل الاجتماعي في فخ الاكتئاب؟

اختلال التوازن بين العمل والحياة

عندما يصبح جهازك الإلكتروني صديقك ومساعدك الشخصي، حينها قد يكون من الصعب الفصل بين الحياة الشخصية والعمل. فأنت على اتصال مع مجريات العمل حتى في إجازتك، وفي الوقت ذاته، قد يغنيك هذا الجهاز عن لقاء حقيقي مع أصدقائك والدردشة معهم والاستفسار عن أحوالهم لأنك تتابع دائماً أخبارهم عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

أشارت دراسة نشرتها مجلة البحث التطبيقي في جودة الحياة (Applied Research in Quality of Life)، إلى أن الاستخدام المفرط للإنترنت وتقنيات الهاتف المحمول أثّر على الرضا الوظيفي العام، وسبّب شعوراً بضغط العمل والإرهاق.

اقرأ أيضاً: ما الأسباب الخفية لإصابتك بالفومو؟

الهلوسة السمعية

في دراسة نشرتها مجلة علوم الإعلام والاتصال الفرنسية (French Information and Communication Sciences Review)، أفاد نحو نصف المشاركين بأنهم شعروا بالقلق عندما فقدوا هواتفهم، أو اضطروا إلى إيقاف تشغيلها، أو لم يتمكنوا من استخدامها بسبب ضعف التغطية أو نفاد البطارية.

وقال 42% من المراهقين إنهم سيصابون بالانهيار إذا اضطروا إلى الاستغناء عن هواتفهم بضعة أيام. وقد أدى هذا القلق إلى حالة جديدة تسمى نوموفوبيا (Nomophobia)، أو رهاب عدم وجود الهاتف المحمول.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط للهواتف الذكية إلى الهلوسة السمعية، حيث يتوهم الناس أنهم سمعوا مكالمة أو رسالة أو إشعاراً.

8 نصائح للتخلص من السموم الرقمية

لنكن واقعيين، قد يكون من الصعب الاستغناء الكلي عن الأجهزة الرقمية، لأنها سهّلت علينا حياتنا وقرّبت المسافات، لكن لحسن الحظ، يمكن الوصول إلى فوائد التخلص من السموم الرقمية بتقليص وصولنا إليها وليس الاستغناء الكلي عنها، وذلك من خلال اتباع النصائح التالية:

  1. عطّل تشغيل الإشعارات الفورية التي يمكن الاستغناء عنها: يشير الباحث في تكنولوجيا الاتصالات في جامعة ولاية أوهايو (Ohio State University)، جيسي فوكس (Jesse Fox)، إلى أن المقاطعة بالإشعارات لأكثر من 5 مرات في نصف ساعة، لن يسمح بالتركيز، لذا ينبغي إيقاف أكبر عدد ممكن من الإشعارات غير الضرورية.
  2. حوّل أجهزتك إلى الأبيض والأسود: هل تذكر الأجهزة الإلكترونية القديمة، كان استخدامها يقتصر على أداء بضع مهمات أساسية مثل الاتصال والمنبه، لذا اكتفى صناعها بلونين فقط هما الأبيض والأسود، فلم تكن بتلك الجاذبية والحيوية التي تضج بها الأجهزة الحديثة. لذا قد يساعد تغيير إعدادات الجهاز إلى درجات الرمادي في التخلص من الرغبة الشديدة بتفقدها.
  3. ضع هاتفك جانباً في أثناء تناول الطعام: في الحقيقة إن مجرّد وجود الهاتف على مرأى ناظريك على طاولة الطعام قد يشغلك ويدفعك إلى التفكير به ويحثك على تفقده، لذا احرص على وضعه بعيداً عنك خلال تناول الطعام أو حتى خلال جلساتك مع الآخرين.
  4. خصّص ساعات خالية من التكنولوجيا: حدد وقتاً معيناً يخلو من استخدام أي جهاز رقمي، مثل ساعات الغداء أو الدراسة أو الجلسات العائلية، أو في أثناء ممارسة الهوايات أو الأنشطة الشخصية التي قد تغنيك عن متعة الجهاز الإلكتروني.

اقرأ أيضاً: نصائح لتقليص الوقت الذي تقضيه في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي

  1. نظم غرفة نومك بحيث تكون خالية من الأجهزة الرقمية: حافظ على ما ترمز له غرفة النوم من راحة وهدوء بعيداً عن صخب الحياة وضجيجها. واستبدل بهاتفك جهاز تنبيه بحيث لا يكون هاتفك وما خزنته الليلة السابقة من إشعارات هو أول ما تراه عند الصباح.
  2. اقرأ الكتب الورقية: أشارت دراسة نشرتها مجلة البحوث في القراءة (Journal of Research in Reading)، إلى أن القراءة من الورق توفّر مشتتات أقل، وقراءة أكثر وعياً وكفاءة من القراءة عن الشاشة.
  3. اقتصر على شاشة واحدة: عندما تحاول العمل والتنقل في الوقت نفسه عبر تطبيقات وأجهزة مختلفة، فإنك دماغك يصبح مثقلاً ومشتتاً بالمعلومات. إن تعدد المهام فعّال، لكنه يستنزف مواردك المعرفية، ما يجعل من الصعب التركيز على المهمة الأصلية. وفقاً للباحث فوكس، في كل مرة تنتقل فيها من مهمة إلى أخرى، مثل التحقق من البريد الإلكتروني أو الرسالة النصية، يحتاج دماغك إلى عدة دقائق لإعادة التركيز.
  4. نظّم حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي: لتجنب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي السلبي على الصحة النفسية، قيّد المحتوى الذي تتابعه ليقتصر على ما هو مفيد ومهم ومريح بالنسبة لك. على سبيل المثال، يمكنك الحظر أو إلغاء المتابعة أو الصداقة أو كتم الإشعارات.

المحتوى محمي