قيل "أحبِب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغِض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما". لكن هل من المعقول أن يتحول الحب إلى بغض؟ في الواقع، لكل إنسان تجربة هو أدرى بها؛ لكن ثمة أبحاث تقول إن الحب قد يتحول إلى كره في بعض الأحيان؛ بل وكلما كان الحب أعظم خلال العلاقة العاطفية، كان الكره أعمق بعد انتهائها، خصوصاً في حال حدوث خيانة. لنتعمق في فكرة تحوّل المشاعر هذه، وكيف تعلم إن كانت علاقتك العاطفية تقترب من الحد الفاصل بين الحب والكراهية، وماذا تفعل لضبطها.
محتويات المقال
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شريك حياتك الذي يدمر ثقتك بنفسك؟
أيعقل أن يتحول الحب إلى كره؟
أجل، معقول، وغالباً ما يحدث ذلك في العلاقات التي تسودها روابط عاطفية عميقة؛ إذ وجدت دراسة منشورة في دورية الحدود في علم النفس (Frontiers in Psychology)، أنه كلما زاد الحب الذي يشعر به الإنسان تجاه شريكه، زادت قوة كراهيته له إذا خانه، أما إذا كان الحب ضعيفاً أو غائباً منذ البداية فالخيانة لا تؤدي إلى الكراهية القوية.
والخيانة، وفقاً لما يقوله عالم النفس، مارك ترافرز (Mark Travers)، ليست فقط خيانة جسدية؛ بل هي خيانة للثقة من إهمال عاطفي أو إساءة أو هجر أو عدم التزام الشريك بإنجاح العلاقة. علاوة على أن الشعور بعدم المساواة في الاستثمار العاطفي قد يسهم في تحوّل الحب إلى استياء وكراهية في نهاية المطاف، سواء كان اختلافاً في الوقت أو الجهد أو الطاقة العاطفية التي يكرّسها الطرفان للعلاقة.
أما عصبياً، فقد تبيّن أن النظر إلى وجه شخص مكروه ينشِّط مناطق دماغية معينة، لا سيّما تلك المرتبطة بالعاطفة والحكم والتخطيط للأفعال، وتحديداً التلفيف الجبهي الإنسي، والبَطامَة اليمنى، والقشرة الحركية الأمامية، والفص الجبهي، والفص الجزيري الأوسط.
والمثير للاهتمام أن اثنتين من هذه المناطق، وهما البطامة والفص الجزيري، تنشطان أيضاً عند تجربة الحب الرومانسي. يشير هذا التداخل إلى أن الكراهية والحب، على الرغم من اختلافهما الشديد، يشتركان برابط بيولوجي عميق، ويمكن أن يتحول أحدهما إلى الآخر بسهولة.
في الواقع، قد تكون الكراهية أحياناً رد فعل تجاه الشخص الذي أحببته واستثمرت فيه حينما ينتهك اتفاقاً جوهرياً بينكما، مثل الانفصال مثلاً؛ أي قد تمثّل الكراهية آلية دفاع نفسية لحماية الذات من مشاعر الضعف وانعدام الأمان العاطفي وخيبة الأمل.
اقرأ أيضاً: ما بعد الخيانة الزوجية: كيف يتجاوز الشريكان هذه المحنة؟
4 علامات تشير إلى اقترابك من الحد الفاصل بين الحب والكراهية في علاقتك العاطفية
إذاً، يمكن القول إن ثمة شعرة تفصل بين الحب والكراهية، وقد يكون الحفاظ على علاقة عاطفية مستقرة صعباً في حال لم تتجنب هذا الخط الفاصل بينهما. أما الاقتراب من هذا الحد، فيمكن التنبؤ به من خلال ظهور بعض العلامات العاطفية والسلوكية، مثل:
- ازدياد شدة مشاعرك وتقلباتها: يعني أن مشاعرك تصبح قوية جداً لكنها متقلبة ومتطرفة، فمن المحتمل أن تشعر بحب جارف دون كراهية، أو كراهية دون حب، لكن من الأرجح أن تتدفق كلتا العاطفتين في آنٍ معاً أو تتناوبا بسرعة فيما بينهما.
- انغماسك في مظالم الماضي: عندما تقترب من الحد الفاصل بين الحب والكراهية، فقد تجد نفسك تفكر مراراً وتكراراً في الأوقات التي تعرضت فيها للأذى على يد الشخص الذي تحبه. سواء كانت سخرية بسيطة أو خلافات صغيرة أو كبيرة، تراك تعيد تذكُّر ما حدث باستمرار؛ فيصبح ألمك أعمق بدلاً من المضي قدماً، وقد يتحول إلى مرارة أو استياء أو كراهية.
- ازدياد غيرتك: قد تبدأ الغيرة نتيجة المودة الصادقة؛ لكن إن كان تقديرك لذاتك متدنياً، فقد تشك في استحقاقك للحب، ما قد يثير غيرتك دون سبب حقيقي، فتراك تراقب شريكك من كثب وتشعر بالقلق عندما يولي اهتماماً بالآخرين. وقد تتحول الغيرة المستمرة، مع مرور الوقت، إلى شعور بالكراهية تجاه شريكك لأنه لم يمنحك اهتمامه الكامل وحبه الخالص، وفقاً لمنظورك.
- شعورك بأنك تمتلك شريكك: تنبع الرغبة في التملك من انعدام الأمان الذاتي، وغالباً ما يؤدي إلى سلوكيات تحكمية. فقد تبدأ بمحاولة الحد من تفاعلات شريكك أو التأثير في خياراته، وقد يمتد الأمر لاحقاً إلى التحكم في علاقاته أو أنشطته أو حتى مظهره، وقد تشعر بالكراهية في حال قاوم شريكك محاولاتك للسيطرة عليه.
تشير هذه العلامات إلى أن الحب لم يعد مستقراً أو مُرضياً، بل مشحوناً بعدم الأمان والألم والارتباك.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شريك حياتك الشكاك؟
كيف تحافظ على علاقتك صحية دون التأرجح ما بين الحب والبغض؟
إليك أهم النصائح التي تساعدك على تجنب الوقوع في هذه المعضلة من تداخل الحب والكراهية في علاقتك العاطفية:
1. عزِّز احترامك لذاتك
عندما تُقدّر نفسك وتعرف قيمتك ولا تقبل بأقل مما تستحق، فلن تلجأ إلى شخص آخر يؤكد أهميتك باستمرار، ولن تسعى إلى إثبات ذاتك من خلال سلوكيات السيطرة أو العاطفة المفرطة. علاوة على أن التركيز على العناية بالذات والنمو الشخصي والتأمل الذاتي سيبعد تركيزك عن علاقتك على نحو صحي.
2. حافِظ على استقلالك العاطفي
على الرغم من أهمية التقارب العاطفي في العلاقات، ففقدان هويتك الفردية قد يؤدي إلى التبعية والاستياء، علاوة على أن الاعتماد الكبير على شريكك لتلبية احتياجاتك العاطفية أو الاجتماعية يزيد الضغط والتوتر. لذلك، اسعَ إلى تلبية احتياجاتك الخاصة بدلاً من الاعتماد على الآخرين لتلبيتها، ومارِس هواياتك، وحافِظ على صداقاتك وأهدافك خارج نطاق العلاقة.
3. تجنب اجترار الأفكار
قد يُحوِّل التفكير المتكرر في الأخطاء الجروحَ العابرة إلى استياءٍ طويل الأمد ويفاقم المشاعر السلبية. لذلك احرص على اللجوء إلى الحوار المباشر مع الشريك لتوضيح مشاعرك واحتياجاتك دون شكوى أو تذمر، وأصغِ إليه وإلى ما يزعجه، وحاولا التوصل إلى حلول وسطى ترضيكما كلما كان ذلك ممكناً. فضلاً عن ذلك، تُساعد ممارسة اليقظة الذهنية، واستراتيجيات تنظيم المشاعر في الحد من خطر التفكير المبالغ فيه.
4. تعرّف إلى حقوقك وواجباتك
قد يؤدي الالتباس بين مسؤولياتك ومسؤوليات الشريك إلى صراعات أو تبادل اللوم. وغالباً ما يحدث ذلك في العلاقات التي تفتقر إلى حدود واضحة؛ إذ قد يشعر الشخص بالإرهاق أو الاستياء لأنه يتحمل، دون وعي، أعباءً عاطفية ليست من مسؤوليته، أو يتوقع من الآخر إدارة أمور من المفترض أن يتولاها بنفسه.
لذا لا بد من التعرف إلى حقوقك ومسؤولياتك وحدودك، وأن تقبل حمل مسؤوليتها. وهنا تؤكّد المختصة النفسية ومعالجة الأزواج، نورة الصفيري، مرة أخرى أهمية الحوار بين الزوجين لتوضيح توقعاتهما واحتياجاتهما العاطفية.
اقرأ أيضاً: 3 علامات تشير إلى أن شريك حياتك لا يحترمك
5. اطلب العلاج النفسي عند الحاجة
إذا كنت تعاني تدني احترام الذات أو انعدام الأمان النفسي أو الغيرة، أو إذا كنت على حافة تداخل الحب والكراهية، فقد يكون العلاج النفسي مفيداً؛ إذ قد يساعدك على تنظيم مشاعرك الشديدة وتحسين التواصل مع الشريك، وكسر أنماط التفاعل العاطفي التي تؤدي إلى ديناميكيات الحب والكراهية.