ما هي الإسعافات النفسية الأولية؟ وكيف تقدمها؟

5 دقيقة
الإسعافات الأولية النفسية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تلخص استشارية الصحة النفسية، نيرمين أبو سبيتان، خطوات الإسعافات الأولية النفسية في تهدئة الشخص ومساعدته على أخذ نفس بطيء ومتكرر، ونقله إلى مكان أكثر هدوءاً وخصوصية، ثم سؤاله إن كان ثمة إمكانية لتقديم المساعدة، والاستماع إليه مع التأكد من أن نبرة صوتك تنم عن تفهم وتعاطف، وتوجيهه إلى الطبيب أو المختص النفسي ليساعده على التعامل مع مشكلاته التي يمر بها. وإليك في هذا المقال المزيد من المعلومات.

ربما تعلم إلى حدٍّ ما كيفية تقديم الإسعافات الأولية في حال رأيت شخصاً جُرِح أو حُرق أو وقع وتألم، سواءً كان الضغط على الجرح أو سكب ماء الصنبور على الحرق أو طلب المساعدة المهنية. لكن ماذا عن شخص يعاني من أزمة نفسية؟ الإسعافات الأولية النفسية، على غرار الإسعافات الأولية الجسدية؛ هي المساعدة الأولية التي تقدمها لشخص يعاني من ضائقة عاطفية أو نفسية، أو يعاني تفاقم مشكلة تخص الصحة النفسية، وذلك حتى يتلقى العلاج المهني المناسب. وإليك في هذا المقال كل ما ينبغي معرفته عن هذه الإسعافات وكيفية تقديمها.

اقرأ أيضاً: ما الآثار السلبية لزيادة الوعي بالصحة النفسية؟

تعرف إلى خطوات الإسعافات الأولية للصحة النفسية

يمكن للإسعافات الأولية النفسية أن تساعد الأشخاص الذين يعانون من إحدى الحالات التالية: اكتئاب أو مشكلات القلق أو ذُهان أو اضطرابات الأكل أو مشكلات الإدمان. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه التدابير أن تساعد الأشخاص الذين يمرون بأزمة نفسية؛ مثل: الأفكار والسلوكيات الانتحارية أو إيذاء النفس المتعمد غير الانتحاري أو نوبات هلع أو صدمة أو حالات ذُهانية حادة أو السلوكيات العدوانية. عادة ما يحتاج تقديم الإسعافات الأولية النفسية إلى تدريب على يد مدربين ومعتمدين؛ لكن حتى من دون تدريب، يمكنك دعم من حولك باتباع هذه الخطوات:

التعرف إلى العلامات 

تبدأ الإسعافات الأولية النفسية بالتعرف إلى علامات مشكلة الصحة النفسية الناشئة أو المتفاقمة وأعراضها. عموماً، إليك بعض الأعراض التي قد تشير إلى وجود مشكلة خطرة:

  • الهلوسة التي تظهر في سماع أو رؤية أمور غير موجودة.
  • تغيرات مزاجية شديدة.
  • الارتباك.
  • تفكير غريب أو غير عادي.
  • إهمال الرعاية الشخصية؛ مثل إهمال المظهر الشخصي والنظافة، وتناول الطعام على نحو سيئ.
  • انخفاض ملحوظ في النشاط.
  • سلوك مضطرب وغير منظَّم.
  • صعوبة في التركيز.
  • انسحاب كبير من قضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة.
  • انخفاض كبير في الأداء سواء في العمل أو الدراسة.
  • أفكار أو سلوكيات انتحارية.
  • إيذاء النفس غير الانتحاري (إيذاء النفس المتعمد).
  • الهياج الانفعالي.
  • مشكلات النوم.
  • تغيرات في الشهية أو الوزن.
  • الشعور بالذنب أو انعدام القيمة.
  • تغيرات في السلوك أو المشاعر مدة تزيد على أسبوعين.

لا تشير المعاناة من واحد أو اثنين من العلامات السابقة إلى وجود مرض أو اضطراب نفسي؛ لكن وجود عدة أعراض معاً قد يدل على ذلك، خصوصاً في حال أثَّرت هذه الأعراض في الأنشطة المعتادة؛ سواءً على مستوى العلاقات الشخصية أو الدراسة أو العمل. ومن المهم معرفة أن الأعراض قد تختلف من شخص إلى آخر، وينبغي عدم تجاهلها أو افتراض أنها ستختفي من تلقاء نفسها.

ومن الضروري أيضاً إدراك أنه لا يمكن تشخيص الإصابة بمرض نفسي إلا بواسطة متخصص في الصحة النفسية؛ لكن من المفيد أن تكون على دراية بالتغيرات التي قد تطرأ على مزاج الشخص أو سلوكه أو طاقته أو عاداته أو شخصيته؛ إذ إن الانتباه لهذه العلامات أمر ضروري من أجل التدخل المبكر.

اقرأ أيضاً: الأمراض العقلية بين الأعراض والأسباب وطرق العلاج

التحدث وتقديم الدعم

التواصل مع الفرد الذي يعاني من محنة نفسية أمر بالغ الأهمية. اقترب منه بهدوء، وحافِظ على التواصل البصري متحدثاً بنبرة هادئة. ابدأ بالتعبير عن قلقك الحقيقي، اسأله عما إذا كان بخير باستخدام ملاحظات محددة لشرح قلقك. من المهم أن تتحدث من وجهة نظرك الخاصة؛ بأن تستخدم ضمير "أنا" وليس "أنت". على سبيل المثال، قُل: "لقد لاحظت مؤخراً.."، أو "أشعر بالقلق بشأن.."، ولا تقل "يبدو أنك تنعزل.."، أو "أنت لا تأكل ولا تنام..".

تحلَّ بالصبر والتفهم، واسمح له بمشاركة مشاعره وأفكاره بالسرعة التي تناسبه، واحترم تفسيره الشخصي لأعراضه. كُن متفهماً وأظهِر التعاطف واستمع جيداً، وتجنَّب إعطاء النصائح أو تقديم الحلول أو محاولة تشخيص حالته. لا تلمه ولا تصدر أحكاماً في حال شارك معلومات يصعب سماعها أو فهمها.

حاول أن تشعره بالاطمئنان بأنه ليس وحيداً، وأعطه الأمل في الشفاء. ضع في اعتبارك المكان والزمان؛ أي اقترب منه في مكان مريح وفي وقت لن تتم مقاطعتكما فيه. أما وفي حال كان الشخص لا يريد التحدث معك، فشجعه على التحدث إلى شخص آخر يثق به.

استخدِم العبارات التي من شأنها أن تساعده على الشعور بالاستماع والتفهم. على سبيل المثال، "أنا هنا من أجلك"، "أستطيع أن أرى أن هذا وقت عصيب بالنسبة لك"، "لست متأكداً مما يجب فعله، لكني متأكد من أنه يمكننا حل ذلك معاً"، " ماذا يمكنني أن أفعل للمساعدة؟ فقط أخبرني كيف".

اقرأ أيضاً: ما أعراض التوتر المزمن؟ وكيف يمكن علاجه؟

معرفة ما عليك تجنبه

في بعض الأحيان وعلى الرغم من النية الحسنة، فإن ما تقوله أو تفعله قد يجعل الأمر أسوأ. لذلك وعند التواصل مع شخص تشك في أنه يعاني من أزمة نفسية، تجنب إخباره أن عليه تجاوز الأمر والتغلب على ما يشعر به، وحاول بأقصى استطاعتك ألا تكون عدائياً أو ساخراً أو لحوحاً أو مفرطاً في الحماية.

بالإضافة إلى ذلك، لا تقلل من مشاعره أو تتجاهلها، ولا تقلل من أهمية تجربته، كأن تطلب منه الابتسام والتصرف وكأن شيئاً لا يحدث. استخدم لغة تواصل تعزز التفاهم والتعاطف بدلاً من المساهمة في وصمة العار. وتجنب التسميات أو العبارات التي قد تؤدي إلى تفاقم شعور الفرد بالخجل أو العزلة. وأيضاً، لا تقل له "أعرف كيف تشعر"، أو "تجاوز الأمر"، أو "أنت تبحث عن الاهتمام"، "فكر بإيجابية".

اقرأ أيضاً: لا تعلّق على وزنه وأكله: إليك 5 جمل لا تقُلها للمصاب باضطرابات الطعام

تقييم السلامة ومخاطر الانتحار

تأكد من السلامة المباشرة للفرد ومن حوله، واتصل بخدمات الطوارئ في حال وجود تهديد مباشر على حياتهم. بالإضافة إلى ذلك، قيِّم خطر الانتحار، اطرح أسئلة مباشرة حول نواياه، أو لاحظ بعض العلامات التي قد تدل على ذلك؛ مثل:

  • التحدث عن الرغبة في الموت أو إيذاء النفس.
  • التعبير عن مشاعر اليأس.
  • التحدث عن شعوره بأنه عبئ على الآخرين.
  • التخلي عن الممتلكات الثمينة.
  • التعبير عن غضب أو عنف غير عادي.

خُذ نواياه على محمل الجد، واطلب خدمات الطوارئ إذا لزم الأمر. تأكد من عدم ترك الشخص بمفرده في حال وجود خطر مباشر.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يوصل الالتهاب المستمر مرضاه إلى الانتحار؟ دراسة حديثة تفسّر

تشجيع الحصول على المساعدة المهنية

شجع الفرد على طلب المساعدة من متخصصي الصحة النفسية؛ مثل المعالجين أو المستشارين أو الأطباء النفسيين. قدِّم له المعلومات الدقيقة والواضحة والمباشرة عن مكان للحصول على المساعدة، وكيفية الوصول إلى الخدمات.

وفي حال لم يوافق على الحصول على المساعدة، فحاوِل معرفة السبب؛ إذ قد يمتلك بعض المعتقدات الخاطئة المتعلقة بالمساعدة المهنية. أما وفي حال أصرّ على تجنب المساعدة المهنية، فأخبره أنه يمكنه اللجوء إليك إذا غيِّر رأيه. احترِم حقه في عدم طلب المساعدة إلا إذا كنت تعتقد أنه معرض لخطر إيذاء نفسه أو الآخرين.

اقرأ أيضاً: عقدة الناجي: لماذا نجوت أنا دون الآخرين؟

تقديم المساعدة العملية

في حال كان الشخص مقرباً منك مثل أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء، فاعرض عليه تقديم المساعدة العملية بناءً على احتياجاته الشخصية. يمكن أن يشمل ذلك مساعدته في الحصول على المساعدة المهنية، أو مرافقته إلى المواعيد، أو المساعدة في المهام اليومية، ما يعزز فكرة أنه ليس وحيداً وأن المساعدة متاحة.

فهم دور الحساسية الثقافية

ضع في اعتبارك العوامل الثقافية عند تقديم الإسعافات الأولية النفسية؛ إذ قد يكون للثقافات المختلفة وجهات نظر مختلفة حول الصحة النفسية، ويعد فهم هذه الفروق الدقيقة أمراً بالغ الأهمية عند تقديم الدعم الفعال.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الغربة في الصحة النفسية؟

التثقيف والتوعية

حاوِل نشر الوعي بقضايا الصحة النفسية في مجتمعك. ثقِّف الآخرين حول مشكلات الصحة النفسية وأعراضها، وأهمية طلب المساعدة، ودور الإسعافات الأولية النفسية، ما قد يسهم في الحد من الوصمة وخلق بيئة أكثر دعماً.

ختاماً، تذكَّر دائماً أن الإسعافات الأولية النفسية وعلى الرغم من أنها ضرورية، لكنها ليست بديلاً عن التدخل المهني. وثمة أمر آخر، اعلِم أن تقديم الإسعافات الأولية النفسية قد يكون أمراً مرهقاً عاطفياً؛ لذا من الضروري أن يمارس المسعِف الرعاية الذاتية ويطلب الدعم لنفسه عند الحاجة.