تنقية الذهن: 4 خطوات لتطهير العقل من الشوائب وتحريره من القيود

4 دقائق
تنقية الذهن
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

كما نحتاج إلى ممارسة الرياضة لنعزز مرونتنا الجسدية فإننا بحاجة إلى رياضة روحية أيضاً نعزز من خلالها مرونة الفكر ونحرره ونقوم بتنقية الذهن، لذلك نقدم لكم من خلال السطور التالية 4 خطوات فعّالة في هذا الشأن.

1. مارس تنقية الذهن

تتمحور تنقية الذهن حول تنظيفه من الشوائب؛ لكن ما المقصود بالشوائب؟ نحن قلّما ننتبه إلى نظافة الروح كما ننتبه إلى نظافة الجسد إذ إننا نجهل الاضطرابات والإحباطات والأنماط والآليات التي تشكل دوافعنا، وهي شوائب عقلية تلوث النفس تماماً كما يلوث العرق والأوساخ أجسادنا، فتفرض قيوداً على حياتنا وفهمنا للواقع وبخاصة حكمنا على أنفسنا أو الآخرين. تحكم هذه الشوائب المزمنة الملوثة للعقل سلوكيات وأفكار الكثير منا، والإنسان ذو البصيرة فقط هو من يمكنه الانتباه إلى وجودها.

ربما يكمن حل العلل الإنسانية جميعها في التخلص من هذه الشوائب العقلية التي تصيب الأفراد ثم الأمة ككل. وعلى نطاق أصغر ولكن أكثر ضرراً يُعد التلوث العصبي في المدن الكبرى أيضاً مصدراً كبيراً لتراكم الشوائب العقلية مثل ضوضاء المحركات، والأضواء الكثيفة والاختناقات المرورية التي تؤدي إلى أضرار نفسية مزمنة. وكما نستحم قبل أن نخلد إلى النوم، فإننا يجب أن نغسل عقولنا من كل هذا التلوث.

من الجدير بالذكر أن بعض الدول والمؤسسات والسلطات وأفراد المجتمع يعمل على تعزيز التلوث العقلي، فينقله الآباء لأبنائهم والمعلمون إلى طلابهم ولكن مثلما نجحت ممارسات النظافة العامة في القضاء على الملاريا في العديد من البلدان، سيأتي بالتأكيد يوم يمكن فيه القضاء على هذه الأمراض المزمنة من خلال ممارسات النظافة الروحية العامة.

وإذا كانت النظافة الجسدية من البديهيات لأن نرى أجسادنا وما يلوثها بوضوح فإن الأمر ليس بتلك السهولة بالنسبة للنظافة الروحية التي تتطلب في المقابل وعياً بالذات.

2. تخلّص من الأفكار الراسخة

تترسخ الأفكار التي تحكم سلوكياتنا وتصرفاتنا في أذهاننا خلال مرحلة الطفولة والشباب ومنبعها هم أصحاب السلطة في حياتنا كالآباء والمعلمين ومؤسسات الدول الشمولية وصحافتها التي تسعى إلى السيطرة التامة على أفكار شبابها.

نحن نعرف كيفية تثبيت التطبيقات على هواتفنا وإلغاء تثبيتها عندما نرى أنها لم تعد تناسبنا، ومن هذا المثال يمكننا التفكير بفعل الأمر ذاته مع عقولنا، فإذا كان آباؤنا مثلاً قد غرسوا فينا فكرةً مغلوطةً فإن بإمكاننا عندما نكبر "أن نلغي تثبيتها". 

وبخلاف الفكرة السائدة عن المراهقة بوصفها مرحلة تخبط فكري، فإنها أفضل مرحلة يمكن فيها للفرد اكتشاف قدرته على التخلص من الأفكار الراسخة وتنمية وعيه بذاته ثم انتقاء الأفكار التي يريد تبنيها. ويمكن تشبيه هذه المرحلة بتلك التي يتعلم فيها الطفل أولى خطواته؛ قد يتعثر في البداية لكن هذا التعثر ضروري لتطوره وسينجح في نهاية الأمر لأن الإنسان لن يكون حراً ما لم يمتلك أفكاره.

يعيش الكثير من الناس على أفكار ملوثة ترسخت في أذهانهم سواء كان ذلك في الوعي أو اللاوعي ولذلك فإن بعضهم قد يلجأ إلى التنويم المغناطيسي للتخلص منها.

إن ممارسة تنقية الذهن هي السبيل لتحديد الأفكار البالية والخطيرة والقاصرة التي استقرت في ذهنك دون أن تعي. إحدى أولى الأفكار الراسخة التي عملتُ على التخلص منها هي إدماني على إثارة انتباه الآخرين فقد أدركتُ مثلاً أن المدرسة لم تعلمني البحث عن الحقيقة بل إرضاء سلطتها للحصول على المكافأة، ولو اضطرني ذلك إلى مخالفة الحقائق، وكانت هذه الفكرة راسخةً في نفسي إلى درجة أنني شعرتُ أن التخلص منها يعني انتزاع جزء من هويتي؛ ولكن الحقيقة هي أنّ طريق الإنسان نحو التحرر تبدأ باختياره الحر للأفكار التي تشكل ذاته.

3. تحوّل من حالة العجز المكتسب إلى القوة المكتسبة

يُعد العجز المكتسب أحد أكثر السلوكيات انتشاراً وتدميراً للبشرية، وهو يتجلى في شعور الإنسان بعجزه عن تنفيذ أمر ما أو عدم تمتعه بالجدارة اللازمة لذلك.

في حين أن القوة المكتسبة بخلاف ذلك تتيح للإنسان تجاوز كل الحواجز، وكما قال زبيغنيو بريجنسكي (Zbigniew Brzezinski): "قتل مليون شخص أسهل من أن تحكمهم"! وثمة مثال عن العجز المكتسب يعرفه حارسو الأفيال جيداً وتعلموا منه دروساً: يصعب جداً تقييد الفيل عندما يصبح بالغاً بسبب قوته لذلك يُقيد في صغره بسلسلة قوية جداً بالنسبة إليه، وخلال نشأته يقبل فكرة أن هذه السلسلة لا يمكن كسرها، فحتى حينما يصبح بالغاً ويتمتع بالقوة اللازمة لكسرها فإنه يمتنع عن ذلك فيظل مقيداً عقلياً ولا يحاول الهروب. والآن اسأل نفسك: كم لديك من هذه السلاسل العقلية؟

عندما تحاول كسر إحداها للمرة الأولى ستواجه مقاومةً شديدةً لشعورك أن هذه السلسلة أو القيد جزء من ذاتك وسيقول لك صوت في داخلك: "أخبرتك أنك لا تستطيع! لم يكن الأمر يستحق المحاولة"؛ لكنني أقول لك هنا: "ثابر ولا تستسلم فأنت أقوى بكثير من القيود التي رسختها التربية في داخلك".

4. تحلّ بالشجاعة لاكتشاف شغفك

نحن نُظهر أكبر قدرة ممكنة على المثابرة عندما نفعل ما نحب. يتذكر لاعب كرة السلة مايكل جوردان (Michael Jordan) دائماً عدد المرات التي فشل فيها، وكيف كان يرى فشله مضاعفاً لأن لا أحد غيره آمن بموهبته، فأفضل طريقة لكسر قيود العجز المكتسب هي أن تفعل ما تحب وتملأ نفسك بالشغف والحماس الذي يغذي روح المثابرة لديك.

كلما مارست تنقية الذهن أصبحت أكثر وعياً بالأفكار السلبية التي تطارد عقلك، ثم انتقلت إلى المرحلة التالية وهي التخلص منها شيئاً فشيئاً وبالممارسة سيزيد إدراكك لحالة العجز المكتسب، وستتحول إلى حالة القوة المكتسبة بدلاً منها ما يسمح لك بتخطي العوائق التي تحول بينك وبين تطوير نفسك في مجال تحبه كالرسم أو الموسيقى أو الرياضيات، وقد تتساءل بعد ذلك: "متى كانت آخر مرة بدأت فيها بتعلم شيء جديد؟". 

يفضل معظم الناس تجنب هذا السؤال فهو يُشعرهم بعدم الراحة لأنه يضع الإنسان في مواجهة مع قيوده العقلية التي تشل حركته وتسبب له الإحباط، ولهذا السبب لا أنصحك بطرح هذا السؤال على نفسك قبل ممارسة تنقية الذهن والتخلص من الأفكار الراسخة والتحول من حالة العجز المكتسب إلى القوة المكتسبة. 

وأقول لك إنّ هذا السؤال هو ما دفع العديد من المفكرين والمبدعين في عصر النهضة لممارسة عدة تخصصات بالتوزاي، فمن الغزالي ومايكل أنجلو إلى جيوردانو برونو وليوناردو و ريتشارد فرانسيس بيرتون، كان القاسم المشترك الأبرز بين متعددي الثقافات والتخصصات هؤلاء هو الشغف بالجديد الذي يُطلق عليه أيضاً "نيوفيليا" (Neophilia). لا يمكنك ممارسة هذا الشغف ما لم تومِن بقدرتك على ذلك بصدق وإخلاص، وهذه القدرة تنبع مباشرةً من حالة القوة المكتسبة.