لا يخلو متصفح الإنترنت من تطبيقات واختبارات لقياس نسبة الذكاء (IQ). يجد البعض متعة في معرفة المستوى الذي يحققه، وقد يتخذها وسيلة للترفيه أو التفاخر بين زملائه؛ لكن هناك نوعاً آخر من الذكاء لا يعبأ البعض بقياسه أو معرفة مدى تمتّعه به على الرغم من أهميته القصوى، ليس فقط في الدراسة والاختبارات؛ لكن في المواقف الحياتية اليومية التي تشكّل في مجموعها حياتنا بأكملها - إنه الذكاء العاطفي (EQ).
ما هو الذكاء العاطفي؟
الذكاء العاطفي هو القدرة على فهم عواطفك واستخدامها وإدارتها بطرق إيجابية لتخفيف التوتر، والتمييز بين المشاعر المختلفة، والتواصل بفعّالية، والتعاطف مع الآخرين من خلال استخدام العواطف لتوجيه الفكر والسلوك.
يساعد الذكاء العاطفي على بناء علاقات قوية، والتغلب على التحديات التي قد تعكّر صفوها. لذلك، فهو يساعد على النجاح في العلاقات الاجتماعية، ويُعتَبَر مؤشراً مهماً على التحصيل الأكاديمي، وكذلك النجاح في بيئة العمل، بالإضافة إلى النجاح في تحويل النوايا إلى أفعال، واتخاذ قرارات حكيمة.
مهارات الذكاء العاطفي
يتضمن الذكاء العاطفي أربع مهارات رئيسية:
- القدرة على إدراك المشاعر.
- القدرة على التفكير بالعواطف.
- القدرة على فهم المشاعر.
- القدرة على إدارة العواطف.
إن الأشخاص الأذكياء عاطفياً ينتبهون جيداً لما يشعرون به. يتضمن ذلك الوعي الذاتي أيضاً إدراك كيفية تأثير تلك العواطف والحالة المزاجية على الآخرين.
كذلك، فهم يفهمون كيف يشعر الآخرون؛ ما يجعلهم قادرين على اختيار الرد الأفضل في المحادثات والمواقف المختلفة. كما تمكنهم قدرتهم على تنظيم عواطفهم في التفكير قبل اتخاذ ردود أفعال مبنية على مشاعرهم؛ هم لا يجعلون مشاعرهم تتحكم بهم.
بالإضافة إلى ذلك، فالأشخاص الأذكياء عاطفياً تكون لديهم الدافع لتحقيق أهدافهم، وهم قادرون على إدارة سلوكياتهم ومشاعرهم من أجل تحقيق النجاح على المدى الطويل. لا يعني ذلك عدم شعورهم بالتوتر أثناء حدوث تغييرات مهمة وجذرية في حياتهم؛ لكنهم يعرفون أن إدارة هذا الخوف أمر مهم لاتخاذ خطوة أبعد لتحقيق أهدافهم.
علاوة على ذلك؛ يميل الأشخاص الأذكياء عاطفياً إلى امتلاك مهارات اجتماعية قوية، ربما لأنهم متناغمون بدرجة كبيرة مع مشاعرهم ومشاعر الآخرين، فهم يعرفون كيفية التعامل مع الناس بشكل فعّال، و يستثمرون في الحفاظ على علاقات اجتماعية صحية ومساعدة من حولهم على النجاح.
إن هؤلاء الأشخاص مستعدون وقادرون على مناقشة مشاعرهم مع الآخرين، كما أنهم لا يسعون لفهم المشاعر فحسب؛ بل يعرفون أيضاً كيف يعبرون عنها بشكل مناسب، مع تحديد الأسباب الكامنة وراء عواطفهم بشكل صحيح، ومن ثم النظر إلى الموقف، وتحديد المصدر الحقيقي لمشاعرهم بدقة.
لماذا يُعتبر الذكاء العاطفي مهماً في بيئة العمل؟
على الرغم من أنه في الماضي كان يُنظر إلى العواطف والذكاء على أنهما يتعارضان مع بعضهما البعض؛ إلا أنهما في حقيقة الأمر يتفاعلان ويؤثران معاً على الطرق التي يفكر بها الأفراد؛ وبالتالي على اتخاذهم للقرارات.
يؤثر الذكاء العاطفي على كيفية تفاعل الموظفين مع زملائهم، وكذلك يؤدي دوراً مهماً في كيفية إدارة الموظفين للضغط في بيئة العمل، كما أنه يؤثر في الأداء العام في الوظيفة والقدرات القيادية والرضا الوظيفي.
وفقًا لأحد الأبحاث التي درست آراء مدراء التوظيف؛ اقترح ما يقرب من 75% من المستطلعين أنهم يقدّرون معدل الذكاء العاطفي للموظف (EQ) أكثر من معدل ذكائه (IQ)، لاتساع نطاق تأثيره إلى المساعدة في تحسين الاتصال والإدارة وحل المشكلات والعلاقات داخل مكان العمل.
اقرأ أيضاً: كيف نتعرف على السمات المهيمنة على شخصياتنا؟
ابدأ بإدراك مشاعرك جيداً
في حين أن المهارات العاطفية قد تأتي بشكل طبيعي لبعض الناس من خلال بيئتهم الاجتماعية والتفاعلات اليومية؛ إلا أن هناك أشياء يمكن لأي شخص القيام بها للمساعدة في تحسين قدرته على فهم العواطف، وتحسين تلك المهارة من خلال التدريب والممارسة.
يكون ذلك الأمر مفيداً جداً في مكان العمل أو الدراسة؛ حيث تعتمد العلاقات والقرارات على الفهم الشخصي والعمل الجماعي والتواصل.
وجدت إحدى الدراسات أن المشاركين الذين تدرّبوا على تنمية الكفاءات العاطفية الرئيسية، أظهروا تحسناً في الذكاء العاطفي. كما شهدوا تحسينات في الرفاهية الجسدية والعقلية، وتحسين العلاقات الاجتماعية، وانخفاض مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر).
للحصول على تلك الفوائد التي يحققها الذكاء العاطفي؛ هناك خطوات رئيسية لتحسين مهاراتك في الفئات الخمس الخاصة به؛ والتي تشمل: الوعي الذاتي، والتنظيم الذاتي، والمهارات الاجتماعية، والتعاطف، والتحفيز.
1. كن أكثر إدراكاً لذاتك
من أولى الخطوات نحو استخدام مهارات الذكاء العاطفي بصورة فعّالة: التعرف على مشاعرك. من أجل التعرف على مشاعرك وفهم السبب الكامن خلفها؛ عليك أولاً أن تكون مدركاً لذاتك، وأن تنتبه لما تشعر به، وكيف تؤثر هذه المشاعر على طريقة ردك، وهل تؤثر الأشياء التي تشعر بها على القرارات التي تتخذها، أو على كيفية تفاعلك مع الآخرين.
عندما تفكر في هذه الأسئلة، ستصبح أكثر وعياً بمشاعرك والدور الذي تؤديه في حياتك اليومية.
2. قيّم نقاط القوة والضعف العاطفية لديك
حاول أن تقيّم مدى جودة تواصلك مع الآخرين، وما إذا كنت تواجه صعوبة أو تعاني من نفاد الصبر أو الغضب أو الانزعاج كثيراً في المواقف الاجتماعية. سيتيح لك ذلك التعرّف على نقاط ضعفك؛ والذي بدوره يوجّه انتباهك للبحث عن الطرق الأفضل للتعامل معها.
3. تذكر أن العواطف عابرة
قد يزعجك زميل في العمل، أو قد يمنحك رئيسك مهمة صعبة لإكمالها. قبل أن تنفعل وتبدي رد فعل، تذكر أن هذه الأشياء مؤقتة. اتخاذ قرارات متهورة بناءً على المشاعر القوية يمكن أن يضر بأهدافك ونجاحك على المدى الطويل.
اقرأ أيضاً: 9 علامات تشير إلى أنك تعاني من الاعتماد العاطفي
كيف تعزز ذكاءك العاطفي؟
ينخرط الأشخاص الأذكياء عاطفياً في عدد من العادات والسلوكيات التي تساهم في قدرتهم على إدارة عواطفهم وفهم مشاعر الآخرين.
لتحسين مهارات ذكاءك العاطفي:
- احتفظ بهدوئك وتقبل حقيقة أنك لا تستطيع التحكم في كل شيء.
- فكر قبل اتخاذ القرارات، ولا تدع العواطف اللحظية تطغى عليك، فيمكنك اتخاذ خيار أكثر هدوءاً وعقلانية إذا منحت نفسك الوقت الكافي للنظر في كل الاحتمالات.
- استمع جيداً لما يقوله الآخرون، وأظهر الانتباه، وقم بطرح الأسئلة وتقديم الملاحظات. يمكن أن يُظهر الاستماع الجيد أنك متحمس ومستعد للعمل مع الآخرين لإنجاز المهام وتحقيق الأهداف المشتركة.
- انتبه للتواصل غير اللفظي، فيمكن للإشارات التي يرسلها الأشخاص من خلال لغة جسدهم، أن تنقل الكثير عما يفكرون به.
- اصقل مهاراتك في الإقناع، فالقدرة على التأثير في مكان العمل أو الدراسة، وإقناع أعضاء الفريق والمشرفين بالاستماع إلى أفكارك، يمكن أن تساعدك أن تقطع شوطاً طويلاً في النهوض بحياتك المهنية أو الدراسية.
- تجنب الانخراط في النزاعات الصغيرة التي تسيطر أحياناً على بيئة العمل أو الدراسة، وحاول أن تركز على الاستماع إلى ما يقوله الآخرون، وابحث عن طرق لحل المشكلات وتقليل التوترات.
- حاول التركيز على الجوانب التي تستمتع بها في وظيفتك أو دراستك؛ مثل الشعور بالإنجاز الذي تحصل عليه عندما تكمل مشروعاً مهماً.
وأخيراً؛ الذكاء العاطفي هو وسيلة للنجاح، ويؤدي دوراً حيوياً في تحقيق الرفاهية الشخصية إلى جانب النجاح في الدراسة والعمل. لذلك، فاتباع السلوكيات التي تحسّن منه أمر ضروري سيؤتي ثماره في تحسين حياتك الاجتماعية والدراسية والمهنية.